عزيزي القارئ
عزيزي القارئ
ذكرى تتجدد في مايو من كل عام تتجدد ذكرى مأساة النكبة، التي لم تكن احتلالاً للوطن الفلسطيني وحسب، وإنما كانت تأسيسًا لهزائم لاحقة. بدأ الاحتلال بفكرة، ونمت نبتته الشيطانية لتصبح وعدًا، وغرست في خاصرة الأمة العربية كخنجر اسمه: دولة الاحتلال الصهيوني. ربما كان الضعف العربي، آنذاك، مبررًا لحدوث تلك الهزيمة، لكن النكبات التالية للأمتين العربية والإسلامية، تتزامن مع امتلاك كل منهما لمقدرات اقتصادية وبشرية كبيرة، فضلاً عن حضارة عريقة وثقافة بارزة.. فما السبب؟ هذا ما يطرحه رئيس التحرير في حديثه الشهري، حين يتناول الإسلام الأوربي، حيث بات العرب والمسلمون ضحايا لفكرة أخرى، كتلك الفكرة التي تسببت في النكبة، حيث يقع الغربيون الأوربيون في خطأ فادح حين يسيئون فهم المسلمين الذين يعيشون في أوربا، وحين يظنون أن تلك الأفعال الثقافية الفرعية والطائفية التي تصدر من مسلم هنا أو هناك هي القاعدة، أو أنها إشارة إلى حال المسلمين في كل مكان، وأنها ضرب من الشفرة الجينية التي تحكم حياة المسلمين. وهو يؤكد على أن مستقبل الإسلام في أوربا مرهون بمستقبله في بلاده، والعمل على احتواء المسلمين لأزماتهم مع الآخر يبدأ بنهج الصراحة مع الذات أولًا، لكي لا تطغى سلوكيات فردية ومتعصبة ومتطرفة، على صورة مثالية لدين عالمي، قائم على احترام القيم الإنسانية. هذا العام، في الذكرى الأليمة، تعاود «العربي» زيارة المدن العربية المحتلة، وها هي مدينة عكا وراء أسوارها الحصينة، ترصد التغيير، الذي لا يطالها وحدها، كما تقدم أحد نماذج المقاومة بالشعر، في مختارات هذا العدد للشاعر كمال ناصر. إن تجاوز الأزمة، وتفادي نكبات مجددة يأتي بالعمل على إنقاذ الهوية، إما باللغة كما يطرح مفكر جزائري يتناول راهنها المعتل، وإما باحتضان العقل كما يطلب عالم اجتماع تونسي، وإما بتفادي مركب النقص كما يطالب دارس صيني للأدب العربي. هذا العدد من «العربي» يكرِّس لسعي المجلة بألا تقف الذكرى عند مرفأ البكاء على أطلال دَرَسَتْ، بل يجب أن تتخطاها خطواتنا لنقيم عالمًا جديدًا من المعرفة، يعلي من شأن اللغة والحضارة، ويتحاور مع الإنسانية.