الغَوَرْدَلْ

الغَوَرْدَلْ

تحت عين السماء القريبةِ كنا نناديهِ،
لا كي يمكِّننا، وهو بالكاد يقوى على حمْل أحزانِهِ
من تعقُّب أصواتنا في ضباب البدايات
بل كي نشدَّ به أزْر أقدامنا حين تضعفُ
أو كي نناشد أعمارنا
وهي تُمعن في الركضِ أن تتمهَّلْ
وكنا نناديهِ
كيما يعدَّ لنا فرصةً
لبلوغِ النواةِ التي تتكشَّف عنها
قشورُ الحياةِ السميكةُ،
حتى إذا مرَّ فوق عشيَّاتِ صيف القرى بالأكفِّ
انحنيْنا على فَوْحِهِ مثلما تنحني الأمهاتُ الثكالى
على شاهدات القبور،
ورحنا نظلِّل فيه الأغاني لتصفو
ونضفر بالذكريات التي التمعتْ في مآقيهِ
شعر النجوم البعيدةِ،
فيما الينابيع ترفعه كالمرايا
إذا ما استفاقتْ لكي تَتَجَمَّلْ
لا النهار صديقٌ لغربتهِ حين ينأى
ولا الليل يمكنه أن يعود بهِ مرةً ثانية
نحو تلك الجذور التي كأنها تحت تربته الأمِّ
حيث الطراوةُ لم تستقمْ بعدُ،
والعشبُ يبحث كالخلْدِ عن فُرْجةٍ للتنفُّسِ،
بالانحلال العنيف لأوراقهِ في أواني الغسيل
يكفُّ الغوردلُ عن أن يكون نباتًا
وتضحى روائحُهُ اللاذعة
دليل النساءِ الأثير إلى ما يجيشُ بأعماقهنَّ
الغوردلُ أرضٌ مصغرة للإقامة،
قوسُ الوجودِ الزفافيُّ،
روح الحياةِ البريئةُ من كلِّ إثمٍ،
وطفلُ الغياب المدلَّلْ
ولكنه ليس يملكُ -
إذ تسقط الأرض في قبضة الفاتحين -
سوى أن يصير، وقد هَدَّهُ اليأس.
تاجًا لعار الطغاةِ وإكليل نصرٍ
لتطويق عنقِ الرجاء المؤجَّلْ

 

شوقي بزيع