يسبب المجهود الجسمي المبذول في ممارسة الرياضة حدوث تغيرات مرغوبة
في الأوعية الدموية وعضلة القلب, ويزيد السعة التنفسية للرئتين ويحسن حركة الأمعاء
ويضبط تركيز بعض الهرمونات المفرزة في الجسم ويساعد في الوصول إلى حالة اتزان
الطاقة في الخلايا ويحسن الوظيفة المناعية في الجسم ويزيد فعالية المركبات المضادة
للأكسدة الموجودة داخل الخلايا ويسرع إصلاح التلف في جزيء د.ن.أ الوراثي الموجود في
الخلايا, وجميعها قد يكون لها دور ما في الوقاية من حدوث السرطان.
وذكر خبراء في المعهد الأمريكي لبحوث السرطان فائدة ممارسة الرياضة
البدنية بشكل منتظم في تشجيع حدوث تغيرات داخل جسم الإنسان تقاوم الإصابة بالسرطان.
وأظهرت دراسات علمية حديثة تأثيرات وقائية بشكل خاص ضد حدوث سرطان القولون, وتساعد
الدراسات المخبرية والتجارب السريرية على فهم التغيرات الفسيولوجية التي تحدث داخل
جسم الشخص, عندما يمارس الأنشطة الجسمية بشكل منتظم. وفي عام 1997 نشر المعهد
الأمريكي لبحوث السرطان تقريراً تحليلياً على 4500 دراسة علمية ربطت بين نوعية
الطعام ومكوناته وحدوث السرطان, أكدت بشكل عام فائدة الرياضة البدنية في الوقاية من
حدوث هذا المرض. وأوضحت دراسات علمية أجريت خلال السنوات العشر الأخيرة انخفاض
معدل إصابة مجموعات بشرية كبيرة بالسرطان نتيجة زيادة نشاطها البدني خلال حياتها
اليومية, وهناك ضرورة استمرار الدراسات العلمية حول العلاقات المتوقعة بين ممارسة
الإنسان الرياضة البدنية وانخفاض خطر إصابته بسرطان القولون والثدي والبروستات
(الموثة), وأورام خبيثة أخرى لتأكيدها أو نفيها.
وتختلف تأثيرات المجهود العضلي الذي يبذله جسم الإنسان حسب طبيعته
وطول فترته وعدد مرات ممارسته, ويكون النشاط العضلي المبذول بمختلف شدته فعالاً ضد
حدوث مختلف أنواع السرطان. وبشكل عام تكون بعض أنواع الأنشطة العضلية أفضل من غيرها
والنوع المعتدل منها له تأثيرات مفيدة في تقليل خطر الإصابة بالعديد من أنواع
السرطان, فيلعب النشاط العضلي لجسم الإنسان دوراً في حدوث حالة اتزان الطاقة في
الخلايا للوقاية من حدوث السرطان, وتساعد الرياضة البدنية عموماً جسم الإنسان على
التحكم بأنظمته الحيوية دون تجاوز في عملها. وأجريت معظم الدراسات العلمية في هذا
الخصوص حول الدور الوقائي للنشاط العضلي المبذول بحدوث الإصابة بسرطان القولون
والثدي وبطانة الرحم في المرأة, وسرطان البروستات والخصيتين في الرجال, وسرطان
الرئة في كلا الجنسين. وحظيت بشكل خاص فائدة ممارسة النشاط البدني في الوقاية من
حدوث سرطان القولون باهتمام عدد متزايد من العلماء, ونشر عنها الكثير من التقارير
العلمية. وتستمر الدراسات العلمية حول تأثيرات شدة ونوعية الأنشطة العضلية المبذولة
للوقاية من مرض السرطان.
آليات فعاليتها
تعد الرياضة البدنية ذات دور وقائي من حدوث بعض أنواع السرطان نتيجة
تأثيراتها المرغوبة المتوقعة في الجسم وهي تشمل أساسًا ما يلي:
- لها تأثيرات على معدل إفراز هرمون الأنسولين في الجسم وعلى فعاليته داخل
الخلايا, كما تؤثر في إفراز هرمون بروستاجلاندين وتركيز حمض الصفراء وجميعها لها
تأثيرات على نمو وانقسام الخلايا السرطانية في أنسجة الجسم.
- تفيد ممارسة النشاط العضلي في إنقاص وقت انتقال فضلات الطعام عبر القولون إلى
خارج الجسم وبالتالي يقصر زمن الاتصال بين المركبات المسرطنة الموجودة في فضلات
الطعام والغشاء المخاطي المبطن للقولون. وقد يفسر ذلك العلاقة العكسية بين درجة
النشاط الجسمي للإنسان وخطر إصابته بسرطان القولون.
- وجود ارتباط شديد بين تركيز الهرمونات الجنسية المفرزة في الجسم وتكوين أورام
خبيثة في الثدي والرحم في النساء, وقد يؤثر النشاط البدني على عمليات الإنتاج
والأيض الغذائي في الخلايا وإفراز الهرمونات الجنسية داخل الجسم وبالتالي ارتباطها
الحيوي بتكوين هذه الأورام الخبيثة في الجسم.
- قد تفيد ممارسة الإنسان أنشطة عضلية في تقليل خطر إصابته بالسرطان, عن طريق
تأثيراته على مقدار وزن جسمه وتركيبه بجعلهما طبيعيين, فترتفع نسبة حدوث السرطان
بين ضحايا البدانة.
للوقاية من سرطان القولون
أشارت دراسات انتشار الأمراض Epidemiology studies على عينات عشوائية
من الرجال, إلى وجود علاقة قوية بين درجة نشاطهم الجسمي المرتبط بنوع المهن التي
يمارسونها وقلة معدل إصابتهم بسرطان القولون, فيقلل زيادة النشاط الجسمي للشخص على
شكل المشي السريع أو السباحة أو سواهما خطر إصابته بسرطان القولون. وأظهرت دراسات
علمية Meta analysis وجود ارتباط عكسي بين درجة النشاط العضلي المبذول للجسم وحدوث
سرطان القولون, وهذا يعني نقص خطر إصابة المرأة والرجل النشيطين بدنياً بهذا المرض
الخبيث إلى نحو النصف, بالمقارنة بأشخاص آخرين حياتهم كسولة.
وأشارت دراسة علمية حديثة إلى فائدة ممارسة الشخص 3-4 ساعات من المشي
السريع كل أسبوع في الوقاية من إصابته بالسرطان وخاصةً في القولون, وتتوافر أدلة
علمية عديدة تدعم التأثير الوقائي للنشاط الجسمي ضد حدوث هذا النوع من السرطان لكن
في غياب وجود علاقة له مع الإصابة بسرطان المستقيم.
وذكر بعض العلماء وجود أدلة علمية قوية عن علاقة ممارسة الرياضة
البدنية للوقاية من سرطان القولون واقترحوا عدة فرضيات علمية تفسر ذلك أهمها:
1- يتحرك الطعام في الجهاز الهضمي بسرعة أكبر في أجسام الأشخاص الذين
يمارسون أنشطة جسمية من آخرين حياتهم كسولة, وهذا يعني وجود أحماض الصفراء والمواد
الغذائية المسببة للسرطان وقتاً أقصر على اتصال مع الأغشية المبطنة لجدار القولون,
وبالتالي تقل شدة التلف الخلوي الذي قد تسببه ويؤدي إلى حدوث السرطان.
2- تحافظ الرياضة البدنية المنتظمة على تركيز الدهون الثلاثية وسكر
الجلوكوز وهرمون الأنسولين قريبة من حدودها الطبيعية ويؤدي وجود تركيز مرتفع من
السكر والدهون في الدم إلى تشجيع النمو الخلوي ونمو خلايا الدم بشكل خاص, ويمكن
للرياضة البدنية المنتظمة أن تقلل تركيز هرمون بروستاجلاندين ومركبات شبيهة
بالهرمون التي تشجع تكاثر الخلايا وتكون الخلايا التي تنقسم بسرعة أكثر احتمالاً
لتكوينها الورم الخبيث.
إنقاص الوزن
ترتبط بعض فوائد النشاط الجسمي للإنسان بتأثيراته على كتلة الجسم ككل
أو بمعنى آخر إنقاص وزن البدين للوصول إلى حدوده الطبيعية. وجاء في تقرير علمي عن
الصحة والتغذية أن الرجال البدناء أكثر احتمالاً بنسبة 33% للموت من السرطان عن
الأشخاص الآخرين ذوي الأوزان الطبيعية, كما أن النساء البدينات أكثر احتمالاً
للموت نتيجة السرطان بنسبة 55%, ويمكن أن يعزى هذا الاختلاف جزئياً إلى البيئة
الحيوية الخاصة للمرأة قبل توقف طمثها وقبل وصولها سن اليأس. ويفرز هرمون
استراديول, وهو أكثر الأشكال الفعالة لهرمون الاستروجين البشري رئيسياً في المبايض
قبل بلوغها سن اليأس ثم يتكون بعد توقف الطمث للمرأة بشكل كامل داخل الأنسجة
الدهنية في جسمها.
ويؤدي تراكم الدهون داخل أجسام النساء البدينات قبل سن اليأس إلى وجود
كميات مرتفعة من الأستراديول, وتربط بعض الدراسات العلمية حدوث ذلك بزيادة خطر
إصابتهن بسرطان الثدي, وتساعد ممارسة أولئك النسوة رياضة بدنية كافية في إنقاص
مخزون أجسامهن من الدهون, وتستطيع النساء اللواتي لديهن مخزون أقل من الدهون في
أجسامهن المحافظة على تركيز هرمون الاستراديول في مستواه الطبيعي لديهن.
ويحسن النشاط الجسمي للشخص كفاءة تهوية رئتيه ونفاذية الخلايا فيها
للهواء الذي قد يقلل تركيز المركبات المسرطنة الموجودة في المجرى التنفسي كما يقصر
فترة تفاعلاتها فيه, وحظي وجود ارتباط أو عدمه بين النشاط العضلي للإنسان وإصابته
بسرطان الرئة باهتمام عدد قليل نسبياً من العلماء. وأشارت الكثير من الدراسات
العلمية - وليس جميعها - إلى وجود علاقة عكسية بين مقدار النشاط الجسمي المبذول
للرجال وإصابتهم بسرطان الرئة, فقد يختلف الأشخاص الذين يمارسون أنشطة عضلية عن
الآخرين الكسالى في حياتهم في استعدادهم الوراثي وعاداتهم الغذائية وتدخينهم
السجائر وشربهم المُسكرات.
ضد سرطان الثدي
أشارت نتائج دراسة علمية حديثة إلى فائدة ممارسة الأنثى للنشاط العضلي
في سن مبكر مثلاً, فقد يكون له فعالية في تقليل خطر إصابتها بسرطان الثدي, وأظهرت
دراسات علمية حديثة على مجموعات من النساء حول دور النشاط المهني وزيادة النشاط
المنزلي في نقص معدل حدوث سرطان الثدي وصل إلى حوالي 30% ويعتمد ذلك على طول وشدة
الأنشطة العضلية التي يمارسنها, لكن كانت نتائج مثل هذه الدراسات العلمية أقل
استمرارًا من تأكيد علاقة الرياضة البدنية بالوقاية من حدوث سرطان القولون, وقد
يعكس ذلك وجود علاقة أضعف أو اختلاف قوة هذا الارتباط خلال مراحل حياة المرأة في
زيادة خطر إصابتها بسرطان الثدي, مثل عوامل تكاثرية Reproductive factors ومقدار
معامل كتلة جسمها B.M.I. -أي شكواها من البدانة-, وأشارت بعض الدراسات العلمية إلى
وجود علاقة بين ممارسة المرأة نشاطًا جسميًا كافيًا خلال حياتها اليومية, ونقص خطر
إصابتها بسرطان الرحم.
لاحظ الأطباء خلال مراقبتهم الأشخاص الرياضيين احتواء دمائهم على
تركيز أقل من هرمون تستوستيرون من الأشخاص العاديين وهو يقلل معدل حدوث الإصابة
بسرطان البروستات, مما أدى إلى ظهور فرضية علمية جديدة أشارت إلى أهمية ممارسة
النشاط الجسمي في الوقاية من حدوث هذا النوع من السرطان.
وأظهرت دراسات علمية أخرى أن الأشخاص الذين يمارسون رياضة السباحة أو
الركض 15-20 ميلاً كل أسبوع بشكل مستمر مثلاً يقلل معدل إصابتهم بسرطان البروستات
ويأتي ترتيب هذا المرض في الموقع الأول بين أمراض السرطان بالولايات المتحدة,
بينما عارضت دراسات علمية أخرى وجود علاقة إيجابية للرياضة البدنية ضد حدوث هذا
المرض الخبيث, وقد يفسر عدم توافق نتائج هذه الدراسات العلمية مع بعضها, نتيجة
الاختلاف في موعد اكتشاف حدوث هذا المرض, كما كانت نتائج الدراسات العلمية حول
علاقة حدوث سرطان الخصيتين بالرياضة البدنية متعارضة.
وقد ظهر حديثاً اهتمام متزايد بتشجيع ممارسة النشاط العضلي في علاج
وتأهيل ضحايا مرض السرطان, فيمكن للنشاط البدني تقليل احتمال إعادة حدوث السرطان
بعد استئصاله أو علاجه كيماوياً, كما يزيد فرص حياة ضحايا هذا المرض عن طريق زيادة
حركة أجسامهم وتقليل شعورهم بالتعب, وتعزيز الوظيفة المناعية في خلايا أجسامهم.
خلاصة القول
ذكر الكثير من العلماء وجود علاقة عكسية بين النشاط الجسمي المبذول
وحدوث الإصابة بالسرطان, وواجهت الدراسات العلمية حول العلاقة الدقيقة بينهما
عوائق عديدة ومنها ما يخص قصر طول فترتها وضعف دقة اختيار حالاتها والاختلاف في
مراحل حدوث السرطان للأشخاص الذين أجريت عليهم, لكن مازالت طبيعة التعديلات
المثالية المطلوبة في حياة الإنسان وشدة النشاط العضلي المطلوب منه بذله, وطول
فترته وعدد مرات ممارسته بهدف وقايته من الإصابة بالعديد من أنواع السرطان خلال
مختلف مراحل عمره, تحتاج إلى مزيد من الدراسة والبحث.
وبلاشك يفيد تشجيع الناس على ممارستهم أنشطة بدنية كافية بشكل يومي
كالمشي والسباحة وركوب الدراجة لفوائدها في تقليل خطر حدوث بعض الأمراض المزمنة مثل
مرض القلب الإكليلي ومرض السكر غير المعتمد على الأنسولين, كما لها دور وقائي ضد
حدوث الإصابة ببعض أنواع السرطان, وهناك ضرورة لإجراء المزيد من الدراسات العلمية
حول علاقة النشاط الجسمي بحدوث أنواع من الأورام الخبيثة, مثل بطانة الرحم
والبروستات والرئة والدم.