المفكرة الثقافية

المفكرة الثقافية

الكويت

(العربي) والسفارة الإيطالية في ندوة (الحوار والتفاهم)

شهدت إحدى قاعات مبنى المنظمات العربية في منطقة (الشويخ) في الكويت, حوارًا حول (التبادل الثقافي بين دول البحر المتوسط ودول الخليج العربي - قوة الحوار والتفاهم), والذي نظمته مجلة (العربي) بالتعاون مع السفارة الإيطالية.

وجاءت هذه الندوة الحوارية بمناسبة نشر مجلة (العربي) استطلاعًا قيمًا عن مدينة فلورنسا الإيطالية بكل ما تحمله من عبق تراثي, ومواقف حضارية تجاه الإنسانية, خصوصًا وقفتها المشهودة مع محنة الكويت أثناء الغزو الغاشم لها من قبل النظام الصدامي البائد, ولقد قام بكتابة هذا الاستطلاع مدير مكتب (كونا) السابق في إيطاليا يحيى مطر, وبكاميرا الفنان التشكيلي جعفر إصلاح.

وتميّزت هذه الندوة بحضور شخصيات كويتية وإيطالية مهمة, والتي منها رئيس تحرير (العربي) الدكتور سليمان العسكري, والسفير الإيطالي لدى الكويت فينشنز وبارتي وغيرهما.

وفي مستهل الحوار, ألقى د.العسكري كلمته التي أشاد فيها بهذا الحوار الثقافي المنشود بين الشعوب العربية والأوربية.

وقال: (...وهذا المكان - مبنى المنظمات العربية - الذي يجسّد في تصميمه المعماري صورة مشرقة لتراثنا العربي العريق في مجال العمارة, ويجمع في داخله أشكالاً من الفنون العربية والإسلامية قديمًا وحديثًا, ويقوم بمهمة نبيلة تساهم في تجسيد روح التعاون بين الدول والشعوب العربية في مجالات التنمية المشتركة والتضامن. وأعتقد أن مجلة (العربي) تقوم أيضًا بهذا الدور - بطريقة متواصلة - على المستوى الثقافي. فقد سعت منذ بداية عهدها - وهي شابة تقترب الآن من عمر الخمسين - أن تكون رمزًا للتواصل, ليس بين العالم العربي فقط, ولكن بينه وبين كل الشعوب الأخرى).

وأكّد د. العسكري أنه (من هذا المنطلق, كان اهتمام (العربي) بمدينة فلورنسا الإيطالية, وهي المدينة التي نحمل لها - نحن أهل الكويت - في قلوبنا معزة خاصة.

ففي أثناء أيام الغزو السوداء, عندما حاول النظام العراقي السابق أن يمحو اسم الكويت من خريطة الوجود, وقفت مدينة فلورنسا بكل تاريخها العريق مع العدل والشرعية, وشاءت أن تعقد معاهدة التآخي والتلاقي مع مدينة الكويت في عز محنتها, وأعلن عمدة فلورنسا السابق جورج موراليس عن تكوين جمعية الصداقة الإيطالية - الكويتية في أغسطس عام 1990, أي بعد أيام قليلة من الغزو).

وقال العسكري: (لقد تحررت الكويت الآن, ومرت خمسة عشر عامًا كاملة على تكوين جمعية الصداقة الكويتية - الإيطالية, ولم يعد للنظام العراقي المتغطرس أي وجود, وكانت فائدته الوحيدة أن الكويت اكتشفت أصدقاءها الحقيقيين في وقت المحنة), وأشار إلى اهتمام (العربي) باستطلاع مدينة فلورنسا الذي أفردت له من الصفحات أكثر من أي موضوع آخر, كما حرصت على إرسال واحد من أشهر فناني الكويت البارزين وهو جعفر إصلاح لالتقاط صور مميزة وجميلة لمعالم المدينة, ورافقه يحيى مطر محررًا, وهو يجيد اللغة الإيطالية, وعمل سابقًا مديرًا لمكتب وكالة الأنباء الكويتية في روما, حتى تكون المعلومات مؤكدة, ودقيقة عن المدينة, وكانت النتيجة استطلاعًا متميزًا قرأه أكثر من مليوني قارئ عربي سواء في الطبعة المحلية للمجلة أو على شبكة الإنترنت.

وتحدث العسكري عن مدينة فلورنسا قائلاً: (إنها رمز كبير للحضارة الغربية في أبهى صورها, فهي وليدة عصور التنوير, التي انبثقت من ظلمة القرون الوسطى, حاملة فنون النهضة وروح التسامح والتعاون بينها وبين الآخرين, لذلك فهي مهمة للحوار والتفاهم بين العالمين العربي والأوربي).

ثم أشار العسكري إلى العلاقات الثقافية بين أوربا والعالم العربي, والتي هي قديمة قدم الجغرافيا, التي شكلت تضاريس هذا الكون, فالبحر الذي يفصلنا هو الذي كان أداة للوصول إلينا, وقال: (المتوسط هو بحر عربي أوربي, شهد سفن التجارة, وسفن الغزاة والقراصنة, وحملت أمواجه الجيوش والأسلحة, كما حملت جرار زيت الزيتون,والعطور, ولفائف البردي, لذا فإن عمليات التفاعل بين العالمين العربي والأوربي لم تتوقف سلبًا أو إيجابًا. واكتشاف كل منا للآخر سواء عن طريق التجارة أو الحروب, لم تتوقف أيضًا, هذا التاريخ الطويل من التفاهم وسوء التفاهم يضعنا معًا على أعتاب مرحلة جديدة).

وكشف العسكري في كلمته أن الكثير من التجارب المريرة قد مرت, وكثيرًا من الحروب قد انتهت, ولم يبق أمامنا إلا الحوار من أجل إعادة جسور التفاهم والتعاون بين الطرفين, قائلاً: (إننا نتطلع الآن لأوربا التي تمد لنا يد العون لنعبر هوة التخلف الذي نعيش فيه الآن, ونتطلع لأوربا, التي تتفهم قضايانا دون أن تلصق بنا تهم العداء والإرهاب, ونتطلع لأوربا الحضارة بما فيها من قيم سامية حتى ننسى أوربا الاستعمارية القديمة بما لها وبما عليها). واختتم العسكري كلمته بقوله: (إننا نتطلع إلى عالم يسوده التفاهم, وإلى لغة تصل أفكار كل منا بالآخر, إلى مستقبل يزيد من روابط التعاون فيما بيننا, ونأمل أن يكون هذا اللقاء, هو خطوة مهمة على هذا الطريق الطويل).

ثم تحدثت فاطمة عياد من الجمعية الثقافية النسائية الكويتية عن دور الجمعية التي تأسست منذ أكثر من أربعين عامًا, في رفع مستوى الوعي في المجتمع الكويتي.

وأشاد السفير الإيطالي لدى الكويت, فينشنز وبارتي بالعلاقات الكويتية - الإيطالية, كما أبدى إعجابه الشديد باستطلاع (العربي) عن مدينة فلورنسا الإيطالية, الذي جاء صادقًا ومخلصًا.

وأكد وبارتي أن الاستطلاع أشار إلى صورة مشرقة لهذه المدينة التاريخية, بكل ما تحفل به من تسامح وتفاهم مع كل الأجناس والديانات.

أقيم على هامش الندوة معرض فوتوغرافي ضم ما يقارب 50 لوحة فوتوغرافية بعدسة الفنان جعفر إصلاح, تتحدث عن مدينة فلورنسا بكل ما فيها من مبان تراثية, وأماكن تاريخية, وحركة الناس في هذه المدينة ودور العبادة فيها.

مدحت علام

القاهرة

قضايا الطفل العربي من التشرد إلى ضياع الهوية

اختار المجلس العربي للطفولة والتنمية عقد مؤتمره حول (الطفل العربي في مهب التأثيرات الثقافية المختلفة) في رحاب مكتبة الإسكندرية وذلك في الفترة من 25 إلى 27 سبتمبر الماضي, وقد حرص صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز, رئيس المجلس, على افتتاح هذا المؤتمر بقوله: (اسمحوا لنا أن نعود بالذاكرة قليلا إلى الوراء, إلى زمن الفقر والحرمان وقلة ذات اليد, وشح الموارد, ويوم كانت الكثير من الأسر العربية تنام وبطون أطفالها خالية من أي زاد. ومع كل هذا لم نكن نسمع شيئا عن ظواهر التشرد وعمالة الأطفال وأطفال الشوارع وغيرها من الظواهر التي يعاني منها أطفالنا اليوم.

وأظنكم تتساءلون كما نتساءل: لماذا هذه حال الغالبية العظمى من أطفالنا, بؤس وشقاء وتشرد على الرغم من كل ما حصل من تطورات فكرية وتكنولوجية وحضارية?). هذا التساؤل كانت له أكثر من إجابة في أوراق المؤتمر.

الدكتور أيمن أبو لبن, أمين عام المجلس, أكد على أن أهمية هذا المؤتمر ترجع إلى تناوله موضوع الثقافة والهوية, التي صنفتها الأمم المتحدة على اعتبار أنها الدعامة الرابعة للتنمية المستدامة, إذ يستحيل تحقيق التنمية ما لم تكن الهوية الثقافية مرتكزها ومنبعها.

وأوضحت الدكتورة سهير عبد الفتاح, منسقة المؤتمر, أن الثقافة سلاح من الأسلحة التي تستخدم في المحافظة على مناطق النفوذ, فالتأثيرات الثقافية ليست منفصلة عن الأهداف السياسية والمصالح الاقتصادية. مؤكدة على أننا إذا أردنا أن نغير حياتنا ونصحح أوضاعنا فعلينا أن نبدأ من الطفل.

وكشف د. محمد حسن عبد العزيز, رئيس قسم اللغة العربية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة أن الطفل العربي من سن الثالثة إلى الثانية عشرة ليس له بعد معجمه الخاص المناسب لمداركه في هذه المرحلة بحيث يعينه على المعرفة والاطلاع.

وفي بحثه حول (مشكلات التذوق الفني عند الأطفال) يشير د.قدري حفني إلى تعدد النظريات التي تحاول تفسير ظاهرة التذوق الثقافي, حيث يعتبرها نوعًا من أنواع الاتصال تتوافر لها كافة شروطه كما تحكمها قوانينه, وبذلك فإن التذوق الثقافي, باعتباره عملية اتصالية, لابد أن يكون ثمة مرسل أي منتج للعمل الثقافي, ومستقبل لذلك المنتج, وهو في حالتنا هذه الطفل العربي, كما لابد أن يكون هناك منتج جاهز للإرسال, قد يكون كتابا أو لوحة, ويجب أن توجد قنوات توصيل مناسبة تكفل وصول الرسالة إلى صاحبها, وتشمل وسائل الإعلام والدعاية والترويج إلى جانب القنوات المادية المعروفة من معارض ودور للسينما ومتاجر إلى آخره.

فيما تناول د.سليمان العسكري, رئيس تحرير (العربي), في بحثه (عندما تتهشم الحروف.. العولمة وتأثيرها على لغة الطفل العربي) كيف يعيش الطفل في المنزل اللغوي الذي يهيئه له أهله وقومه, ويستمد منهم حصيلته اللغوية الأساسية, وهي لا تتعدى من 3 إلى 50 كلمة في العام ونصف العام الأول, ثم ما تلبث أن ترتفع إلى 400 كلمة في سن السنتين ونصف السنة وتصل إلى حوالي ألف كلمة في الثالثة. وكلما زادت الحصيلة اللغوية ازداد محصول الطفل الثقافي والفكري بوجه عام. كما أنها تترك آثارا بالغة الأهمية في نفسية الطفل, فشخصيته تصبح أكثر انفتاحا على المجتمع الذي يحيط به, وتنمو داخله مشاعر الألفة والثقة بالنفس .أما قلتها فتحد من حصيلته الفكرية وقدرته على التواصل والتكيف مع الآخرين.

ويؤكد على أن الطفل المعاصر يعاني نوعا من الاغتراب المبكر, فبدلا من أن يقوم بتقليد الكبار, كما كان يحدث قديما, أصبح الآن يميل أكثر لتقليد أجهزة الإعلام التي نتركه أمامها لساعات طوال, لذا فهو يندفع لترديد وحفظ الأشياء التي يسمعها دون وعي بمضمونها. وهذه العملية لا تقوده إلى التفكير الواعي بقدر ما تحدث نوعا من التشوش في استخدام اللغة, وعندها يقع الأطفال فريسة لغة لا تحمل مضمونًا ثقافيا أو فكريا لديهم وتتأثر الحصيلة اللغوية, الأمر الذي يترك كثيرا من الآثار السلبية في الطفل منها :عزلته الاجتماعية, الشعور بالنقص, العجز عن الفهم والاستيعاب, وضعف الإبداع.

أما حقوق الطفل الثقافية في المواثيق الدولية, فتستعرضها د.عايدة غربال مبينة أنها تضم: حقه في التمتع بالهوية الثقافية والارتباط بالتراث, خاصة فيما يتعلق بضرورة المحافظة على حقه في امتلاك حياة ثقافية خاصة.

وترى أنه من الضروري أن يرتكز التعامل الإعلامي مع الأطفال على التعريف بمبادئ حرية الصحافة والاستقلال والتعددية والتنوع في وسائط الإعلام وأيضا على حرية التماس المعلومات وتلقيها وإذاعتها واستعمالها لإحداث وتراكم ونشر المعرفة.

وفي بحثه (التربية الجمالية للطفل العربى) أشار الشاعر د.حسن طلب, الأستاذ بآداب حلوان, إلى أن التربية الجمالية تعني الاعتماد على الفنون فى تنمية مهارات الأطفال وصقل ملكاتهم وتنمية قدراتهم على أن يكون الفن هنا ميدانًا لممارسة النشاط, وليس مجرد نصوص.

وقد انتهى المؤتمر إلى توصية الهيئات والمؤسسات العربية بضرورة العمل على تمكين الطفل منذ أيامه الأولى من امتلاك لغته الأم, والتأكيد على أهمية استثمار مختلف الوسائط في الوصول إلى الطفل العربي, وأيضا التأكيد على حق كل طفل في التربية الجمالية لصقل ملكاته, والعمل على إنشاء شبكة إلكترونية للجمعيات والمؤسسات العاملة في مجال الطفولة للتنسيق فيما بينها وتبادل الخبرات والمعلومات وتوثيق الأعمال الخاصة بالطفل العربي.

مصطفى عبد الله

بيروت

ثلاث ندوات فكرية في بيروت

شهدت العاصمة اللبنانية في بداية موسمها الثقافي ندوات فكرية عدة, تناولت شئونًا ثقافية مختلفة كان من أبرزها ثلاث ندوات عُقدت تباعًا, منها ندوتان أقامتهما مؤسسة الفكر العربي, كان عنوان الأولى (الملتقى العربي للترجمة: الترجمة في الوطن العربي: الواقع والمأمول), وعنوان الثانية: (الملتقى العربي الثاني للتربية: التعليم العالي). أما الندوة الثالثة فقد دعا إليها المجمع الثقافي العربي تحت عنوان (دور التفاعل الثقافي في بناء السلام العالمي).

في (الملتقى العربي للترجمة) بدا من الصعب متابعة الندوات نظرًا لكثرتها ولتوزعها في وقت واحد على قاعات عدة. ولم يكن أمام المتابعين إلا أن يختاروا الندوات التي يودّون متابعتها. لكن صدور أكثر المحاضرات في كتاب وُزّع في بداية الملتقى أتاح الفرصة أمام المهتمين لقراءة الأوراق والأبحاث التي قُدمت.

وقد شاركت في الملتقى جهات عربية عدة معنية بالترجمة, منها اتحاد المترجمين العرب (القاهرة), شركة صخر لبرامج الحاسب الآلي (الكويت), مدرسة الترجمة التابعة لجامعة القديس يوسف (بيروت), مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (الرياض), مركز الخليج للأبحاث (دبي), مركز اللغات والترجمة (الجامعة اللبنانية), المنظمة العربية للترجمة (بيروت). وشارك في المؤتمر أيضًا د.جابر عصفور الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة في مصر الذي يرعى المشروع القومي للترجمة أكبر وأهم مشروع للترجمة في عالمنا العربي. وقد صدر عنه حتى اليوم حوالي ألف كتاب منقول عن اللغات الأجنبية.

وقد حدد الملتقى الأهداف التي سعى إليها, ومنها تنسيق الجهود وتحقيق التعاون والتكامل بين الأفراد والمؤسسات الأهلية والحكومية, ومراكز الأبحاث والجهات المعنية بالترجمة.

أما المحاور الرئيسية التي دارت حولها الأوراق المقدمة فهي: الترجمة في العالم العربي: الواقع والمأمول, وسائل النهوض بالترجمة ودعمها, دور الترجمة في تعريب التعليم العالي, التأهيل الأكاديمي وتطوير قدرات المترجمين, الترجمة وحاجات المجتمع العربي في المرحلة الحالية, اللغة العربية والترجمة الآلية, أثر الترجمة في التفاعل الثقافي في العالم, اقتصاديات الترجمة والتمويل, دور التقنية الحديثة في تطوير الترجمة.

وفي بداية أعمال الملتقى العربي الثاني للتربية والتعليم الذي نظمه اتحاد جامعات العالم الإسلامي واتحاد الجامعات العربية ومكتب التربية العربي لدول الخليج, والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) ومنظمة الأونسكو/بيروت والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الكسو) ومؤسسة الفكر العربي, أوضح الأمير خالد الفيصل رئيس مؤسسة الفكر العربي أن الملتقى مخصص لمرحلة التعليم العالي لما له من دور في التنمية البشرية والشاملة. فالجامعات والمعاهد الأكاديمية ثرية بالكفاءات والخبرات القادرة على تطوير الحياة بفضل ما تزخر به من الكوادر العلمية المميزة والصفوة من أرباب الفكر.

أما في مؤتمر المجمع الثقافي العربي, فقد لوحظ وجود عدد من المستشرقين والمستعربين الأجانب, جاء أكثرهم من إيطاليا وفرنسا والصين وروسيا, وقد دار المؤتمر حول موضوع أساسي هو دور التفاعل الثقافي في بناء السلام العالمي.

وقد ذكر الأمين العام للمجمع الثقافي العربي عبدالرءوف فضل الله أن الحوار مع الآخر هو من أهداف هذا المؤتمر. والحوار مسألة حتمية بالنسبة للإنسان المعاصر كيفما كانت منطلقاته الثقافية, كما يعني التهيؤ الإرادي لفهم رأي الآخر والاعتراف بوجوده وقبول التعايش معه. (إنه حوار مع شعوب مختلفة بصرف النظر عن الخلافات الظرفية, والخصوصيات الدينية والثقافية والعرقية في إطار فلسفة التعايش, وفي إطار حسن النيات والنهج الصحيح الخالي من التعصب, ومد الجسور والتفاعل والحوار والتفاهم المشترك لتلافي الأخطاء والانتقال نحو علاقات سليمة تخدم مصالح الفرقاء جميعًا).

وبدا في المؤتمر أن الثقافة كانت, ولاتزال, العامل الأساسي في تغيير مجرى التاريخ. وإذا كانت السياسة بخلفياتها المتنوعة تبدل أحداثًا بأحداث, وتستخدم الحروب أحيانًا كثيرة لتغيير وجه منطقة من العالم, فإن الثقافة تفعل على المدى البعيد ما لا تستطيعه السياسة, بل تتحكم بزمام السياسة, متجاوزة حدود البلاد التي تشكل مجالها الحيوي إلى بلدان أخرى.

جهاد فاضل

دمشق

بلاد الشام في العهد العثماني
إعادة قراءة الماضي دون أحكام مسبقة

انعقد المؤتمر الدولي حول (بلاد الشام في العهد العثماني) في الأيام الأربعة الأخيرة من شهر سبتمبر الماضي, في دمشق, بالتعاون بين وزارة الثقافة ومنظمة المؤتمر الإسلامي, بمشاركة أكثر من خمسة وأربعين باحثاً عربياً وأجنبياً, برز بينهم عدد من الباحثين الأتراك, وحملت بعض البحوث المنوعة إضافات جديدة, وإعادة نظر في ما هو معروف, أو مألوف, في الكتابات التاريخية الرسمية عن الحقبة التي حكم فيها العثمانيون إمبراطورية شاسعة, من أربع وعشرين ولاية غرباً, وأربع وثلاثين ولاية شرقاً, بينها بلاد الشام, حيث امتد حكمهم أربعة قرون, بدأت عام 1516 وانتهت بنهاية الحرب العالمية الأولى 1918.

توزعت بحوث المؤتمر باللغتين العربية والانجليزية, مدعمة بالوثائق المصورة, حول العناوين العريضة التالية: كتابة تاريخ بلاد الشام ومصادره في الفترة العثمانية - المجتمع والعلاقة مع الدولة - النظم الإدارية والمالية والمحاكم - الحياة الاقتصادية - التأثير الأوربي وحركة التحديث - الحياة الفكرية والثقافية - المدن والعمارة والبنية التحتية.

وكان واضحاً أن أغلبية البحوث تمحورت حول مدينتي دمشق وحلب, ومنها بحوث تتناول موضوعات عامة وشاملة, وأخرى تتناول موضوعات جزئية, لها خصوصية مميزة, تتكامل مع الأجزاء الأخرى.

اختار د. توماس فيليب أن يدرس شخصيات الولاة الذين حكموا كلاً من حلب ودمشق وطرابلس وصيدا, بتسلسل تاريخي, وصولاً إلى انعكاسات طبيعة كل والٍ على ولايته, في الوجوه المتعددة لحياة السكان.

وقدمت د. خيرية قاسمية شهادات حية من مذكرات الجيل الذي عاش آخر سنوات الحكم العثماني في بلاد الشام, وهي سنوات الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918), ودرس د. جعفر مهاجر المذكرات اليومية لشهاب الدين بن طوق, الذي نقل إلينا صورة حية من الحياة في دمشق, في الفترة التي سبقت بداية الحكم العثماني بقليل. وهو يعمل على استكمال تحقيق ونشر الأجزاء الأخيرة من هذه اليوميات.

بينما درس د. فيصل الكندري وثيقة نادرة عن مظلمة (شكوى) أهالي حلب من ظلم العساكر المكلفين حماية المدينة, في ظل حركة التمرد التي حدثت بعد وفاة السلطان سليم, الذي خلفه السلطان سليمان القانوني. وحيث إن هذه المظلمة لا تحمل تاريخاً محدداً, ولا اسم كاتبها, قام الباحث بمقارنة وقائعها بكتابات محمد بن طولون, والمؤرخ المصري محمد بن إياس, للتأكد من صحتها ودقة المعلومات الواردة فيها, وهي تتميز بالدقة في وصف المعاناة, والجرأة في الخطاب. ويرى د. محمود عامر أن حركة سك النقود, وقوتها الشرائية, صعوداً وهبوطاً, من أهم عناصر الهوية الاقتصادية للدولة, وتوزيع الثروة في المجتمع, وكانت المراحل المختلفة لحركة النقود مؤشراً على قوة النظام أو ضعفه.

ودرس الباحثان الفرنسيان جان بول باسكوال, وكوليت استابلت, في أصول الإدارة الشرعية للممتلكات في المجتمع الدمشقي حوالي عام 1700 ميلادية,

وقدم الباحثون د. عبد العزيز عوض, وكمال عبد الفتاح, وفانيسا غينو - بلبل, دراسات في نظام الأراضي والزراعة والنمو الاقتصادي والمحاكم في الريف السوري وفلسطين, بينما درس د. عبد الكريم رافق الاقتصاد الدمشقي في مواجهة الرأسمالية الأوربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر, حيث نمت الصناعات الحرفية واليدوية, بين الطوائف المختلفة في دمشق, وبرزت مهارات خاصة في الصناعة النسيجية والأدوات الزراعية والمنزلية.

وفي مجال تحديث التعليم والثقافة والطباعة, قدم البحوث كل من د. مسعود ضاهر, وإياد الطباع, ووهبي بايصان, ونللي حنا, وستيف تماري, ومحمد جان أتار, ورياض مراد.

فيذكر د. مسعود ضاهر أن السلطة العثمانية قاومت تطوير التعليم, وتعاونت مع القوى التقليدية المحلية, في مواجهة المفكرين النهضويين, في دعوتهم إلى الإصلاح وإطلاق الحريات العامة وحرية الصحافة.

ودرست الباحثة نللي حنا الثقافة الشعبية من خلال كتاب (خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر) - الهجري- لمؤلفه أمين المحبي الدمشقي, من خلال تراجم العلماء والأعيان والشعراء والكتاب, من شرائح اجتماعية متنوعة, مما لا نجده في الكتب الأخرى, عن تلك الحقبة.

ويجري د. ستيف تماري إعادة تقييم للحياة الفكرية في سورية في القرن الثامن عشر, ويطعن في المقولات التي تصف هذه الفترة بالرجعية والجمود, من خلال توصيف الحركة التعليمية والأدوار التي لعبها المدرسون والمثقفون السوريون الأوائل.

وتدرس الباحثة الألمانية د. فيرينا دايبر آثار الدمار الذي خلفه الزلزال الذي أصاب دمشق في عام 1759, وكان مركزه في البقاع, وانعكست آثار هذا الزلزال على البنية التحتية للمدينة التي حظيت بإصلاحات متوالية لمبانيها ومرافقها.

أما مشاريع البنية التحتية, التي أنجزت في أواخر العهد العثماني في حلب فكانت مدار بحث د. نجوى عثمان,

وتركزت بحوث كل من ستيفن ويبر, وكونسل رندا, وأريانة أحمد, حول العمارة السكنية, وزخارفها, وأشكالها الداخلية والخارجية.

بندر عبدالحميد

زيورخ

مهرجان المتنبي الشعري العالمي السادس
تسعة أيام في سبع مدن سويسرية

أسفرت مشاورات بين المركز الثقافي العربي السويسري وعدد من المؤسسات الثقافية الفدرالية السويسرية والسلطات الثقافية في مدن زيورخ وبيرن وبازل وجنيف ولوكانو عن الاتفاق على توسيع أنشطة مهرجان المتنبي الشعري العالمي السادس الذي سيقام في شهر أبريل القادم ليشمل تسع أمسيات شعرية في المدن المذكورة أعلاه وحلقة دراسية في مركز الفعالية في مدينة زيورخ وعليه ستكون القراءات بالعربية والألمانية والفرنسية والإيطالية إضافة إلى لغات الشعراء الأصلية ممن ينشدون بلغات اخرى.

وقال الشاعر العراقي علي الشلاه رئيس المهرجان إن الدورة السادسة اقتضت مراجعة مواطن النجاح والهنات في تجربتنا للسنوات الخمس المنصرمة, خصوصًا بعد الثناء الكبير الذي لقيه المهرجان من الشركاء السويسريين حد الطلب إلى تحويله الى مهرجان وطني من خلال توسيعه ونقل أمسياته إلى كل المدن السويسرية الرئيسة وخصوصا البيئات الثقافية (الألمانية والفرنسية والإيطالية), وأضاف: إن مشاركة الشعراء العرب ستتواصل بكثافة في المهرجان وسنزيد عدد المشاركين العرب بالرغم من تنصل كل المؤسسات الثقافية والرسمية العربية من دعم المهرجان لأنه فعل ثقافي لا مجال للدعاية السياسية أو القطرية فيه بل هو صوت مهم في وسط أوربا للحضارة العربية المعاصرة.

وأضاف الشلاه إن المهرجان ينوي أن يضم إلى أسرته عددًا مضافًا من المترجمين للغتين الفرنسية والإيطالية إضافة إلى العربية والألمانية والإنجليزية, وسيعتمد على فكرة القراءات المتعددة للشعراء العرب وباللغات الثلاث في حين ستقتصر قراءة الضيوف غير العرب على المدن الناطقة بالألمانية.

وقد عقد المهرجان عدة اتفاقات مع عدة مهرجانات عالمية معروفة لتبادل الخبرات وأسماء المشاركين وترجمات نصوصهم.

يذكر أن مهرجان المتنبي أسس في زيورخ عام 2000 وشارك فيه حتى الآن أكثر من 200 مشارك من مختلف دول العالم حتى الدورة الخامسة بينهم عدد من اهم الأسماء الشعرية العربية والعالمية.

هذا وسيصدر المهرجان كتابًا سنويًا عن كل دورة من دوراته القادمة علاوة على دليل المهرجان وملصقه الذي اعتمد في الدورات الماضية

د. فارس حسن

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




غلاف الكتيب التذكاري للندوة





ملصق المؤتمر





رئيس التحرير يتوسط المحاضرين في إحدى ندوات المؤتمر





صورة من ندوة المجمع الثقافي العربي





ملصق المؤتمر





بعض المشاركين في إحدى الدورات