المفكرة الثقافية

المفكرة الثقافية

  • مسرح: ودار الفلك فأمسى ربيعًا

«صرخة اعتراض موجوعة على كون المسرح والمسرح السياسي تحديدًا بلا قدرة ولا مصداقية في عالم محكوم بالسكون المريب».

في تلك الكلمات يصف المخرج الكويتي سليمان البسام عمله الأخير «ودار الفلك». وهو عمل مسرحي يستقي فكرته من «الليلة الثانية عشرة» الكوميديا الأخيرة لوليام شكسبير، تدور أحداثه في بقعة ديكتاتورية تحكمها أهواء الحاكم ورغبات الرموز.

تمتزج «ودار الفلك» إلى حد كبير مع واقع الظرف والزمان لدولنا العربية، ففي أي دولة عربية يخضع الأدب والفن لمقص الرقيب وأحيانًا كثيرة لسجنه. تتمحور فكرة المسرحية حول عمل مسرحي عرض في ستينيات القرن الماضي، وهي فترة تألق وازدهار الفن العربي، ولسبب ما تم منعه بعد ذلك. وبعد فترة يتجه النظام الديكتاتوري إلى أحد المخرجين السابقين الموالين له، لإعادة تركيب وصياغة العمل المسرحي بما يتفق ورؤيته السياسية، بهدف تحسين صورته لدى الآخر. مما يبعث تساؤلات حول مدى إمكانية نجاح المخرج في مهمته والحفاظ على فكرة النص.

تزامنت بروفات العمل المسرحي «ودار الفلك» مع بدأ موسم الربيع العربي في يناير 2011، مما دفع المخرج إلى إدخال بعض التعديلات وإعطاء حيز أكبر لاستيعاب هذه المتغيرات في الفصل الأخير من المسرحية. ولم تتوقف هذه التعديلات حتى بعد العرض، فقد كان لسقوط الرئيس المصري السابق حسني مبارك أثره في إضافة بعض الأحداث على العرض المسرحي.

جسّد الأداء الحركي للممثلين على خشبة المسرح ما يحدث في الواقع، فقد ظهر الممثلون كقطع الشطرنج التي تتحرك ضمن حدود مرسومة لها بدقة، كما هو حال المواطن العربي الذي لا ينفك من قيود وسيطرة ورقابة السلطة، حتى تستجد عليه أخرى من المجتمع. ولكن سرعان ما تحدث تمردات على خشبة المسرح، تظهر خروج الممثلين عن النص والحركة المنوطة بهم، وهو مايحول المسرح إلى ساحات التحرير والتغيير.

كان لتنّوع جنسيات الممثلين المشاركين في العمل المسرحي إضافة عربية مستحسنة، لاعتبار أن لغة النص تمثلت بخليط من اللهجات اللبنانية والسورية والكويتية الدارجة. ضم العمل ممثلين مسرحيين بارزين وهم : روجيه عساف، كارول عبود، نوار يوسف، نقولا دانيال، نصار النصار، فايز قزق، فيصل العميري، أمل عمران، حنان حاج علي، جاسم النبهان، وكذلك سليمان البسام الذي أدى دور المخرج المسرحي الموالي للنظام.

قدم المخرج سليمان البسام بعمله المسرحي «ودار الفلك» ختام الثلاثية الشكسبيرية لاعماله التي بدأها بـ«مؤتمر هاملت» عام 2002، ثم «ريتشارد الثالث: مأساة عربية» 2009. وفي كل تلك الأعمال يظهر ارتباطه المباشر بالتحولات والتغيرات السياسية في المنطقة، ويعرض الواقع العربي ليحاكي به الجمهور العربي والأجنبي، على أن التوجه العالمي للمخرج سليمان البسام واستضافة أعماله للعرض في لندن وطوكيو تعكس مهارته في تناول نصوص شكسبير ولكن في ضوء رؤية وقراءة عربية جديدة.

الكويت: هذايل الحوقل

  • سينما: «مفروزة».. الاستشراق

أن تدخل إلى العشوائيات (المناطق العشوائية) في مصر من باب الرّواية أو السينما التسجيلية والروائيّة ..إلخ , ليس بالأمر الجديد أو المبتكر .. فقد قام بذلك المصريّون قبل غيرهم ورصدوا ووظفوا ذلك في آدابهم وفنونهم فقد اقترنت عشوائيّة المناطق السكنيّة والصناعيّة فيما اصطلح على تسميته بـ«مصانع تحت السّلم»..بعشوائيّة حقبة سياسيّة كاملة هي حقبة «مبارك» التّي أتلفت جيلا كاملا (الجيل 33عامًا في العلوم الاجتماعيّة) على جميع الصّعد.., وما أدراك ما جيل في عمر شعب.. ولعلّ هذه كانت مهمّة الرّجل الذّي حكم طوال هذه الفترة ( لكن ذلك ليس موضوعنا).., والحقّ أقول للقارئ العزيز أنّ ما قام به الفنّانون والأدباء المصريّون كان الأفضل «فأهل مكّة أدرى بشعابها» سواء اتّفقت مع تناولهم أو اختلفت معه لكنّه سجّل الظاهرة بكلّ قسوتها وبشاعتها وعارها الذّي صبغ تلك الحقبة بالكامل, وكلّنا نذكر الزّوبعة التّي صاحبت عرض فيلم الرّاحل «يوسف شاهين»، «القاهرة منوّرة بأهلها» مرورًا بـ«عزبة الصفيح» وسارق الفرح لـ«داود عبد السيّد» وصولا إلى ما قدّمه «يوسف شاهين» مع «خالد يوسف» في فيلمهما «هي فوضى» وما قدّمه الأخير في «حين ميسرة» وغيرهم .. هذا على سبيل المثال لا الحصر.

في انتظار ما لا يأتي

وعندما احتفت جمعيّة النّهوض بالنّقد السينمائي التونسية بقدوم فيلم «مفروزة» ومخرجته «إيمانوال دوموريس» التّي فازت بجائزة عن الفيلم ذي الأحد عشرة ساعة ونصف ويعرض على عدة أجزاء كان لا بدّ من متابعة الحدث المشفوع بحصول الفيلم على جائزة من «مهرجان لوكارنو».., منتظرًا لغة سينمائية مميّزة تستحقّ هذه الحفاوة من جمعيّة «قليلة الموارد» في ظرف استثنائي جدًا خاصة على صعيد التوقيت والحدث، وها قد عاشت «تونس» من بعد بفترة وجيزة أزمة فيلم «بلاد فارس» الفرنسي الإنتاج والذى أخرجته «إيرانية» تعيش في فرنسا، وقام «بدبلجته باللهجة التونسية» مذيع بالإذاعة الوطنية التونسية وممثلون تونسيون زعم أغلبهم أنهم لم يعرفوا محتوى الفيلم الذى قاموا بالأداء الصوتي فيه! وعرض على إحدى الفضائيات التونسية، مما أثار غضبًا عارمًا لدى الأغلبية الساحقة من المواطنين الأمر الذى يلقي بظلال من الشبهات حول ما يمكن أن يطلق عليه «ديكتاتورية النخبة» في إختياراتها والتي تمارسها عندما تأتى الديموقراطية «بما لا تشتهي النخبة» وهو ما خطر لي وأنا أشاهد الفيلم الذى كان مفاجأة في أطروحاته وتقنياته إن وجدت.

كاميرا حائرة

وها نحن ننتقل مع الكاميرا الحائرة التي تذكّرك بأفلام هوّاة التّصوير.., من «مولد» في إحدى المناطق الشعبيّة إلى مقهى يجلس عليه إحدى الشخصيّات الرئيسيّة في الفيلم وهو «شاب ضائع» مع أحد أصدقائه لنستمع إلى حديث أقرب للهذيان يحمل القليل من الأماني التّي تسبح في غيبوبة إرهاق السّهر وربّما بعض المخدّرات منكّهة ببعض الألفاظ «النّابية والسّوقيّة» فضلا عمّا تيسّر من إشارات بذيئة.., ومن خلال نظرة استشراقيّة غير بريئة تلهث وراء كلّ ما هو رديء ومتخلّف غارق في القاذورات ندلف إلى منطقة « مفروزة « التّي أزيلت ورحلت عن عالمنا في 2007 الواقعة ضمن حي «القباري» الشّعبي الواسع والذّي كان في الأصل منطقة عماليّة حافلة بعمّال الميناء النّازحين في أغلبهم من جنوب مصر بكلّ مشكلاتهم وهمومهم.., لكنّك لا ترى ذلك كلّه.. فقط تلال من القاذورات وأناس مهمّشون بإرادتهم أحيانا وسط معاناة من إضاءة رديئة وزوايا تصوير أقرب للرّداءة منها للبدائّية , لنجد أنفسنا وسط فوضى من البشر داخل مسكن فوضوي بلا هدف واضح اللّهمّ إلاّ التّمهيد للإنتقال إلى مسجد صغير أو «زاوية للصّلاة» تستعدّ لصلاة الجمعة ما أن يصافح الخطيب المصلّين بعد انقضاء صلاة الجمعة حتّى ينخرط في الأحاديث والسّلوكيّات العشوائّية التّي هي سمة أساسية لقاطني «مفروزة» لنمضي مع الكاميرا مرّة أخرى بلا هدف واضح لنجلس في مقهى آخر أشدّ فقرا وسط أكوام القمامة في منطقة «مفروزة» لنستمع إلى حديث «شيخ مقعد» مع حفيدته ثمّ مع الشّاب الضّائع الذّي اختارته المخرجة ليكون أحد الأبطال الرّئيسيّين, ثمّ يوجّه حديثه إلى المخرجة عن كلّ شيء وأيّ شيء بلهجة الحكيم العارف لكنّك لا تخرج بشيء من الحوار ولا من «الكادر» , لننتقل بعد ذلك إلى حانوت «إمام المسجد» والذّي هو أيضا جزء من منزله يبيع منه عبر النّافذة «المياه الغازيّة والصّابون والدّخان» الخ لنستمع إلى حديث آخر يدور بين مجموعة جلست داخل «الغرفة الحانوت» وسط صياح الأطفال حيث يحدّثنا رجل يشبه الإمام ربّما كان أخوه أو أحد أقاربه بكلام أقرب لروايات المختلّين عقليّا كما أقرّ هو بنفسه في نهاية حديثه , يحكي الرّجل أنّه كلّما حدّثه شخص بأوجاع مرضيّة تنتابه.. يشعر هو بتلك الأوجاع على الفور ويذهب إلى الطّبيب أو للصّيدليّة مباشرة ليتناول الأدوية ويأخذ الحقنة اللاّزمة , حتّى أنّه أكّد ذات مرّة للطّبيب أنّه مصاب «بالسرطان» بالرغم من تأكيد الطّبيب له أنّه ليس مريضا! وها هي زوجته تشكو من آلام في الظّهر.. فيصرخ هو من أوجاع الظّهر..! ثمّ يستطرد أن هناك من اتّهمه بالجنون وهو نفسه يشكّ في ذلك..! لذا فقد ذهب ذات مرّة إلى مستشفى الأمراض العقليّة ( هكذا) وأدخلوه إلى العنبر!! و يبدو أنّ المخرجة استمرأت حالة الهذيان.. فتنقلنا على الفور «لزفّة عرس» في الشّارع المظلم لتغرقنا في ظلام «الصّورة منعدمة الإضاءة»ودياجير الإحالات البذيئة التّي حفلت بها الأغنيات والإشارات التّي تبارى فيها الحضور كافّة لا فرق في ذلك بين النّساء والرّجال والأطفال..

انهيار اللغة السينمائية

ومن زفّة العرس إلى نهار داخلي في بيت «الشّيخ المقعد العجوز» لينظّر لنا في مفاهيم الحريّة الغريبة التّي يعتنقها والتّي يختزلها أخيرًا في أنّ «الشّاب الضّائع» قد أتى بمحض إرادته ليشترك معه في دهان منزله دون إجبار .. وهذه هى الحرية !, ولا ينسى أن ينصحه بالذّهاب إلى الجيش حتّى ينتهي من خدمته العسكريّة بدلا من الجري وراء هذه المخرجة الفرنسية معرّضا نفسه للمساءلة من الأمن فيما كانت ابنته تتمّ تدخين لفافة تبغها في شراهة المدمنين ..

وفي غمار الإيقاع السينمائي الرّتيب جدّا إلّي حدّ إملال المتلقّي والاستمتاع بتعذيبه..لا يمكن لأحدهم أن يحدّثنا عن الإيقاع المملّ والرّتم البطيء الذّي اشتهرت به السّينما الفرنسيّة فقد بلغت مدّة الفيلم إحدى عشرة ساعة ونصف السّاعة معظمها لقطات لكاميرا ثابتة تراقب «اللاّشيء» وكلّ شيء , ليتحوّل الأمر من انعدام «الديناميّة» إلى الثّبات التّام «ستاتيك» بما يتجاوز حتّى معنى الكلمة.., وهو ما يدعو للتّساؤل حول معايير حصول الأفلام على الجوائز في المهرجانات ومستوى لجان التّحكيم.. وهذا الفيلم مثال حيّ على ذلك , فحجم «اللّقطة» الذّي لا يوحي أبدا بأنك تشاهد سينما, علاوة على اهتزاز الكاميرا الواضح في كثير من مشاهد الفيلم وعدم مراعاة ما يقطع متابعة الصّورة بصريّا, وحدّث ولا حرج عن بقيّة الفنّيات من مونتاج وسائر مفردات عمل ينتمي إلى جنس السّينما أيّا كان تصنيفه.. فقد افتقر الفيلم لكلّ ما ينتمي لتقنيات السّينما حتّى لدى الهواة.

تونس: خالد سليمان

  • أوبرا: القاهرة تحتفل بعيد ميلاد «عايدة»!

جاء احتفال مصر بمرور 140 عامًا على عرض «عايدة» رائعة فيردي لأول مرة على مسرح دار الأوبرا الملكية في وسط القاهرة في عام 1871، في ظل ظروف تاريخية بالغة الصعوبة تمر بها مصر بعد مضي عام بالتمام والكمال على قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير، فعلى مبعدة أمتار قلائل من دار الأوبرا الجديدة، التي لا يفصلها سوى النيل عن ميدان التحرير، كانت الجموع تحتشد لمحاصرة مبنى الإذاعة والتليفزيون في ماسبيرو، على الضفة الأخرى من النيل.

ذهبت إلى دار الأوبرا في اليوم الأخير لمشاهدة هذا العرض الذي أخرجه الدكتور عبدالمنعم كامل وهو يتأهب لترك منصبه كرئيس لمجلس إدارة هذا الصرح الثقافي المصري الذي يحمل اسم المركز الثقافي الفني، فإذا بي ألاحظ أن عددًا كبيرًا من الأجانب في زي عسكري أوربي يتجمعون في ردهة المسرح الكبير بدار الأوبرا مما أثار فضولي الصحفي فتوجهت إلى أحدهم وكان الملحق العسكري الإيطالي في مصر، ومنه فهمت أن هذا الجمع الذي يضم سبعة وعشرين ملحقًا عسكريًا من مختلف الجنسيات جاء للاحتفال بهذه المناسبة الفنية، والتأكيد على مساندتهم لمصر وهي تصنع فجر مستقبلها.

ولعل هذا المشهد الذي لفت انتباهي يشير إلى أهمية «أوبرا عايدة» التي كُتب لها الخلود منذ عرض كامي دي لوكل، صاحب النص الفرنسي لقصة «عايدة»، على صديقه «جوزيبي فيردي» القصة التى كتبها عالم المصريات الشهير «أوجست مارييت»، فتحمس لها فيردي عندما وجد في إطارها الفرعوني لونًا جديدًا لم يقدمه من قبل، ولهذا وافق على تكليف الخديو إسماعيل له بتأليف أوبرا مستوحاة من هذه القصة لتعرض في مناسبة افتتاح دار الأوبرا المصرية.

ولأن فيردي لم يتمكن من اتمام هذه الأوبرا في الموعد المحدد لافتتاح الدار فقد استهلت عروضها بأوبرا أخرى له هي «ريجوليتو». وبعد عدة أشهر رُفع الستار عن أوبرا «عايدة» على المسرح نفسه في 24 ديسمبر 1871 ليحقق العرض نجاحًا هائلًا. استوحى مارييت قصة «عايدة» من بعض مظاهر الحياة والعادات المصرية القديمة التى ظهرت في نقوش المعابد ومنها طقوس الكهنة ومواكب النصر وعادة «دفن الأحياء»، التى عوقب بها البطل في نهاية الأوبرا، وقد نسج منها قصة عاطفية ربطها بالحرب التاريخية بين مصر وإثيوبيا.

وقد قام أنطونيو جيسلانزونى بترجمة أحداث هذه القصة إلى اللغة الإيطالية، ثم وضع نصها الغنائى.وترجع أهمية أوبرا «عايدة» إلى تمثل مرحلة وصل فيها أسلوب فيردي إلى قمة النضج، حيث اهتم بالدراما وحاول تجنب الأسلوب الإيطالى الذى يقسم الأوبرا إلى فقرات منفصلة تستعرض مهارات المغنين على حساب تسلسل الدراما، كما تأثر فيها بأسلوب معاصره الألمانى ريتشارد فاجنر في ربط الشخصيات الرئيسية للأوبرا مثل عايدة، أمنيريس، والكهنة، بألحان دالة تؤديها الأوركسترا عند ظهور الشخصية على المسرح. وقد نجح فيردي في التعبير عن الأجواء الفرعونية للقصة باستخدام آلات تحاكي الآلات المصرية القديمة مثل «الهارب» وبعض آلات النفخ النحاسية، والخشبية، كما في بداية الفصل الثاني «مشهد أمنيريس ووصيفاتها»، وكذا أضفى أجواءً شرقية في إنشاد الكاهنات في ختام الفصل الأول وفى بعض الأجزاء الموسيقية التى تتخلل ختام الفصلين: الأول والثانى وبخاصة تلك التي تصاحب رقصات الباليه.

وقد استطاع المؤلف أن يعالج مشاهد هذه الأوبرا بشكل مركز عبر دمج مشهدين في آن واحد، أحدهما مرئي على خشبة المسرح والآخر يسمع من الكواليس، كما في مشهد محاكمة «راداميس»، حيث نسمع صوت «رامفيس» والكهنة من وراء الكواليس يحاكمون «راداميس»، بينما تظهر «أمنيريس» على المسرح وهي تتضرع للآلهة وتخاطب الكهنة بغية العفو عنه.

استهل فيردي الأوبرا بمقدمة موسيقية قصيرة بناها على لحنين أساسيين يرمزان للصراع الأساسي في القصة بين الحب والولاء، الأول رقيق ناعم هو لحن «عايدة»، تبدؤه آلة الفيولينة ثم تشاركها الفيولا، أما الثانى فهو لحن الكهنة.. صارم غليظ تؤديه آلة التشيللو، ثم يتصاعد لتؤديه الأوركسترا كلها، ونسمع معه أصداء لحن «عايدة» الذى تعيده الفيولينة مرة أخرى باقتضاب ليخفت تدريجيًا لتنتهى المقدمة بهدوء.

ومن أهم الآريات في الأوبرا آريا «راداميس» الشاعرية الجميلة «عايدة ملاك السماء» في الفصل الأول، التي يعبر فيها «راداميس» عن حبه الغامر لـ«عايدة». وتعد نهاية الآريا من أصعب أجزائها حيث طلب فيردى أن تنتهي بخفوت شديد على نغمة حادة جدًا، وهو ما يمثل تحديًا لقدرات مغني التينور. وفي نفس الفصل تأتي آريا «عايدة» «عد إلينا ظافرًا» أنموذجًا دراميًا يجسد الصراع النفسى الذي تعانيه بسبب تنازعها بين شعورين: خوفها على والدها ورغبتها في انتصار شعبها، وحبها لـ«راداميس»، فتغنى آريا تقطر شجنًا وهي تناجي الآلهة أن ترحمها من عذابها.

ويعد ختام الفصل الثانى من أشهر أجزاء هذه الأوبرا وأكثرها شعبية، المستهل بمارش الانتصار المعروف - الذي أصبح السلام الملكي لمصر فيما قبل ثورة 1952- تؤديه آلات النفخ النحاسية، وفيه تجتمع كل شخصيات الأوبرا مع جموع الشعب والكهنة والأسرى. وقد برع فيردى في هذا المشهد في كتابة ألحان متداخلة في تناغم هارموني عالٍ، وإن عبرت عن أحاسيس درامية متضادة بين الفرحة بالنصر عند المصريين، وشعور «عايدة» وشعبها بالانكسار.

أما ختام الأوبرا الذى يغني فيه الثنائي: «راداميس» و«عايدة» وهما يودعان الحياة، فبينما يخبو صوت «عايدة» و«راداميس» يخفت الأوركسترا تدريجيًا ليستقر اللحن في النهاية من خلال آلة فيولينة منفردة، وكأنها صدى لصوتهما يتخلله دعاء «أمنيريس» الرتيب الحزين وأصوات الكاهنات خلف الكواليس، لتنتهى الأوبرا نهاية حزينة كما جاءت أغلب أوبرات فيردى.

ومن متابعتنا لتعليق الدكتورة رشا طموم على «أوبرا عايدة» نتأكد أن فيردى أعظم عبقرية موسيقية عرفتها إيطاليا في فن الأوبرا، وتمثل أوبراته الثمانية والعشرون ركيزة أساسية في «الريبرتوار» العالمي، ويتجلى فيها الأسلوب الإيطالي الذي يتميز بجمال الألحان والاهتمام البالغ بالصوت البشري كأهم وسيلة للتعبير الإنساني، ويميل فيردي إلى معالجة الموضوعات الإنسانية المأساوية أو التاريخية السياسية بشكل واضح تمتزج فيه اللحظات المرحة باللحظات التراجيدية وينتهى في كثير من أوبراته بموت البطل أو البطلة في مشهد مأساوي حزين.

خطا فيردي خطوة أبعد من سابقيه ومعاصريه الإيطاليين روسينى، وبللينى في اهتمامه بقوة التعبير الدرامي ودفئه وبثراء الكتابة الأوركسترالية، وبخاصة في أوبراته المتأخرة.

ومن أشهر أوبراته: «ريجوليتو» 1851، «لاترافياتا» 1853، «الحفل التنكرى» 1859، و«عايدة» 1871. وقد وصل فيردي إلى قمة نضجه الفنى في ختام حياته بتقديم أوبرا: «عطيل» 1887، المأخوذة عن تراجيديا شكسبير الشهيرة، وأوبرا «فالستاف» 1893.

ومن الجدير بالذكر أن احتفالية مصر بمرور 140 عامًا على عرض «اوبرا عايدة» لأول مرة تضمنت معرضًا لصور شخصيات هذه الأوبرا الشهيرة بملابسها التاريخية كما ظهرت في العرض الأول، وقد حظي هذا المعرض باهتمام الرواد الذين حضروا خصيصًا لمشاهدة هذا العرض من مختلف أرجاء العالم.

القاهرة: مصطفى عبدالله

  • مؤتمر: إمبراطورية اللغة العربية في مؤتمر اللغات الكونية

جمعني حوار مع المستعرب الهولندي الكبير كيس فيرستيف حول اللغة العربية انعطف بنا الحوار لإمبراطوريات اللغة ازداد زهونا عندما أكد أن اللغة العربية لغة كونية وأنه قدم ورقة حول هذا في مؤتمر جامعة بريمن الدولي مارس 2012م.

language empires in international Bremen conference March 2012.

لأن اللغة العربية أكثر اللغات السامية انتشارا، يتحدث بها أكثر من 422 مليون نسمة، لا يقتصر استخدامها على موطنها الأصلي فقط، بل امتد إلى البلاد المجاورة وازداد انتشارا في تركيا، وتشاد، ومالي، والسنغال،وإرتيريا، والأناضول وبلاد البلقان، لهذا كان من الضروري أن يوضع محور في هذا المؤتمر الدولي حول اللغة العربية، على مدار يوم كامل من أيام المؤتمر تناقش إمبراطورية اللغة العربية في 5 مارس 2012م

الجلسة الصباحية التعريب والهيمنة اللغوية: البربرية والعربية في شمال أفريقيا البروفيسور تلماتين جامعة كاديز. والجلسة الثانية اللغة العربية و«الأقلّيات» البروفيسور ماورو توسكو.

والجلسة الأخيرة إمبراطورية من تعلّم: اللغة العربية كلغة عالمية البروفيسور كيس فيرستيف يتحدث المستعرب كيس فيرتسيف الأستاذ بجامعة نيجماغن الهولندية عن اللغة العربية كلغة كونية Arabic as a global language في المؤتمر، البروفيسور كيس فيرستيف مدير مركز الثقافة الهولندية بالقاهرة سابقا، وأستاذ زائر في عدة جامعات غربية، قدم للمكتبة العالمية عدة أعمال حول اللغة العربية ساهم في إعداد موسوعة اللغة العربية وعلم اللغة، الجزء الخامس. ليدن، بريل، 2006 - 2009م سألته عن ورقته التي قدمها في هذا المؤتمر؟

قال البروفيسور المستعرب فيرستيف: ورقتي في المؤتمر بعنوان «إمبراطورية التعلم: العربية كلغة عالمية أنموذجًا»، في هذه الورقة قارنت انتشار اللغة العربية خارج الوطن العربي باللغات الأخرى التي تستعمل كلغات تعلم، مثل اللاتينية والسنسكريتية، إن موضوع اللغة العربية كلغة عالمية شيء أنا أدرسُه منذ سنوات طويلة، بشكل خاص أركز على تأثير اللغة العربية خارج الوطن العربي لاسيما في المناطق الإسلامية مثل مالي، زنجبار، إيران، باكستان، إندونيسيا، إلخ.

لاحظت أن تعلم العربية في إندونيسيا ومالي، على سبيل المثال متشابه بعض الشيء لطلاب العصور الوسطى في أوربا الذين استعملوا اللغة اللاتينية ليتمكنوا من الدخول إلى العلم والثقافة.

لهذا قدمتُ ورقتي لمؤتمر بريمن، بعنوان «إمبراطورية التعلم»، في السنوات القليلة الماضية أنا أقرأُ أكثر عن الآثار العربية في فترة ما قبل الإسلام، هناك آلاف النقوش العربية ذات العلاقة مثل العربية الشمالية، هذه النقوش ساحرة جدًا، ويجب أن تُؤخذ في الحسبان في تاريخ العربية العام، لكنّي لا أشعرُ بأنني كفء لأقوم بهذا العمل، يجب أن أترك هذا الحقل لعلماء أمثال مايكل ماكدونالد، بحثي الخاص تحول إلى اتجاه مختلف جدًا، لأني بدأتُ العمل على تنويعات اللغة العربية خارج الوطن العربي، على سبيل المثال تنويعات العربية التي يُتكلمُ بها في أفريقيا (الجوبا العربية Juba Arabic، والعربية البونغورية Bongor Arabi، والكي-النوبية Ki-Nubi، وفي السواحيلية والإندونيسية، هذا ما أود أن أقوم بدراسته في السنوات القادمة.

صنعاء: عبد الرحمن أبو المجد