إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي

أغنيات ليست غرامية

تعرض لنا وسائل الإعلام المختلفة في كل يوم عشرات الأغنيات التي تتناول موضوعاً واحداً هو العلاقة الغرامية بين الرجل والمرأة وما يتخللها من أفراح وأحزان أو تفاهم وخصام. أغنيات متشابهة مكررة في موضوعاتها وحتى في ألحانها وأدائها وإخراجها. وبسبب كثرة هذه الأغنيات وتشابهها فإنها كفقاعات الصابون ترتفع إلى السماء ولكنها سرعان ما تنفجر وتختفي عن الأنظار.

يطلق على هذه الأغنيات خطأً مسمى (الأغنيات العاطفية) في حين أنها ليست سوى أغنيات غرامية, فالعاطفة لا تقتصر على الشعور الذي يربط كلا من الرجل والمرأة بل يتعداه إلى كل المشاعر الإنسانية. فحب الوطن عاطفة.. والتعلق بالقيم الأخلاقية والدينية عاطفة.. والعلاقة بين الأبناء والآباء عاطفة.. وعلاقة الإنسان بخالقه عاطفة. لذلك فليس من الصحيح أن نطلق صفة (العاطفية) على العلاقة الغرامية فقط ونستثني بقية العلاقات التي قد تكون أكثر سمواً منها.

تمتاز أغلب هذه الأغنيات الغرامية بتركيزها على الصفات البدنية للمحبوب بدلاً من الصفات الإنسانية والخلقية. وعندما نقول الصفات البدنية فإننا نقصد كل ما هو جسدي غرائزي. لذلك نجد من يفضل تسميتها بـ (الأغنية الجنسية). ونحن هنا نتساءل: أين الأغنيات التي تتغنى ببقية العواطف الإنسانية?

عندما تسمع إحدى الأغنيات الغرامية تشعر وكأن العالم يعيش في أمان وسلام ومحبة وأن ليس فيه سوى مشكلة هذين المحبين اللذين لم يتوصلا بعد إلى الانسجام اللازم بينهما, في حين أن العالم مليء بالمآسي الإنسانية والحروب والجوع والظلم. والحقيقة أن هذا النوع من الأغنيات يخدعنا ويضللنا لأنه يزيغ أبصارنا ويشغل عقولنا عن مشاكلنا الحقيقية.. إنه ينقلنا من عالم الواقع إلى عالم الخيال. قد يقول البعض إن هذه هي وظيفة الأغنية.. وظيفتها أن تبعدنا عن همومنا وأحزاننا.. أن تبعدنا (قليلاً) عن واقعنا المر حتى ننعم (بلحظات) من الفرح والبهجة. وهذا كلام مضلل لأن سعادتنا في معرفة واقعنا ومواجهته والعمل على إصلاحه وليس بالهروب منه والتخلي عن مسئولياتنا.

على المغني أن يختار موضوعات أخرى يتغنى بها.. موضوعات تمس واقعنا وتتحدث عن همومنا ومشاكلنا الحقيقية.. موضوعات تخالط أفراحنا وسرورنا.. موضوعات تربطنا بواقعنا ولا تسبح بنا في الخيال.. وهذه الموضوعات كثيرة وتستحق العناية. وفي حقيقة الأمر وحتى نكون منصفين, فإن المسئولية لا تقع فقط على المغنين بل على الشعراء الغنائيين أيضا, فهم المسئولون عن إبداع الموضوعات وصياغتها بأشعار يتغنى بها فيما بعد المغنون. ولكن رغم ذلك يبقى المغني مسئولاً عن اختيار الأفضل.

إننا اليوم, ومع الأسف, لا نجد (الأغنية الوطنية) التي تتغنى بهموم الشعوب وتبتعد عن مدح الحاكمين. ولا نجد (الأغنية الاجتماعية) التي تتحدث عن مشاكل الشباب وحالة الاغتراب وغيرها كثير. وكذلك لا نجد (الأغنية الدينية) التي من أبرز مهامها أن تجسد العلاقة بين الإنسان وخالقه.. أغنية دينية توضح بكلمات شفافة ورقيقة هدف الإنسان وغاية خلقه. ولعل هذا من الأمور التي يحتاج إليها شبابنا أكثر من حاجته إلى مشاكل العشق وهموم الغرام. ومن الجدير بالذكر أن كلا من الأنشودة والترنيمة تعد نوعاً من أنواع الأغنية الدينية والتي يجب أن نوليها اهتماماً كبيراً.

إن هذه الأنواع من الأغنيات, وغيرها الكثير, هي التي على الشعراء والمغنين أن يبدعوها ويتغنوا بها. إننا بحاجة إلى أغنيات ليست غرامية. ولأجل أن يتحقق هذا الغرض يجب أن يتوافر لدى الشعراء والمغنين (والفنانين عموماً) أمران: الأول- الرغبة في الابتعاد عن التخصص المفرط وبالتالي الحصول على الثقافة الموسوعية. والثاني- هدف نبيل يكافح لتحقيقه.

 

واثق غازي