في ذكرى ميلاده: العقاد.. هل كان عدواً للمرأة؟

قبل الإجابة عن سؤال كثيرا ما تردد في حياة عملاق الفكر العربي عباس محمود العقاد وبعد مماته هو: هل كان العقاد حقا عدوا للمرأة؟ ينبغي أن نعرف حكاية العقاد مع المرأة، إذ إن حكايته كانت تشبه حكاية الزمان التي ترويها الأساطير التي تقول: إنه مما يؤثر عن الأساطير القديمة أن الرجل حين عرف المرأة، وعاش معها، برم بها، وشقي معها، وشكا منها.. فاستعادها الرب إليه. فلما استشعر الرجل مرارة الحرمان منها، لم يطقه، ولم يصبر عليه، فدعا ربه مستغفرا وراجيا أن يعيدها إليه، فهي نصفه الحلو الذي لا يستغني عنه. فكانت الاستجابة مشفوعة بسؤال: ألم تقل إنك شقيت معها، وبرمت بها، وشكوت منها؟ أجاب الرجل نادما على ما فعل قائلا: لكنني بعد فراقها لا أستطيع أن أعيش من دونها، وكأنها الشر الذي لابد منه، والقيد الذي لا غنى عنه، والنكد المستمر الذي لا فكاك منه.

 

حقا لقد هرب العقاد بجلده من الاقتران بالمرأة، وعاش طوال حياته عاذباً، حتى لا يتقيد بالارتباط بها.. ولكنه مع كل ذلك لم يستطع الهروب منها، حيث أوقعه الحب في شراكها أكثر من مرة، حتى لم يخل قلبه من حبها أبدا حتى آخر لحظات حياته، إلى درجة أن أهله وجدوا بجواره على فراش الموت أبياتا من الشعر تتغزل في المرأة، وتؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن قلم العقاد الجبار الذي خاض أكبر المعارك، وأسقط كبار الحكام والمستبدين، وواجه أصحاب الطغيان الأدبي من الكاتبين والمفكرين، ووقف في الميدان وحده ضد أتباع المذاهب والتيارات الهدامة. هذا القلم الذي وصفه الزعيم سعد زغلول بالجبار، ونعته البعض بأنه عدو للمرأة.. هو بعينه القلم الذي يتحول في يده إلى قلب صغير، ينبض بأجمل العواطف وأرق الأحاسيس حين يكتب عن المرأة مؤيدا لها، ومدافعا عنها، مقدراً لدورها في الحياة، لأنه في الأصل كان يعبر عن حب دفين للمرأة الأم والأخت والصديقة، وأن ما كتبه عنها، ناقدا لها في مقالات ودراسات، قصائد ومؤلفات في مقدمتها كتابا «هذه الشجرة» و«المرأة في القرآن».. كل هذا وغيره كان يدل دلالة واضحة على أن العقاد اهتم بها اهتماما خاصا ربما يندر أن نجد له مثيلا عند واحد من أبناء جيله الرواد. وذلك لأن علاقته بها لم تكن علاقة عارضة، أو علاقة نظرية كباحث عنها في بطون الكتب، وإنما هذه العلاقة كانت هي علاقة المحب لها، المعترف بفضلها أولا لكونها أما أورثته الكثير من الخصال الحميدة والفاضلة، تلك التي أوردها في سيرته الذاتية وعنوانها «أنا»، والتي منها الحسم والعزم، الصمود والكبرياء، التحمل والصبر. ثم علاقته بالمرأة التي كان يأمل أن تكون له شريكة في الحياة. إلا أن علاقته بهذه الأخيرة كانت علاقة الشاك في سلوكياتها، المكتوي بنيرانها، المحب الذي عرف البكاء قلبه قبل أن تعرفه عيناه، وعرفت الجروح كبرياءه قبل أن يعرفها جسده.. وهكذا تعذب من جراء حبه لها، حتى كأنه وقع عقدا بين قلبه وبين العذاب فضاق بحبها، وتألم من فراقها، وشقي بهجرها، وذاق عذوبة القرب منها، وتجرع مرارة البعد عنها.

 

رأي بعد أزمة

يذكر صديقه وكاتم أسراره الشاعر محمد طاهر الجبلاوي في كتابه «من ذكرياتي في صحبة العقاد» عبارة لا تخلو من معنى ودلالة قائلا: «كنت أسير مع العقاد ذات مرة عقب حفلة تكريم أقيمت له، فرأيت بعض الناس يشيرون إليه بالبنان مرددين اسمه بإعجاب. فلفته إلى ذلك ليتنبه فبادرني قائلا: «ألا يدري هؤلاء الناس أن الرجل الذي يشيرون إليه، ويرددون اسمه.. هو أتعس رجل في الحياة؟!».

ويعلق الجبلاوي في الكتاب نفسه على قول العقاد قائلا: «وكانت قد ألمت به أزمة عاطفية أثارتها امرأة، فاكتوى بنيرانها فترة من الزمن».

ومثل هذه الأزمات، التي كانت تمر بالعقاد بين الحين والآخر جعلت بعض نقاده ودارسيه ومؤرخيه يربطون بينها وبين عنف موقفه من المرأة في بعض الأحيان، فمثلا ربط تلميذه الكاتب الراحل أنيس منصور بين حب العقاد لسارة وما أصابه بعد ذلك من جرح عميق، وبين موقفه من النساء عامة حيث سجل في كتابه «يسقط الحائط الرابع» قائلا: «وسارة هي المسئولة عن كل ما أصاب المرأة من قلم العقاد.. فالعقاد كان يرى المرأة – في صورة سارة – تافهة، عاشقة للقوة والشباب، كما يراها لا تقدر الرجل الحقيقي حق قدره، وأنها ضيقة الأفق حيث لا يتسع أفقها لأكثر من أربعة أشخاص هم أبوها وزوجها وأخوها وابنها. فتلك هي الدنيا بالنسبة لغالبية النساء». إلى أن يقول: «ويرى العقاد أن حياة المرأة تتلخص في سطر واحد «إنها تضع الأحمر والأبيض وتعرض نفسها في الشارع أو النافذة انتظاراً للرجل».

ولعل كاتبنا الراحل أنيس منصور بالغ في وصف مواقف أستاذه العقاد من المرأة حين يقول في الكتاب ذاته: «.. وسارة هي المسئولة عن كل ما جاء على لسان العقاد عن اتهام المرأة بالخيانة». فهو الذي قال: «خنها، خنها، ولا تخلص لها أبدا، تخلص إلى أغلى غواليها» هذا الرأي الأخير تحديداً هو رأي الفيلسوف الألماني شوبنهور وربما اختلط الأمر على الأستاذ أنيس منصور أو ربما قال به العقاد متأثرا برأي هذا الفيلسوف الألماني الذي عرف عنه التشاؤم.

إلاّ أنه في الجانب الآخر نرى أن هذه المواقف العارضة لا تشكل عداوة من العقاد للمرأة بوجه عام، لأنه كان يصرح في مناسبات كثيرة بأنه ليس هناك عداوة أو كراهية بينه وبين المرأة، ولعله كان حريصا على إعلان ذلك تبرئة لنفسه من هذا الاتهام. إنه مثلا يجيب عن سؤال لمجلة آخر ساعة في يوليو 1961 هو: ماسر العداء التقليدي بينه وبين المرأة؟ ليرد قائلا: «ليس هناك عداء.. المسألة أنني أضع المرأة في مكانها الصحيح حسب فهمي لها على ضوء إمكاناتها الطبيعية والنفسية».

 

آراء في كتابين

ولعل العقاد كان صادقا في إجابته هذه، حيث يتفق ذلك مع ما كتبه وقاله في بدايات حياته الفكرية، حيث كانت آراؤه لا تنبئ عن عداوة أو كراهية للمرأة، وإنما تقدير ودفاع عنها، فهذا الموقف الذي أعلنه العقاد قبل وفاته عام 1964 هو نفس موقفه الذي أعلنه في بدايات حياته أو بالتحديد عام 1912، حيث طالب في كتابه «خلاصة اليومية والشذور» بتعليمها وتحريرها، كما اعترف بدورها في الحياة، واستقلالها، ومساواتها بالرجل مؤكدا كل ذلك إلى أن قال موضحا مهمة المرأة ودورها قائلا: «إن الذي يظن أن المرأة من متممات زينة البيت، فكما أن في البيت متاعا وأثاثا من كل صنف. كذلك يحسن أن تكون فيه واحدة أو أكثر من صنف النساء، وأن الرجل ليغير زوجته مرارا، ولا يغير ملاءة سريره وهذا خطأ وخطيئة. فالمرأة لها دور جوهري وأساسي في الحياة أكبر وأهم أن تكون كذلك».

فإذا كان هذا هو موقف العقاد في عام 1961 أي قبل وفاته بثلاث سنوات، وموقفه في عنفوان شبابه عام 1912.. فما الذي جرى حتى نراه يكتب ما يفسر على أنه عداوة وكراهية للمرأة؟ إن الذي جرى أنه كتب مقالات عن المرأة وكتبا في مقدمتها كتابان أولهما عام 1945 عنوانه «هذه الشجرة» وثانيهما عام 1959 عنوانه «المرأة في القرآن»، ويأتي فيهما بآراء عنيفة وحادة وصف من بعدها بأنه عدو للمرأة، ودخل في معركة حامية كانت المرأة التي أحبها طرفا فيها، ولعل سلوك المرأة حياله في تجارب شخصية في حياته كانت هي السبب المباشر لموقفه منها.

ومن هذه الآراء التي وردت في الكتابين وفي بعض كتاباته أن العقاد يرى أن الإغراء والإغواء خصلتان من خصال الأنوثة، فيهما المرأة تتعرض وتنتظر، والرجل يطلب ويسعى والتعرض هو الخطوة الأولى في طريق الإغراء. فإن لم يكف فوراءه الإغواء وذلك بالتنبيه والحيلة، والتوسل بالزينة، والإيحاء، وكل هذا لتحريك إرادة الرجل بعد ذلك الانتظار من المرأة.

 ويصل العقاد إلى نتيجة مهمة هي أن إرادة المرأة تتحقق بأمرين «النجاح في أن تُراد، والقدرة على الانتظار»... ولهذا كانت إرادة المرأة سلبية على الأقل في الشئون الجنسية، وكلمة «لا» سابقة على كل نية تمتحن بها أرادتها وصبرها.

 

الإغراء والرياء

ويحدد العقاد أدوات إغراء المرأة وإغوائها، فيرى أن الأداة البالغة هي قدرتها على الرياء، والتظاهر بغير ما تخفيه، فهذه الخصلة قد تسمو بها حتى تبلغ مرتبة الصبر الجميل والقدرة على ضبط الشعور. وقد تسفل حتى تعافها النفوس كما تعاف أقبح الأشياء.

ومن أسباب القدرة على الرياء أو القدرة على ضبط الشعور – في رأي العقاد – أن المرأة تظل زمنا طويلا على إخفاء حبها أو بغضها. لأنها تخفي الحب مفضلة عدم المفاتحة به والسبق إليه وهي التي خلقت لتتمنع وهي راغبة، وتخفي البغض لأنها محتاجة إلى المداراة احتياج كل ضعيف إلى مداراة الأقوياء.

وبعد أن يفرق العقاد بين الجمال والجنس حيث يرى أن الذكر أجمل من الأنثى من حيث تكوين الجسم، يرى أن جسم المرأة جسم تابع وليس بالجسم المستقل. ففيه الثديان اللذان يتغذى منهما الطفل، وفيه الرحم الذي يحمل الجنين، وفيه طبقة دهنية تحت البشرة لحماية الجنين... ويقرر العقاد أن هذه التبعية واجبة، وتبدو من ملاحظة جسم المرأة والحكم عليه.

وشعور المرأة بالجمال في رأي العقاد محدود، وقد تكون تابعة فيه، أو خاضعة للإيحاء والشهرة سواء من الجماعات أو الأفراد. هذا الشعور لم يبلغ مرتبة الإبداع والتفنن والابتكار والخلق التي بلغها الرجل. فيندر في النساء من تبدع في فن من الفنون سواء كان الشعر أو التصوير أو التمثيل أو الموسيقى أو الرقص مثل الرجل.. مع أن هذه الفنون أقرب للمرأة وأنسب لطبيعتها أكثر من الرجل.

 

الرجل مبدعاً في فنون المرأة

كذلك أن المرأة لا تبدع في فن من الفنون التى طال عمرها فيه كالطهي والخياطة والتزين والتجميل. حيث نجد الرجل دائما متفوقاً عليها في هذه الفنون. وحتى البكاء والنواح والرثاء والحداد على الأموات، وهي من خصال المرأة. ومع ذلك لم تتفوق بقصيدة واحدة في الرثاء، ولم يقدم لنا التاريخ شاعرة متفوقة في الرثاء.

وللمرأة عادات وشعائر وأحكام تساير غرائزها. ويضرب العقاد على ذلك أمثله منها: منذ القدم أمر الدين المرأة بالصيام في موسم من مواسمه المعروفة فلم تصبر عليه كمال صبر الرجل. ولم تزل تراوغ حكم الدين وهي في سن الشباب إلى أن يتجافاها الجمال ويعرض عنها الرجال. وفي الوقت نفسه نرى المرأة الحديثة تتجشم آلام الصوم طلبا للرشاقة حيث تتجنب الطعام والشراب حتى تتجنب السمنة التي يعافها الرجل في هذا الزمان الحديث، وهو ما يعرف بالريجيم.

والعقاد يرى أن التناقض خصلة من خصال المرأة لأنه ملازم من لوازمها وهما الأمومة والحب بشتى معانيه، فاللذة والألم – كما نعلم نقيضان في أي كائن حي – ولكنهما يمشيان معا في إحساس المرأة فتجمع بينهما اضطراراً من حيث تريد أو لا تريد. إن أسعد ساعات المرأة هي الساعة التي تتحقق فيها أنوثتها الخالدة يغمرها فرح لا حدود له. ومع هذا هي أشد ساعات الآلام والأوجاع في جسد الأم الطريح، وتلك ساعة الولادة.. في تلك الساعة الحياة والموت.

وفي مجال الأخلاق يشير العقاد إلى أن الغرائز المختلفة التي تقلل محاسن المرأة تقلل أيضا نقائضها التي تعاب عليها، ومن بعض جهاتها. وقد لخص شاعر كل العصور أبو الطيب المتنبي وكأنه يتفق مع العقاد حيث قال عن المرأة «فمن عهدها ألا يدوم لها عهد» وهو المعنى تقريبا الذي ذهب إليه العقاد حيث قال: «المرأة تتقلب وتراوغ وترائي وتكذب وتخون وتميل مع الهوى، وتنسى في لحظة واحدة عشرة السنين الطوال».

 

غرائز

وأخيرا يذكر العقاد أنه من ظلم الرجل ألا تكون رقابته على المرأة أوفى وأكبر من رقابة المرأة عليه لأنها إذا فرطت في حقوق الرجل عليها ألحقت به نسلا غير نسله، أما إذا فرط الرجل في حقوقها فإنه يلحق بها نسلا غير نسلها، ولم يخالف بذلك قوام خلقه الأصيل في جميع الذكور فإن الذكر يؤدي فريضة نوعية لا تؤديها المرأة إذا اتصلت بأكثر من رجل واحد، اللهم إلا أن تكون غريزة خائنة، أو تحللا من الأخلاق.

هذه الآراء وغيرها كثير، تضمنتها صفحات كتابية عن المرأة: «هذه الشجرة» و«المرأة في القرآن». وطبيعي أن نتفق أو نختلف حولها، وطبيعي أيضا أن تلقى ردود أفعال مضادة من النساء. حيث استوقفت بعض هذه الآراء الدكتورة بنت الشاطئ – عائشة عبد الرحمن - عام 1960 فأرادت أن تدفع كل هذه الاتهامات أو حتى بعضها عن بنات جنسها، ولكن قبل أن نتعرض لرد العقاد على الدكتورة بنت الشاطئ نتساءل: وأين كان موقف الأخريات وخاصة المشهورات من اتهامات تمس المرأة عامة؟! إذ يبدو أن المرأة أصيبت بعقدة اسمها العقاد في هذه المعركة التي تولت الدفاع فيها عن المرأة الدكتورة بنت الشاطئ وحدها، هذه العقدة جعلت أغلب المشهورات يحجمن عن الرد على هذه الآراء التي أوردها العقاد في كتابيه.

فمثلا الدكتورة سهير القلماوي يتضح موقفها من حديثها مع الدكتورة بنت الشاطئ حيث تقول لها: «يا عائشة خلك بعيد أسلم».

والدكتورة لطيفة الزيات الكاتبة والناقدة والأستاذة الجامعية، تعد بالرد بعد يومين لكن تنسحب قائلة: «معلهش أنا والنبي.. أصل العقاد... ولا تكمل»!!

والدكتورة منيرة حلمي تعارض كل ما جاء بكتاب العقاد «المرأة في القرآن» لكنها تنسحب قائلة «اعفوني من الرد بحجة» عملها في الأبحاث.

والأستاذة أمينة السعيد رئيسة تحرير مجلة حواء السابقة تعتذر بشدة عن الرد نظراً لانشغالها في عملها الصحفي والاجتماعي.

والفنانة فاتن حمامة وعدت بأنها ستقرأ ما كتبه العقاد عن المرأة بعناية واهتمام لأنها لابد أن ترد فهذا كلام لا يحسن السكوت عنه. لكن عندما جاء موعد تسليم الرد قالت للصحفي: «لا يا خويا أنا سأكتب للمجلة في موضوع تاني.. أصل العقاد لسانه طويل».

والأديبة صوفي عبد الله تهرب من الرد وتقول: إنها عارضت من قبل ما قاله أستاذها العقاد عن المرأة في كتاب «هذه الشجرة» قائلة «ومع احترامي الشديد لأستاذي الكبير لم أزل عند رأيي، وهو لا يمكن القطع بوجه عام على كل النساء بهذا الشكل... وكفاية بقى».

والإذاعية آمال فهمي تعلن أنها ستكتب ردا مفحما على العقاد لأنها قرأت الكتاب واستغربت مما جاء فيه من هجوم على المرأة في حين أن القرآن يقول: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) سورة البقرة آية رقم 228 - إلا أن الأستاذ العقاد عملهم ألف درجة. وتضيف: «اتصلوا بي بكرة فسوف أجهز لكم الرد.. ولكن بكرة لم يأت فقد اختفت آمال فهمي حتى لا ترد».

والفنانة لبنى عبد العزيز أوصدت كل الأبواب حتى لا ترد قائلة للمجلة «اعذروني أنا لم أقرأ الكتاب» ولكنها تتساءل من منطلق متابعتها للمعركة الدائرة حول هذا الكتاب: لماذا يحكم العقاد بتفوق الرجل على المرأة؟ ولماذا يعتقد أن الجولة بين الطرفين قد انتهت لمصلحة الرجل؟ ولماذا لا ينتظر العقاد عشرين قرنا من بعدها يحكم من هو المخلوق المتفوق الرجل أم المرأة؟

 

معركة بنت الشاطئ

وهكذا الكل يهرب من الرد على العقاد، ولا يبقى في الميدان سوى الدكتورة بنت الشاطئ. وطبيعي أن يكون للكل الحق في الهروب فليس الرد على العقاد بالأمر السهل خاصة وأن تعقيباته وتعليقاته حادة وعنيفة ولاذعة، إلى جانب أن الكل يعلم جيدا تحكمه وتمكنه مما يكتب أو يقول. ويكفي أن نورد بعض العبارات للتدليل على ذلك فمن ردوده على الدكتورة بنت الشاطئ نتبين ذلك جيدا. فمثلا يقول عنها: «إن كاتبة المقال (يقصد مقال اللهم إني صائمة للدكتورة بنت الشاطئ) لا أضعها في عالم النساء، ولا في عالم الرجال وإنها المثل الواضح على تناقض المرأة حتى في الشكل وليس المضمون فحسب».

ويقول «إنني أعجب من دفاع امرأة هي ثالثة ثلاث في الترتيب عند الرجل الزوج بالنسبة إلى بنات جنسها من النساء.. كيف تسمح لنفسها بأن تدافع عن المرأة وكأن جميع النساء وكلوها نيابة عنهن! «مشيرا في هذه العبارة إلى أن الدكتورة بنت الشاطئ كانت الزوجة الثالثة لزوجها الشيخ أمين الخولي.

أو يقول: «إن هذه السيدة - ولا يذكر اسمها – تعتمد على قول مبشر أعجمي هو الأب (لامنسي) لتتخذ منه حجة وبرهانا ودليلا على العلم في اللغة والدين وكل من الاثنين في منزلة واحدة من العلم» إلى أن يقول: «ولعل الست – يقصد الدكتورة بنت الشاطئ – مفسرة القرآن لم تنس هذا التفسير وهي تستمد العلم الغزير من أستاذها الأب (لامنسي) وإخوانه وشركائه العارفين كذبا باللغة والدين أكثر من أبنائهما».

وإزاء هذه الردود الحادة والعنيفة من العقاد تلوذ الدكتورة بنت الشاطئ بالصمت، وتلتزم جماعة الأمناء بعدم الرد في مجلة الأدب التي يرأسها زوجها الشيخ أمين الخولي.

 

إشارات

هذه مجرد إشارة إلى المواقف العقادية من المرأة، إلى جانب حيثيات المعركة التي دارت بسببها وهي مواقف نظرية تضمنتها صفحات كتابي «هذه الشجرة» و«المرأة في القرآن» وبعض مقالاته. أو مواقف عملية حيث كان طرفا في معركة ساخنة مع المرأة تم تسجيلها في الصحف والمجلات خاصة في صحف أخبار اليوم، بالطبع إلى جانب نشرها بمجلة الأدب التي كان يصدرها ويرأس تحريرها الشيخ أمين الخولي، وفي المقابل كان الطرف الثاني المؤيد للدكتورة بنت الشاطئ في دفاعها المجيد عن المرأة في صحيفة الأهرام حيث كانت تشغل فيه رئاسة تحرير الأدب، وصفحات الفكر الدينى. وطبيعي أن تقف «الأهرام» إلى جانبها.

ولا شك في أن هذه المواقف العقادية كانت تنبع من فهم لطبيعة تكوين المرأة ونفسيتها على حد تعبير العقاد في كتاباته وأحاديثه، إلا أن هذا الفهم العقادي لم يقلل بأي حال من الأحوال من محبته وتقديره للمرأة كأم وأخت، وحبه وتقديره لها كإنسانة لعله كان يعدها كي تكون زوجة وشريكة لحياته في المستقبل.

إن الذي يرجع إلى ما كتبه العقاد في دواوينه وكتبه ومقالاته ودراساته ويتأملها جيدا، يقتنع بأنه لم يكن يوما عدوا للمرأة. بل على العكس كان محبا لها مقدرا لدورها في الحياة، مدافعا عن حقها. لقد أحبها في صورة الأم التي ورث عنها الكثير من الخصال والصفات الكريمة التي ظل طوال حياته معترفا بفضلها، كما أحبها كأخت حيث كان بارا بشقيقاته، هذا البر الذي امتد إلى أبنائهن الذين كانوا يعيشون معه بمنزله في مصر الجديدة، كما أحبها كإنسانة قريبة إلى قلبه في صورة الأديبة مي زيادة أملا في الاقتران بها، في علاقة فكرية راقية أرخ لها في روايته الأدبية الوحيدة «سارة» باسم هند، كذلك أحبها ذلك الحب الذي كاد يفقده عقله في صورة أليس داغر التي أرخ لها في رواية سارة «باسم سارة تلك التي اكتوى بنيران الشك بسببها يوم عرف الحقيقة وهي أنها لم تكن مخلصة له كما كان مخلصا لها واختار كل منهما الحياة منفردا دون توحد كان يأمله ويتمناه».

وهكذا لم يكن العقاد عدوا للمرأة بأي حال من الأحوال، كما تصورت ذلك المرأة نفسها، أو كما عبرت عنه الآلة الإعلامية الضاربة في بعض الكتابات خاصة تلك التي كانت ضد العقاد.