عزيزي القارئ

ثمن الثقافة

  • عزيزى القارئ..

مرة أخرى، بعد عشرات المرات، جاءت إلينا في "العربي" رسالة من إحدى شركات الإعلان العالمية تسألنا: بكم الصفحة لديكم؟، وكالعادة أحلنا الرسالة إلى القسم المختص بها ونحن نعلم جيدا أن السؤال وإجابته غريبان في رحاب مجلة لم تضع الربح المادي هدفا لها، ولم تتعامل مع الإعلان إلا في إطار رسالتها الثقافية.ومع ذلك، عندما توقفنا أمام السؤال قليلا، راحت محاولة الإجابة تضيء سؤالا آخر: كم تساوي الصفحة في عالم الثقافة لدينا؟ أو: كم تساوي الثقافة في عالمنا العربي؟

وعكس ما يعتقد الكثيرون فإن الإجابة هي أن الثقافة تساوي الكثير، والكثير جدا حتى بلغة المحاسبة التجارية، فالثقافة انطلاقا من معناها المعجمي العربي، وحتى جذرها في اللغات الأوربية هي: تسوية المعوج، والحذق والمهارة، وثقف الأرض حتى تزرع.والثقافة في معناها العام هي الرؤية أعمق والرؤية بتعدد وجهات النظر واغتنائها.وفي هذا المعنى الأخير يكمن الثمن الحقيقي الغالي للثقافة.

فإذا كان العدوان- كل عدوان- هو تعبيرا عن فقر ثقافي لقيامه على الرؤية أحادية الجانب والاستبداد بالرأي الواحد ضيق الأفق، فإن خسائر العدوان الجسيمة- سواء كان في صورة إرهاب أفراد أو إرهاب دول- يمكن أن توفرها الثقافة، بإنقاذ كثيرين من الانزلاق في دوائر الإرهاب الصغيرة، وبمحاصرة دوائر الإرهاب الكبيرة بعدم التقبل والرفض.

وهكذا- عزيزي القارئ- تكون الإجابة مستقرة في ضمير "العربي": "إن الثقافة تساوي الكثير"، ولأنها كذلك، يهون في السعي إليها كل جهد حتى نضمن الحد المقبول من التنوع والعمق الذي لا تفريط فيه.

وفي هذا العدد يمضي التنوع في العلم من الرياح طاقة جديدة للقرن القادم" إلى " تنظيف الفضاء من المخلفات"، وفي الطب من "الجهاز المناعي" إلى "مقاومة السرطان"، وفي الفن من "زيارة لبيت فاجنر" إلى "الأفغان في السينما"، وفي الأدب من القصة البرازيلية "الشاطئ الثالث للنهر" إلى قصة الخيال العلمي "الهجرة إلى المستقبل".وفي إطار الاستطلاعات التي تضمن التنوع بطبيعة أدائها وغنى الألوان نذهب بلى "زائير مرثية البلاد المنهوبة" ونمر على "الوادي الجديد" وننتهي في "بالي..الفردوس الكامن خلف القناع" .

أما في اتجاه التعميق والتأصيل، فيطرح العدد "مداخل فكرية للنهضة الإسلامية"، ويناقش "قضية الترجمة العلمية"، ويعرض "إستراتيجية جديدة في التدريب والتطوير".

وفيما بين التنوع والتأصيل يجيء، "البيت العربي" ليؤكد هذه الرابطة، فيدرس "طبائع الأطفال في التراث العربي الإسلامي" لتكون قاعدة لرؤية نفسية في "طفلي وتكوين عاداته" ورؤية اجتماعية سياسية في "أخطار تهدد طفولة بلدان العالم الثالث".

وليس ذلك إلا مجرد إشارة لسعي هنا العدد، بينما الطموح في الأفق كبير..كبير.فيقيننا- عزيزي القارئ- أن الثقافة في رهاننا العربي ضرورة إنقاذ، واستثمار وفير الربح..للحاضر وللمستقبل.