هل يعود الشباب بالليزر؟

هل يعود الشباب بالليزر؟

عندما نتعرف على عناء هذه العمليات التي تشد جلد الوجوه, أو تكشطه, تصيبنا الدهشة من إصرار بعض البشر على تجميل وجوههم دون القلوب والأرواح!

الشباب هو الجمال والقوة والبعد عن هاجس الأمراض وقلق الموت, وعندما يتراكم الزمن على الوجوه كما يتراكم الحزن في العيون لا غرابة أن يخف البشر بحثاً عن الحلول, ولم يكن البحث عن عودة الشباب من خصوصيات العصر الراهن بل هو قضية تعود جذورها إلى ألفي عام تقريباً ابتداءً من تطبيق الزيوت الحيوانية وأملاح المرمر عند قدماء المصريين, إلا أن الأبحاث العلمية الجادة حول الموضوع بدأت في مطلع القرن الماضي عندما نشر جورج مكي - وهو طبيب أمراض جلد بريطاني الجنسية - مقالة حول استخدام الفينول في ندبات الوجه, ثم توالى العديد من المقالات حول التقشير الكيماوي وفضائله في إزالة التجاعيد. وبرغم أن سنفرة الجلد Dermabrasion هي طريقة قديمة, فإن ظهور تقنياتها الجديدة أعاد إليها ألقها وشبابها في إزالة التجاعيد وفي استخدامات أخرى, وتعني السنفرة كشط الجلد ميكانيكياً بفرشاة تدور كهربائياً وهي عملية جدية ودقيقة تحتاج إلى تخدير عام. وما إن ظهر الليزر من مراكز البحث كما تظهر الزهور من زفير الربيع حتى هرع الباحثون لاستخدامه في إزالة التجاعيد وسرعان ما سرت الشائعات بين مصدق ومستنكر وبين متخوف ومتهور فما حقيقة ذلك, ولمن تستطب الطريقة? وما مدى جدواها, وما اختلاطاتها؟

الليزرات والتحدي الصعب

لقد شع فجر الليزرات الطبية في الستينيات من القرن الماضي وسرعان ما فرح بها الجلد عندما تسللت إلى آفاقه علاجاً ناجعاً واستخدمت لاحقاً في إتلاف الآفات الجلدية السليمة والخبيثة وفي الوحمات الوعائية وفي إزالة الشعر غير المرغوب فيه, ولعل من أهم استخدامات الليزرات إزالة تجاعيد الوجوه فكيف ذلك؟

لقد تطورت ليزرات CO2 في الستينيات, وهي تطلق ضوءاً طول موجته (10600) ن م ويتدفق ضوء الليزر بشكل مستمر كالشلال, ويستهدف الماء داخل الخلايا وخارجها فيسخن الماء ويتبخر مؤدياً لدمار الأنسجة التي تحتويه. وقد استخدم هذا الليزر بحزمه الدقيقة كأداة قاطعة من دون نزف, وقد حاول هواة المغامرة من الأطباء إجراء كشط الوجه به لإزالة التجاعيد إلا أن الحروق ونتائجها جعلت الوجوه كساحات الحروب, فالتسخين الحراري الليزري (120 - 200ْ مئوية) أدى إلى إتلاف المناطق السطحية المستهدفة ومجاوراتها (التي ينبغي احترامها) بسبب النقل الحراري. وما زاد ذلك العلماء إلا إصراراً بإيجاد ليزرات تنطلق بنبضات أو ومضات قصيرة متوالية فتمتد الومضة الليزرية لزمن أقل من زمن الاسترخاء الحراري للماء متيحة للأنسجة المجاورة أن تبرد بشكل كافٍ بين تلك الومضات الليزرية, ما أعاد لليزر احترامه في كشط الوجوه كما حدث في منتصف التسعينيات. وسرعان ما أدخلت منمنمات تقنية على ذلك الليزر كالحوسبة Computerizing والمسح Scanning مما خفف من جموحه وسهل التعامل به.

ومع زيادة شعبية الليزرات في كشط الوجوه وزيادة الطلب ظهر عرض لليزر الإربيوم ياغ Erbuim: YAG Laser بطول موجة 2940 ن م, ويستهدف الماء بفعالية أكبر بعشر مرات من ليزر CO2 وهو ينبض بفواصل قصيرة جداً ما حد من امتداد التدمير الحراري, وكذلك فقد تم ترصيعه بآلية التبريد والمسح المحوسب ما أعطى نتائج أفضل وخفض الفترة اللازمة للشفاء والمشاكل التابعة.

المرشحون للشباب

من المهم قبل عملية كشط الوجه تقويم المتقدمين جيداً لاستبعاد الذين يتوقع عندهم نتائج غير مرضية, ومن الضروري استثناء المرضى الذين يشكون من أمراض الأوعية والكولاجين والاضطرابات المناعية, وكذلك فإن وجود فرط مرونة الجلد وندب ضخامية سابقة أوجدرات KELOIDS (وهي آثار ضخامية مكان جروح أو حروق سابقة) يشير لإمكانية حدوث ندبات أو جدرات تالية لليزر.

ولا شك أن الأشخاص البيض هم أوفر حظاً من أقرانهم السمر في الحصول على نتائج طيبة, فكلما كان لون الجلد أكثر بياضاً فإن مخاطر ظهور فرط تصبغ في مواقع الكشط تكون أقل. أما المرضى الذين أجريت لهم عمليات تجميلية جراحية سابقة كشد الوجه فإن جلودهم تميل للتليف ما يعوق فعالية تبخير الأنسجة بالليزر. وتزداد مخاطر شتر الأجفان بعد الليزر عند الذين أجري لهم تصحيح أجفان جراحي سابق. كما أن تناول دواء الـ Isotretinoin (وهو دواء لعلاج الحالات الشديدة من حب الشباب) يؤدي لندب ضخامية في الوجه بعد الليزر, لهذا يجب عدم اللجوء لليزر إلا بعد انقضاء عام كامل على وقف استخدام الدواء. وأخيراً يجب ألا يشجع المرضى الذين يتوقعون نتائج أكبر من الحقيقة أو الذين يتوهمون أن الليزر لمسة سحرية دافئة تجعل من وعورة تضاريس وجوههم أقماراً مشعة يجب ألا يشجعوا على العلاج بواسطته. وكذلك يجب استبعاد المرضى النفسيين والنرجسيين والعدائيين فكثيراً ما يجد الطبيب نفسه في أحد المحاكم مداناً بجريمة تشويه مزعومة ولهذا من الضروري إجراء تصوير فوتوغرافي لوجه المريض قبل العملية وبعدها كوثيقة قد يضطر لإبرازها للمنصفين.

ويجب التدقيق في قصة وجود حلأ شفوي (مرض فيروسي) أو مرض فطري أو أخماج جرثومية لإعطاء العلاج الوقائي قبل العملية. ومن المهم وقف التدخين قبل العملية وبعدها للتخفيف من فساد اندمال الجروح الحاصلة.

وعند اتخاذ القرار بالعملية يجري التخدير بطرق مختلفة كالتخضيب الموضعي البسيط أو بتطبيق الكريمات المخدرة أو بالتخدير مع حصر الأعصاب أو بالتخدير العام, ويجري كشط الوجه بالليزر مما يخلف تسحجاً سطحياً يشفي لاحقاً خلال 5 ـ 10 أيام, ويشاهد نزو وإحساس بالحرق خلال 24 - 48 ساعة, ويمكن وضع ضمادات للوجه أو تركه مكشوفا, وتعطى المسكنات والستيروئيدات الجهازية لتخفيف الوذمة, كما تعطى الصادات الحيوية ومضادات الفيروسات بشكل روتيني قبل 1 - 3 أيام من العملية ولمدة 7 - 10 أيام بعدها, ويبقى الترقب سيد الموقف بانتظار النتائج.

النتائج

يتابع معظم المرضى نشاطهم وأعمالهم خلال 7 - 10 أيام, ومن المهم تجنب الشمس لمدة 2 - 3 أشهر بعد العملية وتطبيق واقيات الشمس واسعة الطيف لتخفيف احتمال حدوث فرط تصبغ. ويميل الجلد للجفاف لعدة أسابيع بعد شفائه لذلك تطبق المطرّيات, كما يصادف إحساس بالشد والحكة خلال الشهر الأول.

وتستجيب التجاعيد بشكل ممتاز لليزرات CO2 والإربيوم عموماً وتتحسن التجاعيد حول العينين بنسبة 63 - 93% وتجاعيد حول الفم بنسبة 81 - 99% والمرضى بتجاعيد شديدة يصلون لنسبة 45 - 50% بليزر CO2, وقد يكون من المفيد أكثر لهم إجراء شد الوجه جراحياً. أما المناطق كثيرة الحركة مثل المقطب والجبهة فقد لا تستجيب بشكل جيد ولكنها تتحسن قليلاً. وعموماً يدوم تحسن التجاعيد من 1 - 2 سنة على الأقل بعد المعالجة بالليزر.

إن الاستخدام المشترك لليزر CO2 وليزر الإربيوم للتجاعيد أصبح واسع الانتشار وهناك من يعتقد بأن للمشاركة فضائل تفوق الاستخدام المنفرد لأحد الليزرين. ولحسم الجدل فقد تمت دراسة بتطبيق كلا الليزرين على أحد جانبي الوجه وعلى الجانب الآخر استخدم ليزر CO2 منفرداً وذلك لعلاج تجاعيد حول الفم عند مجموعة من المرضى, وقد تبين أن إضافة ليزر الإربيوم بعد ليزر CO2 يخفض الفترة اللازمة للشفاء ويخفف التورم والحكة. وقد تحسنت التجاعيد المتوسطة والعميقة حتى 70% في كلتا الجهتين ولم يكن هناك خلاف في الفائدة.

ونعود للعثرات التي تواجه المرضى بعد العملية فمن المتوقع أن يصادف احمرار الوجه عند كل المرضى ويظهر ذلك بين اليوم الثامن والحادي عشر ويستمر الاحمرار من عدة أسابيع حتى ستة أشهر ويعتمد ذلك على عمق الكشط ويكون الاحمرار ألطف بعد ليزر الأربيوم منه بعد ليزر CO2 ويستمر لفترة أقصر ويفيد في تخفيفه تطبيق فيتامين C مع الستيروئيدات الخفيفة.

أما فرط التصبُّغ (ظهور السواد مكان العملية) فيحدث بنسب متفاوتة بعد ليزر CO2 وتزداد النسبة كلما كان المرضى أكثر اسمراراً. ويظهر فرط التصبغ بعد أسبوعين إلى شهرين وذلك بعد غياب الاحمرار ويمكن أن يظهر بينما الاحمرار قائماً, ويمكن التخفيف منه بتجنب الشمس لاحقاً وتطبيق الأدوية التي تخفف من التصبغات.

أمانقص التصبغ (أو ظهور البياض مكان العملية) فيمكن أن يحدث بعد ليزر CO2 وعند المرضى بمختلف ألوان جلودهم وغالباً ما يكون خفيفاً وعابراً ويظهر عاجلاً بعد العملية أما نقص التصبغ الحقيقي فهو دائم ولا يظهر إلا بعد 4 - 6 أشهر عندما يزول الاحمرار, ويتعلق ظهور نقص التصبغ بعمق الكشط ومدى دوام احمرار الجلد ووجود قصة سنفرة جلد سابقة.

ومن النادر أن تحصل الأخماج الجلدية أو التندبات ويعود حصولها لسوء انتقاء المريض ولسوء العمل والرعاية بعد العملية.

 

أنور دندشلي







شهدت أجهزة الليزر تطورات كبيره في السنين الأخيرة





 





يجب تقويم المتقدمين للعمليات لتجنب النتائج غير المرضية