من أين يبدأ الإصلاح?

من أين يبدأ الإصلاح?

جاء (حديث الشهر) من مجلة (العربي) العدد (560) يوليو 2005 لرئيس التحرير الدكتور سليمان إبراهيم العسكري بعنوان: (الإصلاح.. من أين نبدأ?), وقد استرعى انتباهي تساؤل الدكتور عن نقطة انطلاق الإصلاح من خلال عنوان الافتتاحية. وبدوري سأطرح سؤالا عن ماهية الإصلاح? ثم لماذا الإصلاح بالضبط في هذه الظروف?

إذا كان الفرق بين الحكمة والمثل هو ارتباط هذا الأخير بقصة كانت وراء ولادته فإن مثل (بلغ السيل الزبى) يأتي ليعيد نفسه في بداية القرن الواحد والعشرين, كثيرة هي الأشياء التي تحتاج إلى إصلاح ; فما الإصلاح?

حينما نعود إلى المعجم لنبحث في دلالة اللفظة نجد: رمم, قوم, رس... وبديهي أن نقول إنه لا يعرض للإصلاح إلا اعوج أو خرج عن عادته المألوفة. أو ما فسد, كما في قوله تعالى: وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون .

في الآونة الأخيرة أمسينا نسمع عن إصلاح الأنظمة العربية, جريا وراء ما يسمى بالعولمة; عولمة السياسة عبر السير نحو نظام القطب الواحد عوضا عن نظام القطبين الذي كان سائدا إلى حدود الثمانينيات من القرن العشرين, لتصبح الولايات المتحدة الأمريكية المحور الذي تدور حوله سياسة كل دول العالم.

وعولمة اقتصادية متمحورة كذلك حول رأسمالية تبعية وسيلتها الثورة التكنولوجية والمعلوماتية, في محاولة للسيطرة على السوق العالمية عبر إنشاء شركة كبرى متعددة الجنسيات. وأخرى ثقافية عبر توحيد الفكر البشري لتكوين ما سماه فؤاد دوارة (عقلية القطيع), حيث تسهل هذه العملية من قيادة الناس الذين وصفهم بالقطيع.

وكان رئيس التحرير محقا حينما رأى أن منطلق الإصلاح هو التعليم لأنه (أقنوم) التقدم الحضاري, بل لم يعد التعليم التقليدي غير ذي جدوى; بحيث يرى الأستاذ عبد الرحيم هاروشي (أن نجاح أي إصلاح في مادة التربية يمر عن طريق الفاعلين الرئيسيين للفعل التربوي بمعنى المدرسين والمكونين. ويرتبط بجودتهم وكفاياتهم التربوية, جودة التكوين وبالتالي مستقبل الدولة) ((بيداجوجيا الكفايات) ص 17).

ولأن التعليم لم يعد يتمثل دوره في نقل المعرفة, فلا بد من تطويره وإصلاحه بعدما تغيرت بنية المجتمع, ولم يعد المعلم هو مصدر المعرفة لوحده, فتعددت المصادر بعمل الطباعة( التأليف), التطور التكنولوجي (خدمات الحاسب الآلي) والتطور المعلوماتي (الشبكة العنكبوتية).

وقد أصبح الدور الأساسي للتعليم هو تنمية المهارات الفكرية والسوسيو ـ عاطفية والحس ـ حركية; أو بصيغة أكثر دقة وبساطة مساعدة المتعلمين على تحصيل كفايات تكون في خدمتهم طوال حياتهم, وتساعدهم على الاندماج في المجتمع ويصبحون فاعلين فيه أو اكتساب مرونة في التعامل مع مختلف الوضعيات الاجتماعية والاقتصادية. وقد أعطى الباحث المغربي هاروشي مفهوما مترادفا لمصطلح الإصلاح بقوله (سيرورة نسقية للتغيير). لكن جون دلور يقول إن (كثرة الإصلاحات المتساقطة تقتل الإصلاح). بمعنى آخر أن الإصلاح يجب أن يكون جذريا وليس ترقيعا ولا وضع الجبيرة على الكسر المزدوج. ولابد للإصلاح أن يكون شاملا لمختلف عناصر النظام التربوي.

وفي المقال الافتتاحي للدكتور سليمان العسكري وتحت عنوان ثانوي (إصلاح التعليم ... العنصر الغائب) يتناول أربع قضايا محورية هي: مفاهيم الإصلاح, مبدأ الجودة الشاملة في التعليم, الإبداع في العملية التعليمية, بساطة عناصر الأسلوب التقليدي في التعليم.

1 ـ مفاهيم الإصلاح:

بعد النموذج الكلاسي السائد في التربية والتعليم والمتمثل في التدريس بالأهداف, أي تحديد المدرس للأهداف الراغب تحقيقها مع تلامذته في نهاية العملية التعليمية (الدرس), (الحصة الدراسية), عبر إخضاع هذه العملية للتجزيئ عن طريق تجزئة الأهداف كي تسهل عملية تقويمها ودعم الجزء غير المتحقق منها, وفي هذا تتمحور العملية التعليمية على المحتوى; أي المعرفة المقدمة من لدن مالكها ( المدرس). فحتى التعريف القديم للمدرسة يقزم دورها في ثنائية الجهل - المعرفة, حسب تعريف قدمه أحد الباحثين في مجال التربية, (فهي) معهد يتعلم فيه الأطفال الأشياء التي يجهلونها).

كما أن الدراسات المنجزة على هذا النوع من التعليم كشفت سلبياته الكثيرة, ولا مجال لذكرها الآن,مما دفع ببروز مفاهيم جديدة: الجودة, الكم, الكيف, المهارة, القدرة, الأداء, الإبداع, الكفاءة, الكفاية, المتعلم, التعلم الذاتي, التكلفة, المقاولة, البراجماتية...إلخ.

إن مما يقف أمام الباحث في مجال التربية والتعليم إشكالية المصطلح, نظرا لأن هذا الحقل لا يستقل بمفاهيمه, فهو يستقيها من ميادين مختلفة قد تكون قريبة إليه, وقد تبتعد أكثر من اللازم. فمثلا( التدريس بالأهداف) أخذ على صورة ما يستعمل في الميدان العسكري (تحديد الهدف). و(البراجماتية) و(التكلفة) و(الجودة) و(الموارد البشرية) من الميدان الاقتصادي. أما الجيل الثاني من التدريس بالأهداف أو (بيداجوجيا الكفايات) فاستقي من سوق العمل.

والمصطلح هنا يحمل دلالات أصلية, وهو ما يعرضه لخوض الخائضين, بحيث تختلف نظرة كل باحث أو دارس إليه انطلاقا من فهمه الخاص ولذلك يظل إشكال المصطلح عالقا في سماء التربية والتعليم ما لم يتمكن من الاستقلالية بنفسه, وهذا غير ممكن, لأن حيوية القطاع تجعله يشد إليه كل ميادين الحياة.وقد دخل المغرب بدوره في منتديات الإصلاح منذ السنة الماضية لتقويم التغيرات المحدثة في التعليم; هذه الإصلاحات التي يجب أن تكون شاملة لكل ما يتصل بالقطاع من نظام الامتحانات والبرامج والمناهج ... وفيها منتديات وطنية وجهوية ومحلية, من أجل إشراك مختلف الفاعلين التربويين من أعلى الهرم إلى أسفله, وكذلك الشركاء الاقتصاديون والاجتماعيون وكل طاقات المجتمع المدني.

2 ـ مبدأ الجودة الشاملة في التعليم:

أول ما يتبادر إلى الذهن حين ذكر (الجودة) هو أن الحديث سيدور حول منتوج اقتصادي ما. فكيف تتجلى الجودة في التعليم? إن ما لاحظته هو احتلال المصطلح حصة الأسد في هذه الإصلاحات الجديدة. وإذا كانت الأشياء تعرف بأضدادها, فإنه يفترض أن يكون هناك تعليم ذو جودة وآخر بلا جودة. ولا ننسى أن الشعار الذي رفعته المنتديات تصب في النقطة ذاتها (من أجل جودة التعليم). لكن ما لا يستطيع أحد الإجابة عنه هو سؤال (ما الجودة?) إن الجودة هي حصيلة جميع المراحل: جودة المنطلق, جودة الأهداف والبرامج, جودة الطرق والركائز, جودة التقويم, جودة المدرسين, جودة التعليم, جودة التدبير).

3 ـ خلاصة:

إن هاتين النقطتين الواردتين في مقال الدكتور العسكري تمتان بصلة وثيقة لا محيد عنها إلى القضيتين المتبقيتين, من خلال تناول الإبداع وترك حريته أمام المدرسين أنفسهم وكذا التلاميذ المستهدفين لإبراز طاقاتهم الفكرية واليدوية, ولتجاوز الأسلوب البسيط الطابع للتعليم التقليدي.

عمر الحسني
المغرب

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات