بترول قزوين... حقائق وتساؤلات

بترول قزوين... حقائق وتساؤلات

يربط كثير من المحللين بين الأزمة الأفغانية والرغـــــبة الأمريكية في السيطــــرة على منـــاطق النفط, ويسوقون لذلك أدلة وبراهين متعددة, لعل على رأسها الرأي القائل بأن حرب الخليج الثانية في عام 1991 حققت للولايات المتحدة وضع قواعدها العسكرية في أكبر مناطق إنتاج النفط في العالم.

مع التدفق المتزايد لنفط بحر قزوين وتعاظم أهمية بعض الدول الإقليمية في المنطقة ربط هؤلاء المحللون بين الأزمة الأفغانية والافتراض بسعي الولايات المتحدة في السيطرة على منطقة آسيا الوسطى والقوقاز. ولعل الهدف الرئيسي من وراء ذلك هو تنويع مصادر الطاقة حتى لا تتحكم فيها منطقة بعينها وتفضي إلى ارتفاع في الأسعار. كما أن بترول بحر قزوين سيضمن ظهور طرق نقل جديدة على الخريطة الاقتصادية للمنطقة, وهو ما يعني تحقيق مقدار أكبر من تأمين وصول النفط إلى الأسواق الغربية وعدم تركيزه في منطقة جغرافية بعينها, وخاصة أن منطقة الشرق الأوسط - والدول العربية بالذات - تعاني عدم استقرار قد يهدد بتعطيل حركة تدفق النفط مما قد يرفع أسعاره. ومن ثم يعني إحكام السيطرة على منطقة بحر قزوين - أو على الأقل على الدائرة الجغرافية المحيطة بها - تحقيقاً لنجاح كبير للدول الكبرى طالما سعت إليه.

وبحر قزوين مسطح مائي مغلق يقع في شمال غرب آسيا محصوراً بين أذربيجان وإيران وكازاخستان وتركمانستان وروسيا. ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي ومنطقة بحر قزوين تجذب الاهتمام الدولي لما بها من مخزون ضخم من النفط والغاز. وتأتي أهمية المنطقة في أن جزءاً كبيراً من مخزون النفط لم تمتد إليه الأيدي بعد, مما يجعل المنطقة محط تنافسات شديدة بين شركات الاستثمار العالمية, وكذا تنافس الدول الكبرى لبسط النفوذ وتأتي على رأسها قوتان كبريان هما الولايات المتحدة وروسيا وقوتان أقل حجماً وهما تركيا وإيران.

قزوين ينافس

ومن بين الأفكار المطروحة عن أهمية المنطقة يرى كثيرون أن بترول بحر قزوين سيصرف الأضواء عن بترول الشرق الأوسط. ومن زاوية, فإن جزءاً من هذه الآراء به قدر من المبالغة, إذ تعطي هيئة EIA (إدارة معلومات الطاقة الأمريكية Energy Information Administration) تقديرات دقيقة عن الاحتياطي المؤكد Proven Reserve تتراوح بين 18 و34 بليون برميل, بينما تصل تقديراتها للاحتياطي المحتمل Estimated Reserve إلى 250 - 270 بليون برميل. وإذا كانت هذه التقديرات لا تمثل سوى ثلث احتياطي بترول الشرق الأوسط (وهي نسبة كبيرة في الوقت ذاته) فإنها على الأقل تفوق تقديرات الاحتياطي المؤكد لبترول بحر الشمال (والبالغ 17 بليون برميل) كما يفوق الاحتياطي المؤكد للولايات المتحدة (البالغ 22 بليون برميل). وبالمثل نجد احتياطي الغاز الطبيعي في بحر قزوين له من المكانة ما يجعله منافساً لمناطق عديدة في العالم, ويكفي أن نذكر أن كازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان تحتل مواقع متقدمة من بين أكبر عشرين دولة في العالم في إنتاج النفط والغاز. وبصفة عامة يتراوح الاحتياطي المؤكد من الغاز الطبيعي بين 243 و248 تريليون قدم مكعب.

ورغم العقود السبعة التي أطبق فيها الحكم السوفييتي السابق على دول آسيا الوسطى والقوقاز وحاول فيها استغلال مواردها النفطية إلى الحد الأقصى فإن ضعف الاستثمارات وقلة كفاءة التكنولوجيا (مقارنة بنظيرتها الغربية) قد حفظا للمنطقة كثيراً من إمكاناتها. وتسعى كل دولة من الدول المستقلة لاستغلال الثروة النفطية في النهوض ببلدانها على غرار السيناريو الخليجي خاصة أن مهمة هذه الدول أسهل بما لديها من بنى تحتية. وقد شهد العقد الأخير محاولات متبادلة بين حكومات هذه الدول الكبرى لمحاولة (استثمار) الفرصة المتاحة بعد أن أصبحت كل دولة ذات سيادة واستقلالية وصار التعامل معها أسهل عما كان عليه الحال إبان الحقبة السوفييتية, وإن كانت روسيا ما زالت تقف على مقربة تترقب, وتعمل جاهدة للحيلولة دون إعطاء الفرصة لدول الغرب لإتمام توغلها.

مشكلات من كل لون

وفي ظل هذه الخصائص يكتنف إنتاج وتصدير البترول والغاز الطبيعي عدة مشكلات على رأسها المشكلات القانونية المتعلقة بطبيعة تحديد مناطق السيادة لكل دولة في التنقيب في بحر قزوين, والمشكلات البيئية التي ترتبط بإنتاج البترول وما ينجم عنه من تلويث لبيئة بحرية مغلقة هي بحر قزوين وبيئة أخرى شبه مغلقة هي البحر الأسود, وآثار ذلك على النواحي الإيكولوجية والاقتصادية الأخرى. وكذا هناك المشكلات الداخلية لكل دولة والآمال المعقودة على استغلال عوائد النفط في ظل عدم الاستقرار السياسي الذي تعانيه هذه الدول. كما أنه من المعضلات القائمة تلك المرتبطة بالنزاعات القائمة بين دول بحر قزوين وما نشب بها من حروب أهلية وحروب بينية. وينعكس ذلك بالطبع على مدى الأمن والاستقرار الذي يسعى إليه المستثمرون في المنطقة. ومثل هذه المشكلات يصلح كل منها لأن نعالجه في موضوع مستقل, إلا أننا في هذه الدراسة نود التعرض لمشكلة نرى أنها على جانب كبير من الأهمية ألا وهي مشكلة مسارات خطوط الأنابيب وعلاقة ذلك بالأزمة الأفغانية.

وبالرجوع إلى الخريطة المنشورة يتضح مدى انعزال دول بحر قزوين عن السوق العالمي في غرب أوربا وأمريكا الشمالية والشرق الأقصى ويعني هذا الانعزال آلاف الكيلومترات التي لا بد أن يقطعها النفط المنتج عبر خطوط من الأنابيب لكي يصل إلى السوق العالمي. وهو ما يعني تكلفة شديدة الارتفاع يزيد منها ما تعيشه دول المنطقة من أحوال سياسية وعدم استقرار أمني.

الخيار الروسي

في الوقت الحاضر هناك العديد من الحقائق التي تدعم الاعتقاد بأن روسيا تعمل جاهدة على اتباع سياسة منهجها إعادة سيطرتها السياسية والاقتصادية على منطقة القوقاز ووسط آسيا والتي فقدتها مع تداعي البناء السوفييتي. ولعل انصراف الانتباه عن الدول المستقلة حديثا في آسيا الوسطى والقوقاز كان مرده خطأ في عدم إدراك الآمال السياسية المعقودة على إقامة شراكة بين هذه الدول والولايات المتحدة والناتو, والبرودة الحديثة التي وقعت في العلاقات بين روسيا وهذه الدول في الوقت ذاته, إلا أنه صار الآن إدراك كبير لأهمية وضع أولويات للمصالح الروسية في المجال الجغرافي الذي كان يشغله الاتحاد السوفييتي السابق. وتنظر روسيا بأعين شغفة إلى التقديرات الحديثة حول موارد الطاقة الغنية في آسيا الوسطى خاصة النفط والغاز في كل من كازاخستان وتركمانستان.

وبمراجعة المشاريع الروسية للاستفادة من بترول بحر قزوين, على الأقل بنقله عبر أراضيها, سنجد أن هناك خمسة مسارات رئيسية لخطوط الأنابيب عبر الأراضي الروسية هي:

1 - خط أتيراو - سمارا Atyrau - Samara

قبل تفكك الاتحاد السوفييتي كان هناك خط رئيسي واحد لنقل البترول الخام من كازاخستان إلى روسيا حيث شبكة خطوط الأنابيب التي تنقل بترول روسيا إلى السوق العالمي (بطاقة 200 ألف برميل يوميا). وفي ظل التنافسات التي تجري في المنطقة لجأت روسيا إلى:

- رفع كمية النفط الذي تضخه كازاخستان عبر الخط, وقدمت لكازاخستان تسهيلات كبيرة على رأسها خفض تعريفة النقل.

- رفع الطاقة الاستيعابية لخط أتيراو - سمارا من 200 ألف برميل/ يوم إلى 300 ألف برميل في اليوم. واستفادت كازاخستان بالفعل من ذلك عندما رفعت من كمية الضخ إلى 290 ألف برميل يوميا حسب تقديرات نوفمبر 2000.

2 - باكو - نوفارايسيسك Baku- Novorossiisk

يمثل ميناء نوفارايسيسك محطة طرفية للخط الشمالي الذي يضخ بترول أذربيجان بطاقة بلغت في نهاية التسعينيات 40 ألف برميل يومياً بنسبة تبلغ 40% من إجمالي ما يضخ في هذا الخط الذي يمر من باكو عبر داغستان - الشيشان إلى نوفارايسيسك. وتضخ عبر هذا الخط كميات أقل من طاقته الاستيعابية, ويرجع ذلك لعدة أسباب أهمها:

- عدم الاتفاق بين الدول المعنية فيما يخص أسعار النفط.

- تدمير بعض الجماعات المسلحة في الشيشان لأجزاء من الخط.

- إعلان الجهات الروسية عن (قرصنة) شيشانية لكميات من البترول المنقول عبر الخط.

- اندلاع الحرب الشيشانية الأخيرة, الأمر الذي أدى إلى انخفاض كمية التصدير المنقولة عبر هذا الخط من أذربيجان إلى 10 آلاف برميل يوميا (بعدما كانت 40 ألف برميل يوميا).

ولتقليل الخطر الشيشاني قامت روسيا بتحويل الجزء من الخط المار عبر الشيشان لينقل بالسكك الحديدية عبر داغستان إلى ستافروبول ومنه إلى نوفارايسيسك, كما أعربت روسيا عن استعدادها لخفض رسوم المرور ليصل إلى الحد نفسه الذي أغرت به تركيا أذربيجان لإتمام مشروع باكو - سيحان والبالغ ثلاث دولارات لكل برميل.

3 - تنجيز - نوفارايسيسك Tingiz- Novorossiisk

ينتقل بترول حقل تنجيز الواقع غرب كازاخستان إلى ميناء نوفارايسيسك عبر السكك الحديدية بنسبة 70% وعبر خط أنابيب أتيراو - سمارا بنسبة 30%. ومن ثم تبدو الحاجة ماسة لتلبية الضخ المتزايد من كازاخستان عبر إنشاء خط أنابيب من تنجيز إلى نوفارايسيسك شمال منطقة القوقاز.

والطاقة الأولية للخط تبلغ نحو 600 ألف برميل يوميا وبطاقة قصوى تصل في نهاية عام 2015 إلى 1.35 مليون برميل/يوم. وسيحقق هذا الخط - على مدى الأربعين سنة التالية - عائداً مقداره 150 مليار دولار لكل من كازاخستان وروسيا.

ومن جانبها, أشارت تركيا إلى أنها سترفع من الرسوم المفروضة عبر مضيق البسفور والدردنيل باعتبار أن المضيق لن يستطع ملاحقة التدفق الضخم للمشروع الكازاخستاني - الروسي وقد يتعرض لكوارث بيئية نتيجة احتمال التدفق البترولي الناجم عن كثافة الحركة المنتظرة.

وإن كان التدفق الفعلي للنفط تعرض للتوقف أكثر من مرة لوجود مشكلات فنية بين كازاخستان وروسيا تتعلق باختلاف درجة جودة البترول المضخ من كازاخستان بنظيره الروسي, ومرور الاثنين معاً مخلوطين في أنابيب النقل.

4 - بحر قزوين - البحر البلطي

تستطيع روسيا أن تكون بوابة لتصدير بترول بحر قزوين عبر أراضيها بربط بترول المنطقة بشبكة أنابيبها الواصلة إلى الأسواق الأوربية من خلال نافذتها على البحر البلطي خاصة أن هناك تجارب سابقة منها تصدير كازاخستان لبترولها عبر ليتوانيا إبان العهد السوفييتي. وفي هذا الصدد يمكن لروسيا ودول البلطيق أن تستفيد من تصدير البترول الكازاخي.

5 - خط الأنابيب روسيا - بلغاريا - اليونان

وفي سعيها لكي لا يسحب البساط من تحت قدمها باعتبارها قوة إقليمية ولاعبا أساسيا في إقليم آسيا الوسطى والقوقاز, اتجهت روسيا - بالتعاون مع اليونان وبلغاريا - نحو الشروع في مد خط الأنابيب نوفارايسيسك - بورجس - اليكساندر بوليس Burgas- Alexandropolis. والهدف الأساسي من هذا المشروع تطويق البسفور والدردنيل, ومن ثم التخلص من القيود التي تفرضها تركيا على مرور ناقلات البترول الكبرى عبر مضيق البسفور, واستبدال ذلك بتصدير البترول من الميناء الروسي نوفارايسيسك بالناقلات عبر البحر الأسود إلى ميناء بورجس البلغاري, ومن هناك يضخ في أنابيب عبر الأراضي اليونانية إلى مـــيناء اليكساندر بوليس.

وتؤكد كل من روسيا وبلغاريا واليونان على أن هذا الخط سيقلل من تكلفة نقل البترول بنحو عشر مرات مقارنة بنقله عبر الأراضي التركية.

الخيار الجورجي

تمثل جورجيا موقعا انتقاليا بين دول الإنتاج الحبيسة في الشرق والبحر الأسود, ومن ثم البحر المتوسط, في الغرب ولدى جورجيا إمكانات النقل بالمسارات التالية:

1 - تم مد خط أنابيب من باكو في أذربيجان إلى الميناء الجورجي سوبسا (شمال الميناء الشهير باتومي) على البحر الأسود بطاقة استيعابية مقدارها 100 الف برميل/ يوم يمكن أن تتطور لتصل إلى 300 الف, تزداد في المستقبل إلى 600 ألف برميل/ يوم وبرسوم مقدارها 18 سنتا للبرميل. وهناك خيار مشابه لنقل البترول الأذربيجاني عبر السكك الحديدية إلى ميناء باتومي الجورجي بطاقة استيعابية قصوى مقدارها 200 ألف برميل/ يوم. ويتزايد الدور الجورجي يوما بعد يوم فقد وصل معدل النقل في عام 2000 إلى 70 ألف برميل يومياً من البترول الأذربيجاني والكازاخي بعدما كان 50 ألف برميل في العام السابق له مباشرة. وتبذل جورجيا جهوداً حثيثة لتطوير موانئ ومصافي البترول في كل من بوتي Poti وباتومي Batumiبهدف تحقيق 120 ألف برميل يوميا. ويحد من الآمال الجورجية عدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه جورجيا في ظل المشكلات الداخلية والصراع في إقليم أبخازيا الانفصالي وما يمكن أن يمثله من تهديد لأنابيب النفط.

الخيار التركي

وقعت كل من أذربيجان وجورجيا وأذربيجان عام 1999 اتفاقا على مد خط من الأنابيب ينقل البترول الأذري إلى الأراضي التركية مارا بالأراضي الجورجية لينتهي الخط عند الميناء التركي جيهان Geyhan عند منطقة الإسكندرونة. وهو خط يفوق طوله 1700كم وبطاقة استيعابية ضخمة تبلغ مليون برميل يومياً وستبلغ تكلفته نحو ثلاثة مليارات دولار. وهذه الطاقة الاستيعابية الضخمة لن تحمل فقط النفط الأذربيجاني بل ونظيره الكازاخي وإن كانت كازاخستان لم تحسم موقفها بعد بسبب تشابك علاقتها مع روسيا.

والنقطة الجدلية الرئيسية هي أن مد خطوط الأنابيب عبر الأراضي التركية الجبلية سيتطلب الحفاظ على تقنية ضخ البترول في الأنابيب بالدفع المستمر, مما يجعل كل كيلومتر من هذا الخط أكثر تكلفة بعدة مرات من الخيارات الأخرى, والتي على رأسها الخيار الروسي - اليوناني, وسيمر الخط التركي بالأجزاء الشرقية من تركيا حيث المقاتلون الأكراد الداعون إلى إقامة كردستان المستقلة عن الجسد التركي.

الخيار الإيراني

تمثل إيران أحد الخيارات المهمة لنقل بترول بحر قزوين إلى السوق العالمي, وخاصة إلى السوق الآسيوي الذي يتوقع أن تكون أسعاره أفضل في ظل وفرة في الخيارات الأخرى التي تنقل البترول إلى غرب أوربا عبر البحر المتوسط من بحر قزوين. ويبدو الخيار الإيراني الأقصر طولاً والأقل تكلفة حسبما تعلن إيران مراراً. ويمكن أن تنقل إيران بترول بحر قزوين بطريقتين:

النقل المباشر عبر الأنابيب إلى الخليج العربي:

1 - خط تنجيز - انزيلي Enzeili - تبريز طوله نحو 1500 كم وبطاقة نقل مقدارها مليون برميل يوميا.

ويمكن لأذربيجان أن تنقل بترولها عبر هذا الخط بنقله أولا من الغرب إلى الشرق عبر مياه بحر قزوين إلى ميناء تركمينباشي ليلحق بنظيره الكازاخي عبر الأنابيب.

2 - باكو - تبريز بطاقة نقل تتراوح بين 200 ألف إلى 400 برميل يوميا.

النقل التبادلي Oil Swaps:

ويقصد بالنقل التبادلي أن تتلقى إيران نفط بحر قزوين من أذربيجان وتركمانستان وكازاخستان في مينائها (نيكا) في بحر قزوين وتنقل من هذا الميناء عبر الأنابيب أو السكك الحديدية إلى مصافي البترول في شمال البلاد. وفي المقابل تقوم إيران بضخ كمية مماثلة من النفط في شبكة أنابيبها إلى الخليج العربي في صورة نفط خام.

ويعيب الخيار الإيراني, من وجهة نظر القوى الغربية, الجانبان التاليان:

1 - أن نقل البترول عبر إيران يقدم مزيداً من التركيز للبترول في منطقة الخليج العربي وهو ما يزيد من تكلفة التعرض للمخاطر ويحفظ للمواقع الجيواستراتيجية القديمة فاعليتها. بينما الهدف الرئيسي هو التنويع في مصادر البترول ومسارات نقله.

2 - العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران ومنع الشركات الاستثمارية من العمل بها بميزانيات ضخمة كتلك التي يتطلبها القطاع النفطي. كما أن هناك مشكلات سياسية أخرى تظهر حالة العداء بين الدولتين.

الخيار الأفغاني

الخيار الأفغاني مطروح وحتى قبل الأزمة الأفغانية الأخيرة. ففي أكتوبر 1997 كانت تركمانستان قد وقعت مذكرة تفاهم مع حكومة طالبان وباكستان لمد خط أنابيب طاقته مليون برميل يوميا لنقل البترول إلى باكستان والهند والسوق العالمي في شرق آسيا.

ولم يكن يعيب هذا الخيار قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر سوى وجود حكومة طالبان التي تعاديها الولايات المتحدة. وقد أفضت الأحداث الجارية إلى تغير يمكن وصفه بأنه تغير جوهري في البناء السياسي لأفغانستان, وقد تكون الفرصة مواتية لتحقيق الخيار الأفغاني الذي يحقق للقوى الغربية الأهداف التالية:

1 - الحد من استعادة روسيــا لتوازنها في المنطقة.

2 - حرمان إيران من مزيد من الثروات.

3 - التنويع في مسارات خطوط الأنابيب.

4 - إذا ما تحقق السيناريو المنتظر بالقضاء على الأصولية في أفغانستان فإن الخيار الأفغاني سيكون الأفـــضل إذا ما قورن بالمشـــكلة الكردية التي تهدد الخيار التركي, والشيشانية التي تهدد الخيار القوقازي, والأبخازية التي تهدد الخيار الجورجي, والأيديولوجية التي تكتنف الخيار الإيراني.

وتظل التساؤلات مطروحة

وفي النهاية وقبل القطع برأي دون الآخر دعونا نطرح بعضا من التساؤلات التي ربما تفتح لنا مجالاً في النقاش, هذه التساؤلات هي:

- ما الوقت الزمني اللازم لإعمار أفغانستان لتصبح مهيأة سياسيا واجتماعيا واقتصادياً وأمنياً قبل كل شيء لكي تستقبل مشروعاً ضخما لضخ أكثر من مليون برميل يومياً من النفط إلى السوق العالمي؟ ما احتمالات عودة الحرب الأهلية في ظل المركب الاثني للدولة وآثاره على المشروعات النفطية بدرجة قد تفوق في تهديدها المشكلة الأبخازية أو الكردية أو الشيشانية؟

- إلى أي مدى يظل الافتراض صحيحاً بأن الغرب يهدف إلى استبعاد روسيا وحرمانها اقتصادياً من ثروات بحر قزوين في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها دولة عظمى مثلها وذات إمكانات اقتصادية وبشرية كبرى? إن المراجع للخطاب الروسي المطروح في صحافته اليومية والأسبوعية يجد اقتناعا روسيًا بأن الغرب لن يستمر في نهج الاستبعاد لعلمه بأن مزيداً من الضغط على روسيا قد تكون له تبعات أمنية على شرق أوربا. ولدى كثير من المؤرخين الروس طرح بأنه لولا الضغط الذي عاشته ألمانيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية لما كان الغزو الألماني في القارة الأوربية.

- هل يمكن القول إن سياسة تنويع مصادر الطاقة وعدم تركزها في منطقة بعينها كمنطقة الشرق الأوسط تصدق حتى على مسارات خطوط الأنابيب بحيث يمكن أن نجد كل الخيارات المطروحة سلفاً لا تقف في مواجهة بعضها البعض بل لتكمل بعضها بعضاً؟

بدو أن الإجابة عن مثل هذه التساؤلات تتطلب مزيدا من الوقت لكي ينكشف المستور ويتحرك من وراء الكواليس إلى مسرح الأحداث.

 

عاطف معتمد عبدالحميد







المصافي العملاقة تنتصب في مختلف الدول المطلة على بحر قزوين





خيارات نقل البترول بمنطقة آسيا الوسطى والقوقاز





تبذل الدول المطلة على بحر قزوين جهودا حثيثة لتطوير المصافي