حكاية بلا بداية ولا نهاية.

حكاية بلا بداية ولا نهاية.. د. يحيى الرخاوي

لعل نجيب محفوظ كان يصف نفسه حين أعلنها على لسان أب يخاطب ابنه في مستهل روايته «العائش في الحقيقة» قائلا: «.. كن كالتاريخ، يفتح أذنيه لكل قائل، ولا ينحاز لأحد، ثم يسلم الحقيقة ناصعة هبة للمتأملين».

التاريخ الذي يعنيه محفوظ هنا ليس هو التاريخ المكتوب في كتب التاريخ أو وثائقه، وإنما هو التاريخ الحي الماثل في وعي الإنسان، إن تعبير محفوظ «كن كالتاريخ»، لا يفيد التشبيه، بقدر ما وصلني وهو يحدد ما هو التاريخ، وكأنه يقول: «أنت (أنا) التاريخ»، ذلك أنه أردف بعد هذه النصيحة من الأب استجابة الابن وهو يقول: «وسعدت جدًا بالتوجه إلى تيار التاريخ الذي لا أعرف له بداية، ولن يتوقف عند نهاية، ويضيف كل شأن إلى مجراه موجة مستمدة من حب الحقيقة الأبدية». نجيب محفوظ هو هذه «الحكاية بلا بداية ولا نهاية». هو حكايتنا. محفوظ ملبوس أبدًا بالفخر حول الجذور، امتدادًا إلى آفاق «المابعد».

التاريخ الحقيقي للبشرية يسجل على لوحين لا يندرجان في علم التاريخ الوثائقي: اللوح هو الكيان البيولوجي للكائن الحي، ذلك «اللوح المحفوظ» المبرمج القادر المسمى الـ«د ن أ» DNA، والذي يتجلى في الذاكرة والوراثة والمناعة والطفرات التطورية. إن التاريخ الذي يسجل في نوايا خلايا الأحياء نوعًا بعد نوع، حتى الإنسان جيلاً بعد جيل، هو التاريخ الذي لا يخضع للأهواء أو يقبل التزوير. المصدر الآخر للتاريخ الحي (اللوح المرصود) هو الناتج الإبداعي، الذي هو أكثر مصداقية في حكي ووصف تشكيل «ما هو الإنسان» في فترة تاريخية بذاتها، وهو أصدق من التسجيل الوثائقي، ومن الرص المكتوب في مراجع ملتبسة. الإبداع الحقيقي هو الذي يحتوي الواقع ثم يعيد إفرازه، وهو يسجله بموضوعية فائقة لأنه يتجاوز الحكي المعلوماتي، والتصوير الساكن، والوثائق المهزوزة والشهادات المشبوهة.

الفرض الحالي يقول: إن محفوظ: إبداعًا وشخصًا هو من أهم المصادر التي يمكن أن تساعدنا في التعرف على أنفسنا تاريخًا، وربما حاضرًا، ثم أملاً في مستقبل واعد.

نبدأ القراءة في اللوح الثاني (الواقع الإبداعي)، أعني كيف تجلى تاريخنا في إبداعات محفوظ:

إعادة صياغة الماضي

بدأ نجيب محفوظ الكتابة المنشورة سنة 1932 بترجمة «مصر القديمة»، ثم تلاها تقريبًا (بعد مجموعة قصص قصيرة: همس الجنون 1938 بثلاثية: عبث الأقدار، رادوبيس، كفاح طيبة (1939، 1943، 1944 على التوالي). وهو لم يعد إلى مثل هذا التناول، بعد نضج فائق، إلا وهو يكتب «العائش في الحقيقة» (1985) بمستوى آخر لعمق آخر. هذه المرحلة الباكرة من إبداع محفوظ، على الرغم من أنها سمّيت المرحلة التاريخية (محمود العالم)، فإنني أرى أنها ليست إلا إعادة صياغة (حكائية) لتاريخ قديم. إنها لا تعدو أن تكون تحديثًا خياليًا، فهي قراءة بتشكيل جديد لا أكثر، أين نحن منها الآن؟ لسنا هي.

ويمكن أن نتنبه إلى أن محفوظ لم يفصل تحديدًا بين تاريخنا (تاريخه) وتاريخ البشرية (بل تاريخ الحياة أحيانًا) إلا نادرًا. لعله اعتبر - وهو على حق - أن كل فرد على هذه الأرض، أو تلك في زمن محدد، ليس إلا تجسيدًا لمسيرة الحياة برمتها، حيث يستحيل فصل الوجود الفردي عن ملحمة الوجود الحيوي (التطور)، ثم تجسيدًا لبعض ناسه بشكل أو بآخر. من هنا راح محفوظ يبحث بإلحاح لم يهمد عن «الطريق» إلى المطلق فالله، بقدر ما راح يحفر حول جذور الحياة.

في هذه المحاولة الأعمق تداخل الموقف الفلسفي بالموقف الصوفي بالموقف التاريخي، ويبدو أن هذا هو ما اضطر محفوظ إلى أن يبالغ في اللجوء للرمز وهو يعيد كتابة التاريخ.

إن ما يميز هذا التحديث الرمزي لم يكن استيعاب الواقع إبداعًا، بقدر ما كان إظهار القدرة على إعادة تشكيل التاريخ حالاً بلغة آنية. الأغلب في تفسير هذا الإبداع هو أنه: لما تمكن محفوظ من صقل أدوات إبداعه، راح يخطط لها ليبلغ من خلال تشكيلاتها تلك الرسالة، التي لا يملك إزاءها إلا إبلاغها، فاستغنى بمهارة التشكيل عن إضافة عمق الوعي الإبداعي الذي يضيء التاريخ ولا يكتفي بحكيه رمزًا بأبجدية مستحدثة. ظهر هذا البعد في أكثر من عمل كان أهمها، وأخطرها، «أولاد حارتنا» حيث بلغ الرمز من الفجاجة ما عرّى المرموز له، حتى رجحت كفة سلبيات المحاولة على إيجابياتها، وترتب على ذلك ما ترتب. لكن الرمز تخفى أكثر في أعمال أقل طموحًا مثل حكاية بلا بداية ولا نهاية وهو يقدم الكتب الثلاثة التي هزّت البيت الكبير والطريقة. لم يتردد في تقديم كوبرنيكس في ثوب الشيخ (أبو كبير) وهو يعلن «أن بيتنا ما هو إلا فرع من فروع لا حصر لها من بيوت الطريقة»، كما تخفى سيجموند فرويد في ثوب الشيخ أبي العلا «ذاك الوحش الذي يتلذذ بالأعراض... إلخ».

تتكرر المحاولة بلا انقطاع حتى تنضج نضجًا إبداعيًا طليقًا، بعد أن امتلك محفوظ ناصية الحكي أكثر فأكثر، فراح يدور راقصًا سابحًا طائرًا مع دورات الحياة مباشرة، دون حاجة إلى رمز يستعيد به أحداث التاريخ. انطلاقًا من «زعبلاوي» راح يتناغم مع المطلق وهو يعري «ضلال الخلود» في هذه الدنيا ويساويه بالموت الآسن، وفي الوقت نفسه يضع «الوعي بالموت» في بؤرة الحفز إلى الحياة، وذلك حين نجح في أن يرسم دورانها وكأنه يدور معها في دوار الإيقاع الحيوي الممتد، ظهر كل ذلك في درة أعماله «ملحمة الحرافيش» (1977)، ومع أنها بدت لي خاتمة المحاولات، لفرط اتساق تناغمها، فإنه عاد من جديد إلى البحث بنفس أهدأ في رحلة ابن فطومة، وأيضًا ظهرت أخيرًا ملامح كثيرة من التجلي نفسه في أصداء السيرة الذاتية، وحتى حين أعيق حسيًا، ثم حركيًا، لم يكف عن محاولة تبليغ محاولات بحثه في الاتجاه نفسه شديد العمق، في أحلام فترة النقاهة حتى أذن الله أن يدور في فلك آخر.

ولا يكاد يخلو عمل من أعمال محفوظ، حتى ما غاص منه وبه في خيال شاطح (مثل رأيت فيما يرى النائم وليالي ألف ليلة، حتى أحلام فترة النقاهة) من حضور الواقع الظاهر كما يعيشه أي منا بلغته الآنية، وحضوره البسيط العميق. يتجلى ذلك بوجه خاص في روايات «الأجيال»، بدءًا من الثلاثية، وليس انتهاء بحديث الصباح والمساء، ثم «يوم قتل الزعيم» و«باقي من الزمن ساعة».

والسياسة واقع ماثل، لا يملك مبدع إلا أن يتناولها، والملاحِظ الأمين لابد أن يرصد المسافة بين موقف نجيب محفوظ المتحفظ (لا المحافظ) وهو يدلي بآرائه السياسية في الحياة اليومية، وبين نجيب محفوظ السياسي الثائر المغامر حتى القتل في إبداعه الروائي. ربما نفهم موقفه الشخصي أكثر إذا أحسنّا قراءة التنبيه على ضرورة التحفظ، وهو يصدر من الوالد للابن في مقدمة «العائش في الحقيقة» وهو يقول: «ولكن احذر أن تستفز السلطان، أو تشمت بساقط في النيان». ثم يلحق ذلك بقوله مباشرة «كن كالتاريخ.. إلخ»، وعلى الرغم من هذا الحذر الهادئ، فلا يكاد يخلو عمل واحد من التأكيد على الموقف السياسي الناقد الثائر المقتحم، إلا أن بعض رواياته حظيت بقدر أكبر من غيرها في الاهتمام بهذا البعد مثل الكرنك، وثرثرة فوق النيل، ويوم قتل الزعيم، وميرامار، واللص والكلاب، والشحاذ.

إيحاءات السيرة الذاتية

صرّح محفوظ في أكثر من مرة أنه لن يكتب سيرته الذاتية، بل إنه ذهب أبعد من ذلك حين برّر تحفظه هذا بأنه لا يرى في سيرته الذاتية ما يستأهل الإشارة إليه بوجه خاص، فهي - حسب قوله - لا تختلف عن سيرة أي مواطن مصري وجد في ظروفه، ثم إنه في الوقت نفسه، لم يتردد في أن يجيب كل سائل عن حياته وتاريخها، بما تيسّر من صدق متاح. على الرغم من هذا العزوف المبدئي، فإن سيرة نجيب محفوظ تجلّت في كل أعماله ليس ببعدها الظاهر، وإنما بمستوياتها الكيانية المتعددة. إن نجيب محفوظ، هو من المبدعين القلائل الذين لم يعيشوا هذا التناقض الصعب بين ما هم، وما يكتبونه. وفي الوقت نفسه، إنه لا يوجد تماثل بين شخصه وبين ما يكتب ومن يكتب عنهم. إنه يحضر - شخصيًا - في كل ما يكتب ومن يكتب، لكنه ليس أبدًا أيًا ممن يكتب، وبهذا تتكامل سيرته نسيجًا متداخلاً، بحسب قدرة المتلقي على الغزل من خيوطها.

على الرغم من كل هذا التحفظ، فإن محفوظ قد سمح في بعض أعماله بجرعة أكبر من سيرته الذاتية، بدءًا بـ «الثلاثية»، ثم «المرايا»، و«حكايات حارتنا»، ثم أخيرًا سمح لبعض أصدائها أن تصلنا: كل على قدر همته.

وهكذا نجد أنفسنا جاهزين لننتقل إلى نجيب محفوظ الشخص التاريخ، وليس المبدع تاريخًا.

المواطن المصري

لم يكن وجود محفوظ بيننا شخصًا عاديًا غاديًا يمشي في الأسواق أقل ثراء، أتيحت لي الفرصة لأعايشه الاثنتي عشرة سنة الأخيرة، فأسمع منه وأرى فيه ذلك المصري الطيّب الموظف الراتب، الذي كان يؤتمر، ويأمر، ويقبض مرتبه، ويحال إلى التقاعد، ويرعى أسرته، ويعيش بين الناس، وهو يطرح نفسه حيثما كانوا، ليجعلها في متناولهم حالة كونهم يغمرون وعيه طوال الوقت دون تردد، فبدا لي مبدعًا سهلاً، بمعنى آخر.

هذا البعد يشمل ربّ الأسرة، وشيخ ثلة الحرافيش الخصوصيين، والموظف الملتزم المثابر المطيع.

أما عنه كربّ أسرة كريمة، وصديق ثلة حميمة، فهذا بعد لا يحق لي - ولا لأحد - أن يقترب منه بغير حذر، وقد أتاح محفوظ - ثم الظروف - لبعض المقربين من الثلة الحميمة أن يقتربوا منه أكثر، وما سمح لهم بذلك إلا ثقة بهم، ويقينًا من أمانتهم، من عجب أن يكون مثل هذا البعد هو الأهم عند كثير من النقاد والمؤرخين، ليس بالنسبة لمحفوظ فحسب، وإنما بالنسبة لأي قائد أو رائد أو مبدع، مع أنه - في نهاية النهاية - بعد ليس متاحًا لأحد - وربما حتى لصاحبه - بحجمه أو أغواره الحقيقية. إن ما يمكن أن أشهد به في هذه المنطقة، على قدر ما أتيح لي، هو أنه بعد يكمل من هو نجيب محفوظ المبدع، ولا يتناقض معه جوهريًا - حتى لو كان الثمن غاليًا أحيانًا - عليه أو على المقربين منه. إنه بعد طيب رائع، له أبعاده التي جعلت من محفوظ هذا الإنسان الجميل الذي نعرفه، فحافظت على امتداده، وعطائه.

أما محفوظ الموظف المجتهد الملتزم، فقد سمعت عنه منه أكثر مما عاينته، حيث بدأت علاقتي به بعد التقاعد بأكثر من عشرين عامًا، لكن يبدو أنه بعد شديد الأهمية من حيث إنه سمح له أن يخالط الواقع حتى يعجن بمائه يومًا بيوم، فتعمقت علاقته بالالتزام الراتب (الروتين) الرائع، وتأكدت صلاته بالناس الحقيقيين لحمًا ودمًا. ثم يبدو أن محفوظ من كثرة ما أحب هذه الفرصة وأدرك مدى ضرورتها وروعة عطائها غاص في أعماقها وهو يكتب «حضرة المحترم» حتى ألهها، وكأننا ننظر إلى أبعادها من خلال مجهر يضاعفها مائة مرة.

وأخيرًا، فإن ما وصلني من، وعن، محفوظ مواطنًا مشاركًا - بغض النظر عن حجم شهرته وتفرّد إبداعه - من خلال أكثر من مصدر، هو إضافة لازمة لتبيّن بعض ملامحنا فيه، محفوظ العادي ليس فقط كاتب «وجهة نظر في الأهرام»، وإنما هو المواطن الذي لم يتردد في إعلان موقفه السياسي، على الرغم من حرصه على ألا «يستفز السلطان». إنني أشهد أنني لم أعرف عنه نفاقًا في ذلك، وإنما هو يختار أي لمحة إيجابية لأي حاكم، فيأمل فيها أكثر مما تعد، وكأنه بذلك يغري الحاكم بالعمل على الاستزادة في هذا الاتجاه. وهو على الرغم من تصنيفه باعتباره من المحافظين، فإنني لا أشك أنه من أول من يتقدم المعارك متى فرضت عليه (علينا). يكمل هذا البعد أيضًا تلك المشاركة السياسية العادية الملتزمة الدءوب، مهما بدت تحصيل حاصل، ومهما تأكد من لا جدواها، فهو يذهب إلى صناديق الانتخاب، ولا يتعالى عن الإجابة عن أي سؤال مهما كان السائل، حتى لو رجح أن هذا السائل سوف يلوي إجابته.وأخيرًا، فثم بعد آخر لحضور محفوظ المصري البسيط في الشارع والمقاهي، ثم الفنادق بعد الحادث، وهو بعد له خصوصيته أيضًا لا يترادف مع الحضور السياسي المعلن للكافة، من ناحية، ولا مع الخصوصية المغلقة الحميمة (الحرافيش الأصليين) من ناحية أخرى، لكنه - ويا للعجب - ليس متناقضًا مع أي بعد آخر (كيف فعلها هكذا ذلك الرجل؟!!!).

كان ومازال محفوظ مدرسة مفتوحة لكل من أراد، دون أي استئذان، ودون أوراق اعتماد أو شروط، وهو بذلك يمثّل مدرسة لا أعرف لها مثيلاً، فقد كان يبدو في كل لقاءاتنا به: أكثرنا حضورًا، وديمقراطية، وانتباهًا، وتقبلاً للاختلاف، وتسامحًا، وتعلمًا (لا تعليمًا فقط)، كل ذلك بالرغم من الإعاقات الحسيّة المتعددة.

محفوظ في عيون الآخرين

من منظور تلقي الآخرين لمن هو محفوظ، تناقضت الرؤى بما يؤكد ثراء هذه الشخصية حتى الإعجاز، فبقدر ما تقدسّه بعض العيون والآمال والأحلام، تختزله بعض الرؤى والتحيزات والأحكام. لم يقتصر ذلك على تصنيفه من خلال إبداعه يساريًا ملتزمًا (المنتمي/ غالي شكري) أو روحانيًا مؤمنًا (الإيمانية والروحانية/ محمد حسن عبدالله)، يتمادى هذا الموقف حتى ترسم له صور متعددة متباينة من خلال انتقاءات حسنة النية، أو عشوائية التخبط، مما قد يظهره بغير حقيقته.

الغريب أن كل هذا كان يصله ولا يحرك فيه غضاضة أو رفضًا، لا أعرف كيف؟!

وهل يمكن أن نتصور أن هذا المواطن المصري - المؤمن، المبدع، البسيط، السهل، الممتنع، الرائع، الطيب، القوي، القادر، الواضح، الممتلئ، الغامض - مازال يمثل «الآن» جزءًا من نسيج الوعي المصري (فضلاً عن العربي والإنساني عامة) «هنا والآن»؟ المبدع الراحل جسدًا مثل محفوظ يظل في وعي الناس حضورًا حيًا وحركة نشطة، هذا قانون آخر نفهم به حضور المبدع لا خلوده، حضوره في وعي الناس أمانة وإنارة وحفزًا، لا خلوده هرمًا وذكرى.

كنت حين تضيق بي السبل وأغوص في رمال ضياعنا المتحركة، ثم أجالسه قليلاً أو كثيرًا أفيق على هاتف آمل، (ربما لا يعدو أن يكون شطحًا حالمًا) يدمدم:

«.. دعونا وسط كل هذا الركام من شظايانا الخامدة، وأمام كل هذه الأبواب التي تصفق في وجه من يحاول منا، دعونا نفترض فرضًا، يقول: إن نجيب محفوظ ليس إبداعًا مكتوبًا، كما أنه ليس ماضيًا يحكى، وهو ليس جائزة نتباهى بها، أو نتوقف عندها، وهو ليس صدفة عابرة، وهو ليس لحنًا منفردًا، إنه تاريخ متجدد يقول: إننا قادرون على إفراز محافيظ كثيرة»، يا ليت!!

ثم هأنذا بعد غياب الجسد أفيق من شطحي، أو حلمي، لكنني لم أتنازل عن أملي، فكان مماخاطبته به بعد رحيله قولي:

علّمتنا شيخي الجليل: أن الخلودَ في هذه الدنيا عدمْ، والموتُ لا ينهي الحياةَ لكلِّ من أعطاها مثلك نفسَهُ، الموتُ ينقلها إلى صُنّاعها من بعض فيضكْ، قد كنتَ رائدَ حملها، يا للأمانة!! يا لثقلها! هل جاء من أنباكَ إنّا أهلُها؟ حتى الجبال أبيْنَ أن يحمِلْنَها. كيف السبيل وكل هذا حولها؟لكنَّ ما قدّمتَ علَّمنا «الطريق» إليه عبر شعابها لمّا عرفتَ سبيل دربك نحوه.

كدحًا إليه.


يحيى الرخاوي 




إبداع محفوظ من أهم المصادر للتعرف على تاريخنا