كلب الآنسة (قصة × صفحة)

كلب الآنسة (قصة × صفحة)

«نقلت السيارة المهشمة إلى مكان ما بعد أن تم نقل جثة الفتاة إلى المشفى» هكذا ورد الخبر في صحيفة الحوادث اليومية ولفت نظري ما ورد في نهاية الخبر المؤسف... ونجا من حادثة الاصطدام المروعة كلب الآنسة ناتاليا الذي بقي في مكان الحادثة وهو ينبح نباحا غريبا متقطعا أشبه بالنحيب...».

هطلت في ذلك اليوم ثلوج غطت كل طرقات وشوارع مدينة موسكو وأصبح تنقل السيارات أكثر صعوبة وتراصت في طوابير طويلة بعد أن انخفضت سرعتها إلى الصفر وطغت الكآبة على الجو العام وخيم الظلام بسرعة.

وكانت حادثة الاصطدام المروعة قد وقعت على الطريق المؤدية إلى بيتي، ونظرا لبطء تحرك السيارات بسبب حالة الطقس بدأت أتأمل بملل وتطفل زائد ذلك المكان، وبحثت بعيني عن الآثار التي خلفتها الحادثة على الموقع.

... ولمحته.. لمحت الكلب يتحرك على قارعة الطريق،صغير الحجم من نوع البولينييز، أبيض اللون على الأغلب فالأوحال والثلوج فعلت فعلتها. كان هزيلا جدا وذيله متسخًا تغطيه طبقة من الوحل الجاف وبدا تائها كمن يبحث عن شيء ما افتقده وينبح بصوت عال كلما مرت سيارة ويعود لينبح بصوت منخفض ومتقطع نباحا غريبا أشبه بالنحيب.

وبعد استراحة عطلتي السبت والأحد توجهت إلى عملي، ولمحت الكلب مرة أخرى ونزلت لأشتري صحيفة اليوم فانتهزت الفرصة لأسأل عاملة الكشك عن الكلب فقالت لي: تصور أن هذا الكلب لم يبارح هذا المكان منذ يوم الحادثة وينبح بصوت عال كلما مرت سيارة حمراء اللون لأن سيارة الفتاة كان لونها أحمر ويظل يطارد السيارات الحمراء مسافة طويلة إلى أن يصيبه التعب فييأس ويعود أدراجه إلى المكان لينبح بصوت منخفض ومتقطع نباحا غريبا أشبه بالنحيب. شكرت العاملة دون أن أسألها تفاصيل أخرى وتابعت طريقي إلى العمل تاركا الكلب الوفي المدهش مع أحزانه المرة والأليمة.

ظل الكلب في ذلك المكان أيامًا عديدة يزداد هزالا وغطت الأوحال والأوساخ شعره الطويل وبدا كشبح صغير إلى أن اختفى في أحد الأيام فجأة ولم ألمحه بعدئذ أبدا.انتهزت الفرصة يوما عند شرائي جريدتي اليومية وسألت العاملة عن مصير الكلب فقالت: لقد نفق المسكين من الجوع دون أن يأخذه أحد يعتني به أو يرعاه أو يطعمه. كان يتضور جوعا كنت أطعمه من زوادتي اليومية وأنت تعلم بلا شك أي أجر نتقاضاه نحن العاملات المغلوبات على أمرهن وإلا كنت سآخذه إلى البيت وأعتني به. وبعد برهة أضافت بحسرة: آسفة على ما حصل له، لقد كان وفيا. قالت ذلك وكأنها الوحيدة المذنبة في ما جرى للكلب: آسفة جدا. ومن ثم استرسلت في الحديث بتشاؤم مبالغ فيه عن اللؤم ونكران الجميل بين البشر وكيف يتحاشى الصديق صديقه أيام الشدة والعوز ويبتعد عنه وكيف أن الكلاب أكثر وفاء من البشر. وبعدئذ تناولت العاملة موضوع الغلاء الفاحش ومواضيع أخرى كثيرة تتعلق بالعلاقات بين الناس، إلى أن نسيت موضوع كلب البولينييز. ودعتها بعد حين حزينا على حالتها المزرية وحزينا على وفاة صاحبة السيارة الحمراء وعلى كلب البولينييز. وما إن ابتعدت خطوات حتى نادتني بصوت عال: يا سيد، هل لك أن تقول لي ما هو سعر ذلك الكلب الذي سميته البولينييز؟ فأجبتها متابعا طريقي نحو السيارة: بحدود ألفي دولار أمريكي تقريبا. هزت العاملة رأسها بحسرة وقالت: لو كنت أعلم بسعره هذا لكنت أخذته إلى البيت، من يدري، ربما بعته بالسعر نفسه!!!.

 

ولاتو عمر