عشاق العمارة الإسلامية.. 25 عاما على جائزة أغاخان

عشاق العمارة الإسلامية.. 25 عاما على جائزة أغاخان

جائزة معمارية أصبحت هي الأهم على الساحة الدولية, على الرغم من اقتصارها على المشاريع المعمارية التي تعكس ثقافة وحضارة المجتمعات الإسلامية. مر عليها ربع قرن منذ انطلاقها, لكن خلال دوراتها - ومنذ الدورة الأولى - أثارت تساؤلات, بل حيرت العلماء في مجالات التخطيط العمراني والعمارة والحفاظ على المدن القديمة, والاجتماع والفلسفة والاقتصاد... فأي جائزة تلك التي تثير كل هذا?!

رحلتنا مع الجائزة تجعلنا نقف أمام متناقضات عدة, فأبراج المياه في الكويت تفوز بها, ومدرسة في قرية بوركينا فاسو تفوز بها, وتحصد مشاريع الحفاظ على التراث في القاهرة والقيروان وبخارى والحفصية الجائزة, بل حتى مزرعة دواجن في غينيا تحصل على الجائزة نفسها, ومن متناقضات هذه الجائزة فوز منشآت معمارية تعبر عن الحداثة والمعاصرة كمعهد العالم العربي في باريس, وبرجا بتروناس في كوالالمبور بماليزيا ومكتبة الإسكندرية في مصر.

وللحدائق نصيب أيضاً في هذه الجائزة كحديقة الأطفال في حي السيدة زينب في مصر وحديقة باغ فردوس في طهران.

البداية

في العام 1978 بدأت الجائزة أولى دوراتها التي تستغرق الواحدة منها ثلاث سنوات من العمل المتواصل من خلال لجنتين إحداهما توجيهية تضع الأطر العامة, والمذكرة التوجيهية للجنة التحكيم, وأعلن في العام 1980 عن الفائزين بأول دورة من الجائزة, لتتابع دوراتها إلى العام 2004, وفي كل دورة يقام احتفال ضخم للإعلان عن الفائزين في أحد المعالم الإسلامية, حتى أضحى هذا الحدث مترقباً بعد كل دورة, فمن غرناطة للقاهرة, لأجرا, لحلب... إلخ, أعلنت الجائزة, والتي عادة ما يصاحبها نقاش نقدي مفتوح حول المشاريع الفائزة, وهو ما رسخ قيمتها في الأوساط العلمية الدولية, إذ إن النقاش الدائر فيها بين أعضاء لجنة التحكيم واللجنة التوجيهية, وكبار المعماريين والنقاد الفنيين وعلماء الاجتماع والآثار, كثيراً ما ينتج عنه الارتقاء بمستوى الجائزة من دورة إلى أخرى.

جائزة للابتكار

تصدم جائزة الأغاخان في كل دورة من دوراتها المترقبين لها بإعلان فوز مشروع غير متوقع بها, كان هذا منذ بدء الدورة الأولى, وكانت أولى المفاجآت هي فوز أبراج المياه بالكويت بالجائزة, رأت لجنة التحكيم أن هذه الأبراج المستوحاة شكلاً من مرشة ماء الورد العربية, هي محاولة جريئة لدمج التقنيات الحديثة, والقيم الجمالية والاحتياجات الوظيفية, والخدمات الاجتماعية في منشأة عامة.

تقوم هذه الأبراج التي افتتحت العام 1979 على لسان من الأرض ممتد داخل الخليج العربي يسمى رأس عجوزة, وهى عبارة عن ثلاثة أبراج متدرجة الارتفاع, الرئيسي منها ارتفاعه 185 مترا, وهو ينقسم إلى كرتين الأولى, وارتفاعها 75 متراً هي الكرة الكبرى وبها مطعم ومقهى للوجبات الخفيفة والمرطبات, وقاعة للاحتفالات, والنصف السفلي منها خزان للمياه, تعلوها كرة كاشفة تدور دورة كاملة كل نصف ساعة, تتيح للرواد مشاهدة معالم الكويت من هذا الارتفاع الشاهق من زوايا متعددة.

أما البرج الثاني, وارتفاعه 147 متراً, فهو غير متاح للجمهور, حيث يستخدم لتخزين المياه, وغطيت كرة هذا البرج بصفائح مصقولة من الفولاذ ذات ألوان ساطعة وسطح لامع لتعكس أشعة الشمس الذهبية, استلهمت هذه الفكرة من الأسطح المرصعة بالفسيفساء في القباب الإسلامية. أما البرج الثالث, وارتفاعه 113 متراً, فهو الأصغر, ومهمته إنارة الأبراج الأخرى عن طريق كشافات كهربائية, وباقي الأبراج وعددها ثلاثون, صممت على شكل نبات الفطر.

وجائزة للتنمية

مثَّل النهوض بالأحياء الفقراء محوراً آخر مهما, وقد فاز مشروع النهوض بالبنية التحتية للأحياء الفقيرة لمدينة أندرو الهندية, حيث أَدى تدفق السكان على المدينة إلى نشوء أحياء فقيرة عشوائية, نشأت على ضفاف نهري خان وساراواتي, ولم تكن شبكة البنية التحتية تخدم سوى 5% من سكان المدينة. لم يقتصر المشروع على مد شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي, بل امتد ليشمل مراكز خدمات اجتماعية, كل هذا تم بالمشاركة الفعالة بين بلدية أندرو وسكان العشوائيات في تفاعل انعكس إيجابياً على الارتقاء بالبيئة العمرانية وبجماليات العمارة في المدينة, وهذا ما أدى إلى حصول المشروع على جائزة الآغاخان للعمارة.

أما أكثر المفاجآت التي تلقاها النقاد المعماريون, فهي فوز مدرسة لتربية الدواجن (كينديا) بغينيا بالجائزة, يعود الفضل في إنشاء هذه المدرسة إلى الفنلندية (كيفكاس) التي تعاونت مع القرويين في كينديا لإدخال المزيد من البروتين في طعامهم. طبقت في عمارة المدرسة حلاً معماريًا متناهي البساطة, يستجيب لحاجة المستفيدين ويحدث وسائل البناء المحلية ويهذبها, ويفتح مجالات عديدة للفلاحين المجاورين لتحسين طريقتهم في البناء للاستفادة المادية لهم ولجيرانهم من الاضطلاع بتربية الدواجن في غينيا. شيدت المدرسة من ثلاث بنايات, فصل للدراسة ولتربية الدواجن, وجناح للدارسين يسع 12 دارساً, وجناح للمعلمين. وتلتف هذه البنايات حول ساحة في وسطها شجرة, وقد طور كبير البنائين التقليديين في هذه المدرسة تقنيات جديدة في البناء, حيث أدخل مواد تزيد من صلابة ومتانة البناء التقليدي وبدأ هو نفسه في توظيف هذه التقنيات في صور مختلفة جديدة.

الحدائق تفوز أيضاً

امتدت جائزة أغاخان لتشمل قائمة الفائزين بها مشروعات الحدائق, التي يعكس معظمها تعددية وظيفة المكان, للتنزه والثقافة وممارسة الفنون. ومن أوائل الحدائق الفائزة حديقة الأطفال الثقافية في حي السيدة زينب بالقاهرة, ذلك الحي الشعبي التاريخي المكتظ بالسكان, أطفاله كانوا محرومين من الخدمات الترفيهية, فجاء مشروع وزارة الثقافة المصرية لإقامة حديقة على مساحة 12.500 متر مربع, ويضم مكتبة وورشًا معملية وأماكن لممارسة الفنون المختلفة فضلاً عن محلات جانبية لبيع الحرف التقليدية, بمنزلة انطلاقة جديدة في مفهوم ودور الحدائق في مصر, وهي تجربة تكررت, وإن بصورة مختلفة في أماكن متفرقة في مصر.

أما في إيران فقد عكس تنوع حديقة باغ فردوس في طهران تنوع الثقافات في إيران, واندماجها في مجتمع واحد, الحديقة مترامية الأطراف على 30 هكتارا بارتفاع متدرج يصل إلى 300 متر, مما جعل مهندسي الحديقة يدمجون بين تدرج النباتات والدرج الصاعد, هكذا تحولت تلك الحديقة التي تحمل اسم الشاعر الكبير الفردوسي إلى واحة غناء تلهم أهل طهران الجمال وتبعث فيهم السرور, فاستحقت لذلك الفوز بإحدى جوائز الآغاخان للعمارة.

كانت استانبول في ظل الدولة العثمانية تنعم بحدائق غناء في قصورها, لكن مع سقوط آل عثمان واستيلاء الدولة على قصورهم, فقدت الحدائق رونقها, إلى أن تعاونت العديد من المؤسسات لإعادة 30 موقعاً متفرداً للحدائق إلى رونقها, لكن هذه المرة لكي تفتح للجمهور, ولتكون نموذجاً لإعادة الاستخدام الأمثل للحدائق التاريخية. ومن أبرز الحدائق التي أعيدت لها حيويتها حديقة ضلمه باشي وبيلرباي. ومن اللافت للنظر أن القائمين على المشروع استخدموا الوثائق الأرشيفية للقصور العثمانية للاستدلال بها على أصول الحدائق ومخططاتها.

إحياء المدن التراثية

كان فوز العديد من مشروعات الحفاظ على المدن التراثية بجوائز الأغاخان, بمنزلة بداية لإلقاء المزيد من الأضواء على طبيعة وفلسفة الحفاظ على هذه المدن, فعلى الرغم من وجود تجارب عديدة للحفاظ على تراث المدن الإسلامية, فإن القليل منها حظي بالنجاح, يعود ذلك إما لقلة الخبرات أو تضارب القرارات أو سوء تقنيات الترميم, ولكن وقفة مع المشاريع الفائزة بالجائزة عبر دوراتها المتعاقبة, يتيح لنا رؤية أوسع لتجارب متنوعة تستحق الدراسة والتأمل.

مثّل مشروع الحفاظ على مدينة بخارى القديمة بفوزه بالجائزة تحدياً للعديد من المشاريع التي رصدت لها ميزانيات ضخمة, فالمجتمع المحلي متضامناً مع بلدية بخارى ومعهد الترميم في أوزبكستان الكل تشاركوا في الحفاظ على مدينة تضم ما يزيد على الخمسمائة أثر منها 24 مدرسة و 48 مسجداً و14 خاناً و9 أصرحة وقلعة وعددًا من الحمامات والمنازل القديمة والقنوات المائية, وباستخدام تقنيات ترميم تتطابق مع المواد الأصلية وبتأسيس البنية التحتية من كهرباء وماء وصرف صحي, أعيدت الحياة مرة أخرى للمدينة, فالخانات بدأت تعود إليها الحياة كمراكز تجارية, وعادت مدرسة مير عرب لممارسة دورها, وانتعشت الحرف التقليدية.

برنامج إعمار القدس

للقدس - كمدينة - تاريخ استثنائي, طويل ومتنوع, وبالرغم من أهمية المدينة فإن نسيجها الحضري مهدد بسبب الازدحام المتزايد والخدمات الرديئة وغياب الصيانة, وجاء برنامج إعمار البلدة القديمة في القدس بهدف إعادة تأهيل البلدة والحفاظ على تراثها وخلق نوعية حياة أفضل لساكنيها. تقوم بالبرنامج مؤسسة التعاون وهي مؤسسة غير حكومية مقرها جنيف, وتضم متخصصين في مجالات مختلفة مثل العمارة والهندسة والتخطيط والتاريخ والاقتصاد, وضعوا جميعاً خطة لإعادة تأهيل البلدة القديمة تحتوي على عدد من المكونات المتتامة: خطة إعمار, ترميم طارئ, ترميم كلي, تدريب في مجالات الحفاظ المعماري, برنامج للتواصل مع المجتمع, ومركز المعلومات.

أبرز ما نجح فيه المشروع هو إحياء دار الأيتام, وهي منشأة شيدتها خاصكي سلطان زوجة السلطان سليمان القانوني, وتضم خمسة مبان متتالية أبرزها تكية للدراويش, المنشأة تحولت إلى مطعم ومركز تدريب حرفي, ومركز للحاسب الآلي وأعيدت للأجزاء الدينية منها حيويتها.

الظروف التي أحاطت بالمشروع, خاصة من جانب الحكومة الإسرائيلية, فضلا عن محدودية ميزانيته, كل هذا كان حافزاً للقائمين عليه للاستمرار فيه, وفوزه بالجائزة هو تكليل لسنوات من العمل الدءوب في ظروف قاهرة.

الترميم المعماري

انتهجت لجنة تحكيم جائزة أغاخان منهجاً أكثر تخصصاً في منح الجائزة, فإذا كانت المشاريع السابق ذكرها كبخارى والقدس وغيرها كالحفصية ودرب قرمز في القاهرة تركز على إحياء المدن التاريخية, فإن الجائزة منحت أيضاً لمشاريع رممت أثرًا بعينه , لأسباب قد تعود إلى فلسفة الترميم في حد ذاتها, كما هو الحال في قصر العظم الذي جاء ترميمه نموذجاً لإعادة بناء أثر مدمر, فالترميم هنا عني بإعادة البناء وفق الأصل القديم, وقصر العظم أحد معالم دمشق حالياً, وهو يمثل البيت الشامي بكل معالمه ومميزاته المعمارية والزخرفية.

فلسفة قريبة من السابقة, وإن كانت أقرب إلى الأصول الأثرية منها إلى التصوير كما حدث في قصر العظم, هذه الفلسفة استخدمت في ترميم الجامع العمري في صيدا, الذي يعد رمزا للمدينة يعود للعصر المملوكي البحري, دمر المسجد نتيجة للعدوان الإسرائيلي العام 1982م, ونتيجة لرغبة دائرة الأوقاف بالمدينة والمسئولين عن الآثار وبتمويل أهلي, أعيد ترميم المسجد ليعود لحالته قبل العدوان, فوز المشروع بالجائزة بمنزلة تتويج لنجاح مشروع الترميم ولتكاتف المجتمع لإعادة لأحد رموزه المعمارية.

وهناك العديد من المشاريع التي فازت بالجائزة نتيجة لاتباعها المدرسة التقليدية في الحفاظ على الأثر كما هو, مثل مشروع ترميم المسجد الأقصى ومشروع مسجد العباس في اليمن.

المأوى للفقراء

إذا كانت مشاريع البنية الأساسية للأحياء الفقيرة حظيت بالعديد من الجوائز, فإن ما هو أهم منها, هو إثارة الجائزة للعديد من التساؤلات عقب كل دورة من دوراتها حول (مأوى الفقراء) فلا تمر دورة إلا ونجد حلاً مبتكراً لمشكلة (المأوى السكنى) فالعالم الإسلامي ككل يعتبر فقيراً, لذا فإن توفير مأوى رخيص جيد إنساني, هو بعدٌ تراعيه الجائزة من خلال إبراز عدد من التطبيقات اللاتقليدية, وحفز المجتمعات على الاستفادة منها وتطبيقها.

من المغرب خرجت العديد من التجارب الناجحة في هذا الاتجاه, كان أبرزها مشروع حي الأمان الذي مثل أكبر مشروع سكني في ثمانينيات القرن العشرين بالمغرب, فقد نجح المعماريان عبد الرحيم الشرعي وعبد العزيز لزرق في إقامة مجمع سكني يتسم بالاتساق المعماري وقوة الشخصية والخصوصية السكنية بطريقة منسجمة روعيت فيها الاحتياجات الثقافية للأهالي وتطلعاتهم. يتكون المجمع من 4022 وحدة سكنية في خمسمائة بناية على مساحة 285000 متر مربع, استغرق تنفيذ المشروع ثلاثين شهراً, وانتهى قبل الموعد المحدد له بشهرين, وبتكاليف أقل من التكاليف المقدرة بنسبة 15%.

في العام 1989 برز مشروع سكني وحيد ضمن 240 مشروعاً, لقي إعجاباً جماعياً من كل أعضاء لجنة التحكيم منذ أول لحظة.

بنك جرامين

كان هذا هو المشروع الوحيد (ضمن 240 مشروعاً متسابقاً) الذي لقي إعجاباً جماعيا من كل أعضاء لجنة التحكيم من أول لحظة: وذلك لحساسية وعبقرية المفهوم الذي نسج حوله بنك جرامين هذا المشروع الإسكاني الفريد. ففي هذا المشروع, في واحد من أفقر أقطار العالم, تلتقي رحمة الإسلام مع مثابرة فلاحي بنجلاديش المسلمين المعدمين, مع تفاني العاملين في بنك جرامين, في محاولة خلاقة مبدعة لتحسين حياة الملايين. فبنك جرامين هو جمعية أهلية غير حكومية, أعضاؤها هم الفلاحون المعدمون أنفسهم, الذين ينضمون إليه من خلال اشتراك زهيد. ومن مجموع هذه الاشتراكات بدأ البنك في منح قروض صغيرة بلا ضمانات, لأعضائه بعد سنوات قليلة من انضمامهم, وذلك لتمويل نشاطاتهم الاقتصادية المتواضعة, والتي تزيد من دخولهم. وقد نجح هذا المشروع الأول, لا في رفع مستويات الدخول فقط, ولكن أهم من ذلك في المعدل المرتفع جداً في تسديد أقساط القروض.

وشجع ذلك بنك جرامين, عام 1978, على توسيع مجال القروض لكي يشمل بناء مساكن جديدة متواضعة, ولكنها صحية, وذات مقاومة عالية ضد أخطار الفيضانات والسيول (المتكررة في هذا الجزء من العالم). وقروض الإسكان هذه لا تزيد في المتوسط عما قيمته 350 دولاراً أمريكياً. وتشمل أربعة أعمدة خرسانية (لزوايا المسكن), ومرحاضًا صحيًا سابق التصنيع.

أما بقية مستلزمات بناء المسكن ومساحته وشكله فتترك جميعها لكل مقترض. وخلال السنوات العشر التالية, استفاد حوالي 45000 من فلاحي بنجلاديش من هذه القروض, وبنوا بها حوالي 45000 من المساكن الريفية الصحية والمتنوعة, ولكن تجمع بينها البساطة في التصميم الداخلي والجمال في المظهر الخارجي. وأهم من هذا وذاك هو العملية الاجتماعية - الاقتصادية التي صاحبت برنامج الإقراض الإسكاني, فقد انخرط الرجال والنساء والأطفال في مشروع إسكان بنك جرامين على قدم المساواة في كل من النشاط الاقتصادي ونشاط بناء المسكن, وتحسنت الأحوال الصحية والتعليمية كثيراً في غضون هذه العملية, واستمر معدل الوفاء بتسديد الأقساط أعلى منه في أي مكان في العالم (حيث يصل إلى أكثر من 98%).

إن ما بدأ في بنجلاديش كبرنامج لقروض الإسكان الريفي قد تحول بالفعل إلى عملية شاملة متكاملة للتنمية الاجتماعية - الاقتصادية. وقد استرعى النجاح الباهر لمشروع بنك جرامين انتباه كل المتخصصين الجادين في شئون التنمية. وفي عام 1985 طلبت حكومة ولاية أركنساس بالولايات المتحدة من بنك جرامين أن يرسل إليها بعثة فنية للمساهمة في تخطيط برنامج النهوض بالفلاحين الفقراء في أركنساس. وبإلهام من تجربة جرامين, بدأ بنك التنمية الوطني في كل من محافظتي دمياط والمنيا بجمهورية مصر العربية يحاكي تجربة منح القروض للفقراء بلا ضمانات من أجل مشروعات استثمارية صغيرة. إن درس النجاح هذا يكمن في (المفهوم) الذكي وراء المشروع وعملية المشاركة الشعبية الحقيقية فيه. وهذا الدرس يمكن محاكاته لا تقليده حرفياً في كل العالم الإسلامي والعالم الثالث.

التعبير المعماري المعاصر

لم تقع الجائزة في أسر التراث المعماري الإسلامي, بل كانت هناك العديد من التساؤلات من قبل لجانها, حول التعبير المعماري المعاصر للعمارة في العالم الإسلامي, لذا كان البحث عن الأشكال الجديدة التي تعبر عن الثقافة الإسلامية المعاصرة, هدفاً لها, من هنا نستطيع أن ندرك أسباب فوز العديد من المشاريع التي قدمت روحاً مغايرة درجت كلية العمارة الإسلامية طوال عصور عديدة عليها, هذه الروح اختلفت في الشكل وإن استلهمت المضمون الإسلامي في تصميماتها, ومن أبرز هذه المشروعات:

مكتبة الإسكندرية

تعد مدينة الإسكندرية ميناء مصر الرئيسي, وتشكّل مركزاً صناعياً وتجارياً ضخماً ومنتجعاً صيفياً مهماً. في عام 1974, بدأت جامعة الإسكندرية بحملة لإعادة بناء المكتبة القديمة مختارة الموقع الحالي للمكتبة الذي يُعتقد أنه قريب من الموقع الأصلي للمكتبة. وفي عام 1988, أطلق الرئيس المصري حسني مبارك المشروع على مستوى وطني, فنظمّت الحكومة المصرية بالتعاون مع الاتحاد العالمي للمعماريين مسابقة دولية لتصميم المكتبة فازت بها الشركة النرويجية سنوهتا في عام 1989. وقد نفذّت حفريات أثرية مفصّلة في موقع المكتبة قبل بدء إنشاء المكتبة في عام 1995. وتم افتتاح المكتبة في الأول من أكتوبر عام 2002.

وقد صُمِّمت المكتبة على شكل قرص مائل يرتفع من الأرض ويضم أربعة مستويات تحت سطح الأرض وسبعة مستويات فوق سطح الأرض. ويضم المجمع الثقافي للمكتبة قاعة قراءة رئيسية, تحتوي على ألفي مقعد للقرّاء, وست مكتبات متخصصة, وثلاثة متاحف, وسبعة مراكز بحثية, وثلاثة معارض دائمة, وقاعات للمعارض الفنية, وقبة سماوية, وقاعة للاستكشافات, ومركزًا كبيرًا للمؤتمرات وساحة للحضارات, ومكاتب إدارية, وكافتيريا, بالإضافة إلى جميع الخدمات اللازمة في مثل هذا المجمّع. كما أن المكتبة تستقبل حوالي 800.000 زائر سنوياً. وللشكل الدائري للمكتبة أهمية رمزية كما أن الحوائط الخارجية للمكتبة مكسوّة بأربعة ألاف كتلة من الجرانيت نقشت عليها حروف أبجدية من لغات عديدة.

قاعة القراءة الرئيسية عبارة عن حيّز واحد مفتوح يتكون من ثماني مستويات كل منها يحتوي على قسم خاص بموضوع معين, بدءاً بأصول المعرفة (الفلسفة والتاريخ والدين والجغرافيا) وانتهاءً بأحدث التقنيات.

إن أساس المكتبة هو أكثر أجزاء المشروع ابتكاراً. فالانغمار الجزئي للمبنى لعمق ثمانية عشر متراً تحت سطح الأرض في موقع بالقرب من البحر يثير مشاكل إنشائية جديّة. ويعد الجدار الدائري الحاجز للمكتبة الأضخم من نوعه في العالم, حيث يبلغ قطره مائة وستين متراً وارتفاعه خمسة وثلاثين متراً. وقواعد المبنى فريدة في كونها مصمّمة على شكل خوازيق شدّ مع قاعدة فرشة (لبشة) ثقيلة في الجانب الجنوبي وخوازيق ضغط كي تأخذ الوزن في الجانب الشمالي.

أحد أكثر مقوّمات المبنى نجاحاً هو استخدامه للضوء الطبيعي الذي يُستمد من خلال الألواح الزجاجية على السطح. وقد تمت دراسة توجيه سطح المبنى بعناية, باستخدام الكمبيوتر, خلال مرحلة التصميم بحيث يسمح بدخول أعلى مستويات الإضاءة الطبيعية دون نفاذ ضوء الشمس المباشر إلى الداخل.

ويتصل مبنيا المكتبة والقبّة السماوية على مستوى تحت سطح الأرض, تحت الساحة العامة, بمركز مؤتمرات قائم, بينما يمتد جسر مشاة فوق الساحة بين الجامعة والطريق الساحلي.

حصل المبنى على الجائزة لأنه يظهر طريقة مبتكرة لتصميم ووضع شكل ضخم ورمزي في أحد أهم الواجهات البحرية في العالم. بدءا بفكرته, مروراً بالمسابقة الدولية لتصميمه, وحتى تصميمه وإنشاؤه بواسطة عدّة شركات عالمية, وكذلك في إدارته الحالية. يقدم المشروع نموذجاً تتوحد به جهود المجتمع الدولي ويتم فيه تشجيع التعاون والالتزام من المجتمع بأكمله.

المبنى مبتكر على نحو ملحوظ من الناحيتين المعمارية والإنشائية, وهو يستجيب بحساسية لطيف واسع من القضايا, بما في ذلك السياسة والدين والثقافة والتاريخ. تم استخدام تقنيات متقدّمة لاحتواء التحديات التقنية في إنشاء مشروع كبير الحجم كهذا بالقرب من حافة الماء وضمن محيط حضري والتعامل معها فإن الشكل يوفر نظاماً واضحاً ويخدم بشكل جيّد التنوع الغني في البرامج التي يشتمل عليها, كما أنه يقوم بدور محفز للتحسينات في المدينة كلها.

إن مكتبة الإسكندرية مكان يدعو لقيم التسامح, ويحتفي بالشمولية بكل جهودها اللامتناهية لدعم التعلم والحوار بين الشعوب والثقافات.

ومعظم مستخدمي المكتبة هم من طلاب جامعة الإسكندرية والمدارس المحلية. وقد انعقد في المجمّع عدّة مؤتمرات لاقت اهتماماً إقليمياً وعالمياً, مما يرفع من أهمية المدينة بأكملها. وقد لعبت المكتبة دور المحفز لتحسينات في المدينة بأكملها, مثل تجديد الطرق وبناء الجسور وتطوير الفنادق. وتعد المكتبة معلماً تقدميّاً للبلد بأكمله يُعيد مصر على الخريطة كمركز مفتوح وحديث للتبادل الثقافي.

برجا بتروناس

تعهّدت الحكومة الماليزية في عام 1981 بتطوير موقع مساحته 40 هكتارًا في قلب حي الأعمال الناشئ في مدينة كوالالمبور (المثلث الذهبي). وفي عام 1991, عقدت مسابقة دولية لتصميم مجمع أبراج مكاتب وفاز فيها المعماري سيزار بيلي وشركاؤه.

ويمثل برجا بتروناس حاليا القطع المركزية من مجمّع مركز مدينة كوالالمبور ذي الاستعمال المختلط, الذي يقع في قلب المنطقة التجارية في المدينة. بارتفاعهما 452 متراً, أُقِر البرجان في عام 1996 كأطول مبنيين في العالم من قِبَل مجلس المباني العالية والموطن الحضري. المشروع في المقدمة تكنولوجياً, وهو ذو شكل مشتق من نموذج شكلي إسلامي, واستخدِمت فيه المواد المحلية بشكل واسع. وقد أصبح البرجان مثالاً رائجاً للعمارة المعاصرة في ماليزيا, وشكلهما الأنيق يجعلهما أهم معلم حضري في البلد.

يعد برجا بتروناس, أطول برجين في العالم, حيث يبلغ ارتفاع كل برج 88 طابقا, 452 مترا فوق سطح البحر. كما تبلغ مساحة البناء المستغلة في هذا المشروع 341.760 مترًا مربعًا. وعلى ارتفاع 170 مترًا يربط جسر معلق طوله 58. 4 مترا بين البرجين عند الطابقين 41 و42. والجسر مدعم بذراعين مائلين عند طرفي الجسر ومثبتين في البرجين ويبلغ طول الذراع الواحد 6.42 متر ويزن كل منهما 60 طنا. كذلك فالبرجان متصلان عند القاعدة ليشكلا مجمّعاً تجارياً وترفيهياً من ستة طوابق مع فناء مركزي. يمتد من الفناء (شارعان) على طول محورين متقابلين صُفَّ على جانبيهما أكثر من 300 محل تجاري, ومقهى, ومطعم. إضافة لذلك, يضم المجمّع قاعة حفلات موسيقية تتسع لـ880 شخصاً, ومعرضاً للفنون, ومكتبة متخصّصة, ومركز استكشاف علمي تفاعلي, وكذلك موقف سيارات تحت سطح الأرض يتسع لـ 5400 سيارة.

إضافة إلى ما سبق فقد تمت كسوة البرجين بطبقة من الفولاذ المقاوم للصدأ بلغت مساحته 65 ألف متر مربع من ألواح الفولاذ. كما تم استخدام ما مساحته 77 ألف متر مربع من الزجاج. أما فيما يتعلق بالبناء فقد استخدم ما حجمه 160 ألف متر مكعب من الإسمنت المسلح, بالإضافة إلى 13 ألف متر مكعب أخرى من الإسمنت المسلح أيضا استخدمت كأساسات أسفل كل برج من البرجين وهو يعادل وزن 32.550 طنا.

الإنشاء الذي يرتكز عليه كل من البرجين يتكوّن من حلقة من ستة عشر عموداً أسطوانياً من الخرسانة المسلحة عالية القوة, موضوعة في الزوايا الداخلية للمسقط الأفقي نجميّ الشكل لتشكّل (أنبوباً ليّناً). والأعمدة مرتبطة مع بعضها البعض بواسطة جسور حلقية مقوّسة صُنعَت أيضاً من الخرسانة الإنشائية. أقطار الأعمدة تبلغ حوالي 2.4 متر عند قاعدة المبنى, ولكنها تستدق أثناء صعودها خلال طوابق المبنى, كما أنها تميل نحو مركز البرجين. وفي وسط كل برج قلب مربع يحتوي على مصاعد وممرّات رأسية للخدمات الميكانيكية وخدمات أخرى, وتمتد من هذا القلب جسور نحو أعمدة المحيط. يحتل القلب 23% من المسقط الأفقي, وهي نسبة منخفضة بالمقارنة مع ناطحات سحاب أخرى. يتكون نظام الأساسات لهذين البرجين من قاعدة فرشة (لبشة) بسماكة 4.5 متر ترتكز على خوازيق احتكاك مستطيلة يتراوح عمقها من 40 متراً إلى 105 أمتار. يحتوي كل برج على 29 مصعدا سريعا يسير بسرعة تتراوح بين 3.5 إلى 7 أمتار في الثانية. بالإضافة إلى ذلك توجد في المجمع 10 سلالم كهربائية تعمل على تسهيل حركة الانتقال داخل أروقة البرجين.

حصل هذا المشروع على الجائزة لأنه يمثل اتجاهاً جديداً في تصميم ناطحات السحاب, متضمناً تقنيات متقدّمة بينما يرمز إلى الطموحات المحليّة والوطنية. يجسّد المشروع العديد من الابتكارات التي تتراوح من استخدام الخرسانة عالية القوة غير المألوفة لتسهيل تكوين نظام إنشائي (أنبوبي ليّن), إلى توظيف فكرة نقل رأسي مبتكرة ودمج أحدث أنظمة الحفاظ على الطاقة. إن نجاح هذا المشروع يكمن في الطريقة التي يجمع بها هذه الإبداعات التقنية بينما يولّد شكلاً رشيقاً يستجيب بشاعريّة لمحيطه الأكثر اتساعاً. لقد أصبح هذا البناء أيقونة تعبّر عن تطوّر المجتمع الماليزي المعاصر وتعتمد على التقاليد الغنيّة للبلد لتشكّيل مدينة عالمية.

جائزة الرئيس

على مدار 25 عاماً كان أصعب فرع في الجائزة, هو جائزة الرئيس, وهي جائزة خاصة تعطى لمعماري قدير, لإسهاماته غير التقليدية, ولابتكاراته. ثلاثة فقط فازوا بهذه الجائزة, كل منهم له أسلوبه المتميز وهم:

حسن فتحي

لقي حسن فتحي شهرة واسعة في العالم بسبب إصراره على تقديم عمارة بديلة ورفضه المطلق للنقل الحرفي من العمارة الغربية, إن ما تميز به حسن فتحي عن غيره هو إحساسه المرهف بالإنسان الذي يبني من أجله العمارة, فجاء كتابه الأكثر شهرة عمارة الفقراء ليتحدث عن عمارة البسطاء وتجربتهم, التي ترسخت عبر قرون طويلة من التجربة. عانى حسن فتحي من عزلة أفكاره, ولكنه كان ذا رؤية عميقة ومبادئ ثابتة واضحة اعتبرها البعض مغالاة في الجوانب العاطفية, كان يدعمها إيمان عميق بمفاهيم, أصبحت مقبولة على نطاق واسع اليوم كمفهوم العمارة البيئية. ونحن ننسى اليوم أن هذه المفاهيم كانت تعتبر ثورية حين نادى بها حسن فتحي.

ولد حسن فتحي عام 1900 , وتخرج في المهندسخانة, وذاعت شهرته في عدة مجالات, منها الفن والعمارة, أو البيئة أو تعمير الصحراء, أو الثقافة المحلية, أو التراث والحضارة, أو الأصالة والمعاصرة, أو التكنولوجيا المتوافقة, وهي لا تذكر إلا وذكر اسم حسن فتحي, وهذا يجعلنا أمام عبقري, فقد كان ذا ثقافة واسعة ومتعددة الجوانب, له دراية بعدة لغات, وله عدة هوايات يجيدها إجادة تامة, كالشعر والرسم والتصوير وتربية الخيل وغيرها, وهو ما ساعده على تكوين رؤية متعددة الجوانب والأبعاد, وإلى تكوين عقلية متوقدة ووجدان مرهف الشعور, وكل هذا جعل منه تركيبة فريدة, وعبقرية نادرة تجسدت في رؤيته للعمارة والإنسان والعلاقة بينهما.

كانت أبحاثه ودراساته لا تنتهي, ودأبه على العمل متواصلاً بالرغم من كونه لا يسعى للحصول على شهادة أو مكانه علمية, بل لم يكن يؤمن بأن الغرب بإمكانه أن يعطيه شهادة أو أن يتعلم منهم أو يجد عندهم ما يبحث عنه, ويرى أن أعمال الأساتذة والممارسين المتأثرين بثقافة الغرب, هي أعمال متفرنجة وغريبة عن المكان, وعن ثقافتنا. وهذا ما دعاه في وقت كانت فيه الغالبية العظمى من رواد العمارة في عالمنا العربي والإسلامي, من الأجانب والعرب يعملون على الأصول الغربية, دعاه إلى البحث والدراسة في عمارتنا المحلية, كالعمارة التلقائية, خاصة في النوبة والمدن الصحراوية والعمارة المصرية والعمارة الإسلامية, ووجد فيها حلولا فنية وتقنية غاية في الجمال والكفاءة, ووجد فيها أبعادا لم تكن تحظ بالاهتمام على الساحة, ولم يتعرض لها العلم الغربي, وجد أبعادا تراعي البيئة وتستطيع توفير مناخ لطيف دون اللجوء إلى تكييف الهواء صناعيا, وحلولا تتعامل مع أنشطة الإنسان الحياتية, وتؤصل ثقافته وتنميها, وبها من الإبداعات ما لا يمكن حصره وكأنها ترجمة لشخصية الإنسان المسلم ورؤيته للحياة. ويعبر عن ذلك بكلماته (إذا كنت إنسانا عربيا أصيلا أسمر الوجه, أسود الشعر, أسود العينين, فإن بنات أفكاري تكون مثلي لأنها نابعة مني, أما إذا ظهرت بنات أفكاري بيضاء اللون, شعرها أصفر, وعيونها خضراء, فإنها تكون غريبة عني ويقال عليها بنت حرام). والحال في العمارة كذلك فإذا كنت عربيا مسلما ولي ثقافتي وخصائصي الطبيعية, ولي متطلبات معيشتي وأسلوب حياتي, فإن العمارة التي أحيا فيها يجب أن توافقني وتشابهني.

وإذا كان العلم المتشعب المتشابك مع الأبعاد الفنية يشكلان معا أرضية خصبة لظهور الأفكار فإنها تظل في دور النظريات والدراسات, ولا تكتمل إلا بتجربة عملية, بمحاولة تنفيذ والتحقيق على أرض الواقع, وباحتكاك فعلي مع الإنسان والمكان والإمكانات.

وهذا ما قام به حسن فتحي, فكانت أفكاره وفلسفاته في احتكاك دائم بين النظرية والتطبيق, الحلم والواقع, وكانت البداية في مدينة الأقصر في سنة 1942 لإنشاء قرية القرنة الجديدة لينتقل إليها أهالي القرنة بعيدا عن وادي الملوك الأثري. حاول حسن فتحي في هذا المشروع تطبيق فكرة البناء الجماعي, بأن تتحول عملية التعمير إلى عملية ذاتية تنبع من الناس أنفسهم بثقافتهم, وباستخدام المواد المتاحة لهم وهي الطين, وبتقنية بسيطة لا تعتمد على الميكنة المستوردة.

وتجربة مشروع القرنة لم تكتمل ولم يقبلها الكثيرون إلا أنها تعتبر نموذجا يدرس اليوم في المعاهد الهندسية في العالم, حاول حسن فتحي فيه إعادة إرساء العلاقة بين المالك والمهندس المعماري والحرفي, وفسر محاولته هذه بأن مشاريع البناء الرسمية, تقوم إدارة التصميم بإعداد كل الرسومات التفصيلية وتسلمها إلى أحد المقاولين, الذي يكون عليه أن يتبعها بالحرف, تحت إشراف المهندسين المعماريين في الموقع. أما في القرنة فقد كان حسن فتحي يقوم بدور المصمم والمشرف والمقاول. وكان البناءون ملمين بكل عمليات الإنشاء مثلهم مثل المهندس المعماري نفسه. وهكذا فإن كل ما كان على حسن فتحي هو أن يرسم المساقط الأفقية على الأرض للبيوت المنفردة, وأن يعطي البناءين الارتفاعات, والرسومات المظللة لبلوكات المجاورة العائلية.

ويذكر حسن فتحي عن هذه التجربة أن من أعظم مزاياها استخدام طرق البناء التراثية والعودة بالحرفيين إلى عمل الفريق مع المهندس المعماري, عندما يفعل المهندس ذلك يتحرر من أعمال كان قد أخذها على عاتقه بلا ضرورة.

نبعت تجربة القرنة من نظرة خاصة لحسن فتحي للتراث, فالتراث عنده هو المماثل للعادة عند الفرد, وهو في الفن له التأثير نفسه بأن يحرر الفنان من القرارات الحيوية. وما إن يتم اتخاذ قرار فني, بصرف النظر عن وقت اتخاذه ومن الذي اتخذه, فإنه لا يمكن أن يتخذ مرة أخرى على نحو مفيد, والأفضل أنه ينبغي أن يمرر إلى مخزن العادة العام. فلا يشغلنا لأكثر من ذلك.

وقد توفي حسن فتحي في منزل على لبيب التراثي الذي كان به مكتبه وإقامته في حي القلعة في القاهرة عام 1989.

رفعة الجادرجي

منحت جائزة الرئيس من جائزة الأغا خان للعمارة في عام 1986 للمعماري رفعة الجادرجي, تقديرا لمساهماته في العمارة في العالم الإسلامي. ويعتبر الجادرجي أحد المعماريين النادرين الذين صبغوا أعمالهم بتفهم عميق لجذور التعبير الإقليمي الأصيل, مع تقدير صادق للحداثة ومبادئها, كما أظهر قدرة فريدة في بلورة الشكل والوظيفة وترجمة الصيغ المعمارية التقليدية إلى تعبيرات معاصرة. استخدم الجادرجي في أعماله مواد القرن العشرين, وأنتج نوعا فريدا من العمارة المميزة لشخصه وللعمارة الإسلامية.

تخرج الجادرجي في المدرسة الإنجليزية, ولكنه لم يجد فيها النماذج التي يمكن أن يتجه إليها أو يستوحي منها تصميماته, حتى وضع لنفسه قاعدة تقول: (إن التجارة والتطورات الدولية تميل إلى إيجاد قاعدة لعمارة اليوم التي تخدم في المقام الأول العمارة العالمية التي تهدم العمارة المحلية والإقليمية والقومية. وعلى جانب آخر فإن تكنولوجيا البناء الحديثة أصبحت ضرورة للتطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للدول النامية) ويستطرد الجادرجي قائلا: (إن إنكار تكنولوجيا البناء الحديثة معناه تأخر التنمية, ولكن لكل تقدم جانبه السلبي. ويعني ذلك ـ في مجال التشييد ـ مواد وطرق الإنشاء التي لا تتناسب مع أنواع التكنولوجيا التقليدية أو الطرز المحلية). ويضيف رفعة الجادرجي: (إنه إذا كان لكل مرحلة خصائصها فيجب أن يكون لكل مرحلة أشكالها المعمارية الخاصة. ومع الوقت تستقر هذه الأشكال إلى أن تكون في مجموعها طرزا معينة تميز هذه المرحلة) ومع ذلك فهو يفصل بين الوضع بعد الثورة الصناعية على أنها حدث جديد في تاريخ الحضارة, فيقول: (إن عصرنا الحالي يجب عدم الحكم عليه على أنه ليس إلا حلقة من حلقات التطور التاريخي للطرز المعمارية, وذلك لأنه ينفصل تماما عن الماضي, الأمر الذي تسبب في أزمة حادة في العمارة خاصة في الدول سريعة النمو والدول حديثة الاستقلال) ويرى رفعة الجادرجي الحاجة إلى التنظيم والتحكم في التطور التكنولوجي بالطريقة التي تحقق الحلول البيئية والثقافية الخاصة في المواقع المحددة, وهو ما يسميه ( الحداثة الإقليمية).

إن الجادرجي لم يؤثر فقط على المعماريين المبتدئين في العراق وتركيا ومصر, بل إنه عمل طويلا وبإخلاص من أجل تكوين معنى نقدي عميق لمكونات التطبيق المعماري في العالم الإسلامي اليوم. وبفضل إحساساته النقدية واتجاهه الفكري نحو إبراز المفاهيم المعمارية الثقافية, أصبح الجادرجي مستقلا عن غيره من المعماريين الذين يمارسون العمارة في العالم الإسلامي. فجوهر أعماله هو فهمه الواعي للتعمق اللازم في عملية التطوير الفكري للتصميم المعماري. إن الأصالة في أعمال الجادرجي, قد نبعت من الفهم والإدراك العميقين لتراث العمارة العراقية. لقد اعتزل الجادرجي في الوقت الحاضر عن ممارسة أعماله الخاصة في مجال العمارة, حتى يستطيع أن يكرس نفسه للبحث والنشر في مجال العمارة. وقد نشر مجلدين باللغة العربية عن سيرته الذاتية, وأعطاهما عنوانا فرعيا ملائما هو: بحث في جدلية العمارة, كما صدر عمله الذي يفسر به المشاريع التي قام بها, والمؤثرات التي تعرض لها تحت عنوان: (مفهومات ومؤثرات), والذي يعتبر وثيقة للأمانة الفكرية وللشمولية المتميزة في أعماله. إضافة إلى ذلك, فإن مجموعة أعماله التي استخدم فيها النقش المعدني تقف كأحد الآثار الفنية القيمة لفنان وحرفي ماهر. لقد نبعت قدرة الجادرجي على الإبداع من كونه ممارسًا موهوبًا, ومدرسًا متعمقًا, ومفكرًا ناقدًا مثقفًا.

جفري باوا

باوا مهندس معماري مرهف الحس, من أسرة ماليزية مسلمة, انتقلت الأسرة إلى جزيرة سيلان ( سري لانكا حاليا) حيث ولد العام 1919 وبدأ محاميا, ولكنه اتجه للعمارة على كبر, وتخرج في لندن, وبدأ ممارساته المعمارية في سري لانكا وعمره 38 سنة. وأعمال باوا تعتبر أعظم تعبير للعمارة البيئية, وتأثيره امتد إلى كل جنوب آسيا, وقد بين في إنجازاته تداخل الطبيعة والعمارة, ويعتبر منزله في كولومبو ومزرعته على بعد 50 كيلومترًا من كولومبو, معلمين طور كلاً منهما باستمرار على مدى 40 سنة, الأول كمسكن والثاني كحديقة.

رحلة شاقة هي محاولة اختزال 25 عاماً من التجربة مع جائزة الأغاخان, لكن ما عرضته هو بعض من قليل, ولعلي كمراقب له, احترمت في الجائزه جديتها, فهي لا تعطى لمجرد العطاء, بل عن استحقاق وجدارة.

 

خالد عزب

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




مسجد الكورنيش في جدة, بالمملكة العربية السعودية, يجمع بين صفاء التكوين والقوة المعمارية, وقد أنشئ قبل عشرين عامًا





 





أبراج الكويت. افتتحت عام 1979 وهي مستوحاة شكلا من مرشة ماء الورد العربية





مدرسة ابتدائية في بوركينا فاسو, تركيب معماري أنيق باستخدام خامات متواضعة, يجمع بين الدفء والحنكة, ويتسق مع المناخ والثقافة المحلية





مدرسة ابتدائية في بوركينا فاسو, تركيب معماري أنيق باستخدام خامات متواضعة, يجمع بين الدفء والحنكة, ويتسق مع المناخ والثقافة المحلية





حديقة باغ فردوس في طهران, تجمع مزيجًا مدهشًا من النباتات المحلية, ولأنها تغطي ارتفاع 300م تستخدم السلالم الحجرية بين أركانها الموزعة على مساحة 30 هكتارًا





بيت سالنجر (كوالالمبور, ماليزيا) التأويل المعاصر للمنزل الماليزي المصنوع من الأخشاب المحلية التقليدية





من واجهات مقبرة الشاه ركن العلم في باكستان, التي بدأ ترميمها في 1971, واستغرقت 6 سنوات, وهي أحد الكنوز المعمارية المشيدة في القرن الرابع عشر الميلادي





إعادة تأهيل معالم القدس التاريخية هي واجب وطني وديني لأن ظروف الاحتلال القاسية تهدد المدينة التاريخية بالدمار





بيوت الرمال.. تجربة فريدة من نوعها تم فيها استخدام عناصر البيئة وخاصة الرمال الهشة من أجل أقامة بيوت صالحة للسكن تقاوم الفيضانات والزلازل ويقاوم شكلها الانسيابي الأعاصير, وتعد ملاجئ مؤقتة رخيصة الثمن





بيوت الرمال.. تجربة فريدة من نوعها تم فيها استخدام عناصر البيئة وخاصة الرمال الهشة من أجل أقامة بيوت صالحة للسكن تقاوم الفيضانات والزلازل ويقاوم شكلها الانسيابي الأعاصير, وتعد ملاجئ مؤقتة رخيصة الثمن





برجا بتروناس في قلب العاصمة الماليزية يمثلان اتجاهًا جديدًا في تصميم ناطحات السحاب, وداخل أحدهما قاعة الاحتفالات التي تعكس معايير معمارية جديدة من حيث التصميم والإنشاء والتقنية





برجا بتروناس في قلب العاصمة الماليزية يمثلان اتجاهًا جديدًا في تصميم ناطحات السحاب, وداخل أحدهما قاعة الاحتفالات التي تعكس معايير معمارية جديدة من حيث التصميم والإنشاء والتقنية





مكتبة الاسكندرية بتصميمها الفريد الذي راعى دخول أكبر كمية من الاضاءة الطبيعية, ويرمز لقرص الشمس البازغ, ورغم المساحة الشاسعة, إلا أن بساطة التصميم لا تشعر الزائر بتلك المساحات





مسجد العباس في اليمن.. انتشلته يد الترميم والتجديد من التحلل والانقراض





أبو العمارة البديلة المهندس حسن فتحي





المعماري العراقي رفعة الجادرجي الذي بلور مفهوم ارتباط الشكل المعماري بوظيفته





صورة لحديقة الأطفال الثقافية (1990), في حي السيدة زينب المزدحم بالقاهرة, وتضم مكتبة وورشا معملية وفنية ومتحفًا وينابيع ومساحات خضراء, مقامة على مساحة 12500 متر مربع





منظور لمبنى بيت أرته كون في ميناء بودروم التركي, أعاد دمج بيتين عمرهما أكثر من مائة عام بربطهما بتناغم وتكامل





الواجهة الأمامية لمسجد ياما (النيجر), تعبير عن إرادة واضحة لاستخدام التقنيات التقليدية بأسلوب إبداعي, وشارك في بنائه كل أهالي القرية





الواجهة الأمامية لمسجد ياما (النيجر), تعبير عن إرادة واضحة لاستخدام التقنيات التقليدية بأسلوب إبداعي, وشارك في بنائه كل أهالي القرية