كمال الصليبي مؤرخًا

كمال الصليبي مؤرخًا

في ختام مناقشة أطروحتي للدكتوراة، حيث كان الدكتور كمال الصليبي رئيس اللجنة الفاحصة، قام بإلقاء كلمة قصيرة، احتفظت بها بخطه إلى الآن. في هذه الكلمة، قدم لي الدكتور الصليبي خلاصة تجربته والمبادئ التي سار عليها في عمله البحثي:

قال: «إن التواضع هو الميزة الأهم عند الباحثين، ولقب دكتور «مهزلة» عندما لا يقترن بهذه الفضيلة». قد يبدو غريبًا مثل هذا الكلام عندما يصدر عن أستاذ كبير وصاحب كتب عدة حول تاريخ لبنان وبلاد الشام والجزيرة العربية، ورجل عالم ذي اعتبار رفيع بين أقرانه من علماء العالم، إذا كان المرء على غير معرفة شخصية بالرجل.

وقد كان - بلا شك - ممن يقرن القول بالفعل، فقد بقي على تواضعه الجم «وحشريته» في عمله وحياته اليومية، واستمر في التعلّم والتعليم إلى نهاية حياته. وربما كان كمال الصليبي قد خلق ليكون مؤرخًا، كان كثيرًا ما يصف نفسه بأنه مؤرخ قصصي، وأن يكون المرء قريبًا منه، يعني أن يتعلم الكثير، كذلك فإن ذاكرته كانت شديدة الدقة وقدرته على رواية القصص أسطورية. وكثيرًا ما كانت ملاحظة عابرة حول أمر ما مناسبة لقصة ممتعة سمعها الصليبي ممن هم أكبر منه سنًا. وكانت القصص أكثر إمتاعًا للسامعين عندما يكون هو شخصيًا من أبطالها. وقد كان كثيرًا ما يحثّني في السنوات الأخيرة على كتابة بعض ما يرويه لي قائلاً: «عندما يحين الأجل، فإن هذه المرويات ستضيع إلى الأبد».

لقد كتب الدكتور الصليبي في العديد من الحقول التاريخية، وخلف وراءه كنزًا من الكتابة التاريخية والفكر التاريخي سيظل منهلاً للآتي من الأجيال. كان آخر الحقول التي استحوذت على اهتمامه خلال ربع القرن الأخير من حياته هو الدراسات المتعلقة بالإنجيل بعهديه القديم والجديد.

بالرغم من أن بعض كتبه التي نشرت بعد كتابه المثير للجدل بين المؤرخين «التوراة جاءت من جزيرة العرب» لا تقل أهمية عنه، مثل كتابي «البحث عن يسوع» و«حروب داود» وغيرهما إلا أنني لن أتطرق هنا إلى مناقشة نظريته (أو نظرياته الواردة في هذا الكتاب وما تلاه، وذلك لأني غير مؤهل للقيام بذلك)، ولكنني سأروي كيف ولدت هذه الفكرة كما رواها هو شخصيًا لي، وكما عايشت بعض فصول ولادتها، وكما رواها لاحقًا في مذكراته: «طائر على سنديانة» كان الدكتور الصليبي قد بدأ بإعطاء مادة في التاريخ حول الجزيرة العربية، وعندما لاحظ عدم وجود كتاب يمكن اعتماده ليكون المرجع المعتمد لدى الطلاب في هذه المادة، بادر إلى وضع كتاب حول الموضوع باللغة الإنجليزية، وأصبح من المهتمين بمتابعة ما ينشر حول الموضوع وما يعقد حوله من ندوات ومؤتمرات.

حضر الدكتور الصليبي في ربيع 1979 مؤتمرًا علميًا حول جزيرة العرب في جامعة الرياض آملاً أن يتعلم من أهل الاختصاص ما يفيده في تعليمه لمادة «تاريخ الجزيرة العربية» وما يطور كتابه حولها. وقد حدث في إحدى جلسات هذا المؤتمر أن سأل أحد السعوديين، الذي يتحدر أصلاً من منطقة حضرموت، إذا كان أحد من العلماء المشاركين يستطيع أن يلقي الضوء على مسألة محيّرة بالنسبة إليه فيما يتعلق باسم منطقة «حضرموت»، مشيرًا إلى أن الكتابات العربية تحرّك الاسم بحيث تقرأ «حضرموت»، وهي تعني «حاضرة الموت» مما يجعل الاسم لغير المسمى، ذلك أن المنطقة هي عبارة عن واد يمتلئ بالواحات الخضراء، ولذا فهي مكان للحياة لا للموت، يعقب الدكتور الصليبي هنا بالقول: إنه كان قد زار شخصيًا حضرموت، ولاحظ خضرتها بالرغم من أنها محاطة بالصحارى. لا داعي هنا للإفاضة في الحديث عن المناقشة التي تلت هذا السؤال بين الدكتور الصليبي وبعض أهل الاختصاص.

وقد فوجئ الدكتور الصليبي بتعصب أهل الاختصاص لتفسيراتهم للاسم، التي تجافي المنطق. كما أن الدكتور الصليبي كان ضليعًا باللغة العربية واللغات السامية التي درسها على يدي الأستاذ المرموق في هذا الحقل أنيس فريحة. في أعقاب ذلك النقاش الذي تابعه أحد الباحثين السعوديين، الأستاذ عبدالله بن خميس باهتمام، قام الأخير بإهدائه قاموساً بأسماء الأماكن في الجزيرة للدكتور الصليبي، وكان ذلك جزءًا مما نشر حول أسماء الأماكن والقبائل في ذلك الوقت تحت إشراف الأستاذ حمد الجاسر.

بدأ الصليبي بدراسة أسماء الأماكن بقصد تصنيفها لغويًا، بحيث يستطيع أن يرسم خريطة لغوية لجزيرة العرب في العصر القديم، مما سيفيد في التعرّف إلى بعض ملامح تاريخها في ذلك العصر، ولكنه سرعان ما لاحظ أن هنالك عددًا كبيرًا من أسماء الأماكن في الجزيرة يتطابق مع أسماء الأماكن الواردة في قصص التوراة. وهكذا بدأ البحث اللغوي المعمّق لتفسير هذه الظاهرة.

في رواية الصليبي هذه ما يوضح جوانب مهمة من تكوينه كباحث، فهو لم يكن يتورع عن الخروج على إجماع أهل الاختصاص (حتى حين يحدث أن يكون هو من بينهم) إذا كانت قناعته العلمية تشير إلى ما يبرر هذا الخروج. كذلك كان الصليبي يعتقد أن القارئ العادي صاحب فطرة سليمة تقبل ما هو خارج عن المألوف إذا كان معقولاً ومنطقيًا. وهو لذلك كان يطلب إلى بعض طلابه قراءة ما يكتبه في مختلف المواضيع ويصر على سماع انتقاداتهم لاستنتاجاته وطريقته في عرض الموضوع والسياق اللغوي لهذا الغرض.

في الفترة التي سبقت انشغال الصليبي بالمواضيع المتعلقة بالكتاب المقدس (القديم والجديد)، كان جل عمله البحثي قد تركز على تاريخ لبنان، وكما في عمله اللاحق على الكتاب المقدس، فإن أسس البحث كانت دائمًا التحري عن الحقيقة، والتثبت من صحة ما كتب أو مراجعته حيثما يقتضي الأمر. وقد كان في كتبه وأبحاثه التي تعالج مواضيع تاريخ لبنان، يستعمل مختلف المصادر المتوافرة، مستعملاً تدريبه وخبرته في تشريحها والرد عليها أو تصويب أسطورية المصادر وذلك بتقديم البديل وأسبابه على قبول هذا البديل. إن رفضه للموروث التقليدي لم يكن دائمًا موضع إعجاب العديد من القرّاء، إلا أنه نبع من رفضه أن يكون التاريخ تقليدًا إذا استند إلى حقائق غير ثابتة، وانتقد بوضوح وحزم الأخطاء الواردة في مصادر ومنهجية مؤرخين لبنانيين آخرين، إلا أن منطقه ودوافعه لذلك كانت أكثر تواضعًا مما قد تبدو عليه. فعلى عكس ما كان يعتقده من انتقد أعمالهم، كان كمال الصليبي يسعى إلى تقديم المعرفة لا إلى الوصول إلى اليقين.

مرحلة البحث في المصادر

في بحثه الذي قدمه في مؤتمر لكلية الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن، SOAS, أطلق المؤرخ الشاب، في يونيو 1957، كمال الصليبي سهام نقده إلى حقل التاريخ اللبناني قائلاً: «بالرغم من أن معظم أعمال المؤرخين الموارنة قد نشرت، فإن البحث التاريخي اللبناني المعاصر لم يلتفت إلى معالجة هذه الأعمال نقديًا، حيث يتم استعمال هذه الأعمال كمصادر مرجعية موثوقة، دون التطرق إلى مصداقيتها». وكانت أطروحته (التي تحولت كتابا فيما بعد) «المؤرخون الموارنة للبنان في العصور الوسطى» قد بحثت في أشخاص المؤلفين وكتاباتهم، وهي في أساس تكوين الرواية التاريخية للبنان. عندما طبع هذا الكتاب، كان جديدًا في بابه، إذ لم يكن قد تم التطرق من قبل إلى عمل تحليلي نقدي للمصادر اللبنانية بالرغم من أن كثيرًا من مؤرخي لبنان

قد استعملها، وفي عدادهم المؤرخ المعروف فيليب حتي. ربما كان من حسن حظ حقل التاريخ اللبناني، أن يكون الإسهام الرئيسي الأول للصليبي تقييمه المهم للمؤرخين التقليديين وأعمالهم. وفي الحقيقة فإن مقالته الجريئة التي كتبها في هذا الإطار تحت عنوان «التاريخ التقليدي للموارنة» في عام 1957، يمكن لخلاصتها بكل سهولة أن ترد في كتابه «بيت بمنازل كثيرة: التاريخ اللبناني بين التطور والواقع»، وهو الكتاب الذي يمثل عصارة تجربته حول التاريخ والتأريخ اللبناني ويتوجها، حيث يقول في هذا الوقت المبكر من عمله في التاريخ: «إن الاتجاه الاعتذاري في التقليد التاريخي الماروني مازال يسيطر على العمل البحثي الماروني في التاريخ. فالمؤرخون الموارنة اليوم مازالوا يكتبون دفاعًا عن طائفتهم ويغالون في أهميتها...

ولا يمكن الانطلاق بعيدًا عن ذلك ما لم يبادر المؤرخون الموارنة المعاصرون إلى إعادة تقويم كاملة لتأريخهم التقليدي في ضوء البحث الحديث».

تاريخ لبنان السياسي

كان الصليبي في مرحلة كتابته لـ «بيت بمنازل كثيرة» قد فقد ثقته بالرواية التاريخية اللبنانية وأصبح شديد النقد بالرغم من أنه أحد المساهمين المميزين في بعض جوانب هذه الرواية، إلا أنه كان على عكس التأريخ الطائفي المسيس الذي تصدى له بشكل دائم وشامل، يحاول تقديم رؤيته بما يتيسر له من الصحة، حتى إذا تطلب الأمر التناقض مع ما ومن سبق إلى حد نقض المصادر الأساسية إذا وجد الأدلة على ذلك والدوافع التي حدت بهذه المصادر إلى تقديم رؤياها المغرضة.

إسهامات الصليبي في التاريخ السياسي اللبناني تتمثل في سلسلة من المقالات المنشورة في المجلات المتخصصة، إلى جانب مساهماته في الموسوعة الإسلامية، وكان أولها مقالته عن آل بحتر، حيث عالج نشوء نظام إقطاعي بقي قائمًا زمن المماليك والعثمانيين إلى نهاية الإمارة الشهابية وقيام نظام القائمقاميتين، ثم نشر سلسلة من المقالات التي عالجت جوانب من تاريخ لبنان في العهدين المملوكي والعثماني، وربما كان أكثر هذه المقالات ثورية و«هرطقة» بالنسبة للرواية التاريخية اللبنانية هو مقاله «سر البيت المعني» حيث أثبت عدم صحة سلسلة النسب المعني كما أوردتها المصادر التقليدية والدراسات التاريخية الحديثة والدور الذي لعبه المؤرخون والتاريخ التقليدي في ترويج هذه السلسلة. هذه المقالة البريئة المظهر والغرض شكلت خطرًا على الرواية التاريخية اللبنانية التي حرص المؤرخون الموارنة على تثبيتها والتي قامت على أن فخر الدين المعني هو من أقام لبنان الموحد.

هذه الرواية لا تستقيم مع ما أثبتته هذه المقالة من أن اللبنانيين فضلاً عن الدروز لم يكونوا موحدين وراء قائدهم الملهم. بالطبع لم يكن الصليبي يقصد هذا، ولكن بحثه التاريخي الموضوعي أوصله إلى هذه النتائج، فكان لابد له من عرضها بأمانة المؤرخ.

أما إسهام الصليبي الرئيسي في باب التاريخ التقليدي للبنان، فكان بلا شك كتابة «تاريخ لبنان الحديث»، الذي يعالج تاريخ لبنان السياسي والفكري منذ بداية القرن الثامن عشر إلى نهاية الانتداب الفرنسي. وقد انتقل في كتابه هذا إلى معالجة النزاع والتغيير السياسي الذي طرأ على جبل لبنان خلال العقود السبعة الأولى في القرن التاسع عشر، وكيف أثرت هذه التطورات على الفكر الوطني اللبناني بمختلف تياراته، إلا أن ما يميز هذا الكتاب - في اعتقادي - عن الكثير مما كتب في هذا الباب وحول تلك الحقبة هو أن الصليبي عالج لحظات شديدة الحراجة في التاريخ اللبناني (خاصة الحروب الأهلية في القرن التاسع عشر) كظاهرة من ظواهر التطورات الاجتماعية والسياسية التي غيرت الواقع الديمغرافي والاجتماعي والاقتصادي في جبل لبنان في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وكان استبعاده للخلاف الديني كعامل ثانوي يمثل ابتعادًا عن التفسير، الماروني خصوصًا، التقليدي لتلك الأحداث، وقدم بديلاً عنه تحليلاً واضحًا ومدعمًا لأسباب تلك النزاعات ونتائجها.

إعادة النظر في تاريخ لبنان

إن عملية إعادة النظر في التأريخ تتطلب جرأة وثقة بالنفس، ذلك أنها في أساسها تقييم وانتقاد للأعمال والاتجاهات السابقة بهدف تصويب الأعمال اللاحقة. بالنسبة للصليبي، كانت إعادة النظر هذه تمثل إعادة في جانب كبير من حياته العلمية والعملية، التي كان قد كرس جزءًا كبيرًا منها لتاريخ لبنان. وكان هذا ولا شك يتطلب قدرًا كبيرًا من التواضع. وكنت قد أشرت إلى نصيحته إلي في هذا الشأن في ختام مناقشة أطروحتي للدكتوراه، إلا أنه أتبع ذلك بأن خاطبني في المناسبة ذاتها بقوله: «يجب أن تكون دائمًا على استعداد لإعادة النظر في استنتاجاتك على ضوء ما يستجد من بحوث، وأن تنحني احترامًا للنتائج التي قد يتوصل إليها الآخرون عندما تكون أكثر دقة، وأن تسعد بقبول النقد عندما يكون موجهًا بإخلاص بقصد تقدم المعرفة لا الوقوف في وجهها». وكان أن نشر كتابه «بيت بمنازل كثيرة» بعد سنوات من هذه الوصية. وقد كان لسعي الصليبي إلى المعرفة لا إلى اليقين أن جعل من «بيت بمنازل كثيرة» منطلقًا جديدًا لتاريخ لبنان، ذلك أنه أصبح في نهاية المطاف النقطة التي تنطلق منها جميع المحاولات التأريخية للبلاد. وبالرغم من أن ازدراءه بأصنام التاريخ اللبناني وأساطيره قد أزعج البعض، فقد كان مقتنعًا بأن إعادة النظر التي قام بها في «بيت بمنازل كثيرة» ضرورية لعافية الوطن. فعندما تندثر الأسس القديمة التي كانت في أساس النزاعات التي عصفت بالبلاد مرارًا، يصبح المجال متاحًا أمام بروز هوية وطنية قائمة على الفهم والاحترام المتبادلين مما يصنع مجتمعًا أكثر استقرارًا. وكان الصليبي كثيرًا ما يخلط الجد بالمزاح حين يقول «إن التاريخ اللبناني ما هو إلا سلسلة من الأكاذيب». ولكن الحقيقة هي أن هذا الدرس النقدي الذي قدمه في «بيت بمنازل كثيرة» هو الذي ترك أثرًا بالغًا في حقل التاريخ اللبناني، فقد كان لنشر هذا الكتاب أثر الثورة في كيفية النظر إلى الموضوع ومعالجته. وقد وضع أصبعه على الجرح حينما أشار إلى أن هنالك العديد من «التواريخ اللبنانية» التي تنطلق من حساسيات خاصة. وقد تساءل الصليبي في فصل هذا الكتاب الختامي الموسوم «الحرب على تاريخ لبنان» قائلا: «هل يمكن أن يكون كلا الجانبين على خطأ، وأن تكون الحقيقة التاريخية اللبنانية في مكان آخر؟»، أم أن كلا الجانبين في الحرب على تاريخ لبنان على حق ولكنهما ينظران إلى الحقيقة الواحدة من منظارين مختلفين؟ وفي كلتا الحالتين، هل هنالك ما يمكن أن يسمى الحقيقة التاريخية المطلقة في هذا الشأن؟ هل سيكون هنالك رابحون وخاسرون، أم أن الأمر لا يتعدى كونه لعبة لايمكن لأي طرف أن يربح أو يخسر فيها؟ وفي لبنان أواخر الثمانينيات من القرن الماضي حين نشر كتاب الصليبي هذا، حينما كان البلد قد دمر أو كاد بسبب الطائفية والحرب الأهلية، لم يأت استعمال كلمة «حرب» مجازًا على سبيل النكتة الساخرة. بل إن الرؤى المتصارعة على الهوية الوطنية اللبنانية كانت تنطلق من سوء فهم للتاريخ اللبناني ساهم في تبرير إراقة الدماء سياسيًا وأخلاقيًا.

كذلك فقد لاحظ الصليبي في هذا الفصل الختامي أن الشعوب المنقسمة كما هو الحال في لبنان «إذا شاءت أن تحقق قدرًا من التضامن الذي يضمن لها الاستمرار، فإن فرصتها الأفضل لتحقيق ذلك تكمن في فهمها لحقائق ماضيها كاملة، وأن تتعايش مع هذه الحقائق». هذه الوصفة ذات أهمية خاصة أنها تضع كتاب «بيت بمنازل كثيرة» في منزلة فردية بين الأعمال البحثية، فالكتاب في عرضه التأريخي موجه للباحثين في تاريخ لبنان الذين هم على علم بالمصادر، ولكن أسلوبه السهل الذي يضعه في متناول العامة، يجعل رسالة موجهة إلى اللبنانيين أنفسهم. فكأني بالصليبي المعلم في كل الأوقات يريد أن يثقف اللبنانيين في أخطاء مسارهم - ولم يكن، في اعتقادي، هناك من هو أجدر منه للقيام بهذا العمل. رحل كمال الصليبي مؤرخ لبنان الأكبر، في الأول من أيلول 2011، وقد استمر حيًا بعمله وأصدقائه المحبين وتراثه الذي يتمثل، إضافة إلى إنتاجه، بالطلاب الذين أشرف على تدريبهم والذين يستمر العديد منهم في نقل علمه الغزير والمبادئ التي عاش وعمل بهديها إلى جيل جديد من المؤرخين.
--------------------------------
* رئيس قسم التاريخ في جامعة بيروت الأمريكية.

 

عبدالرحيم بوحسين*