سيناريوهات الأفق الرقمي

سيناريوهات الأفق الرقمي

مستقبليات

لم تعد الدراسات المستقبلية عملاً من أعمال الخيال المحض, بل علم تدعمه المخيلة المنضبطة بمؤشرات الأبحاث المنجزة. و(العربي) إذ تضيف إلى أبوابها هذا العنصر الغائب - إعلامياً على الأقــل - تطمح إلى تحفيز التفكير في المستقبل, وتتوقف في هذا العدد أمام صور المستقبل التي تطرحهــا حوســـبة العالم فـــي (بانوراما) أولية... لا غير.

تركت البشرية للكتّاب والأدباء - وحتى عهد قريب - مسئولية البحث عن المستقبل, والتنبؤ بما سيكون فيه, ولم يخيِّب أولئك الذين عرفوا بكتاب الخيال العلمي - رغم شطحاتهم - الأمل الذي عقده الجنس البشري عليهم فقدموا بخيالهم المتوهج, ما جعلته الثورة العلمية بعد وقت حقيقة واقعة.

لكن تصورات المستقبل لم تعد وقفاً على الأدباء إذا صارت جزءاً من مهمة العلم ومعطيات العلماء.

من أبرز الأمثلة على ما أسهم به الأدباء في رسم صورة المستقبل ما أبدعه الفرنسي جول فيرن VERNE (1828-1905) في رحلاته الخيالية في أعماق الأرض والبحر وأجواز الفضاء, والتي تنبأ فيها بعدد من الأجهزة والمخترعات العلمية مثل الغواصة, وأجهزة التنفس تحت الماء, والتلفزيون, ورحلات الفضاء, وقد ظلت رواياته الخيالية الشهيرة: (عشرون ألف فرسخ تحت البحر) و(رحلة إلى مركز الأرض) وغيرهما إلهاماً للأعمال السينمائية حتى ستينيات القرن العشرين.

كما يعتبر الكاتب الإنجليزي ويلز (1866-1946) H.G.Wells, أحد أصحاب البصيرة النافذة في قراءة المستقبل في النصف الأول من القرن العشرين. بحيث توقع في روايته (الحرب في الهواء) التي صدرت في عام 1908 كثيراً من الاستخدامات الحربية للقوات الجوية التي ظهرت فيما بعد, كما كانت رؤاه الخيالية في عالم الفلك قد قدمت خصوصاً في روايتيه (أول رجال على القمر) و(حرب العوالم) - رغم شطحات الخيال - تصورا لمستقبل اتصال الإنسان بالفضاء الخارجي وأجرامه. وكذا توقعاته بشأن التفاعل بين التقدم الآلي والعلمي في جانب, والحياة الإنسانية والفكر في جانب آخر.

أما في جانب الرؤية المستقبلية للتطور الاجتماعي للمجتمع الإنساني, فيبرز اسم جورج أورويل Orwell (1903-1950) الذي مثلت روايته الخيالية (1984) التي صدرت عام 1949 رؤية ثاقبة لمخاطر هيمنة واستبداد قوة وحيدة على مقدرات العالم, بما يهدد استقلال التفكير والكرامة الروحية والحريات.

وربما كان من الجدير بالإشارة أن الأدب العربي لم يخل من تنبؤات - وإن كانت قليلة - لاستشراف آفاق مستقبلية, تضمن بعضها أعمال الكاتب المسرحي الرائد والمفكر المرموق توفيق الحكيم (1898-1987) خصوصا نبوءته في مسرحية (الطعام لكل فم) التي صدرت عام 1963 عن قدرة العلم الذي أخرج الإنسان من قهر الجاذبية على توفير الطعام لكل فم, وقهر محدودية مصادر الغذاء. وقد سبق ذلك بإثارة الفكرة نفسها في كتابه (رحلة إلى الغد) الذي صدر عام 1957 حينما قال: (وإذا تمكن العلم الحديث بالكشف والتكنولوجيا من توفير الطعام لكل فم فإن الاقتصاد الحديث أيضاً ليس نائما ولا غافلا, إن الاحتكارات العالمية سرعان ما تحتوي هذا الطعام الرخيص وتضعه تحت سيطرتها).

وفي سعي البشرية الدائم لقراءة المستقبل, يبدو أنها زهدت بعض الشيء في خيالات الروائيين وكتّاب الخيال العلمي, ولم تجد لديهم عزما في وضع رؤاهم موضع التطبيق, فعهدت إلى العلماء بهذه المهمة الطموح, ولم يعد الأمر جهود فرد أو أفراد وإنما أصبح جهد فريق أو فرق عمل في تخصصات متوافقة ومتقاطعة.

انطلاقاً من اتجاهات الراهن

ويعني علم المستقبليات Futurology في العلوم الاجتماعية التنبؤ بالتطورات المستقبلية انطلاقاً من الاتجاهات الحالية, ويعود هذا العلم في جانب التنبؤ التقني إلى الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية, على يد المهندس الأمريكي (المجري الأصل) كارمان Karman (1881-1963) في كتابه نحو عالم جديد, وتستبين أهمية هذا العالم إذا علمنا أن معمله في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا قد تحول ليصبح - فيما بعد - وكالة الطيران والفضاء الأمريكية (NASA).

وإذا كانت الأبحاث في المجالات العسكرية هي قاطرة البحث العلمي, وهي السبب المباشر في ظهور الكثير من المخترعات الحديثة. فقد استحوذ علم المستقبليات على اهتمام كبير في إطار الاستراتيجية والتسليح فيما عرف باسم (تكنيك السيناريو) الذي يعتمد على تحليل العلاقة بين التطور في أنظمة التسليح والاستراتيجيات التي يتم تبنيها, ويظهر هذا التكنيك في كتاب (هرمان كان KAHN) عن الحرب النووية الحرارية (ON THE THERMONUCLEAR WAR) في العام 1960.

ولقد مهدت للتوجه الجديد الدراسة الرائدة التي أعدتها لجنة عام 2000 التي تشكلت في الولايات المتحدة عام 1965 بهدف توقع الأنماط الاجتماعية, وتصميم مؤسسات جديدة, واقتراح برامج بديلة, وقد أنهت اللجنة أعمالها بعد عامين ليؤسس عملها أول دراسة واسعة النطاق لعلم المستقبل في الولايات المتحدة.

وتلت الدراسة دراسات أخرى, أهمها دراسة حدود النمو (THE LIMITS OF GROWTH) التي تمت بتكليف من تجمع دولي لرجال الأعمال عرف باسم (نادي روما) والتي تنبأت في فترة مبكرة 1972 بضرورة الحاجة إلى ضبط معدلات التلوث, وإعادة تدوير RECYCLING النفايات, وصناعة سلع معمرة وقابلة للإصلاح, والانتقال من الصناعات الاستهلاكية إلى اقتصاد الخدمات, وهذه التوصيات تبنتها لجنة أخرى شكلتها الحكومة الأمريكية عام 1981, لإعداد تقرير يقدم للرئيس الأمريكي عن العالم عام 2000.

وإذا كان هناك من نقد يوجه إلى دراسات المستقبل, فهو محدودية نماذج البحث, والإيضاحات ذات الطبيعة الشخصية التفسيرية على هذه النماذج, وأهل الاختصاص يعرفون بهذا القصور, ولكنهم يرون أن هناك تقدما في استخدام أساليب التحليل المستندة إلى الرياضيات وعلوم الحاسوب, والأبحاث في مجال الاقتصاد والبيئة.

وإذا كان هذا النقد في جوهره يستند إلى آليات البحث في هذا العلم وأدواته, فإن هناك نقداً آخر - ربما يفوقه في الأهمية - يتصل بموضوع العلم نفسه من حيث إمكان التنبؤ في حد ذاته, أو على حد تعبير عالم الديناميكا الحرارية (بريجوجين) الحائز على جائزة نوبل: (إن القرن العشرين قد حوّل كوكبنا بأكمله من عالم متناه من الحقائق اليقينية إلى عالم لامتناه من الشكوك). ويميل إلى هذا الرأي بعض كبار مفكرينا العرب الذين جمعوا بين المعرفة الموسوعية والتعمّق في هندسة المعلومات مثل الدكتور نبيل علي الذي يرى بوضوح (أن التنبؤ الصادق الوحيد, أمام تقلبات هذا العصر, هو استحالة التنبؤ, ولتكن لنا عظة من نبوءات الماضي التي أثبت الماضي كم هي بعيدة عن الحقيقة), ويورد في هذا السياق عدداً من الأمثلة على قصور النظرة إلى مستقبل العديد من مخترعات القرن العشرين ومكتشفاته, بل يصل إلى حد اعتبار النبوءات المستقبلية نوعاً من التنجيم العلمي, مهما تقدمت أدواته أو تعددت وسائله (لقد كذب المنجمون ولو ساندتهم آلات الإحصاء العملاقة, ونماذج المحاكاة المعقدة, وسماحة السيناريوهات وتعددها. لقد ولت إلى الأبد عهود البساطة والحتميات وسلاسة المسارات الخطية), ويضيف مؤكدا هذا المعنى (لقد بات علينا أن ندرك أن قانون العلة والأثر, وتلك البنى المعرفية من هرميات وتراتيبات وأسس منطقية وما شابه. ما هي إلا أمور من صنع عقولنا, اختلطت علينا من فرط استخدامها ورسوخها, حتى تراءت لنا أزلية مطلقة وما هي بهذه ولا تلك).

الآن هذا الرأي - على وجاهته - يمكن قبوله في إطار مدى التنبؤ أو - بمعنى أدق - مدى الآثار المترتبة عليه في المستقبل, وحتى الأمثلة التي أوردها الدكتور نبيل علي في هذا السياق تأتي في جانب المدى أو النطاق لا الموضوع, ودون أن نغمط حق الإنسان في أن يمارس حقه في التقليب في أوراق مستقبله.

ويثير البحث في علم المستقبليات - بهذا المعنى - مسألة التمييز بين الحقيقة واليقين في إطار المعرفة العلمية, ومن باب أولى التنبؤ المستقبلي, أو كما نبه لذلك فيلسوف العلم المعروف (كارل بوبر Popper): (نحن لا نبحث عن اليقين, الخطأ صفة بشرية, المعرفة البشرية كلها ليست معصومة من الخطأ, هي إذن محل شك, ومن ثم فلابد أن نميز بوضوح بين (الحقيقة) و(اليقين). وأن هدف العلماء هو الحقيقة الموضوعية, ولا يمكن أن يكون اليقين هو هدفنا). وهو بناء على هذه المقدمة المنطوية على أن العلم افتراضي وهو معرفة حدسية يرى أننا (إذا استخدمنا لغتنا ومعرفتنا العلمية وتكنولوجيتنا, ففي مقدورنا أن نتنبأ بالنتائج المستقبلية لأحلامنا ورغباتنا وابتكاراتنا).

وإذا كان التفكير العربي - بحكم عوامل كثيرة - مشغولاً بالحاضر مشدوداً إلى الماضي, فإن هذه الصفحات هي محاولة للإبحار به إلى المستقبل, تلج به العوالم الجديدة التي يسيطر الإنسان - فيها وبها - على المادة والحياة والذكاء.

لما كان الحاضر يتولد من رحم الماضي فإن المستقبل هو ثمرة إنجازات الماضي والحاضر, والتقدم الذي قطعته البشرية في القرن العشرين, هو الأساس الذي يرتكز عليه بنيان حضارتها في القرن الحادي والعشرين بالإضافة والتعديل والتفسير والاكتشاف والاختراع.

الثورات العلمية للقرن العشرين

على أعتاب ألفية جديدة يرى علماء المستقبليات أن القرن العشرين كان قرن الكشف عن أسرار الطبيعة, فاتحا الباب لتطورات مثيرة سيشهدها القرن الواحد والعشرون, حين نقوم بالتحول من كشف أسرار الطبيعة لنصبح سادتها, ومن مراقبين للطبيعة إلى مصممين لها.

وقد كشف القرن العشرون عن العناصر الأساسية التي تعتمد عليها الأعمدة الثلاثة للعلم (المادة - الحياة - العقل) في صورة أربع ثورات علمية كبيرة تعدّ ذروة إنجازات القرن التي غيّرت وجه الحياة على الأرض:

الأولى: ثورة الكم 1925 التي زوّدتنا بوصف كامل تقريبا للمادة سامحة بوصف التعدد الظاهري اللامتناهي لها. وهذا التمكن من فهم المادة قد يفتح الباب إلى القدرة على التحكم في المادة, وتصميم أشكال جديدة منها حسب الرغبة.

الثانية: ثورة الكمبيوتر: والتي حدث التحول المهم فيها عام 1948 باكتشاف الترانزستور. ثم بعد ذلك بعقد واحد اكتشف الليزر الضروري للإنترنت ولطريق المعلومات السريع.

الثالثة: الثورة البيوجزيئية: مهد لهذه الثورة كتاب شرودنجر (ما هي الحياة) 1944 الذي جعل في الإمكان تفسير الحياة (بشفرة وراثية) مكتوبة على جزيئات في الخلية باستخدام نظرية الكم مما أسفر في النهاية عن إمكان بناء البنية الذرية لجزئ (د.ن.أ) بما سيمكن معه قراءة الشفرة الوراثية للحياة كما لو كنا نقرأ كتابا.

الرابعة: الثورة العقلية: تستند فكرة الثورة العقلية إلى التطور الثوري الذي حدث خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين في صورة فهم عميق وسيطرة على العقل الإنساني. والحق أن هذه العملية بدأت منذ بدايات القرن ولكن بخطى بطيئة. ولقد أدى هذا الفهم الجديد للعقل إلى ميلاد أساليب فعّالة للتحكم في سلوك الإنسان ومشاعره وذكائه. وقد تم التوصل إلى ذلك عن طريق فهم العمليات المادية التي تحدث في مناطق المخ وأعضاء الحس المختلفة مصاحبة للأهواء والانفعالات والأحاسيس, بما يبشر بإمكان التحكم في كثير من الحالات العقلية بوسائل مادية.

وترتبط الثورة العقلية - إلى حد كبير - بالثورة البيوجزيئية التي هي في حد ذاتها ثمرة لثورة الكم.

وفي مسايرة لاتجاه التقدم البشري في جعل علم المستقبليات صناعة العلماء حشد البروفيسور ميتشيو كاكو أحد كبار علماء الفيزياء في العالم حصيلة مقابلات له مع أكثر من مائة وخمسين عالما من تخصصات مختلفة من بينهم عدد من الحاصلين على جائزة نوبل. وخرج علينا بكتاب مهم جدا, قام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت بتقديم ترجمة عربية ممتازة له, تسد نقصا خطيرا تعانيه المكتبة العربية في حقل هذه الدراسات المتقدمة.

وقد استعنا بكثير من رؤى المستقبل التي استشرفها هؤلاء العلماء الكبار, والتي بلورها مؤلفه في هذا المصنف الذي محوره هو الآفاق غير المحدودة للعلم والتكنولوجيا خلال المائة عام القادمة وما بعدها.

ثورة الكمبيوتر في القرن العشرين

ربما كانت ثورة الكمبيوتر من أكثر الثورات العلمية درامية من حيث المدى والانتشار والتأثير في نوعية الحياة البشرية, والزيادة السريعة في قدرة الكمبيوتر, لم يعرف لها مثيل في أي صناعة أخرى على مدى تاريخ التكنولوجيا, وقد تم التعبير عن اطراد هذا التقدم فيما يعرف بـ(قانون مور) الذي ينص على أن قدرة الكمبيوتر تتضاعف مرة كل ثمانية عشر شهراً? ويمكننا باستخدام هذا القانون قراءة مستقبل تكنولوجيا الكمبيوتر خلال القرن الجديد, وما سيؤدي إليه من ظهور صناعات بأكملها لا يوجد لها مثيل في السوق الحالية.

وقد مرت الحوسبة بثلاثة أطوار: الكمبيوتر الرئيسي المركزي الذي تميز بضخامته ولكن بقوته. ثم الكمبيوتر الشخصي في أوائل السبعينيات والذي وصل إلى ذروته باستخدام برنامج النوافذ الشهير (WINDOWS), أما الطور الثالث المستقبلي فهو الحوسبة الواسعة الانتشار.

كمبيوتر القرن الواحد والعشرين

الزيادة المطردة في قدرة الكمبيوتر التي شهدتها العقود الأخيرة من القرن المنصرم تسمح لنا بتقليب أسرع لصفحات كتاب المستقبل لهذه الصناعة. كما أن وصول التصغير إلى ما يعتبره البعض مداه, يكشف لنا في المستقبل المنظور عن آفاق جديدة لاستخدامات الكمبيوتر في شتى مناحي الحياة.

وتدور المحاور الأساسية لدراسة مستقبل الكمبيوتر في القرن الحالي حول عدد من الاتجاهات التي بدأت تباشيرها في الظهور - سريعة مقتحمة في بعض الجوانب, وعلى استحياء تنتظر التطوير والارتقاء في جوانب أخرى, ويمكن حصر هذه المحاور في أربعة أساسية:

الأول: التطورات التقنية في صناعة الكمبيوتر.

الثاني: دمج الكمبيوتر بالإنسان.

الثالث: الإنترنت وتعاظم ثورة الاتصال بين البشر.

الرابع: الآثار ومخاطر المستقبل.

تقنيات المستقبل

تنطلق تقنيات المستقبل من نقطة أولية مفادها أن حقبة التصغير في صناعة المعالج الدقيق Microprocessor قد وصلت إلى منتهاها. وأنه قد آن الأوان لحقبة جديدة تتفق والتسارع غير المسبوق في نمو هذه الصناعة.

وتشهد حقبة التصغير في الفترة الأخيرة إنجازات اعتبرت معها مجلة ساينس Science الأمريكية التي تعد أشهر المجلات العلمية في العالم في عددها الأخير أن تطوير الدائرة الإلكترونية متناهية الصغر التي لا يزيد حجمها عن حجم الجزئ المنفرد يعتبر أهم إنجاز علمي شهده عام 2001, وذكرت المجلة في هذا السياق أن الباحثين في جامعة هارفارد قد طوّروا دائرة إلكترونية تقاس بالنانومتر, ولتقريب الأمر للقارئ, فإن ذلك يعني ببساطة أن كل مليون دائرة قد يصل حجمها إلى حجم حبة الرمل.

وتتراوح التنبؤات يما يتصل بتكنولوجيا المستقبل لما بعد انتهاء حقبة السيليكون بين الاستفادة من فيزياء الكم أو من التقدم الكبير في الهندسة الوراثية.

ففي مجال الاستفادة من فيزياء الكم يستهدف البحث إيجاد المقابل الضوئي لأشباه الموصلات, حيث يتم الاستغناء عن الأسلاك نهائياً لصناعة الترانزيستور البصري الذي يمهد الطريق لتقنية جديدة لصناعة الكمبيوتر البصري.

أما ذروة الاستفادة من فيزياء الكم فسيكون الكمبيوتر الكمومي, وعلى الرغم من أن أجهزة الكمبيوتر الكمومي أقوى بكثير من أضخم الكمبيوترات الفائقة. فإن المشكلة هي أن أقل شائبة من العالم الخارجي يمكن أن تعطلها. ولذا يجب عزل هذا الكمبيوتر عن كل التدخلات أو الشوائب الممكنة من العالم الخارجي, وذلك وإن كان أمراً صعباً الآن. إلا أن هناك تقدما بطيئا في هذا الاتجاه, ولكنه يتسارع بحيث يمثل أمرا واقعا في النصف الأخير من القرن الواحد والعشرين.

ويمثل كمبيوتر الـ د.ن.أ القدرة المزدوجة لثورتي البيولوجيا الجزئية والكمبيوتر, ويمكن لجزئ DNA أن يخزّن معلومات تفوق تلك المخزونة في أجهزة الكمبيوتر الحالية بتريليونات المرات. وستحل الموجات الكمية محل الأسلاك والدوائر التقليدية في صناعة الكمبيوتر, أما الحسابات التي تستهلك مقداراً من الوقت على الكمبيوتر, فسيمكن معالجتها بسرعات مذهلة على الكمبيوتر الكمي.

وفي إطار التزاوج بين التقدم في تصنيع الشرائح الإلكترونية وثورة الهندسة الوراثية, فالمستقبل يحمل توقعات بإيجاد وسيلة مباشرة للتعامل مع المخ من أجل استثمار إمكاناته الهائلة, بما يتعين معه فك شفرة ملايين الخلايا العصبية. وقد تمكن العلماء فعلاً من صناعة وصلة بين خلية عصبية حية و شريحة سليكونية مع إمكان تبادل الإشارات بين الخليتين.

وأحد التطبيقات لهذا الجهد صناعة (عين إلكتروحيوية) تمكن من إعادة الإبصار للعميان, وكذلك محاولات زرع ذاكرة إلكترونية لتحسين قدرة التذكر لدى الإنسان.

دمج الكمبيوتر بالإنسان

كما ذكرنا من قبل فإن التصغير قد وصل إلى حد أن ملايين الدوائر الكهربية يمكن جمعها في كيان مادي في مثل حجم حبة الرمل, وإذا كان صاحب كتاب (رؤى مستقبلية) - الذي نجتزئ كثيراً من أفكار كتابه - قد سمى ما نحن مقدمون عليه من تغلغل الحواسب المتناهية الصغر في شتى مناحي حياتنا بالحوسبة الخفية تارة أو الحوسبة غير المرئية تارة أخرى, فإننا نميل إلى اعتبار ذلك نوعاً من دمج الكمبيوتر بالإنسان, أو إلى أن ننقل التسمية إلى الإنسان فيكون (الإنسان المدمج بالكمبيوتر).

ويرتكز مفهوم الحوسبة المخفية على فكرة تكوين بيئة صناعية إلكترونية تحيط بالإنسان في كل مكان, وتتداخل مع كل أنشطته, وتتفاعل معها بذكاء, هي نوع من الدمج بين الإنسان وأدواته الإلكترونية, هي ببساطة فكرة الإنسان المدجج بالكمبيوتر). وفي هذه البيئة ستحيط بنا معالجات دقيقة غير مرئية, تستشعر وجودنا وتتوقع رغباتنا, ويمكنها حتى أن تقرأ عواطفنا, وستتصل هذه المعالجات الدقيقة بالإنترنت, وسنتفاعل مع الحواسب غير المرئية باستخدام إشاراتنا وأصواتنا وحرارة أجسادنا بوسيلة الصوت والطيف الكهرومغناطيسي).

ويبشرنا علماء المستقبليات بمكاتب ومنازل وغرف ذكية. (فالمنزل يعرف باستمرار وجود أطفالك, ويخبرك إذا كانوا يواجهون أي مشكلات, والمكتب يرى إذا كان لديك موعد مهم ويحميك مما يعطلك عن ذلك, والغرف الذكية تتعرف على الناس وآرائهم وعواطفهم).

أما (أجهزة الكمبيوتر الملبوسة) والتي يمكن وضعها في ربطة العنق أو الحذاء أو النظارة. فستمثل اندماجاً بين تكنولوجيا الهواتف الخلوية (المحمولة) والكمبيوتر المحمول, وسيكون لها استخدامات شديدة الأهمية في مجال الرعاية الطبية, والإنذار بالمرض, والأغراض الأمنية, وتوفير البيانات لأغراض مختلفة على مدار اليوم.

وفي مجال المال والاقتصاد, فالنقود الرقمية هي التي ستسود, وهي نقود تتجسّد في شكل معلومات يختفي معها التعامل النقدي في الصورة الراهنة. ويتم الاعتماد على البطاقات الذكية التي ستحل محل بطاقات الهاتف والقطار والترانزيت, وبطاقات الاعتماد, وسوف يخزن في البطاقات الذكية التاريخ الطبي للشخص, وسجلات الضمان, وجواز السفر, مع إمكان الاتصال بالإنترنت.

ومن أكثر التنبؤات إثارة ما يتصل بـ (السيارات الذكية). وسيكون المفتاح لها هو أجهزة الاستشعار, بحيث نرى سيارات وطرقات تسمع وتشعر وتشم وتتحدث وتتصرف, والتي سيمكنها مراقبة قيادة الإنسان للسيارة, ومراقبة ظروف القيادة المحيطة, وبها رادارات صغيرة لرصد السيارات القريبة, وتستطيع أن ترفض تدوير المحرك إذا كان القائد ثملا, وتتعرف على أفضل الطرق التي تستخدمها بأجهزة متصلة بأقمار المراقبة في الفضاء. وستكون هناك طرق ذكية يمكنها التحكم - باستخدام الآلاف من الكمبيوترات - في حال المرور على هذه الطرق.

وهناك أيضاً مجال لتقدم كبير في تكنولوجيا الواقع الافتراضي virtual reality الذي يحاول إعادة خلق عوالم غير موجودة, بما يساعد على التدريب عن طريق المحاكاة, علاوة على كونه مصدراً للتسلية, والواقع الافتراضي سوف يمكننا من محاكاة أنظمة فيزيائية معقدة مثل: الثقوب السوداء, والنجوم المتفجرة, وسطوح الطائرات النفاثة الأسرع من الصوت).

ويتنبأ كتاب (رؤى مستقبلية) - الذي اجتزأنا منه الفقرات السابقة - أنه بحلول عام 2020 قد تنتهي ثورة الميكروبروسسور وعصر السيليكون. كما ستخلق الإنترنت كونا كاملاً من الفضاء السبراني, يتضمن التجارة والنقود والمكتبات الإلكترونية والجامعات الافتراضية, بحيث يصبح سطح الأرض غشاء حيا يتمتع (بذكاء كوكبي).

ولكن هذا الدمج بين الإنسان والكمبيوتر بهذا الشكل قد ينطوي على مخاطر متعددة في جانبه السلبي. منها ما يتصل باحترام خصوصية الفرد وأسراره, ومنها ما يتصل بالتأثير على الفكر والسلوك, كذلك ما تنطوي عليه من إلحاق الضرر بالفرد أو الإيذاء العمدي له, مما سنعرض له تفصيلاً عند الحديث عن مخاطر التقدم في المستقبل.

مستقبل الإنترنت أو طريق المعلوماتية السريع

لم يكن أحد يدري حين بدأت الإنترنت كشبكة بين الجامعات في 1964 أنها ستنمو بهذا المعدل الرهيب لتمثل كياناً عالمياً للمعرفة والمعلومات, المال والتجارة, الدعاية والسياسة, التسلية والترفيه, بالصوت والصورة الثابتة والمتحركة, وتستوعب كل أشكال الاتصال بين البشر, فحتى عام 1981 لم يزد عدد المواقع عن مائتي موقع, ثم كان انفجار استخدامها في التسعينيات من القرن العشرين فدخل أكثر من 45 ألف شبكة أخرى في الإنترنت في منتصف ذلك العقد, ويتوقع خبراء الإنترنت أن تكون شبكة الإنترنت بحجم شبكة الهاتف في عام 2005 (أي حوالي 600 مليون مشترك).

وقد اعتبرت تقارير البنك الدولي عدد مستخدمي الإنترنت أحد المؤشرات المهمة للتقدم, ويشير مصطلح (مضيفي الإنترنت) إلى عدد أجهزة الكمبيوتر المتصلة مباشرة بالشبكة العالمية لكل عشرة آلاف شخص, حيث يستطيع كثير من مستخدمي الكمبيوتر الاتصال بالإنترنت من خلال مضيف واحد.

وللتدليل على سلامة الحكم من خلال هذا المؤشر فإنه على حين تبلغ النسبة في الولايات المتحدة حوالي ألفي مضيف لكل عشرة آلاف شخص, فإن هذه النسبة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تزيد قليلا عن نصف مضيف لكل عشرة آلاف شخص, في مقابل ثمانية عشر شخصا لكل عشرة آلاف في أوربا.

وينظر بعض العلماء بكثير من التفاؤل إلى مستقبل تطور شبكة الإنترنت. حين يضاف لها برامج ذكية حقيقية قادرة على التفكير, والإدراك السليم, وتمييز الخطاب, وبذا يمكن أن نتصل بجسم المعرفة الهائلة للكون بأكمله, إذ إن شبكة الإنترنت بوصفها الحالي لا تملك ذكاء من أي نوع.

وسيكون الليزر الوسط الرئيسي للإنترنت لنقل معلومات أكثر. وتستخدم الآن كابلات الألياف البصرية التي تنقل كمية هائلة من المعلومات خلال أجزاء من الثانية, ويمثل الاندماج التفاعلي مع التلفزيون الرقمي المستقبل التجاري للإنترنت, كما سيكون هناك مجال لنوع من الذكاء الاصطناعي يعتمد على اكتساب الخبرة بالمحاولة والخطأ, ويمكنها تحليل المشكلات مثل البشر تماماً.

ويتنازع مستقبل الإنترنت رؤيتان: الرؤية المتفائلة التي ترى أن الإنترنت ستبتلع يوماً ما كل أشكال التواصل البشري, (وستصبح الإنترنت جزءاً لا يمكن الاستغناء عنه من الحضارة الحديثة. وضرورة للأعمال والتجارة والعلم والفنون والتسوق والتسلية. وستغني حياتنا إلى الأفضل, من القدرة على العمل في المنزل, والتسوق الإلكتروني, وبيع وشراء الأسهم وتقديم التحليل المالي, والصيرفة الإلكترونية, وانتقاء الموضات حسب الطلب).

وعلى الجانب الآخر فإن رأياً مضاداً يرى أنها موضة عابرة, وأن أوجها قليلة من الحياة اليومية تتطلب استخدام الكمبيوتر والشبكات الرقمية. وما يعزز من وجهة النظر المتشائمة بالنسبة لمستقبل الإنترنت ما حدث خلال العاملين الأخيرين من هبوط في أسهم شركات الإنترنت وشركات الاتصالات, بل في إفلاس بعض هذه الشركات, كما تناقص بشكل ملحوظ معدل الزيادة في عدد أسماء المواقع الجديدة التي يتم تسجيلها على الشبكة (بلغ عدد المواقع المسجلة في يونيو 2001 حوالي 32 مليونا وتناقص حتى بلغ 28 مليونا في ديسمبر). كما انخفض أيضاً الصراع على الأسماء المميزة وأسماء المؤسسات الكبيرة. وانتهى عصر الأسماء التي تباع بملايين الدولارات.

الإنسان الآلي

شأن معظم المخترعات كان الروبوت حلما بدأه الكاتب التشيكي (كابك KAREL CAPEK) في رواية رمزية عام 1921, وقد تحدثت عن مجموعة من الروبوتات تدافع عن نفسها ضد استغلال مبتكريها. وقد استخدم الكلمة التشيكية ROBOAT للدلالة على العامل المجبر أو العبد, ثم كان تحول الحلم إلى حقيقة على يد انجلبرجر Engleberger عام 1961, ثم توالت نماذج كثيرة للإنسان الآلي بعد ذلك.

وقد تم استخدام الروبوت أو الإنسان الآلي في البداية للإشارة إلى الآلات الأوتوماتيكية التي تتخذ صورة الإنسان في تركيبه العام, ولهذا المصطلح تطبيقات أوسع في مجالات العلوم والتكنولوجيا تشمل المنظومات الأتوماتيكية البسيطة منها أو المعقدة.

وقد قام معهد الروبوت الأمريكي بتعريف المصطلح (روبوت) على أنه معالج ميكانيكي متعدد المهام وقابل لإعادة البرمجة, ومصمم لنقل المواد من خلال حركات مبرمجة ومختلفة لتأدية مهام متعددة.

ويبرز استخدام الروبوت في عالم الصناعة بتجنيب البشر أماكن العمل غير الصحية أو الخطرة, وفي الاعتبارات الاقتصادية بالارتفاع بمعدل الانتاجية وتقليل تكاليف العمل ومواجهة مشاكل نقص الأيدي العاملة, وتبلغ نسبة الروبوتات المستخدمة في عمليات اللحام حوالي 29% من عدد الروبوتات المستخدمة في العالم, على حين تصل إلى 57% في مناولة المواد.

وتبدو أهمية استخدام الإنسان الآلي واعدة في عالم الطب باستخداماته في مجال الجراحات الدقيقة مثل جراحة المخ والأعصاب, كما يكثر استخدامه في المحطات النووية لمناولة المواد المشعة وفي عمليات التشغيل والصيانة, وفي المجالات العسكرية يمثل أهم تطبيقاته وسائل الدفاع الجوي ذاتية التوجيه. والمركبات دون قائد الموجهة عن بعد, كما قام الروبوت بأولى عمليات استكشاف فضائي روسي لسطح القمر في عام 1970.

وتصل القيمة الإجمالية لسوق الروبوت العالمي إلى ما يزيد على أربعة بلايين دولار. تستأثر الولايات المتحدة بنصفها. وتتوزع باقي الحصص بين عدد من الدول المتقدمة في أوربا وآسيا.

الآثار والمخاطر

تشمل الآثار المترتبة على التقدم المستقبلي في صناعة الكمبيوتر والمعلوماتية مجالات عدة: منها ما يتصل بالبنية الاجتماعية, ومنها ما يرتبط بالهيكل الاقتصادي للمجتمعات, ويكشف أخطرها عن تأثيرات سياسية على الدول والأفراد.

وشأن أي ظاهرة تتصل بحركة الإنسان وتقدمه, تظهر على ضفتي مجرى التقدم جموع المتفائلين والمتشائمين, كل يسعى لإثبات صواب رؤيته, رؤية المتفائلين مستقبلاً من التفوق والرغد والمعرفة غير المحدودة. ورؤية المتشائمين (أن أجهزة الكمبيوتر يمكنها أن تساعد على تحقيق عالم مرعب, تتحكم فيه حكومة شمولية بكل مناحي الحياة مستغلة تقدم وسائل التنصت, بما يصبح معه المجتمع منقسما بين الذين (يملكون المعلومات) و (الذين لا يملكون).

وهناك مخاوف تقترب من تلك التي يجسّدها عالم أفلام الرعب أو سينما الخيال العلمي. تتحدث عن عالم صناعة (الإنسان الآلي) التي قد (تمتلك إرادة مستقلة ومسلحة بقدرات عقلية وفيزيائية جبارة. قد تتفوق بسهولة على قدراتنا, تفرض أسئلة عن قدرة هذه الآلات على إيذاء أو السيطرة على الإنسان). كما أن قدرة الكمبيوتر اللازمة لتشغيل مدن ودول بكاملها ستصبح ضخمة جداً بحيث يتم التحكم بها في المجتمع, وقد يؤدي أي خلل بها لتعطيل حضارة بكاملها, وسيكون هناك دائماً خطر أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تتحكم في أسلحتنا النووية ومواردنا النقدية ومحطات توليد الطاقة.

أما الإنترنت فلم يشفع لها ما أحدثته من ثورة في الاتصال, وما قام بها من انسياب فيض من المعلومات والآراء أصبح متاحاً بلمسة زر لبني البشر, وإنما يدور الجدل الآن حول الجانب السلبي في الاستخدام, فعلى المستوى الفردي: إدمان الإنترنت والعزلة عن المجتمع, والآثار الصحية على البصر, وتلك الناجمة عن الجلوس لفترات طويلة, وعلى المستوى الاجتماعي: الجرائم الأخلاقية كتجارة الرقيق الأبيض, ودعارة الأطفال, وبث الأفكار المتطرفة, وجرائم غسيل الأموال, واختراق حسابات البنوك.

أما الآثار على البنية الاجتماعية والاقتصادية: (فستصعد صناعات وتهبط صناعات, وستزدهر وظائف وتتدهور وظائف أخرى, ومن أمثلة الوظائف المهددة الوظائف النمطية القائمة على التكرار. وظائف متابعة الجرد, وظائف الوسطاء في مجال وكالات النقد والبنوك ومحلات الفيديو وأسواق الأسهم التي ستتم كلها على الإنترنت: (التهديد الأكبر سيصيب صناعة الطباعة التي قد تتحول إلى شكل جديد وأرقى).

(أما الوظائف التي ستزدهر حتى بوجود طريق المعلوماتية السريع فمنها الوظائف الإبداعية والترفيهية مثل الكتابة والتمثيل نتيجة ازدياد وقت الفراغ. كذلك وظائف البرمجة وصناعة الخدمات والوظائف الماهرة والحرفية وخدمات المعلوماتية وسيكون هناك دوما طلب على الكفاءات العلمية).

أما النظام الطبقي للمجتمع فسيترتب على أساس معلوماتي يأتي على قمته أقطاب تكنولوجيا المعلومات يليهم العاملون فيها, ثم العمال اليدويون, ثم (الضائعون) الذين تجاوزتهم ثورة الكمبيوتر.

وفي إطار المجتمع الدولي فإن القوة الاقتصادية والعسكرية للدول لم تعد مقصورة على العنصر البشري حصراً وتعداداً والموارد الطبيعية بمعناها التقليدي. وإنما لابد أن يتلازم معها عنصر بشري مسلح بالعلم والمهارات والمعرفة والمعلومات, ومجتمع يعلي من شأن القدرة الفكرية والإبداع والابتكار, ومناخ يسمح بحرية البحث والتفكير والرأي

 

نبيل غزلان