دروس القائمة الحمراء التنوع الحيوي في تراجع غير مسبوق

دروس القائمة الحمراء التنوع الحيوي في تراجع غير مسبوق

أصدر الاتحاد العالمي لصون الطبيعة قائمة 2006 الحمراء للأنواع المهددة. وغم إدراك أنصار البيئة للتردي الذي يعيشه كوكبنا على مختلف الصعد البيئية، خاصة على صعيد التنوع الحيوي، فإنهم فوجئوا بحجم هذا التراجع الذي كشفته قائمة 2006 الحمراء للأنواع المهددة The 2006 Red List of Threatened Species.

فوفقا لقائمة هذا العام، بلغ عدد الأنواع المهددة بالانقراض 16.119 نوعا. واشتملت الرتب المهددة بالانقراض عدة أنواع مألوفة مثل الدب البري، وفرس النهر، والغزال الصحراوي، إلى جانب قروش المحيطات، وأسماك المياه العذبة وزهور حوض البحر الأبيض المتوسط. أما التحركات الإيجابية فقد أنقذت الصقر الأبيض الذيل ومنحت بارقة أمل لنسور الهند.

أما العدد الإجمالي للأنواع التي أعلنت رسميا «أنواعا منقرضة» فقد بلغ 784 نوعا، بينما هناك 65 نوعا آخر لا توجد إلا في الأسر أو في الاستزراع. ومن بين الـ 40 ألفًا و 177 نوعا شملها التقييم وفقا لمعايير القائمة الحمراء التي وضعها الاتحاد العالمي لصيانة الحياة البرية World Conservation Union (IUCN)، فإن هناك 16.119 نوعا مسجلة الآن في قائمة الأنواع المهددة بالانقراض. وهذا العدد يضم ثلث البرمائيات وربع أشجار الصنوبر coniferous trees في العالم، فضلا عما نعرفه من أن ثمن طيور العالم وربع ثديياته تواجه خطرا داهما. وتسلط قائمة 2006 الحمراء التي أصدرها الاتحاد الدولي لصون الحياة البرية الضوء بشدة على التراجع المتواصل للتنوع الحيوي على كوكبنا وتأثير البشر على الحياة على الأرض. وتقدم القائمة الحمراء، التي تعد على نطاق واسع التقييم الأكثر دقة للوضع الكوني للنباتات والحيوانات، مقياسا دقيقا للتقدم المحرز، أو الافتقار إليه، في تحقيق الهدف المتفق عليه عالميا والمتمثل في إحداث تخفيض كبير في المعدلات الحالية لتراجع التنوع الحيوي بحلول العام 2010.

فقدان التنوّع الحيوي

ويقول آخيم شتاينر، المدير العام للاتحاد الدولي لصون الحياة البرية، إن القائمة الحمراء ترصد اتجاها واضحا يتمثل في أن معدلات ففقدان التنوع الحيوي تتزايد باستمرار ولا تقل أبدا.

ويضيف: «إن تبعات هذا الاتجاه شديدة الوطأة وواسعة النطاق بالنسبة لإنتاجية الأنظمة الإيكولوجية وقدرتها على استعادة عافيتها وحياة ومورد رزق البلايين من البشر الذين يعتمدون عليها. والواقع أن التصدي لهذا الاتجاه ممكن وهو ما أثبتته قصص نجاح عديدة لجهود صون الطبيعة. ومن أجل النجاح على المستوى العالمي، فإننا نحتاج إلى تحالفات جديدة عبر كل قطاعات المجتمع. فالتنوع الحيوي لا يمكن إنقاذه من خلال أنصار البيئة وحدهم، بل يجب أن يصبح مسئولية كل إنسان يمتلك المسئولية والموارد اللازمة للتحرك».

قمة جبل الجليد .. الذائبة

الدب القطبي بات أحد أبرز ضحايا الاحترار الكوني. فتأثيرات التغير المناخي نلمسها على نحو متزايد في المناطق القطبية، حيث من المتوقع أن يختفي جليد البحر الصيفي بنسبة تتراوح بين خمسين ومائة في المائة خلال السنوات الخمسين أو المائة القادمة. والدب القطبي، الذي يعتمد على الجليد القطبي الطافي في اصطياد عجول البحر والمتخصص في العيش في البيئة البحرية القطبية، من المتوقع أن يعاني فقدان 30 في المائة من أعداده في الأعوام الخمسة والأربعين القادمة. وكان الاتحاد الدولي لصون الحياة البرية قد أدرج الدب القطبي ضمن قائمة «الأنواع المعتمدة على صون الطبيعة»، لكنه نقله الآن إلى قائمة الأنواع المهددة بالانقراض.

صحارى تموت

إن وطأة قدم الإنسان على كوكبنا تمتد حتى لمناطق تبدو أبعد ما تكون عن تأثير البشر. وقد يتصور البعض أن الصحارى والأراضي الجافة تبدو وكأنها لم تمس، لكن حيواناتها ونباتاتها التي تكيفت مع العيش فيها هي من أندر الكائنات وأكثرها تهديدا بالانقراض. وببطء ولكن بمعدلات ثابتة، تفقد الصحارى تنوعها الحيوي وكائناتها الحيوانية والنباتية التي تكيفت مع ظروفها المناخية القاسية. ويأتي التهديد الرئيسي للحياة البرية في الصحارى من الصيد الجائر المنفلت وفي المرتبة الثانية اختفاء الموائل الطبيعية. فقد عانت غزلان الداما (Gazella dama) التي تعيش في الصحراء الكبرى، والتي أدرجت ضمن قائمة «الأنواع المعرضة للخطر Endangered» في العام 2004، من فقدان 80 في المائة من أعدادها خلال الأعوام العشرة الأخيرة بسبب حفلات الصيد المنفلتة، الأمر الذي دفع الاتحاد إلى إدراجها ضمن قائمة «الأنواع المعرضة لخطر داهم Critically Endangered». وهناك أنواع آخر من الغزلان الصحراوية مهددة أيضا ويبدو أنها ستعاني مصير غزلان الأوريكس المعقوفة القرن scimitar-horned oryx التي انقرضت من البرية.

وتواجه الظباء الآسيوية ضغوطا مماثلة. فالغزال الصحراوي (الريم) ينتشر على نطاق واسع عبر صحارى وسط آسيا والشرق الأوسط وحتى سنوات قليلة مضت كاننت هناك أعداد هائلة منه في كازاخستان ومنغوليا. لكن البلدين شهدا تراجعا خطيرا في أعداد هذه الغزلان بسبب فقدان الموائل وحملات الصيد من أجل لحومها. وقد أعيد إدراج هذا النوع من الغزلان ضمن قائمة الأنواع المهددة.

محيطات فارغة

وتمثلت إحدى الإضافات الأساسية لقائمة 2006 الحمراء للأنواع المهددة في أول تقييم إقليمي شامل لمجموعات بحرية مختارة. وكانت القروش وأسماك الشفتين rays من بين أول المجموعات البحرية التي يتم تقييمها بانتظام. ومن بين 547 نوعا مسجلا، كان هناك 20 في المائة منها مهددة بالانقراض. وهو ما يؤكد شكوكًا سابقة للعلماء في أن هذه الكائنات البحرية البطيئة النمو ستكون أولى ضحايا الصيد المفرط وستختفي بمعدلات غير مسبوقة من بحار ومحيطات العالم.

وتجسد محنة القرش الملائكي (Squatina squatina) وسمك الورنك المعروف skate (Dipturus batis)، والتي كانت تزخر بها أسواق السمك الأوروبية، التراجع الدراماتيكي المذهل في أعداد القروش وأسماك الشفتين. فقد اختفى هذان النوعان تماما من الأسواق. بل إن أسماك القرش الملائكي، التي نقلتها القائمة الحمراء من قائمة «الأنواع المعرضة للخطر» إلى «الكائنات المعرضة لخطر داهم»، قد أعلنت «منقرضة» في بحر الشمال، بينما أصبحت أسماك الورنك، التي أعلنت هي الأخرى «في خطر داهم»، شديدة الندرة في البحر الأيرلندي وجنوبي بحر الشمال. ومع تطور تكنولوجيا الصيد ووصولها إلى أعماق أبعد، فإن أعداد أسماك القرش المزدرد، التي تعيش في الأعماق، قد انخفضت بنسبة تصل إلى 95 في المائة. أسماك المياه العذبة على وشك الانقراض التام.

ولم يكن مصير أسماك المياه العذبة بأفضل حالاً، بل إنها هي المجموعة التي تتعرض لأكبر الأخطار: 65 في المائة من أنواع أسماك المياه العذبة الـ 252 التي تعيش في بلدان حوض البحر المتوسط مهددة بالانقراض، وهي أعلى نسبة مقارنة بكل المناطق التي تمت دراستها. وقد انقرضت سبعة أنواع منها بالفعل، من بينها أحد أنواع سمك الشبوط Alburnus akili في تركيا وأسماك Telestes ukliva في كرواتيا. وفي بحيرة مالاوي، انخفضت أعداد سمك التروت بنسبة 50 في المائة خلال الأعوام العشرة الأخيرة. والسبب يعود بالطبع للطلب المتزايد على المياه العذبة لسد حاجات السكان والزراعة. ولم يؤد تناقص كميات المياه إلى اختفاء الأسماك النهرية فقط، بل بات يهدد أيضا الكائنات الحية الأخرى المرتبط وجودها بالمياه. فنوع من كل ثلاثة من أنواع حشرات اليعسوب الـ 564 التي تمت دراستها معرض للانقراض.

وما ينطبق على الكائنات الصغيرة ينطبق أيضا على الأنواع الكبيرة. ففي جمهورية الكونغو الديموقراطية التي تمزقها الحرب الداخلية، فإن أعداد أفراس النهر قد انخفضت إلى خمسة في المائة فقط من أعدادها قبل عقد واحد بسبب الصيد غير المنظَّم للحصول على لحمها والعاج من أسنانها. ولم تعد الكونغو تملك الآن سوى 1500 فرس نهر بعدما كان يعيش على أرضها نحو 30000 في العام 1994. وفرس النهر الأصغر حجماً في إفريقيا الغربية يواجه هو الآخر خطر الانقراض.

وبالإضافة إلى الأنواع الحيوانية، رصدت القائمة الحمراء تراجعا كبيرًا في أعداد النباتات. فمنطقة حوض البحر المتوسط تعد واحدة من بين 34 منطقة اعتبرتها القائمة بؤر تنوع حيوي ساخنة. وتضم المنطقة 25 ألف نوع من النباتات - 60 في المائة منها لا يوجد في أي منطقة أخرى في العالم. لكن التوسع العمراني المتزايد، والسياحة المزدهرة والزراعة الكثيفة عناصر تسهم مجتمعة في دفع الأنواع النباتية المتوطنة في المنطقة إلى حافة الانقراض، مثل نباتي حشيشة القنطريون Femeniasia balearica والبوجلص (لسان الثور) Anchusa crispa، اللذين أدرجا ضمن الأنواع المعرضة لخطر داهم . فالأول لم يعد موجودا منه سوى 2200 نبات ناضج والثاني لم يعد موجودا إلا في عشرين موقعا صغيرا. تلك نماذج قليلة جدا من الصورة التي جسدتها القائمة الحمراء لتراجع التنوع الحيوي على كوكبنا بسبب النشاطات البشرية المتعمدة في سائر أنحاء الكوكب. والأمر هنا لا يتعلق بفقدان أنواع بعينها مثل الدب القطبي أو فرس النهر الإفريقي أو النمر الآسيوي، بل باختفاء الوحدات البنائية الأساسية لمنظومة إيكولوجية بأكملها. الأمر أشبه بأن تسحب طوبة تلو الأخرى من أسفل جدار. افعل ذلك وسيتداعى الجدار لا محالة.

إن القائمة الحمراء مجرد نموذج يدلنا على محصلة أفعالنا من اجتثاث للغابات، وتدمير الموائل الطبيعية بسبب التوسع العمراني، وتبديدنا لمواردنا المائية، والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، وتلويث الهواء، والتغير المناخي، واستهانتنا بالطبيعة بإدخالنا لأنواع نباتية وحيوانية غريبة إلى غير موائلها الطبيعية. ويتوقع علماء كثيرون أن ربع العدد الإجمالي لكل الأنواع سيختفي من الوجود تماما بحلول العام 2050. والحقيقة أن أحدا لا يعرف العدد الدقيق للأنواع الحيوانية أو النباتية التي تعيش على كوكب الأرض، لكنها تتراوح، بحسب تقدير الاتحاد الدولي لصون الطبيعة، بين عشرة ومائة مليون نوع، يعرف منها الإنسان اليوم بين 1.7 و 1.8 مليون نوع. نقطة أخرى مهمة أوضحتها القائمة الحمراء لهذا العام، وهي أن التهديد الأكبر لم يعد يحيق بالدببة القطبية أو بالنمور الآسيوية، بل طال المناطق الزاخرة بأكبر كمية من التنوع الحيوي نتيجة للاحترار الكوني. وهو ما يعني أننا سندمر الملاذ الأخيرة لعدد لا يحصى من الأنواع ونغامر بالتالي بمستقبل البشرية ذاتها.

أحمد الشربيني 




أفراس النهر تراجعت أعدادها بنسبة 95% في بعض مناطق إفريقيا





الدببة القطبية تعتمد على ألواح الجليد الطافية في الصيد





نبات البوجلص (لسان الثور) لم يعد موجودا إلا في عشرين موقعا صغيرا في حوض البحر المتوسط





بحيرة مالاوي فقدت 50% من أسماكها





غزلان الداما معرضة لخطر داهم