إلى أن نلتقي

  إلى أن نلتقي

(صراع الـحضارات) في خدمة إرهاب العولمة

اعتبرت مقولة فوكوياما حول (نهاية التاريخ) مؤشراً بارزاً على بؤس ثقافة عصر العولمة وتوجهاتها المستقبلية. وقد زادت فداحة البؤس النظري بعد أن نشر صموئيل هنتنجتون مقولة (صراع الحضارات). التي استغلت إلى الحدود القصوى بعد انفجارات نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر 2001.

ومع أن مقولة فوكوياما سحبت من التداول بعد فترة وجيزة على إطلاقها. فإن الإدارة الأمريكية تبنت بشكل كامل مقولة (صراع الحضارات). فردت دول أخرى, ومنها مجموعة الدول الإسلامية, بدعوة الأمم المتحدة إلى اتخاذ قرار مدروس يقضي باعتبار عام 2001 عام تفاعل للحضارات برعاية الأمم المتحدة. لكن أخبار انفجارات نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر 2001 التي هزت العالم بقوة جعلت أخبار الحرب الأمريكية ضد أفغانستان تطغى على ما عداها من أخبار. آنئذ خرج فوكوياما مجددا عن صمته, فنشر مقالة بائسة في صحيفة (الجارديان) البريطانية بتاريخ 11 أكتوبر 2001, بالتزامن مع بداية (الرد العسكري لاستئصال الإرهاب الدولي). وقد حملت عنواناً مثيراً: (لقد انتصر الغرب), وعنواناً فرعياً صغيرا: (الإسلام الراديكالي عاجز عن إلحاق الهزيمة بالديمقراطية والرأسمالية: مازلنا نعيش نهاية التاريخ). وبشيء من التشفي, وجه فوكوياما اللوم الشديد إلى الذين انتقدوا نظريته في السابق, ثم أيّد زميله هنتنجتون بأن حرب الأمريكيين على أفغانستان تندرج في إطار (صراع الحضارات) حيث الغلبة الأكيدة ستكون لليبرالية ومعها الديمقراطية الغربية, فبعد أن انتصرت مقولاتها على الاشتراكية التوتاليتارية, فهي قادرة على إنزال ضربة قاضبة (بالإرهاب الإسلامي الأصولي). ويرى فوكوياما أن نزعة الحداثة قوية. وهي كقاطرة المستقبل التي تدوس جثث كل من سيعترض سبيلها, دون أن تتأثر بأحداث كارثة مهما كانت أليمة, وعلى جثث المعترضين (ستعم الديمقراطية القسرية والسوق الحرة), بعد أن مهّدت لها مقولات هنتنجتون عن (صراع الحضارات). والعمل على إعادة تقسيم العالم وفق الإرادة الأمريكية. هكذا برز البعد الثقافي لفرض الحداثة الأمريكية ممزوجا اليوم بنوع من الاستعلاء الأمريكي الذي يعتبر الديمقراطية الليبرالية تراثاً خاصاً بالغرب. ورأى أن تلك الديمقراطية تعمل بشكل جيد فقط في المجتمعات الغربية التي كانت تنتسب سابقاً إلى الديانة المسيحية ثم تحولت إلى أنظمة علمانية, وسبب نجاحها يكمن في تخليها عن التبشير بالدعوة إلى مسيحية شمولية تعم العالم بأسره. وانتهى إلى القول بأن الأصولية الإسلامية, بنسختها الجديدة المتشددة التي ظهرت في السنوات الأخيرة, تقاوم بشدة كل مقولات الحداثة. فالإسلام وحده,برأي فوكوياما وحليفه الثابت هنتنجتون, كان ومازال مؤهلاً لتوليد ظاهرات أصولية مستمرة على طريقة بن لادن أو جماعة طالبان التي رفضت كل مظاهر الحداثة.

وفي ذلك تجاهل تام لحقائق التاريخ المعروفة التي تؤكد على أن القوى الإرهابية ليست حكراً على دين واحد, أو قومية بعينها بدليل وجود النازية المتجددة, والفاشية, والصهيونية, وفرقة (أوم) العنصرية البوذية في اليابان.

وإذا كان من الصعب الآن معرفة الأسباب الحقيقية للحملة العسكرية الأمريكية على أفغانستان وما أعد لها من مخططات سابقة, فإن من المؤكد أن أحداث 11 سبتمبر2001 ستؤكد أن مقولتي (نهاية التاريخ) و(صراع الحضارات) شكلتا الإطار النظري البائس لولادة إمبريالية من نوع جديد هدفها السيطرة على العالم. فهل يتجاهل الأمريكيون دروس التاريخ وعبره?

 

مسعود ضاهر