في يوليو من هذا العام ودعت الكويت رائدًا من رواد الثقافة
العربية، وعلماً من أعلامها البارزين، رحل عبد الله زكريا الأنصاري، الشاعر والمعلم
والسفير، الذي كان من رواد الفكر القومي، واثرى المكتبة العربية بثمانية عشر
مؤلفًا، وجعل من مجلسه مقصداً لكل الأدباء والكتاب والمفكرين من داخل الكويت
وخارجها، كان الانصاري راهبًا حقيقيًا في صومعة الفكر وعالم الكتابة، منذ ان اعتزل
العمل كسفير مفوض في منتصف الثمانينيات حتى تفرغ للبحث والمعرفة وتحول إلى سفير
الكويت الدائم في بلاط الثقافة العربية، كتب في الدراسات الأدبية فكان مدققاً
وأميناً، وكتب المقالة فكان مفكراً ومصلحاً وكتب القصيدة فكان شاعراً موهوباً،
امتاز إنتاجه بالعمق والتنوع واستمد جذوره من التراث العربي و الثقافة المعاصرة على
حد سواء. ولد الأديب الراحل في عام 1922، وبدأ تعليمه في المدرسة التي كان يمتلكها
والده ثم أكمل تعليمه في المدرسة المباركية، وبعد أن تخرج عمل مدرسًا في نفس مدرسة
والده، وقد طبعته هذه المهنة بطابعها، فظل معلمًا للأجيال من الكتاب والأدباء حتى
آخر لحظة في حياته، التحق بعد ذلك بوزارة المعارف، وأنتقل بعد ذلك إلى القاهرة
ليعمل محاسبًا في بيت الكويت بها وهو البيت الذي كان يمثل تجمع الطلبة الكويتيين
الذين كانوا يدرسون في مصر، وهناك تفتحت مواهب الأديب الشاب على الحياة الثقافية
الواسعة، واصبح رئيس تحرير مجلة «البعثة» التي أسسها الرائد عبد العزيز حسين، وكانت
من المجلات الثقافية المتميزة. انتقل الانصاري بعد ذلك إلى وزارة الخارجية، وعاد
إلى القاهرة عضواً في سفارة دولة الكويت واستمر يعمل فيها لثلاث سنوات أخرى، وعاد
إلى الكويت ليتولى منصب مدير الصحافة والثقافة بالوزارة ويصبح سفيراً فوق العادة،
وساهم مع رفاقه في رابطة الادباء الكويتية في إنشاء مجلة «البيان» التي أصبحت من
المجلات الثقافية المتميزة، وفي عام 1986 قرر أن يتفرغ للكتابة، وتحول إلى راهب من
رهبان الفكر. وقد أجرى معه هذا الحوار قبل وفاته الزميل إبراهيم المليفي المحرر
بمجلة «العربي».
- سؤالنا الأول كان عن شاعر الكويت الحزين فهد العسكر وعلاقة الأنصاري
به، ودوره في جمع أشعار العسكر ونشرها بعد أن كادت تحرق أو تندثر. في الجزء الأول
من السؤال توقفنا عند موقف المتزمتين، الذين حاربوا فهد العسكر وأشعاره، من إصدار
الأنصاري لكتاب عن ذلك الشاعر، والجزء الثاني تمحور حول ما تبقى من أشعار العسكر،
التي لم تكن صالحة للنشر آنذاك، وإمكانية نشرها الآن بعد كل ذلك الزمن؟
- نعم لم يصبني شيء من الذين حاربوا المرحوم فهد العسكر، بعدما وجهوا
إليه تهمهم بالإلحاد عندما أخذ يذكر في بعض قصائده الخمر والتغزل بها. الشعر كان
علنًا وما يرتكب من شرب للخمر كان سرًا، وبعض الناس يقيسون أحكامهم على ما يعلن وما
يُذكر علنًا. وقد تردد ذكر الخمر في شعر فهد العسكر، وتردد ذكر الغزل، وهو الذي
يقول:
ثم قالت ورذاذُ المطرِ |
|
حبس الطير ولمّا
يطير |
وهو الذي يقول أيضًا:
وتطاول المتعصبون |
|
وما كفرتُ وكفّروني |
لله درهم فلو |
|
حزت النُّضار
لألّهوني |
كان فهد العسكر ينفث همومه بأشعاره، وسرعان ما يتطاير شعره بين الناس،
فكلما قال قصيدة ترددت بين الناس وراحوا يترنّمون بها، وشعر فهد العسكر شعر غنائي
جميل لأنه يعبر عن صدق وجدان، ويعبر عن معاناة في زمن لم يعرفه ولم يعرفه فيه
المجتمع، لم يعرفوا معاناته، ولا معاناة الشاعر حينما ينفض همومه بشعره، وكيف
يتعامل مع قوافيه الراقصة وخياله المحلّق بعيدًا في دنيا الخيال، ولا يعرفون كيف
يستمد الشاعر معاناته وصوره من خياله المختلط بواقع الحياة، التي يعيشها هو وحده.
ألم تسمع ما كان يقوله الشاعر عمر الخيام؟ إنه يقول:
تدين لي الدنيا بل السبعة العلا |
|
بل الأفق الأعلى إذا جاش
خاطري |
يقول إنني أرى نفسي بعيدًا عن دنيا الحقيقة محلقًا في عالم بعيد كل
البعد عن الحياة الواقعة، وعما يعيشه الناس في حياتهم، وما يعملونه في الكد والبحث
عن عيشهم، فأين أنا منهم؟! هم في واقع، وأنا في واقع آخر، بعيد كل البعد عن واقعهم،
وبعيد عن أذهانهم، وبعيد عن خيالاتهم، والخيال يتوسع ويتوسع، ويمتد ويمتد إلى ما
ليس له حدود.
وهكذا شاعرنا فهد العسكر الذي وهب الشعر في كل جارحة من جوارحه، وراح
يحلّق به بعيدًا عن دنيا الناس.
وتجدنا نحن الشباب الذين وُهبنا حبّ الشعر، والتغنّي به، نلاحق فهد في
كل قصيدة من قصائده، وكلها جميلة غنائية راقصة، ومن الشعراء من يوهب موهبة الشعر،
وموهبة الكلمات، التي يصوغ بها أشعاره، وفهد منهم.
وقلنا ذات يوم لماذا لم نجمع ما نستطيع جمعه من أشعاره وقصائده
الجميلة؟ ووطدنا العزم على الطلب منه أن يملي علينا ما يحفظ من أشعاره، التي يتردد
صداها في نفسه، وقلت للأخ الزميل جاري المرحوم صالح جاسم شهاب لنأخذ موافقته على ما
عزمنا عليه، ونجسّ نبضه، ونحدد معه مواعيد اللقاء بعد موافقته. وبعد ذلك اتفقت أنا
والأخ صالح على أن نحمل أوراقنا معنا، وفعلاً رحّب بنا في بيته، وتكررت مقابلاتنا
معه في بيته، وراح يملي علينا أشعاره وقصائده من ذاكرته، هو يملي ونحن نكتب، وإذا
تعبتُ من الكتابة راح الأخ صالح يكتب، وإذا تعب رحت أنا أكتب ما يملي علينا، وتعددت
زياراتنا له، حتى أخذنا منه ما استطعنا ومااستطاع هو أن يمليه علينا.
وعدنا أخيرًا بكنز شعري جميل أين منه كنز «البورصة» والمال، ورحت
أرتّب وأبيّض القصائد وظلت لدي أتغنى بها وأغني، حتى شاءت الأقدار أن أبعث إلى مصر
وأخذتها معي إلى القاهرة، إلى أن صار ما صار من قصة عملي في بيت الكويت في القاهرة،
أما ما بقي من شعر فهد العسكر فمازال نشره يتعذر، وذلك لعدم توافره كاملاً، وصعوبة
نشره حتى اليوم، وقد يكون هناك من يحفظ، أو من يملك بعضه، لكنه يضنّ به، وقد حاولت
دون جدوى.
مذكرات منسية
- لعل قصة الأنصاري مع مذكرات الوزير والسفير والشاعر الراحل خالد
العدساني هي خير طريق لمعرفة الكثير من الاهتمامات السياسية للأنصاري، التي ظلت
متوارية لفترة طويلة خلف أشعاره واهتماماته الأدبية، كما كان لتلك القصة الفضل في
تسليط الضوء على العلاقات التي جمعت الأنصاري مع بعض رجالات الكويت. وفي هذا الجانب
شحذ شاعرنا الفقيد ذاكرته وخص «العربي» بهذه الإجابة الأقرب إلى الشهادة.
- إن بعض الذكريات تكون مدفونة تحت غبار السنين، وبعضها إن تركتها
ومارستها بعقلك وخيالك ووجدانك، ظهر لك ما هو مدفون منسيُّ مخفي تحت وطأة الكم
المتراكم من المفارقات أو المتناقضات، وتداخل الرؤى، والصور، والأحلام.
كثيرًا ما عبثت الذكريات بأصحابها، وكثيرًا ما عبث أصحاب الذكريات
بالذكريات، والذكريات أمانة في عنق صاحبها، ولا بد أن يؤديها كما كانت وكما حدثت،
لا كما يجب أن تكون وتحدث، وكثيرًا ما أهم بتسجيل ذكريات لها أثر في النفس، ووقع في
الفؤاد، وصدى في القلب، ولابد من ذكر شيء عما علق في الذاكرة، إذا كان هذا الشيء
يساعد على رصد التاريخ وتسجيله، وجاء يسألني ويقول: ما علاقتك بمذكرات المرحوم خالد
العدساني؟ وهي علاقة حديثة، ولابد من ذكر بعض ما حدث للمرحوم خالد في الماضي،
لاسيما يوم كان سكرتيرًا للمجلس التأسيسي، والذي نعرفه عن أسرار المجلس نتفًا من
أخبار كنا نتناقلها ونحن صغار، يوم كنا لا نحسب حساب الزمن وما سوف يروى عن أحداثه،
ولو كنا نعرف لرصدنا الأخبار بيومها، أي لسجلنا ما كنا نسمعه ويرويه الناس يومًا
بيوم. وإذا كانت هذه العلاقة الحديثة يعلوها الغبار، فما بالك بالأحداث الأخرى التي
مرت بنا، أو مررنا بها؟
بعض الأسئلة تثير شجونًا في النفس، وتثير شئونًا أيضًا، عن بعض ما علق
بالذاكرة عن خالد العدساني وما حدث للمجلس التأسيسي وحدث ماحدث وخرج متنكرًا بلباس
بدويّ إلى البصرة، وذلك ما أخبرني به بعدئذ المرحوم أبو راشد، حمد المناعي، حيث قال
إنهم أخفوه وساعدوه على الهروب من الكويت خوفًا عليه من الأذى، وهرب من الكويت
واستقر في البصرة فترة من الزمن، ثم غادرها إلى بيروت وبقي فيها. وفي بيروت كتب
كتيّبه عن المجلس، (نصف عام للحكم النيابي في الكويت)، وهذا الكتيّب له قصة
معي.
- أستاذ عبدالله لقد سمعتك مرات عدة تتحدث فيها عن موضوع هذا الكتاب إلا
أن الأحداث لم تصلني بصورة مترابطة فهل لك أن تروي لنا تلك القصة كاملة؟
- كان الناس في الكويت يتداولونه مهربًا من بيروت إلى الكويت، لأنه
يتحدث عن المجلس المثير. ولقد هُرّبت من هذا الكتيب، كمية من النسخ، ورحت أنا
والصديق المرحوم مرزوق فهد المرزوق نوزّعه سرًا على معارفنا وأصحابنا. وكان المرحوم
مرزوق صديقًا وفيًا مخلصًا لعروبته وشابًا متحمسًا لقوميته، وأخبر من أخبر
المسئولين، أننا نوزع الكتيب سرًا. وفي أمسية أحد الأيام جاء من يطرق باب بيتنا
طرقًا متواصلاً، وكنا قد انتقلنا توًا من بيتنا الواقع في دروازة العبدالرزاق إلى
بيتنا الجديد في الصالحية، قرب قصر نايف، ورحت مسرعًا إلى فتح الباب، وفتحته وإذ بي
أفاجأ بالأخ مرزوق محمد الغانم يقول لي: لقد أرسلني الآن عمي خليفة، ويقول لك هات
كل ما عندك من كتاب خالد العدساني (نصف عام للحكم النيابي في الكويت)، حيث إن الشيخ
عبدالله المبارك في غضب شديد، ولولا عمي خليفة لكان لك ولمن معك شأن آخر، لكنه
تعهّد للشيخ عبدالله المبارك أن يتسلم الكتاب ويحضره للأمن العام، فأسرع هات الكتاب
فعمي خليفة بالانتظار.
قلت للأخ مرزوق: انتظرني قليلا، وكان في بيتنا الجديد في الصالحية سطح
للديوانية في الحوش الثاني، سطح ليس له درج، ولا أحد يستطيع الركوب إليه، فرحت أحمل
ما عندي من نسخ الكتاب، لكني أخذت خمس نسخ وألقيتها على هذا السطح، سطح الديوانية،
وأتيت إلى الأخ مرزوق أحمل ما عندي من كتب، وقلت له: هذا هو المتبقّي لديّ، وقلت له
أرجوك تشكر العم خليفة، وتبلّغه خالص تحياتي وشكري.
ومرت الأيام، وبعد سنوات قليلة، أحضرت سلمًا، وركبت إلى السطح وأخذت
النسخ فإذا هي عجفاء متخشبة ذاوية من الشمس.
- وكيف استرجعت علاقتك بالعدساني مرة أخرى بعد كل الظروف التي مرّ
بها؟
- قبل المضيّ في الحديث عن المرحوم خالد العدساني لابد من القول، إن
الشيخ عبدالله المبارك هو نفسه الذي أعاد خالد العدساني إلى الكويت، حيث كان هاربًا
في بيروت، وذلك في إحدى زياراته إلى بيروت، وبعد ذلك عُقدت صداقة حميمة بين
المرحومين، وأخذ خالد العدساني محله في الكويت، وتولّى مسئوليات مهمة.
وفي القاهرة، يوم كان يقيم فيها خالد والشيخ عبدالله المبارك حصلت
لقاءات بين الاثنين، وفي أحد الأيام كنت وخالد العدساني في فندق هيلتون نزور أحد
الأصدقاء والتقينا ونحن في «المصعد» بالشيخ عبدالله المبارك، ودار بينهما حديث
المحبة والأخوة. ثم زارنا رحمه الله في بيت الكويت الذي أصبح سفارة للكويت بعد
ذلك، وأتذكر أنه قال لنا: إنني لم أزر بيت الكويت ولا السفارة في حياتي إلا هذه
المرة، ولولاكم لما زرتها، فشكرناه على ذلك، ثم زرناه في منزله الجميل في منطقة
«جاردن سيتي». هذه طرف من ذكريات لابد من ذكرها مع تسلسل الحديث، وقبل المضي مع
المرحوم خالد العدساني والذكرى معه.
أقول، بعد استقلال الكويت، أُنشئت إدارة في الديوان الأميري باسم
(إدارة الخارجية)، وبعد استقرار الوضع بعد أحداث عبدالكريم قاسم حُوّلت الإدارات في
الكويت إلى وزارات، فصارت «إدارة الخارجية» وزارة الخارجية، وكذلك كل إدارة سُميت
وزارة.
وحول بيت الكويت في القاهرة إلى سفارة، وعندما حدث ذلك كنت عائدًا
توًّا من الخارج، وبعد فتح سفارة للكويت في القاهرة، وبعد استقرارها، رأت حكومة
الكويت أن تُعيّن خالد العدساني سفيرًا لها، بعد نقله من عمان في الأردن. وقبل أن
يشدّ حقائبه إلى القاهرة لتسلم مهمته أتاني بوزارة الخارجية، وكنت متسلمًا (إدارة
الشئون الإدارية والمالية والقنصلية)، أتاني المرحوم خالد، رحبت به، وجلس بجانبي
وقال: أنا أريدك معي للعمل في السفارة في القاهرة، لأنك تعرف القاهرة تمامًا، وعملت
فيها وقتًا طويلاً، فرأيت أنك خير من يساعدني على عملي فيها. فقلت: لكنني لم أتسلم
عملي إلا الآن، فلم يمض عليّ وقت، وأخشى عدم موافقة الوزارة على نقلي إلى القاهرة
مرة ثانية؟ فقال: أنا أعرف ذلك، لكني سوف أحاول إقناع المسئولين، وكانت له منزلة
عندهم. وكنت في الواقع أميل إلى العمل معه في القاهرة، ولم أقل ذلك، لأني كنت قد
عملت فيها عشر سنوات. وقال: أرجوك الموافقة، وودعته. وفعلاً كلّم المسئولين
وأقنعهم، وأخبرني بالموافقة. فحضّرت نفسي، وشددت حقائبي، وسافرت فعلاً إلى القاهرة،
وتسلمت مسئولية الشئون القنصلية في سفارتنا في القاهرة.
وعملت في القاهرة هذه المرة دبلوماسيًا أحمل درجة الوزير المفوض،
وأتحمل مسئولية الشئون القنصلية، أي أعمل قنصلاً دبلوماسيًا للكويت في القاهرة.
وعملت في القاهرة مدة خمس سنوات مع السفير خالد العدساني إلى أن تم نقله سفيرًا
للكويت في روما بإيطاليا، وهنا قلت لابد من عودتي من القاهرة إلى الكويت، ويكفي هذه
المدة الطويلة التي قضيتها في القاهرة، لاسيما أن خالد العدساني نُقل، وتم تعيين
سفير جديد للكويت محله. فطلبت نقلي من القاهرة إلى ديوان وزارة الخارجية في الكويت،
وفي الكويت تسلمت هذه المرة عملي كمدير لإدارة الصحافة والثقافة.
وفي روما دعاني الأخ السفير خالد العدساني لزيارته هناك، وسافرت إليه،
وبقيت في ضيافته سبعة أيام، قمنا بجولات عدة في مدنها الجميلة، وكان الوقت ضيقًا،
ومضت الأيام تلو الأيام، وانطوت السنون، وعُين السفير خالد وزيرًا لوزارة التجارة
في الكويت، والتقينا في الكويت، ورحنا نجتر ذكريات الماضي القريب، لاسيما في
القاهرة، حيث المداعبات الشعرية، ومتابعة أحداث عالمنا العربي، التي تتتابع دومًا
وتتغير، ولا تكاد تستقر، وهي مازالت في عدم استقرار لقصر النظر لدى الماسكين بأزمّة
أمورها.
- أستاذ عبدالله، وصلنا إلى السؤال الأخير المتصل بعلاقتك مع المرحوم
العدساني وهو دورك في تجميع وترتيب مذكراته عن المجلس التأسيسي الذي جرت أحداثه في
الثلاثينيات من القرن الماضي.
- أصيب المرحوم خالد العدساني بالكلى، ثم أصبح مريضًا قاعدًا في البيت
يتعالج ويتردد على المستشفى لغسيلها، وكنت أزوره كل يوم في بيته. وفي يوم من
الأيام، قال لي: إن لديّ أوراقًا كتبتها عن بعض ذكرياتي في المجلس التأسيسي، مذكرات
يوم كنت أحد المسئولين فيه. أوراقا تداخل بعضها في بعض، لأني كنت أطبعها على الآلة
الكاتبة، طبعتُ بعضها في العراق، وطبعت قسمًا منها في بيروت بلبنان، وطبعت قسمًا في
عمان في الأردن، وأخيرًا طبعت الباقي في القاهرة، وتداخلت بعضها في بعض، لأنها - مع
الأسف - لم تُرقّم حين طباعتها، وبسبب كثرة تنقلي من بلد إلى بلد تداخلت وتحتاج إلى
ترقيم، وأنا كما ترى، أصبحت عاجزًا وليس لدي مَن أثق وأستعين به، إلا أنت، فثقتي بك
لا تُحد، كما قال - رحمه الله تعالى - وسوف أسلم لك جميع هذه الأوراق التي لدي،
وأرجوك مساعدتي على ترتيبها وترقيمها. فشكرته على ثقته فيّ التي لا تقدر بثمن،
وأبديت كل استعداد لقراءتها وترتيبها على أحسن ما يتمناه ويرجوه. فقام وأحضرها في
رزمة من الأوراق غير مرقّمة، وغير مرتبة، وغير منتظمة، وبعضها مكرر في صفحتين أو
ثلاث صفحات. فتسلمتها منه، ومضيت في سبيلي إلى البيت، ورحت أتصفحها، وقلت في نفسي
إنها تحتاج إلى تفرّغ، وقررت السفر إلى لندن، وحجز لي المرحوم حمد سعيدان، وكان
يعمل في سفارتنا بلندن، حجز لي شقة في إحدى البنايات بشارع متفرع من «جورج ستريت»،
يسمى «جرين ستريت» أي الشارع الأخضر.
وفي مدينة لندن، تفرغت تمامًا لقراءتها، ورحت أرقّم أوراقها حسب سياق
الكلام، وحسب تسلسل الأحداث التي ترويها حتى انتهيت منها تمامًا، ورحت أعيد قراءتها
مرات عدة، حتى اطمأننت على الترقيم، وعلى سلامته، وشعرت براحة تامة.
وفي أحد الأيام مساءً، طرق عليّ طارق، فقلت خيرًا إن شاء الله، وفتحت
الباب، فإذا بالأخ الزميل جاسم القطامي يقول لي، أنا قادم توًا من الكويت، وضعت
عفشي بالفندق وأتيت إليك، ففرحت به ورحبت به، ورحنا نشرب الشاي كعادتنا، ونتحدث عن
الكويت وأخبارها. وقال نريد اليوم أن نرى فيلم «الرسالة» من إخراج مصطفى العقاد،
وتمثيل الممثل المشهور «أنتوني كوين»، وكان الفيلم يعرض في إحدى السينمات
«بيكاديللي»، وكان «أنتوني كوين» يمثل دور حمزة عم النبي - صلى الله عليه وسلم -
وبعد فترة من انتهائنا من شرب الشاي، خرجنا من الشقة معًا، وأخذنا التاكسي إلى
«بيكاديللي»، واستعرضنا دور السينمات هناك، فوجدنا السينما التي تعرض الفيلم. وفي
الساعة الثامنة مساء، دخلنا السينما وشاهدنا الفيلم الممتاز الجميل.
في الساعة الحادية عشرة ليلاً، عدنا إلى الشقة، فأخذت المفتاح وحاولت
فتح الشقة فلم تنفتح، وحاولت مرة أخرى، وثالثة ورابعة، والتفت إلى الأخ «أبو محمد»
جاسم القطامي، وقلت له: كأني أشعر بأن أحدًا داخل الشقة يدفع الباب كلما حاولنا
فتحه، فقال لفّ المفتاح وادفع الباب، فلففت المفتاح ودفعت الباب، ثم دفعته بقوة،
فإذا بالباب يتهاوى داخل الشقة ويسقط، فدخلنا الشقة فإذا بكل شيء فيها مبعثر،
وشاهدت أوراق كتاب المرحوم خالد العدساني منثورة مبعثرة في غرفة النوم، التي فيها
الأوراق وفيها الممر، وفي الصالة حتى باب الخروج. فضربت كفًا بكف، وقلت في نفسي:
لقد ضاع التعب، وفسدت الأمانة، ورحت ألملم الأوراق المبعثرة في كل مكان، ورحت أتصل
بالمرحوم حمدالسعيدان - رحمه الله - لأخبره بالخبر، لأنه هو الذي أجّر الشقة لي
وكان يعمل بسفارتنا بلندن، وهو صديق عزيز. هنا غادر الزميل الأخ «أبو محمد» إلى
الفندق، وحضر المرحوم حمد ورأى ما رأى، واتصل بأحد يصلح الباب، ولو مؤقتًا حتى
الصباح، وكان ذهني مشغولاً تمامًا بمذكرات المرحوم خالد العدساني.
وبعد أن انتهينا من إصلاح الباب، وعاد المرحوم حمد إلى بيته، رحت
أرتّب الأوراق حسب ترقيمها الذي رقمته، وتنفست الصعداء، وشعرت بارتياح في أعماقي
بعدما وجدت المذكرات تامة لم تنقص منها أي ورقة. وقلت كل شيء يهون بعد ذلك، ولم يكن
لديّ مال، ولاشيء ثمين يستحق السرقة، ولم أفقد شيئًا ولله الحمد، وقلت: لقد خاب ظن
هذا اللص الذي حسبني أملك مالاً أو مجوهرات أو أشياء ثمينة، بعد نبشه وتفتيشه كل
شيء. حتى جواز السفر لم يهتم به وتركه مع المبعثرات.
بعد هذا الحدث، أعددت عدتي ورتبت حقائبي للعودة إلى الكويت، إذ شعرت
بقلق وعدم راحة واطمئنان. وعدت فعلاً إلى الكويت، وفي الغد رحت أحمل المذكرات مرتبة
مرقمة إلى المرحوم خالد العدساني، وكان طريح الفراش، فسلمت عليه، واطمأننت على
أحواله، وسلمته المذكرات مرتبة مرقمة حسب الأصول. فتسلمها مني وتصفحها، ورأيته -
رحمه الله - تنهد وقال لي من عميق قلبه، وكأني الآن أراه وأنا أذكر هذه الخاطرة،
قال: أشكرك شكرًا جزيلاً، وشعرت بأنه شعر براحة تامة واطمئنان نفسي ممتاز، هذه هي
قصة المذكرات وما حدث لها، وما قرأت فيها، ثم ما حدث لها بعد ذلك، وكما يقول الشاعر
العربي:
فكان ما كان مما كنت أذكره |
|
فظنَّ خيرًا ولا تسأل عن
الخبر |
وهناك مثل عندنا في الكويت طالما ردده، ويردده الناس في مناسبات كثيرة
ومفارقات مختلفة، وهو: أن «ليس كل ما يُعرف يقال».
وبمناسبة الحديث عن المرحوم خالد العدساني، لابد من الإشارة إلى
ديوانه الشعري الصغير «عدسانيات»، فقد كنت أزوره يوميًا في البيت، حيث كان طريح
الفراش، وذات يوم قال لي: لدي قصائد متفرقة، كتبتها في مناسبات مختلفة، وهي قليلة،
وطلبت مني «دار السلاسل» أن تطبعها في «دويوين» صغير، وأنت تعرف معظمها، فقد كانت
لنا في القاهرة بعض القفشات الشعرية، والمداعبات النظمية كما نسميها، لاسيما مع
المرحوم «محمد أحمد السروي» وكان موظفًا في السفارة، وكان قبلها موظفًا في بيت
الكويت، منذ إنشائه على عهد المرحوم عبدالعزيز حسين. قال لي إنني أفكر في تسمية هذا
الدويوين، ولم أستقر بعد على الاسم المناسب، فقد طلبت مني «دار السلاسل» أن أختار
اسمًا مناسبًا له، وأنا مازلت مترددًا في اختيار الاسم المناسب له، فأرجوك مساعدتي،
فما رأيك؟ فأجبته على الفور قائلاً: لماذا لا تسميه «عدسانيات»؟ فضرب كفًا بكف وقال
فعلاً إنه اسم مناسب لهذه القصائد، فأين أنا من هذا الاسم؟ وكيف خطر على بالك، قلت:
الحمد لله فهو فعلاً اسم مناسب، وتوكل على الله، وفعلاً سلم القصائد مع الاسم وطبع
الديوان بمطبعة «دار السلاسل».
أوراق الذكريات
- لديكم خزانة عامرة بالملفات المليئة بأوراق الذكريات والخواطر، وقد
خرجت منها حديثًا ثلاثة كتب آخرها «من أدب السياسة» فما قصة هذه الملفات؟ وإلى متى
ستبقى حبيسة الجدران؟
- هي خواطر وتأملات. والخواطر كل ما يخطر على البال من أفكار،
والتأملات هي كل ما يصل إليه الفكر بعد تأمل ورويّة، تلك تأتي عفوية، وهذه تأتي بعد
إمعان الفكر وتقليبه على مختلف الوجوه، وربما جاءت الخاطرة أكثر عمقًا من التأمل
وإمعان الفكر، وربما جاءت التأملات أكثر عمقًا، وأبعد تصورًا ورؤية، لكن كلها خواطر
وتأملات أكتبها كل يوم تقريبًا منذ بدأت التقاعد، وكنت أكتب في الماضي هذه الخواطر،
لكن كتابتها انتظمت بعدما تركت العمل بوزارة الخارجية وصرت متقاعدًا، وتفرغت
للمكتبة، التي أقضي فيها كل وقتي عندما أجد فراغًا، أقضي فيها وقتي قراءة وأحيانًا
كتابة، ولعلك تلاحظ أن كل كتبي التي طبعتها كتبتها قبل التقاعد، يوم كنت موظفًا
بوزارة الخارجية، أو عندما كنت في بيت الكويت في القاهرة. ولم تمنعني الوظيفة من
الكتابة، فكنت كلما طرأت على البال فكرة سجلتها بخاطرة، لكن بعد التقاعد صرت
متفرغًا للكتابة وللتفكير في أمور الحياة.
الفكرة تلحّ على الخاطر وأكتبها، وإن لم أفعل تظل شغلي الشاغل،
والفكرة تستعصي أحيانًا على الخروج بالأسلوب الذي أريد، وبعضها يكون أشبه بالقصيدة،
التي يستعصي خروجها، وتجدها أحيانًا تنهلّ انهلالاً، فتأتي بالصيغة المطلوبة، وبعض
القصائد أكتبها دفعة واحدة، وبعضها تتعسّر وتأخذ بضعة أيام، ثم تحتاج إلى مراجعة
وحذف وإضافة إلى غير ذلك.
أما الكتابة، فقد عوّدت نفسي عليها دون مسودة كما يسمّونها، ولست من
الذين يكتبون الفكرة أو المقالة على ورقة، ثم يعيدون كتابتها مرة ومرات حاذفين أو
ملغين، أو مضيفين، ثم يعودون يبيّضونها من مسوداتها، وهكذا كنت مع كل ما أكتب. إن
الشعر يختلف عن النثر، استعصاؤه أكثر من استعصاء النثر، ويعجب بعض الإخوان عندما
أقول لهم إنني أكتب الفكرة، أو الخاطرة في نَفَس واحد.
الملفات التي قلت عنها إنها صفراء هي متعددة الألوان، وليست كلها
صفراء، وهذا الملف الذي يحمل رقم 47 هو آخر ملف أجمع فيه الخواطر والتأملات، أما
الملفات الأخرى فترقد ملوّنة بالأصفر والأخضر أو الأحمر، أو ألوان أخرى، فهي تأتي
بألوانها بقدر الحاجة، وبقدر ما تتوافر، كلما انتهت أوراق ملف وامتلأت اشتريت غيره،
وهكذا، ولا أدري إن كان هذا الملف سيخلفه غيره، أم أنه يكون آخر ملف يحتوي على
خواطري وتأملاتي.
إن هذه التأملات والخواطر تخوض في مختلف أمور الحياة، من سياسية أو
اجتماعية، أو تاريخية، أو أدبية، أو فكرية، أو فلسفية، أو شعرية تتحدث عن الشعرية،
وهذه الخواطر الشعرية كثيرة، وبعضها يتناول جانبًا أو جوانب من ذكرياتي في الصغر،
وفي الشباب. في الكويت وفي مصر، ثم في الكويت، وبعض هذه التأملات والخواطر كتبتها
في الخارج، في لندن مثلاً، فكلما أشد رحالي إلى بلد فهي في البال، أو تخطر عليه، أو
يمتلئ بها الوجدان والشعور، فأكتبها لإراحة النفس من العناء الذي تعاني منه. وهناك
خواطر لا أعتقد أنها تود الخروج من حبسها، وربما يسبب إخراجها لأمور حسّاسة مشكلة،
وهناك تأملات لا يجوز نشرها، ولعلها بعد حين تُنشر، وكما قيل، ما كل ما يُعرف يقال،
فإنه ليس كل ما يكتب أو كُتب يُنشر، هي معاناة تمتلئ بها النفس فتخرج على الورق،
وهي معاناة نفس صاحبها وليس كل ما يعانيه صاحبها يوافق نفوسًا أخرى، لها كيان
مختلف، وطبيعة مختلفة، ولها مزاج آخر، فقد تكتب في أمور عند غيرك لها وضع خاص لا
يوافق وضعك، لكنها على كل حال هي معاناتك وحدك، ولابد لكل إنسان أن يكتب معاناته
وحده.
إن الخواطر والتأملات أفكار تتصارع على أمور هذه الحياة، وتصور حال
صاحبها، وتنبض بمشاعره، وتتكلم عما يدور في داخله، فرحًا وسرورًا أو كدرًا وألماً
وحزنًا. وتصور أيضًا ما يدور من صراع في هذه الحياة، لاسيما ما يدور من أحداث
سياسية، أما الشعر، فله صراعات أيضًا في نفس الشعراء ومحبي الشعر، وناقديه،
والمهتمين بأموره على امتداد تاريخه الطويل في مختلف الحقب والعصور، ومازال وقعه
قويًا في نفوس محبيه على اختلافهم واختلاف أذواقهم، واختلاف مذاهبهم الأدبية
والفكرية والشاعرية.
عشق الكتب
- حبك للكتب التي تقتنيها عظيم، خاصة تلك، التي جمعتها خلال أسفارك، وبت
مقتنعًا بأنك بخيل بشأنها، وتكره إعارتها لكائن مَن كان، فما سر هذا الحب؟
- ويا لها من كتب أحبها - وكما قلت - فأين مني ومنهم كتابهم
وكتابي.
كلها - أو على الأقل أكثرها - أعتز بها، لدرجة أنني أكاد أندمج فيها،
وتكاد تندمج فيّ، وكنت أقول للأصحاب، إني أكاد ألمح على سيمائها التأثر عندما أهم
بمغادرة المكتبة، التي تتجمع فيها، وربما أحسست بشعور خيالي أن كثيرًا منها تسحبني
عندما أحاول الخروج من المكتبة ومغادرتها، ففي كل كتاب، في معظمها، أثر لمناجاتي
ومحاوراتي معها، كثيرها الرضا ويشوب بعضها الزعل، فأكثر الكتب هذه التي تراها مصطفة
فوق الرفوف لها وقع من قلمي، إشارةٌ، أو شطب، أو تعليق، أو علامة تعجّب، والتعجّب
منه الإعجاب، ومنه عدم الإعجاب، وفي بطون بعضها الكثير من الأوراق، التي تحمل
بصماتي شعرًا أو نثرًا، نقدًا أو إعجابًا. وكتبت مرة إلى صديق أهداني ديوانًا
شعريًا بطبعته الجديدة. قلت:
أهدي السلامَ أرقّ من |
|
شعر المحبّ المستهام |
وكذا التحيةَ من صريع الكتـ |
|
ب لا كأس المدام |
كم رنّحت عطفيَّ من |
|
حلو المعاني والكلام |
ولربّ ديوان سمو |
|
تُ بشعره فوق الغمام |
أبياته شدو البلا |
|
بلِ والعنادلٍ والحمام |
ألحانُه أبدًا تهزّ |
|
فيستبد بي
الغرام |
إلى آخر الأبيات. ومرة تناجيت مع الكتب بقصيدة طويلة مطلعها:
أنام على كتابٍ في كتاب |
|
وأصحو بالكتابٍ على
كتابِ |
قلت إن بعض الكتب لا تريد خروجي من المكتبة، وهناك كتب أخرى تتمرّد
عليّ، وتكاد تعترض طريقي لكيلا أخرج وعلى رأس هذه الكتب دواوين المتنبي وأبو العلاء
المعري.
لكل قصيدة سبب
- وهل نستطيع اعتبار قصيدة «أنا والكتاب» هي خلاصة شعورك الخيالي لعلاقتك
مع الكتب ومكتبتكم الزاهرة؟
- تسألني عن قصيدتي «أنا والكتاب» وعن قصتها، فأقول إن لكل قصيدة
سببًا، وبعضها ينطلق من العقل والخيال دون سبب، والشعر هو الذي يتحكم بالشاعر،
ويفرض عليه إرادته، ويتنزل عليه عفوًا فيخرج متتابعًا.
قصيدة «أنا والكتاب» تجمعت أسبابها في ذهني وخيالي، وخاطبت بها الكتاب
الذي أعتبره صديقي مدى الحياة، وطوال العمر، وياليته يذهب معي إلى ما سوف أذهب إليه
بعد موتي، والموت راحة الإنسان، وهل تتم الراحة دون كتاب؟ وقلنا مرة نريد أن نختار
بعض الكتب لنأخذها معنا إلى حياتنا الأخرى، قالوا: ممنوع، لا يجوز، إنه عالم آخر لا
ندري كنهه ولا طبيعته، فعلمه عند الله.
قلت كل شيء له سبب، وكل قصيدة لها قصة، حتى لو جاءت على غير إرادتنا.
و«أنا والكتاب» قصتها مرسومة فيها، تصور المعاناة مع الكتاب، والمعاناة شتى مختلفة
في الحزن والفرح، والاضطراب والهدوء، والتعب والراحة، فرحت أخاطب بها همومي،
ويخاطبني هو ما يحمله من هموم، وأخاطب انقباضي فيخاطبني انشراحه وانقباضه، وهكذا
حاورته وحاورني، سألته فأجابني، وسألني فبثثت له ما أعانيه، مرة في قمة السعادة،
ومرة في قمة الشقاء. إنها كلها صور من صور الحياة، وهل تخلو الحياة من هذه الصور؟
لكن بعضهم يخاطبها في الكتاب، وبعضهم في الشعر، وبعضهم في الأدب، وبعضهم في غير هذا
وذاك، ولا تحسب أن الغزل عند الشاعر يخاطب الغزل وحده، بل يخاطب ما وراء الغزل،
وهكذا قل في الأمور الأخرى.
«أنا والكتاب» قصيدة لها قصة، وكل قصة لها موضوعها ومعاناتها والدوافع
من ورائها، ولي قصص وقصص مع الكتاب يطول شرحها.