الكوزافيل

الكوزافيل

ترجمة: عبدالله الصوفي

الأفغان رغم المصائب والحروب و (الطالبان) شعب يحب الفكاهة والمرح, وهذه إحدى القصص الباسمة لكاتب أفغاني من عهد ما قبل الطالبان.

ذهبت في الأسبوع الماضي لحضور زفاف أحد معارفي, وكان الجو بارداً والطقس سيئا إلى حد لا يطاق, وهكذا انطوى كل ضيف على نفسه وكأنه دجاجة مبتلة, ولم يشعر بالدفء إلا أولئك المدعوون الذين كانوا يحتسون خفية, مشروباً ما يثير هذا الدفء أو أولئك الشبان الذين اندفعوا إلى حلبة الرقص, غير أنني لم أكن من أفراد هذا الفريق أو ذاك, ولذا لبثت في مكاني أرتجف برداً طيلة الوقت, وفي النهاية عدت إلى البيت متخشب الأوصال, واعترتني في الفراش رجفة أخرى أشدّ هي: الحمى.

وفي اليوم التالي توجهت إلى مكان عملي متورّم العينين, محمر الأنف, وكان لابد لي من إحياء حفلة موسيقية من العطاس والسعال أشنّف بها آذان زملائي, ولكنهم لم يستمعوا إليها طويلاً, وقال لي أحدهم:

- لماذا جئت إلى العمل وأنت في هذه الحال? ارجع إلى البيت وقُل لامرأتك أن تحضّر لك طبقاً من الحساء الساخن, والزم الفراش.

وقال آخر:

- كلا, إن أفضل دواء هو أن تدهن جسمك بمحلول الكافور في الكحول الطبي.

على أن المحاسب وهو رجل مجرب, عركته الحياة انبرى يقول:

- اصغ إليّ يا صاح. إن خمسة أقراص أو ستة من عقار (الكوزافيل) قمينة بإراحتك من وعكتك. فسألته:

- وما هو هذا العقار؟ إنني أسمع به لأول مرة!

- إنه أقراص مدهشة لمعالجة (الأنفلونزا) وكل أمراض البرد, وعدا ذلك فالكوزافيل من إنتاجنا المحلي ولا يزيد ثمنه على (أفغانة) واحدة, والسيئ في الأمر أنه لا يمكن العثور عليه إلا بصعوبة. فأجبته:

- لا أهمية لذلك إذ إن لي صديقا يعمل صيدلانيا.

وفي الصيدلية الأولى قالوا لي إن (الكوزافيل) غير موجود لديهم, وكرروا على مسمعي هذه الاجابة نفسها في الصيدلية الثانية والثالثة والرابعة... وأدركت أنني أضيع الوقت عبثا, وعثرت في جيبي على مائة (أفغانة) فاستوقفت سيارة أجرة وتوجهت إلى صيدلية صديقي.

دخلت الصيدلية والمنديل على أنفي أحاول به سد الشلال المتدفق منه, ولم أعر بالاً لذلك الصف الطويل من طابور المنتظرين, فتقدمت إلى الأمام وسلّمت على صديقي, فرفع رأسه المتعب وتأملني برهة قبل أن يتعرف عليّ وقال:

- أهذا أنت؟! هل أصبت بنزلة برد؟

- أجل.

- عليك بـ(الكوزافيل). إنه العلاج الأفضل!

- وأين أجده؟ وهل يباع في المقاهي إذ لا وجود له في الصيدليات... من أجله قصدتك. فرد يقول:

- مهلا, مهلا لا تغضب, إن هذه الأقراص لا تظل عندنا طويلا, فهناك بعض الصبية يشرتونها بكميات كبيرة ومن ثم يبيعونها في الشارع بسعر أغلى.

وخرجت ساخطاً: كيف يتعين عليّ في مثل هذا البرد اللعين وبمثل هذا الأنف أن أجوب الأزقة والشوارع وقد اقترب حلول المساء ولا أجد حولي سوى بعض السابلة المسرعين? وصعدت إلى سيارة أجرة من جديد وتوجهت إلى مركز المدينة, ونزلت عند ميدان صغير, ولحسن الحظ لمحت هناك صبيا يحمل (بسطة) رتب عليها بضاعته, فسألته:

- أمازال لديك بعض الكوزافيل؟ فأومأ بالإيجاب.

- وكم تطلب ثمنا للحبة الواحدة؟

- خمس أفغانات...

ولم أجد في جيوبي أكثر من عشر أفغانات فقد دفعت الباقي لسيارة الأجرة, ووجدت نفسي أصيح مغتاظا بالغلام:

- إن هذا سطو على الناس في وضح النهار.

ولم يرد علي الصبي وإنما أدار لي ظهره بخيلاء وتوجه بتثاقل صوب موقف سيارات الأوتوبيس القريب؟

تطلعت فيما حولي أملا في أن تقع عيني على نهّاب صغير آخر ولكن لم أر أحدا, فوقفت أفكر قليلا وانتهيت أخيرا إلى الرأي بأن من الأفضل على أي حال أخذ حبتين من الدواء بدلاً من لا شيء. ولذا أسرعت أصيح بالغلام:

- أنت يا فتى. انتظر أعطني حبتين, وسأدفع لك ما تطلب.

لم يلتفت الغلام, ولست أدري إن كان السبب يعود إلى كونه قد ابتعد عني كثيراً أو أنه لا يريد الالتفات عن قصد من أجل حبتين, وكان قد وصل إلى الموقف حيث توقفت حافلة الأوتوبيس في هذه اللحظة, ولهذا ركضت وراءه ولكنني لم أقطع بضع خطوات إلا وزلّت قدمي فسقطت على الأرض سقطة رديئة, ومع ذلك أفلحت في رؤية الحافلة بطرف عيني وهي تبتعد, ثم غاب كل شيء في حلكة ظلام دامس.

ولما أفقت, شاهدت جمعا من الناس يحيطون بي وكان بعضهم بأردية بيض ولست أدري كيف انشقّت الأرض عنهم.

وانتهزت الفرصة السانحة وسألت إذ خطر لي أنه لابد أن يكون هناك متطبب أو مشعوذ ما بينهم:

- عفوا هل يحمل أحدكم حبوب الكوزافيل؟

نفلتوا بأجمعهم يقهقهون ضاحكين, وفي النهاية سمعت أحدهم يقول موضحا:

- حالتك الآن لن يفيد فيها الكوزافيل, ولذا سنوصي بتناول عقاقير أخرى أكثر فاعلية.

ومن جديد غامت الدنيا أمام ناظري...

 

رازق فاني