الإنسان والبيئة

الإنسان والبيئة

بحرٌ متربّصٌ

في العام 1860, بُني فنار بساحل منطقة اسمها (رأس هاتيراسّ), بولاية كارولينا الشمالية, وكان - وقتها - يقع على ربوة متوسطة الارتفاع, تبعد عن خط الشاطئ مسافة 3000 قدم, وقد تآكل الشاطئ, حتى أن ذلك الفنار أصبح, الآن, يقف في مياه البحر! وفي البرازيل, تهدد الظاهرة نفسها - النحر - وجود ومستقبل الشاطئ السياحي الشهير (كوباكابانا).

وللنحر مسببات طبيعية, مثل التيارات البحرية, والأمواج, وحركات المد والجزر, بالإضافة إلى احتمالات ارتفاع مستوى سطح البحر, بتأثير ارتفاع درجة حرارة المناخ الأرضي, الناتج عن حالة (الدفيئة) التي تتعرض لها الأرض. وثمة مجموعة ثانية من الأسباب, هي من صنع البشر, وإذا تدخّل البشر في شئون الطبيعة, فحدّث ولا حرج.

إنهم يقيمون السدود على الأنهار, لضرورات اقتصادية, ذات صفة محلية, يرونها, متناسين - أمام تلك الضرورات - آثاراً جانبية خطيرة, ترتبط بتخزين المياه, ونظام سريانها في الأنهار, وأهم تلك الأخطار, هو حرمان مناطق مصبات الأنهار من كميات ضخمة من الطين والمواد الرسوبية العالقة بمياه النهر. وكانت تلك الكميات من الطين تحقق لسواحل المصبّات دفاعاً طبيعياً ضدّ الأمواج والتيارات البحرية المسببة للنحر. وبمرور الوقت, تفقد السواحل دفاعاتها, وتأخذ في التعرّي, ولا يلبث البحر أن يأخذ في ابتلاعها, شبراً فشبر, سنة بعد أخرى!

وقد يتطلّب تنفيذ خطط التنمية إقامة موانئ بحرية جديدة, في مواقع بعينها على الساحل, غير أن إنشاء ميناء جديد يعني تغيير ملامح البيئة الساحلية, وكسر النظام الطبيعي لحركة الكتل المائية في منطقة الميناء والمناطق المحيطة بها, فتضطرب مسارات التيارات البحرية, وتبدأ في نحر مناطق معينة من الشاطئ, ونقل الرسوبيات إلى مناطق أخرى.

إننا لا نريد أن نتعرّض للأجهزة المسئولة عن تخطيط وتعمير المناطق غير المأهولة من السواحل, ولا نريد - أيضاً - أن نصطدم بأحلام المتطلّعين إلى تملّك كوخ أو مسكن صيفي, في تلك المواقع الجميلة - وما أكثرها على امتداد سواحلنا العربية -, غير أننا نؤكد على أن (تعمير) السواحل يمكن أن تكون له آثاره غير السارّة, على المدى الطويل, إننا ندعو إلى الاهتمام بدراسات الجدوى البيئية, قبل إضافة (أعباء) جديدة إلى السواحل, فلقد لاحظ خبراء حماية الشواطئ أن تعمير السواحل بمساكن الأحلام والفنادق الفاخرة, المطلة على الشاطئ مباشرة, يكون مصحوباً - غالباً - بإزالة الروابي الرملية الشاطئية, (لفتح) مجال الرؤية المباشرة إلى مياه البحر. ويغيب عن بال من يقومون بهذا العمل المدمّر, أن تلك الروابي كانت تمثّل الاستحكامات وخطوط الدفاع الطبيعية, ضد العواصف وضربات الأمواج. فماذا نتوقع - عند إزالتها - إلا أن يتجرّد الشاطئ من وسائل دفاعه, ويصبح عرضة للأمواج والتيارات, فيبدأ التآكل, ويفاجأ السكان بالبحر يطغى على شواطئ الأحلام, بل ويقترب من مساكنهم.

ويصل التهاون في حق التوازن البيئي, ببعض الناس, إلى حدّ أنهم - سعياً وراء مزيد من مظاهر الترف والرفاهية - يقتطعون مساحات من الشاطئ ذاته, لتحويلها إلى حمامات سباحة خاصة, ملحقة بمساكنهم, أو بالفنادق. وقد تكون المناطق المتقطعة من شريط الشاطئ موطناً لنباتات بريّة, تضرب بجذورها في الأرض, فتثبّت الرمال. إنهم - مع الأسف - لن يستطيعوا أن ينعموا بما شيّدته أياديهم من منشآت فاخرة, طويلاً, وذلك لأن العواصف ستعمل على تعرية الشاطئ, بعد أن فقدت الرمال أربطتها الطبيعية, ثم يتوالى عمل النحر, ويصبح الموقف محرجاً, في خلال سنوات أو عقود قليلة, وترتفع الأصوات: أنقذونا... البحر يتقدّم باتجاهنا!

فما العمل, مع هذا البحر المتربص بشواطئنا?!

تحكي دفاتر التاريخ القديم, أن سكان سواحل البحار الشمالية واجهوا أخطار طغيان البحر, فأقاموا الاستحكامات الترابية والروابي العالية, التي كانوا يلجأون إليها في حالات المد العالي, أما الآن, فإن مواجهة البحر تتم من خلف إنشاءات وسواتر ودروع, تشيد من الخشب والحديد والخرسانة المسلحة. من هذه التركيبات, كاسر الأمواج, وهو عبارة عن بروز شبه عمودي على خط الشاطئ, يعمل على كسر حدة الأمواج, وتعطيل حركة نقل وترسيب الرمال, من مكان لآخر, على طول الشاطئ, إنه يحل مشكلة النحر, جزئيا, إذ ينجح في حماية الموقع المقام فيه, وإن كان ينقل تأثير التيارات إلى موقع آخر, وقد يكون في ذلك خطورة على منشآت حيوية قريبة, ما لم تتخذ الاحتياطات الضرورية, ومالم يسبق إقامة الكاسر دراسة لجدوى وإمكان إقامته.

ومن الإنشاءات المضادة للنحر, أيضاً, الأرصفة الشاطئية, أو (المراطم) التي تقام لحماية شاطئ, أو قناة ملاحية, من تأثير التآكل والنحر, بفعل التيارات البحرية.

وثمة أسلوب مبتكر لحماية الشواطئ من النحر, باستخدام الأعشاب البحرية والطحالب, فهذه المساحات من النموات النباتية, بالقرب من الشاطئ, تعمل كمصدات أمواج, وتقلل, إلى حد كبير, من تأثير النحر, فهي تمتص قدراً كبيراً من طاقة الأمواج, قبل أن تصل إلى الشاطئ, إنه نوع من استغلال الطبيعة ذاتها... ضد الطبيعة! إن فكرة هذا الأسلوب المبتكر, تعتمد على غرس (ستائر) كثيفة من الأعشاب البحرية, وبخاصة النوع المسمى (لاميناريا), في المياه الضحلة القريبة من الشاطئ, لتواجه الأمواج وتكسر حدتها, قبل أن ترتطم بالشاطئ.

العجيب من أمر هذه الفكرة, أنها جعلت صناعة البلاستيك تسارع فتستجيب لها, وتبتكر أعشاباً صناعية, تقوم بمهمة الأعشاب البحرية الطبيعية, وتتميز بقلة التكلفة, والمرونة, بالإضافة إلى سرعة الإنجاز, وتعدد الأشكال والألوان, التي يمكن أن تضفي لمسات جمالية على المكان المقصود بالحماية, وبصفة خاصة, الشواطئ والمزارات السياحية.

وبالرغم من الاجتهادات البشرية الموجّهة لصون الشواطئ, فإن أنظمة الدفاع ضد النحر - مع الأسف - يشوبها عيبان رئيسان, هما:

- أن العواصف تؤثر فيها, وتنال من بنيانها وتماسكها, سنة بعد أخرى, مما يجعلها بحاجة إلى أعمال صيانة مستمرة, تحفظ لها كفاءتها.

- أن إنشاءها يكلّف أموالاً كثيرة, وتزداد التكلفة بإضافة أعباء الصيانة.

على أي حال, ثمة حقيقة ثابتة, ينبغي ألا تغيب عن البال, وهي أن النحر, أو تآكل الشواطئ, كظاهرة طبيعية, لا يتوقف, ولا يمكن منعه منعاً باتاً, كل ما يمكننا عمله, هو ألا نستسلم, وأن نحاول تثبيط همّة البحر, وإعاقته عن تفتيت شواطئنا وابتلاعها.

الاستجابة للحاجة دفاع
سلبي... مجيد!

والاحتياج, هنا, هو للنجاة من الافتراس, وهل هناك حاجة أقوى من أن يستمر الكائن الحي موجوداً في خريطة الحياة? وهل ثمة كائنات حية تهمها تلك الحاجة, أكثر مما تهم سكّان الغابة, حيث القانون السائد: اسع من أجل غدائك, ولكن, حذار... فربما تكون, أنت, وجبة العشاء القادمة, لكائن آخر, يبحث عنك الآن!

ومن (دينامية) هذا القانون, يتحقق للنظام البيئي في الغابة الاتّزان, وتتضمن هذه (الدينامية) تفاصيل عملية, فمن جانب (المفترس) يهمه أن تكون مهارات المطاردة والقنص, لديه, في أوج كفاءتها, ومن ناحية (الضحية) المنتظرة, يستعين بكل وسائل الدفاع المتاحة, لدرء الخطر عن نفسه, وهي دفاعات إيجابية للقادرين, وسلبية, لمن لا يملكون قدرات عضلية وأنياباً حادة. وفي اعتقادنا, أن صفة (سلبية) لا تعني انتقاصاً من (فكر) هذه الكائنات, التي تبدو ضعيفة, إنها - برأينا - لا تقل قوّة عن تلك التي لا تكفّ عن استعراض قوة عضلاتها, وحدة أنيابها, وتفوّقها في أعمال الكرّ والفرّ وإثارة الغبار, إنها كائنات (حكيمة) خبيرة باقتصاديات القوة, تقبع في مخبئها, وقد أدركت - بعمق - حقيقة العلاقات والأوضاع حولها, فتجري حساباتها بأسرع ما يكون, وتقوم بتقدير الموقف, واتخاذ القرار, بلا تردد. لا عجب - إذن - أن ينجح مئات, بل آلاف الأنواع, من هذه الحيوانات التي ترتضي الدفاعات السلبية أسلوباً لها, في الاحتفاظ بمواقعها في خريطة الحياة على سطح الأرض, لعشرات ومئات الملايين من السنين, بينما كائنات أخرى, أضخم وأقوى قد طواها ظلام الانقراض.

ولعل أبرز (جنرالات) الدفاع السلبي, وأكثرهم شهرة, في البرية, الحرباء, ومنها تعلّمت جيوشنا فنون التمويه, وإن عجزنا عن إتقانها بدرجة الكفاءة العالية نفسها, المشهود لها بها. وتتفوّق الحرباء على نفسها, في وسيلة دفاعية سلبية أخرى, لا يعرفها كثيرون, فهي, إن تعرّضت لخطر داهم, وهلاك محقق, بعد أن ينجح عدوّ مترصّد في اكتشاف وتحديد ملامح جسمها, تلجأ إلى التخلص من ذيلها, فتصدّر المفاجأة للحيوان المفترس, الذي يجد أمامه (كائنين) يتحرّكان: الحرباء, وذيلها, فيصيبه التشوّش والارتباك, ويستغرق الأمر منه ثواني قليلة, ليدرك الحقيقة, وعندما تتبدّى أمامه أبعاد الخديعة, تكون الحرباء - ناقصة ذيلها - قد فرّت, وتحصّنت بأقرب شق, أو عادت لحيلها اللونية - بإحكام هذه المرّة - فيأخذ جسمها ألوان الموقع, وتختفي عن الأنظار. أما المفترس الخائب, فلا يجد أمامه إلا الذيل, ذا الحلقات القرنيّة, ولا حاجة له به, فيستدير كاسف البال, وينسحب من الميدان.

إن الحرباء هي (النموذج المثال), الذي تستدعيه الذاكرة عندما يكون الحديث عن سلوكيات الدفاع عن الذات, بين الكائنات الحيّة. وثمة كائنات أخرى, تحاكي الحرباء في أسلوبها الدفاعي, غير أنها لا تصل إلى درجة براعتها. وهذه (ضفدعة الأشجار), حمراء العينين, التي تعيش في غابات أمريكا الوسطى, وهي - بالمناسبة - من الكائنات التي تعاني ضغوطاً بيئية شديدة. إنها تمتلك جسماً يصبغ معظمه لون الأشجار, الأخضر, ولكن مشكلتها في لون العينين الواسعتين الأحمر, وفي بقع جانبية زرقاء. وقد اعتادت ضفدعة الأشجار, لتتغلب على مشكلة الأحمر والأزرق, في حال السكون, أن تثني ساقيها الخلفيتين الطويلتين, فتتكفّلان بإخفاء البقع الزرقاء على جانبيها, وأن تسحب غطاء عينيها, فيختفي اللون الأحمر اللافت لنظر المتربّصين. وهكذا, يتحقق لضفدعة الأشجار توافقها مع العالم الأخضر. ولكن الضفدعة, بطبيعتها, حيوان متحرّك متحفّز, فإن هي لمحت حشرة على بعد خطوات منها - مثلاً - يغادرها الحذر, وتنسى إجراءاتها الدفاعية السلبية, فتقفز, منقضّة على الحشرة, وتلتقطها بلسانها اللزج, الذي ينطلق طرفه السائب من داخل الفم, وهو وسيلة صيد لا تخيب, فيعود بالفريسة, لتبتلعها الضفدعة, هنا, ينتبه الأعداء إلى وجود الضفدعة التي انكشف عنها غطاؤها, فتسارع إلى مكان بين أوراق الشجر, وتثني ساقيها, وتغمض عينيها, فتعود بقعة خضراء, على سطح أخضر!

أما الجندب مخروطي الرأس, وهو من سكّان الغابات المطيرة, في أمريكا الوسطى, أيضاً, فإنه يعتمد وسيلة مختلفة للدفاع عن وجوده, إنه يتعامل مع أعدائه (نفسيّا), فيحاول إخافتهم, إذ إن لديه ما يشبه القناع الذي يرتديه لاعبو السلاح, وهو قناع أسود, يعطي - مع بعض البقع السوداء على البطن - تكويناً غير مريح, يؤدي بالمتربصّين إلى الزهد في الجندب. وحقيقة هذا القناع, أنه أجزاء خارجية من الفم, قاطعة وحادة, تعينه في إعداد أوراق الشجر على هيئة شرائح صغيرة, يسهل ابتلاعها.

البيئة والحياة البريّة
في الإمارات

هذا عنوان أول كتاب يصف - تفصيلاً - الملامح العامة للبيئة الطبيعية والحياة البرية في دولة الإمارات العربية المتحدة, وقد صدر أخيراً عن واحدة من كبريات دور النشر في المملكة المتحدة (العنوان الإنجليزي للكتاب, لمن يريده, هو: Natural Emirates. (Wildlife and Environment of the UAE.).

والحقيقة, أن كتباً أخرى عدة قد سبقته, ولكنها كانت ذات توجهات محددة في إطارات بعينها, كأن تتناول مجموعات من الكائنات الحية, أو تدور حول شئون البيئة في واحدة, دون غيرها, من الإمارات. أما هذا الكتاب, الذي نقدمه للقرّاء العرب, في هذه العجالة, فإنه يتسع ليشمل كل أمور البيئة والحياة البرية, في كل الإمارات العربية المتحدة, وقد توفّر على تأليفه كوكبة من 14 خبيراً عالمياً, لكل منهم اهتمامه المتخصص بأمر من أمور البيئة. وقد تم تحريره وإخراجه بأسلوب متميز, يجعله مناسباً للقرّاء على مستويات مختلفة من الاهمامات, فهو يجتذب القارئ المثقف غير المتخصص, ويهم نشطاء البيئة, والمشتغلين بالعلوم البيئية.

والكتاب مزوّد بمجموعة نادرة من الصور الضوئية الجميلة والفريدة, تحكي السجل الجيولوجي لهذه المنطقة المهمة من الأرض العربية, وصور أخرى للأحافير التي تروي تاريخ الحياة في الإمارات, بالإضافة إلى صور لأنواع عدة من الكائنات الحية, نباتية وحيوانية, ترسم خريطة الحياة في هذه البلاد.

وقد جاءت مشاركات الخبراء, في هذا السفر البيئي المهم, عن سعة علم وتعمّق, ومن هؤلاء الخبراء - على سبيل المثال - (بيثرو يبرو), وهو اختصاصي الأحافير بالمتحف البريطاني للتاريخ الطبيعي, بلندن, ويدور الفصل الذي أسهم به في تحرير الكتاب حول نتائج دراسة مهمة أجراها على جانب من أحافير الإمارات, وامتدت لعشر سنوات, توصّل في نهايتها إلى أن شكل الحياة بالمنطقة, في العصر الميوسيني, كان مختلفاً عمّا هو عليه الآن, إذ كان يسود, بين الكائنات الحية, أفراس النهر, والتماسيح, والقرود.

وإجمالاً, فالكتاب لا يخلو من متعة, وهو مهم وضروري, ويمثل علامة مضــــيئة, تؤكـــد أن الاهتمام بأحوال البيئة في بلادنا العربية لم يعد ضرباً من الترف, بل أصبح شأناً حياتياً موازياً ومتسقاً مع الاهتمام بتنفيذ خطط التنمية, من أجل المستقبل.

بحر نظيف
مولد جمعية بيئية أهلية

أشهرت بالإسكندرية, أخيراً, جمعية أهلية تهتم بشئون البيئة البحرية, اختارت لنفسها اسماً له دلالته, هو (بحر نظيف.. تجمّع خبراء البيئة البحرية), وتقدم الجمعية نفسها للمجتمع, من خلال بيان أصدرته, فور التصريح لها من قبل الجهات المسئولة بمزاولة نشاطها, ونورد - فيما يلي - جانباً من هذا البيان:

(ليس البحر مجرد خط يجري - كما نراه في الخرائط - ليحدد ملامح اليابسة, وليست علاقة اليابسة بالبحر محصورة - فقط - في أن يرتاده سكانها طلباً لاحتياجات أساسية, أو للترويح. إنها علاقة (حوار حياة) يتبادل فيها كل منهما التأثير في الآخر... فلليابسة قواها, وللبحر قواه, ومن مصلحة الطرفين, ولصالح البشر, أن تظل هذه القوى في حال اتزان, وإلا طغت اليابسة وسكانها على البحر وجارت, أو ثار البحر وانقلب مدمّراً. علينا أن نحافظ على أن يبقى ذلك الحوار هادئاً, من أجل الحياة. ذلك هو الهدف النهائي والهمّ الرئيسي لخطط وبرامج ومشروعات الهيئات المحلية والإقليمية والعالمية - حكومية وأهلية - العاملة في مجالات البيئة البحرية والمناطق الساحلية, وهي مجالات يجدها العلماء تتفرع يوماً بعد يوم, لتغطي ملامح تلك العلاقة, أو ذلك الحوار, بين الأرض والبحر, وتسعى لإيجاد حلول ضرورية لمشاكل مزمنة أو طارئة, تمس أمن البشر وسبل حياتهم - أو تهدد - من جهة أخرى - صحة البحار والمحيطات وقدرتها على التجدد والاستشفاء. وتأمل (بحر نظيف) أن تسهم, ضمن منظومة الجهود الأهلية والرسمية, في إدارة هذا الحوار بين البحر والأرض, والاحتفاظ به هادئاً آمنا).

لماذا (بحر نظيف)?

إنها تجسيد لأمل. نعم... صارت نظافة البحار أملاً مرجواً, وتتعاظم الحاجة للتشبث بهذا الأمل لدينا, نحن سكان سواحل حوض البحر المتوسط, فالبحر الذي عاشت في رحابه مجتمعاتنا منذ وعت التاريخ, أصبح يوصف الآن بأنه (بحر يموت). ومن حسن الحظ, أن ثمة ظواهر منعشة للأمل, متمثلة في جهود علمية, تأتي من جهات متعددة, لتعمل في (تنظيف) المتوسط وإبعاد شبح الموت عن مياهه. ولكن هذه الجهود العلمية قد لا تستطيع, بمفردها, تحقيق برامج إصحاح مياه وسواحل البحر المتوسط, فهي بحاجة إلى دعم أهلي, يساعدها في تحسس مواقع السقم والإيلام, ويعينها على تنفيذ برامجها العلاجية لتحقيق الدرجة الكافية من النجاح, فما أكثر البرامج العلمية الطموح التي ذهبت هباء بسبب عدم اكتمال الرؤية, فكانت كأنها تعمل في فراغ.

و (بحر نظيف) تعني - ضمناً - ساحلاً نظيفاً, وشاطئا نظيفا, ومياها نظيفة, وقاع بحر نظيفا, وإنساناً متعاملاً مع البحر نظيفا. وكلمة (نظيف) هنا لا تعني - فقط - الدلالة اللغوية المباشرة للكلمة, بل إن الأمر أقرب ما يكون إلى الدلالة التي أصبحت لكلمة (أخضر) عندما نقول (صناعة خضراء) و(سياحة خضراء) و (تنمية خضراء) حيث يجسّد اللون الأخضر معنى الأمان البيئي, كذلك, فإن كلمة نظيف تتجاوز حدود الدلالة الحسّية للصفة إلى معاني أخرى, منها: السلامة - الأمن - الاستقرار.

إحصاءات بيئية بحرية

- كان المصيد العالمي السنوي من الأسماك, في الخمسينيات من القرن العشرين, 17 مليون طن متري, ارتفع في منتصف الثمانينيات إلى 78 مليون طن متري, ولايزال مستمراً, في حدود هذا المستوى, حتى الآن.

- تتراوح كمية (الهالك) من الأسماك المصيدة بين 20 و 40 مليون طن, في السنة... وهي الأسماك غير المرغوب فيها, والتي تعاد - ميتة - إلى المحيط, فلا قيمة اقتصادية لها, إنها تدخل شباك الصيد - مصادفة - خلال عمليات صيد تجمعات الأسماك الاقتصادية, مثل التونة والسالمون والرنجة.

- تبلغ مساحة الحاجز المرجاني العظيم, الممتد أمام سواحل أستراليا الشمالية, 135 ألف ميل مربع, وهو أكبر محمية طبيعية بحرية في العالم, ولا يستفيد النشاط السياحي إلا بخمسة في المائة, فقط, من مساحته, ويوحي اسمه بأنه نطاق متصل من الشعاب, والواقع أنه مجزَّأ إلى 2800 بقعة مرجانية متباينة الهيئة والنشأة والمساحة, وهو يمثل الموئل لأكثر من ألفي نوع من الأسمك, وأربعة آلاف نوع من الرخويات.

في القائمة الحمراء
أبو منقار أحمر الرقبة

هذا طائر نادر, موطنه الأصلي, والوحيد, في العالم هو أشجار الغابات دائمة الخضرة, الممتدة من شمال شرق الهند حتى فيتنام. إن ما تراه في الصورة هو ذكر أبي منقار أحمر الرقبة, إنه - فقط - الذي يتميز بالرقبة الحمراء, فالأنثى سوداء تماماً, كما أنها أقل ظهوراً من الذكر, فعليها أن تتعهد الأفراخ, بعد أن تفقس, بالرعاية, لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر, تظل خلالها ملازمة للعش, على ارتفاع عشرين مترا من سطح الأرض, لا تبرحه, تنتظر ذكرها ليأتي بالطعام لها وللأفراخ, التي ينمو ريشها في هذه الشهور الثلاثة, فتتحرر الأم من حبسها المختار, وتخرج إلى سماء الغابة, حيث تشاهد - بصفة دائمة - مع زوجها, فالرباط بينهما أبدي... وقد اعتاد السكان المحليون رؤية الزوجين معا, يحلقان فوق الأشجار, ويلتقطان أنواعا مفضلة من الثمار, ويرددان أصواتا منتظمة, كما لو كانا يتناجيان.

هكذا كانت تبدو أحوال الطائر (ذي المنقار/أحمر الرقبة), حتى وقت قريب, أما الآن, وقد تناقصت أعداده إلى أقل من ألف طائر, فإن سكان المنطقة يفتقدونه. لقد أصبح نادر الوجود, بل إنه انتقل إلى قائمة الكائنات المهددة بخطر الانقراض, نتيجة لزحف العمران على موطنه, وإزاحة الغابات, لتحل محلها البنايات, من أجل السكان المتزايدة أعدادهم.

صيف آمـن

إنه الصيف, الذي يعني عند كثير من الناس الهرولة إلى الشواطئ, وقد يتضمن ذلك - عند بعضهم أو بعضهن - رغبة في الحصول على تلك الصبغة البرونزية, بتعريض الجلد للماء المالح والشمس. على هؤلاء - عموماً - أن يلتزموا الحذر من الخطر الكامن في أشعة الشمس: الأشعة فوق البنفسجية, التي يزداد نصيب الأرض منها نتيجة للخلل الواقع بغلالة الأوزون المحيطة بالغلاف الجوي للأرض. وهذه فكرة دهان جديد, توصل إليه الدكتور جون بويليك, من مدرسة الطب في (ييل), الذي اكتشف مادة شبيهة بالصبغ الأسود الطبيعي الموجود في جلودنا (الميلانين), والذي يحمينا من التأثير الحارق لأشعة الشمس. تضمن تلك المادة لمستخدميها الحصول على اللون البرونزي المطلوب, وتوفر للجلد حماية من السرطان. وقد وجد الدكتور بويليك المادة الجديدة في عصارة نوع من نبات الصبار, وهي قادرة على امتصاص مستويات عالية من الأشعة فوق البنفسجية, فتمنع تأثيرها المدمر للمادة الوراثية في خلايا الجلد.

ويجري الآن استكمال التجارب لإنتاج الدهان الجديد, بعد أن يتم التعرف على التركيب الكيميائي للمادة شبيهة الميلانين, وتخليقها في المختبر. والمنتظر أن يجد المصطافون هذا الدهان في الصيدليات, هذا الصيف.

 

رجب سعد السيد







فقد الشاطئ دفاعاته الطبيعية فاقتحم البحر المتربص اليابسة!





 





 





 





 





تتطلع الإسكندرية إلى بحر بلا مشاكل... بحر نظيف!





بقعة من شعاب الحاجز المرجاني العظيم