هؤلاء قالوا: عن

في كل ما كتب عن محنة الغزو العراقي للكويت، كان للحديث عمّا أصاب الدور الثقافي  للكويت طعم خاص، وكانت رموز هذا الدور، ومن أهمها مجلة العربي، هي الحاضر الغائب في كل هذه الأحاديث.. التي نقدم منها للقارئ هذه المقتطفات.

إشعاع عقلي وثقافي فريد

د. فؤاد زكريا
"القبس الدولي" 13/ 8/ 1990

... قالوا: إن الكويت دويلة صغيرة هائلة الثراء، وإنه ليس من العدل أن يظل هذا التفاوت الضخم في الثروة بين البلاد المتجاورة. ولكن من لا يرى في الكويت إلا صغر حجمها وثراءها سيكون قد أغفل أهم مزايا هذا البلد الفريد. ففي الكويت من الإشعاع العقلي والثقافي ما يفوق إمكانات بلاد أكبر منها حجماً بكثير. وما من إنسان محب للثقافة، في كل أرجاء الوطن العربي، إلا ويحتفظ في قلبه بمكانة عزيزة لما يصدر عن الكويت من كتب ومجلات ودوريات رفيعة المستوى، زهيدة السعر، وما من مثقف عربي ذي شأن إلا ويحمل ذكرى غالية لمؤتمر أو ندوة أو مهرجان عقد في الكويت، ولم يلق فيه إلا التكريم، ولم يحاول الداعون أن يستغلوا حضوره لكي ينافقوا من خلاله هذا المسئول أو يتملقوا هذا الحاكم.

هذا هو الوجه الآخر، الفريد، للكويت، وكل من يدرك هذا الوجه، ولا يصف الكويت إلا بأنها دويلة صغيرة واسعة الثراء، لا يعرف عن هذا البلد أهم ما فيه.

الصحافة والثقافة الكويتية

أحمد حمروش
"مجلة روز اليوسف" 17/ 6/ 1991

على قدر ما كان الكويت بلداً صغير العدد في السكان، على قدر ما كان كبير الأثر في الصحافة والثقافة العربية.

أذكر عام 1958 عندما حضر لي حمد الرجيب، وكان وقتها وكيلاً لوزارة الشئون الاجتماعية، يدعو المسرح القومي للذهاب إلى الكويت، وسافرنا فعلاً إلى هناك في وقت لم تكن فيه الكويت قد امتلأت بالعمارات الحديثة، والطرق العريضة الدائرية، والفنادق ذات النجوم الخمسة، واقترن وجود المسرح هناك لأول مرة مع افتتاح المؤتمر الثاني للأدباء العرب.

ودبت في البلد الصغير حيوية ثقافية أثمرت عدداً كبيراً من الإصدارات ذات المستوى الرفيع سلسلة "المسرح العربي" وسلسلة "عالم المعرفة" ومجلة "العربي" التي أصدرها العالم المصري أحمد زكي، ورأس تحريرها من بعده الصديق أحمد بهاء الدين، ثم الدكتور محمد الرميحي وحققت المجلة أرقاماً قياسية في التوزيع لم تعرفها مجلة شهرية في الوطن العربي، واهتم المسئولون هناك بإنشاء متحف وطني، ودار للآثار الإسلامية، ومركز للفنون الشعبية، ومعهد للمسرح.

وعندما حلت الكارثة بالكويت، لم تختف إرادة أبناء هذا البلد، بل تجسدت في صحف تصدر من القاهرة ولندن. وأصدر الدكتور محمد الرميحي جريدة "صوت الكويت"، فأصبحت بسرعة واحدة من الصحف العربية الدولية المتألقة التي تصدر من لندن.

مجلة العربي هي الأكثر انتشارا

يوسف القعيد
"جريدة الحياة" 9/ 9/ 1990

تعد الكويت من الدول العربية القليلة التي تولي الثقافة عناية خاصة، وتنفق عليها من موازنتها إنفاقاً جيداً، إذ تقدم للكتاب والمجلة دعماً مالياً يضمن لهما تحريراً جيداً وطباعة أنيقة، وأن تباع بعد كل ذلك بسعر رخيص في متناول الباحث عن هذه الثقافة عادة. ويذكر لهذه الثقافة التي قدمتها الكويت لسنوات طويلة ذلك الحرص الحقيقي على لغة العرب باعتبارها صمام أمان أخيراً للشخصية العربية، وكل هذا الاهتمام بتراث العرب والإسلام، وخاصة التراث المضيء والمستنير والذي كان يحاول دفع هذه الأمة إلى الأمام.

و "العربي" بالنسبة للكويت مثل الأهرامات بالنسبة لمصر، جزء من شخصية الوطن وإحدى العلامات التي تشير إليه، يقال "العربي" فتتداعى إلى الذهن صورة الكويت، ويقال الكويت فيتذكر الإنسان مجلة "العربي".

لقد كانت الكويت وطناً، فأصبحت قضية، والثقافة أفضل من يترافع عن قضايا الأوطان، إنها الدفاع الحضاري الوحيد عن مثل هذه القضايا. ومجلة "العربي" لم تكن شأناً كويتياً فقط، بل إن هذه المجلة قدمت الثقافة المبسطة والسهلة لأبناء الطبقة الوسطى في وطننا العربي، الموظف الصغير والطالب وابن القرية وربة البيت والمراهق والمراهقة والمثقف غير المتخصص، والباحث عن نفسه في مجال الإبداع الأدبي.

الكويت ومراكز الثقافة العربية

سامي خشبة
"الأهرام" 24/ 8/ 1990

في أثناء مرحلة "القطيعة" بين الدول العربية ومصر، دأب المحررون والمراسلون "الثقافيون" في الصحف والمجلات العربية - غير المصرية - على أن يطرحوا سؤالاً هاماً بعينه في كل حوار يجرونه مع أحد مثقفينا المصريين. كان هذا السؤال "المعين" هو: ما رأيكم في ظهور وتطور عدد كبير من مراكز الإنتاج الثقافي العربية بعيداً عن مصر، وعن القاهرة.. وهل هذه ظاهرة صحية بالنسبة للثقافة العربية، وهل هي في صالح الثقافة المصرية؟

أذكر أنني أجبت عن هذا السؤال فيما لا يقل عن عشرة "حوارات" أجريت معي خلال سنوات "القطيعة"، وأذكر أنني قرأت إجابات عن نفس السؤال لعشرات من الكتاب والمثقفين المصريين وكانت الإجابة - دائماً ودون استثناء - واحدة: إن الثقافة العربية في عصر ازدهارها العظيم، لم تكن أبداً ذات مركز واحد: وفي عصر واحد كان للثقافة العربية نحو تسعة أو عشرة مراكز تمثلت في القاهرة والقيروان ودمشق وقرطبة وطليطلة وبغداد وصنعاء وانطاكية وحران وغرناطة.

والثانية أن الثقافة العربية - بطبيعة تكوينها - ثقافة تقوم على الحرية وعلى إعلاء قيمة الاجتهاد والرأي: اجتهاد ورأي الفرد أو الجيل أو البلد (ولنراجع بعض ما قيل في تفسير مبدأ الإجماع، مثلاً) وفي عصرنا هذا الذي تتعدد فيه مراكز الإنتاج الثقافي - من كل نوع ومجال وميدان - في العالم والذي تتلاحق فيه المكتشفات المعرفية والتجديدات المنهجية بلغات ثقافات العالم الكبرى العديدة، فإنه عصر تشتد فيه حاجتنا أشد تعدد "مراكز الإنتاج الثقافي العربية"، ولو لم تكن الظروف قد خلقت هذا التعدد لكان من واجبنا أن نبتكره ابتكاراً أو أن نفرضه فرضا.

وهناك تعدد في "وظائف" مراكز الإنتاج الثقافي العربية يفرض الآن أن نتذكر الدور الذي لعبته الكويت خلال العشرين عاما الأخيرة، لقد بدأ هذا الدور العظيم بإصدار مجلة "العربي" التي أوشكت خلال السنوات الأخيرة أن تصبح المجلة "القومية" الأولى والوحيدة في العالم العربي كله، إذ أصبحت بحق، منبراً حراً لكل أنواع المعرفة المتعمقة، ولكل تيارات الفكر القومي، غير الأيديولوجي وغير المتعصب وغير الجامد، ولكن من زاوية واحدة، يجمع ضلعاها بين الالتزام بالحقيقة والالتزام بمصالح الأمة العربية واحتياجاتها في بساطة جعلتها في متناول المثقف والقارئ العربي الشغوف بالمعرفة وبالتفكير.

ثقافة الكويت المميزة هل تنتهي بالغزو؟

سامح كريم
"الأهرام" 7/ 9/ 1990

.. وإذا كانت فجيعة الأمة العربية في غزو العراق للكويت وما نتج عن ذلك من قتل وسلب وهتك وتشريد فجيعة كبيرة فإن فجيعة المثقفين العرب في غياب التجربة الثقافية للكويت بها لها من حضور مميز في الساحة العربية فجيعة أخرى! فهي تجربة مميزة بكل المقاييس العلمية والنقدية حيث أثبتت قدرة الثقافة على تجاوز المفاهيم السياسية بما يسيطر عليها من حواجز أيديولوجية متخذة لنفسها أسلوباً مميزاً، يعمل أساساً على التدخل النشيط للدولة في قطاع الثقافة وكانت ثمرات هذا التدخل إيجابية إلى حد كبير حين خاطب المواطن المتطلع إلى مزيد من المعارف في أي مكان من الوطن العربي بأقل التكاليف وكأنه بذلك يحرص على أمرين: أولهما ألا تصطبغ الثقافة عامة بالصبغة الرأسمالية التي تطلب من النواتج الثقافية ربحاً وفيراً. والآخر ألا تصطبغ هذه التجربة بصبغة مخلية ضيقة بل تتوجه برسالتها إلى الإنسان العربي في كل مكان وفي ظل أي نظام.