المدرسة الماليزية ضوء في نفق التعليم المظلم

المدرسة الماليزية ضوء في نفق التعليم المظلم

هناك تعبيرات جديدة تحتاج إلى وقت وجهد في ترجمتها، ومنها تعبير Smart School الذي لايعني المدرسة الذكية، كما أن المدرسة على الرغم من رقمنتها ليست مدرسة رقمية فحسب، وقد أشرنا إليها باسم المدرسة الماليزية، من واقع تكريسها نموذجًا في تجربة النهضة الماليزية التي تمنحنا تفاؤلا بإمكانية أن ينهض عالمنا العربي مما هو فيه!

كثيرا ما يتردد على الأسماع في الآونة الأخيرة مصطلح «المدرسة الذكية»، وكثيرا أيضا ما سمعت من أفواه الكثيرين تساؤلات واستفهامات عديدة عن هذه المدرسة، فما معنى المدرسة الذكية؟ وما الجديد والمختلف الذي تقدمه عن غيرها من المدارس الأخرى؟ وكيف يكون لما هو غير عاقل (المدرسة) ذكاء؟ أم هو تعبير مجازي يذكر المكان ويريد به من بالمكان (التلاميذ والمعلمين)؟ وكيف حال هذه المدرسة من الداخل؟ وقبل هذا وذاك ما الفلسفة التي تقوم عليها تلك المدرسة؟ وما الصورة التي نريدها لخريجها؟

المدرسة الذكية ليست ذكية!

جاء مصطلح المدرسة الذكية نتيجة للترجمة الحرفية عن الإنجليزية SMART School وكلمة SMART ليست كلمة مستقلة بذاتها ولكنها جاءت تجميعا لمجموعة اختصارات SMART الذي هو عبارة عن مجموعة من الاختصارات هي:

  • - Specific محددة.
  • - Measurable يمكن قياسها.
  • - Achievable ممكنة التحقيق.
  • - Realistic واقعية.
  • - Timed بترتيب زمني معين.

وبإجراء عملية تباديل وتوافيق من أجل تجميع هذه الاختصارات في كلمة سهلة، كانت كلمة SMART، وهذا ما يشير إلى أزمة الترجمة الحرفية، مما قد يوقع الكثيرين في خلط لا أول له ولا آخر. فإذا ما تم تجميع الحروف الأولى لهذه الاختصارات تكونت كلمةSMART وهذا يعني أنها تحمل مواصفات معينة يجب توافرها في هذا النوع من المدارس، ولا يعني مفهوم SMART الذي يمكن ترجمته إلى العربية على أنه «ذكي» والذي يمكن أن يحدث خلطا في أذهان الكثيرين مع كلمة «ذكاء» التي تترجم في الإنجليزية إلى «intelligence».

مما يعني أن هذه المدارس نوعية خاصة ولها مواصفات معينة، فلسفة خاصة، وليس كل مدرسة بها عدد من الأجهزة التكنولوجية يمكن أن يطلق عليها SMART School.

وقد جاءت الترجمة نتيجة أن أفضل ترجمة لكلمة SMART هي ذكية، ومن هنا جاءت فكرة المدرسة الذكية، والأهداف الذكية، والسبورة الذكية، والكروت الذكية، والأسلحة الذكية، و...غيرها من الذكاءات المتعددة التي التصقت بما لا يمكن أن نخلع عليه الذكاء أو الغباء على الإطلاق ؛ لأنه غير عاقل، وهو بريء من تلك الذكاءات.

كما أنه من معاني كلمة SMART كما ورد في القواميس الإنجليزية (سريع، ذكي، أنيق، نشيط، متقن، حاذق، عنيف، مؤلم، صارم).

المدرسة سمارت

أقترح أن تحمل SMART School مسمّى «المدرسة سمارت»، ولا يتم ترجمته إلى المدرسة الذكية أسوة بكثير من الأسماء التي تحمل مجموعة اختصارات.

ولأن حال التعليم العربي لا يحتمل المزيد من الغموض والتشويش، وكفاه ما يعانيه من أزمات، فهل نضيف إليه عبء خلط المفاهيم!

ظهر مفهوم المدرسة سمارتSMART School كصيغة لتطوير التعليم العام الذي يهدف إلى خلق مجتمع متكامل ومتجانس من الطلبة وأولياء الأمور والمعلمين والمدرسة وكذلك بين المدارس بعضها بعضًا، ارتكازا على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحديث العملية التعليمية ووسائل الشرح والتربية وبالتالي تخريج أجيال أكثر مهارة واحترافية. ويرى البعض أن مفهوم المدرسة الذكية في الخارج يعتمد على القطاع الخاص في تقديم الأجهزة والمعدات والوسائط المتعددة والدعم الفني لخدمة المدارس والمنشآت التعليمية مما يغذي الاقتصاد الوطني بالشركات المتخصصة التي تقدم خدماتها بشكل احترافي متميز لخدمة المشروع، وبالتالي يتم إيجاد فرص عمل جديدة في ظل هذا المشروع القومي الراقي.

والمدرسة سمارت مدرسة تعتمد على تكنولوجيا المعلومات «IT» «InformationTechnology» على نطاق واسع في العملية التعليمية بشتى جوانبها سواء من الناحية الإدارية الخاصة بالمدرسة كعملية حضور وغياب التلاميذ التي يتم رصدها بشكل تكنولوجي من خلال أجهزة الكمبيوتر، وكذلك درجاتهم الشهرية ومستواهم التحصيلي، ليس ذلك فقط بل ويمكن لأولياء أمور التلاميذ متابعة مستوى أبنائهم من خلال الموقع الإلكتروني الخاص بالمدرسة، وذلك عن طريق اسم مستخدم وكلمة مرور خاصة pass word بكل طالب يتسلمها ولي الأمر من المدرسة لمتابعة ابنه دون الحاجة إلى الذهاب إلى المدرسة.

ومكتبة المدرسة مكتبة إلكترونية تحتوي على عدد من أجهزة الحواسب التي يمكن من خلالها الدخول على شبكة الإنترنت والحصول على المعلومات التي يحتاج إليها، وهذه الأجهزة مزودة بعدد من الأسطوانات الإثرائية، وكذلك يمكنه استعارة الكتب من مكتبة المدرسة بشكل إلكتروني «ويتم ربط جميع أجهزة الحواسب في المدرسة الذكية بشبكة داخلية خاصة بها، حيث يمكن لمدير المدرسة متابعة العملية التعليمية والإدارية في المدرسة من خلال جهاز الحاسب الموجود في غرفة مكتبه. وتم تدريب جميع العاملين في المدرسة على استخدام الأجهزة التكنولوجية كل حسب احتياجات طبيعة عمله». ويتضمن مفهوم المدرسة سمارت المزايا الفلسفية الآتية:

- تقديم وسائل تعليم أفضل وطرق تدريس أكثر تقدما.

- تطوير مهارات وفكر الطلاب من خلال البحث عن المعلومات واستدعائها باستخدام تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والإنترنت في أي مجال أو مادة تعليمية.

- إمكانية تقديم دراسات وأنشطة جديدة مثل تصميم مواقع الإنترنت والجرافيك والبرمجة، وذلك بالنسبة لمختلف مستويات التعليم، والذي يمكن أن يمثل أيضا مصدراً إيراديًا للمنشأة التعليمية.

- إمكانية اتصال أولياء الأمور بالمدرسين والحصول علي التقارير والدرجات والتقديرات وكذلك الشهادات، وذلك من خلال الإنترنت أو أجهزة كمبيوتر في المدرسة يتم تخصيصها لهذا الغرض.

- تطوير فكر ومهارات المعلم وكذلك أساليب الشرح لجعل الدروس أكثر فاعلية وإثارة لملكات الفهم والإبداع لدى الطلاب.

- إقامة اتصال دائم بين المدارس، بعضها بعضًا، لتبادل المعلومات والأبحاث ودعم روح المنافسة العلمية والثقافية لدى الطلبة. كما يمكن إقامة مسابقات علمية وثقافية باستخدام الإنترنت مما يدعم سهولة تدفق المعلومات بين مختلف أطراف العملية التعليمية وتحسين الاتصال ودعم التفاعل بينهم.

- الاتصال الدائم بالعالم من خلال شبكة الإنترنت بالمدارس يتيح سهولة وسرعة الاطلاع على المعلومات والأبحاث والأخبار الجديدة المتاحة واستقطابها، فضلا عن كفاءة الاستخدام الأمثل في خدمة العملية التعليمية والتربوية.

- الاعتماد على الشركات الوطنية المتخصصة في توريد الأجهزة والمعدات والدعم الفني للمدارس الذكية ينشط ويسرع اقتحام الإنتاج الوطني لمجال صناعة البرمجيات وأدوات التكنولوجيا الفائقة بما يدره هذا المجال من قيمة مضافة عالية.

ويقوم الشق التعليمي للمنظومة بخدمة المدرسين عن طريق إطلاق قدراتهم الإبداعية لشرح المواد والمناهج والإشراف على عملية استقطاب المعلومات التي يقوم بها الطلبة. ويبدع الطالب أيضا في أساليب العثور على المعلومات المخزنة بسيرفر (server) المدرسة أو بالإنترنت وربط تلك المعلومات بعضها بعضًا واستخدامها على أرض الواقع تحت الإشراف المباشر للمعلم وأولياء الأمور.

أين يكمن الأمل؟

إذا جرى الحديث عن المدرسة سمارت SMART School فيجب أن يكون كل ما في هذه المدرسة سمارت، أي تتوافر فيه المواصفات سابقة الذكر SMART لكل من (النظام الإداري / المعلم / مدير المدرسة / الفصول / المبنى المدرسي / سلوك التلاميذ / الوجبة الغذائية المقدمة لهم في المدارس / طرائق التدريس) وذلك لأننا نقول المدرسة سمارتSMART School، وليس التعليم سمارت، أو طرائق التدريس سمارت.

فلماذا نركز عند الحديث عن المدرسة سمارتSMART School على النظام التعليمي فقط؟!! ولماذا لا تكون لدينا مدارس سمارت، فمدارسنا،وتعليمنا، وتلاميذنا، وفصولنا، وإداراتنا المدرسية، في أمس الحاجة على إلى هذه النوعية من المقومات.

المدرسة سمارت مدرسة تتميز بالأداء العالي في العملية التعليمية من خلال تطبيق مفهوم القيمة المضافة». والمدرسة عالية الأداء عند البروفيسور بيتر مورتيمور Peter Mortimorمدير معهد التربية بجامعة لندن (المملكة المتحدة)، هي «المدرسة التي يحقق فيها الطلاب تقدما يفوق ما يمكن توقعه بناء على ما يتم تزويدها به».

والمدرسة سمارت SMART School بذلك ينطبق عليها هذا المبدأ من حيث إضافة التكنولوجيا العالية فيها، والتدريب عليها، علاوة على تميزها بتبادل الخدمات بينها وبين المجتمع المحيط بها.

وعلى ذلك فالمدرسة سمارت مدرسة تعنى بإحداث ثورة شاملة في التعليم، وشخصية الفرد، ومحاولة الاستفادة من الذكاءات المتعددة للتلاميذ، وتنمية إبداعاتهم، وتعليمهم مجموعة من المهارات الحياتية التي تساعدهم على توفير فرص أفضل في الحياة.

وتعد فكرة تطبيق فلسفة المدرسة سمارت من أهم المشروعات التعليمية لما تحويه من مضامين من شأنها تحديث التعليم كله، ولعل التجربة الماليزية الناجحة لمشروع المدارس سمارت كانت العامل الرئيس في تحقيق التطوير الواضح لماليزيا، حيث وضعت ماليزيا هدفا لها وهو تحويل الدولة الماليزية إلى دولة صناعية، وكانت المدرسة سمارت أداتها في تحقيق ذلك.

وفي مصر يوجد مشروع المدرسة سمارت «تحت مسمى مشروع شبكة المدارس الذكية» وهي تجربة بدأ تطبيقها بالفعل منذ العام الدراسي 2003/ 2004م، في (38) مدرسة إعدادية، ويجري حاليا زيادة المشروع ليشمل (50) مدرسة إعدادية أخرى، بعدما أثبت المشروع نجاحه وبذلك تكون مصر الدولة العربية الأولى في تطبيق مشروع المدرسة سمارت.وعلى ذلك أصبح من الضروري الابتعاد عن دخول الألفية الثالثة، أو الموجة الثالثة بعقلية الموجة الثانية (عصر الصناعة، أو عصر الحداثة) من حيث صب المعارف في عقول التلاميذ، كما لو كانوا آلات صناعية، وضرورة تبني طرق وأساليب حديثة في العملية التعليمية، تعمل على تحقيق التنمية الذهنية للمتعلمين، حتى يتخرج جيل مساهم في إنتاج المعرفة، التي تعد القوة الحقيقية في القرن الحادي والعشرين، وليس مجرد مستهلك لهذه المعرفة.

وأخيرا يبقى سؤالان: إذا كانت الدولة الماليزية هدفت إلى تحويل ماليزيا إلى دولة صناعية كبرى، فكان مشروع المدرسة سمارت أداتها في تحقيق ذلك، فهل التعليم العربي يسعى لذلك؟ أم أننا نقوم بمشروعات تعليمية لمجرد حداثتها ونجاحاتها في دول أخرى فقط؟.

 

سلمى الصعيدي 





مشهد من إحدى مدارس «سمارت» في ماليزيا: بيئة عمل متطورة