رحلة أولى... رحلة أخيرة أشرف أبواليزيد

رحلة أولى... رحلة أخيرة

شعر

مِخْلاة ٌ فوقَ الكتفِ الواهن
دربٌ يتوزَّع بين الشمس وظلك
يملأ القيظ ساحة القلب سرابًا:
حولك صورٌ وحكايات سقطتْ من غربال الوقت
مثل حصاةٍ تحتَ لسانِك!

أيها العطشان وحدك;
تتأمل صورتها تغسل يدَها في نهر حياتك.
أيها الغجري المنبوذ تحت جناح عقاب ينتظر سقوطك.
أيها العاشق,
ماذا يبقى لك غيرُ الأغنيات
ترددها النسوة يوم رحيلك,
وبيت شعر تكتبه فتاتك فوق الشاهد الحجري
بعد أن تبكي قليلا?
تبكي حتى تسكنَ عند الغسق
مركبة النسيان!

مثلكَ ألفُ بدويٍّ عَبَرُوا الفلاةَ
مثلكَ انطفأت مصابيحُهم تحتَ النجوم
لمْ تتركْ أثرًا لهم الرياحُ
لم تتركْ لهم السماءُ غيمًا يظللُ أسماءَهمُ المنقوشةَ فوق الرمال
طارت الأوراقُ
توزعت في كل كهف وقلب,
وبقيت الصحراءُ والعقبان!
على بوابة المدينة السحرية
سألتْكَ إجاباتٍ لا تعرفها:
عن اسْمكَ سألتك..َ
عن عمرك فيم أنفقت..
قلت لها: لم أولدْ بعد!

تركتك لترعى قطعان الوحشةِ
حتى أرسلت الذئاب على أثرك,
خارج سور الأمل!
الليلُ لكْ.. والنهارُ لمن?
البردُ لك.. والربيعُ لمن?
الجمرُ لك.. والتمورُ لمن?

يهتزُّ الجبلُ الضاحكُ
يرسلُ لكَ صبَّار يديه ويصنع
من صلصال الحب
كهوفاً ومغاراتٍ أبدية!

سربُ الطير الجارح يمضي
مثنى , مثنى!
القطعان الوحشية تمضي
نحو سفينة نوح
مثنى , مثنى!
القمم الحجرية تبدو في عينيك
مثنى , مثنى!
وحدُك في بحر الرمل وحيد
وحدَك وحدَك!

تنبت فوق الجسد المنتظر عقاربُ
من رمل وخيال
تأكل منكَ ما أبقتْه الغربة فيكَ
تنحسرُ النظراتُ عيوناً من ضوءٍ كاذب
تكبرُ أشجارُ دموع تروي الجسدَ الذابل
في ركن من الصحراء مظلم
من أغلق بابَ الواحةِ دونك
من رَدَمَ عيوناً ظلتْ تجري ألفَ عام وعام?!
لا أحد يجيبك!

معًا كنتما على سطح منزل من أوراق التين
معًا في الليل وحيدان
معًا ولم تكونا معًا.

المرآة تنادي وأنتما غائبان غارقان
في صوت مياه نهرين بعيدين.

تتأمل ساعتها فتهرول
تاركة صندلها الذهبي على عتبة قلبك.

لم يبقَ على جدار الوقت
غيرُ إطار لصورةٍ قديمة
لم يبقَ في الغربال ماءٌ
الحقيقة ابنة السراب.
البداية أُمُّ النهاية!
تلعب بكَ الكلماتُ أم تلهو بها?

يمضغ أذنيك الصوتُ الحادي من بعيدٍ:
الرحلة الأولى
هي الرحلة الأخيرة!

 

أشرف أبواليزيد