عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

التمرد على العربية

في منتصف القرن التاسع عشر, وبالتحديد في العام 1857 عندما اتخذت الجمعية اللغوية في لندن قرارًا بوضع معجم كامل وشامل للغة الإنجليزية, كان أعضاء الجمعية يؤمنون بأنهم يقومون بمهمة مقدسة, فهذه هي اللغة التي أراد الله أن تكون لغة الإمبراطورية التي تسود العالم, والبحث خلف كل مفردة من مفرداتها والبحث عن جذورها وظلال معانيها وحفظها وتسجيلها سوف يزيد من قوتها, وقوة اللغة هي جزء من قوة الإمبراطورية الإنجليزية, وهكذا ولد قاموس أكسفورد وصدرت منه مئات الطبعات ومازال سائدًا ومعتمدًا حتى اليوم, وإذا كانوا هم قد نظروا إلى لغتهم هكذا, ورفعوها إلى مرتبة القداسة لمجرد أنها كانت اللغة الاستعمارية السائدة في ذلك الوقت, فما بالكم بلغتنا العربية التي هي أشد عراقة وقداسة, والتي يستمد القرآن الكريم لغته من مفرداتها, كيف يتم التفريط في مكانتها وإهمالها? إن العربية ليست مجرد لغة, ولكنها رمز لعقيدة إسلامية واسعة يعتنقها العرب وغير العرب, وقد حافظوا عليها طوال هذه القرون لأنها تربطهم بالمنبع الأول لهذه العقيدة, فكيف تهون علينا نحن العرب لهذه الدرجة? هذه هي القضية التي يخصها رئيس التحرير بمقاله الافتتاحي, ويناقش من خلالها محاولات إعلاء شأن الأقليات اللغوية في محاولة للتمرد على اللغة العربية الجامعة, فالاضطرابات البالغة الخطورة التي تسود منطقتنا, نقلت مضاعفات السياسة إلى قلب الثقافة, وبالرغم من أن معركة اللغة أقل نيلاً للعناية من قبل المراقبين والملاحظين, فإنها قضية اهل الثقافة التي يجب أن يتوقفوا أمامها, فهذا التمرد على اللغة العربية أخطر من أن يمر مرور الكرام.

وتضم صفحات هذا العدد أيضًا عددًا من القضايا الثقافية الأخرى, حيث ترحل (العربي) على صفحة نيل القاهرة لتقدم لنا رؤية شاعرية لهذا النهر واهب الحياة منذ مولد الزمان, ولكنها تثير أيضًا قضية الاعتداءات التي يمارسها البشر على هذا النهر كما لم يحدث طوال تاريخه, وتفرد (العربي) ملفًا خاصًا للأديبة الراحلة (مي زيادة) التي كانت واحدة من رائدات عصرها وكان ظهورها بداية لانتهاء الدور الهامشي الذي كانت تحتله المرأة العربية في ذلك الوقت, وتفتح (العربي) ملف قضية جديدة هي تلك الفجوة المعرفية التي يعانيها العقل العربي في كل نواحي حياته, وتجعله غير قادر على اللحاق بالعالم الذي يحيط به. هذه القضية الخطيرة سوف تتعرض لها (العربي) في عدة مقالات متتابعة, تتناول فجوة العقل العربي في المعرفة والاقتصاد والإبداع والإعلام يكتبها نخبة من المثقفين العرب, كل في تخصصه, وسوف تجمعها بعد ذلك في كتاب يلقي الضوء على هذا النقص الخطير في لحظتنا الراهنة. ولا تتوقف (العربي) عن طرح المزيد من القضايا, ولا عن مد القارئ العربي بزاده الشهري من الثقافة والفكر والإبداع.

 

المحرر