أحلام توقظ أحلامًا

أحلام توقظ أحلامًا

رسوم: محمد حجي

حين تصدى الفنان الكبير محمد حجي لتقديم رسوم مصاحبة لنصوص نجيب محفوظ «أحلام فترة النقاهة»، لم يكن يقدم ترجمة تشكيلية لهذه الأحلام، بل كان يقدم أحلامًا موازية أيقظتها في نفسه هذه النصوص الحلمية، التي أخطأ كثيرون بالتعامل معها كأحلام منام. وما هي كذلك. فهي تحديدًا أحلام فنية، شأن نصوص الأدب الجيدة جميعًا. بل شأن كل ألوان الفنون التي يمكن تلخيص جوهرها في أنها ألوان من الحلم يتضافر الوعي واللاوعي معًا في إنجازها. وبرهاننا على ذلك هو أن رسوم محمد حجي تنشرها «العربي» الآن مصاحبة ليس فقط لنصوص من أحلام فترة النقاهة، بل أيضًا لنصوص من «أصداء السيرة الذاتية»، فكلاهما أحلام فنية، تجاوب معها الفنان بلغة موازية قوامها اللون والخط والتكوين، والسريالية التي تستعير من فن النحت بعده الثالث في الرسوم ذات البعدين، وهي سمة مميزة في أعمال الفنان. نقصد... في أحلامه.

على الشاطئ

وجدت نفسي فوق شريط يفصل بين البحر والصحراء، شعرت بوحشة قاربت الخوف، وفي لحظة عثر بصري الحائر على امرأة تقف غير بعيدة وغير قريبة. لم تتضح لي معالمها وقسماتها ولكن داخلنا أمل بأنني سأجد عندها بعض أسباب القربى أو المعرفة.

ومضيت نحوها ولكن المسافة بيني وبينها لم تقصر، ولم تبشر بالبلوغ. ناديتها مستخدمًا العديد من الأسماء والعديد من الأوصاف، فلم تتوقف ولم تلتفت.

وأقبل المساء، وأخذت الكائنات تتلاشى، ولكنني لم أكف عن التطلع أو السير أو النداء.

فرصة العمر

صادفتها تجلس تحت الشمسية، وتراقب حفيدها وهو يبني من الرمال قصورًا على شاطئ البحر الأبيض.

سلمنا بحرارة، جلست إلى جانبها، عجوزين هادئين تحت مظلة الشيب. وضحكت فجأة وقالت:

- لا معنى للحياء في مثل عمرنا، فدعني أقصّ عليك قصة قديمة.

وقصّت قصتها وأنا أتابعها بذهول حتى انتهت. وعند ذاك قلت:

- فرصة العمر أفلتت، يا للخسارة!

اللؤلؤة

جاءني شخص في المنام ومد لي يده بعلبة من العاج قائلاً:

- تقبل الهدية.

ولما صحوت وجدت العلبة على الوسادة.

فتحتها ذاهلاً، فوجدت لؤلؤة في حجم البندقة.

بين الحين والحين أعرضها على صديق أو خبير وأسأله:

- ما رأيك في هذه اللؤلؤة الفريدة؟

فيهز الرجل رأسه ويقول ضاحكًا:

- أي لؤلؤة... العلبة فارغة....

وأتعجب من إنكار الواقع الماثل لعيني.

ولم أجد حتى الساعة مَن يصدقني.

ولكن اليأس لم يعرف سبيله إلى قلبي.

التوبة

مرت أمامي الجميلة الفاتنة وهي تتأود وتتنهد، فلم ألتفت إليها.

نعمت في ذلك الوقت الجاف بإرضاء كبرياء الزهد والإعراض عن مغريات الدنيا.

وثبت إلى طبيعتي في ليلة قمرية ذات بهاء، وسعيت وراء الجميلة الفاتنة وأنا مشفق من العقاب، ولكنها تلقتني بابتسامة وقالت:

- لتهنأ بمصيرك فإنني أقبل التوبة.

الضحكة

وقفت فوق فوهة القبر ألقي نظرة الوداع على جثة العزيز، التي يعدونها للرقاد الأخير. ترامت إلي ضحكته المجلجلة قادمة من الماضي الجميل، فجلت بنظري فيما حولي، ولكني لم أر إلا وجوه المشيعين المتجهمة.

وعند الرجوع من طريق المقابر، همس صديق في أذني:

- ما رأيك في ساعة راحة بالمقهى؟

وسرت الدعوة في أعصابي برعشة ارتياح. ونشطت قدماي إلى حيث المجلس، وقدح الماء المثلج والقهوة المحوجة، ومناجاة اللاحقين عن السابقين.

حلم 201

ياله من بهو عظيم يتلألأ نورًا ويتألق زخارف وألوانًا وجدتني فيه مع إخوتي وأخواتي وأعمامي وأخوالي وأبنائهم وبناتهم ثم جاء أصدقاء الجمالية وأصدقاء العباسية والحرافيش وراحوا يغنون ويضحكون حتى بحّت حناجرهم ويرقصون حتى كلّت أقدامهم ويتحابون حتى ذابت قلوبهم، والآن جميعهم يرقدون في مقابرهم مخلفين وراءهم صمتًا ونذيرًا بالنسيان وسبحان من له الدوام.

حلم 202

تأبطت الجميلة الشابة ذراعي ووقفنا أمام بياع الكتب الذي يفرش الأرض بكتبه ورأيت كتبي التي تشغل مساحة كبيرة، وتناولت كتابًا وقلبت غلافه ففوجئت بأنني لم أجد سوى ورق أبيض فتناولت كتابًا آخر وهكذا جميع الكتب لم يبق منها شيء، واسترقت النظر إلى فتاتي فرأيتها تنظر إلي برثاء!

حلم 203

رأيتني أقرأ كتابًا وإذا بسكارى رأس السنة يرمون قواريرهم الفارغة فتطايرت شظايا وينذرونني بالويل، فجريت إلى أقرب قسم شرطة، ولكني وجدت الشرطة منهمكة في حفظ الأمن العام، فجريت إلى فتوة الحي القديم، وقبل أن أنتهي من شكواي، هبّ هو ورجاله وانقضّوا على الخمّارة، التي يشرب فيها المجرمون، وانهالوا عليهم بالعصي حتى استغاثوا بي!

حلم 146

انقضّ العدو واشترط لوقف القتال أن يتسلم تمثال النهضة الذهبي المحفوظ في الخزانة التاريخية، وذهبت مع فريق لنحضر مفتاح الخزانة المحفوظ بالصندوق الأمين.

ولما كشفنا غطاء الصندوق، تبدّى لنا ثعبان مخيف ينذر بالموت كل من يدنو منه، فتفرقنا وأنا أداري فرحتي وأدعو للثعبان بالسلامة والتوفيق في حفظ المفتاح.

حلم 206

رأيتني أعد المائدة والمدعوون في الحجرة المجاورة تأتيني أصواتهم، أصوات أمي وإخوتي وأخواتي، وفي الانتظار سرقني النوم ثم صحوت فاقدًا الصبر، فهرعت إلى الحجرة المجاورة لأدعوهم فوجدتها خالية تمامًا وغارقة في الصمت، وأصابني الفزع دقيقة، ثم استيقظت ذاكرتي، فتذكرت أنهم جميعًا رحلوا إلى جوار ربهم، وأنني شيعت جنازتهم واحدًا بعد الآخر!.