قصتي مع الكتابة كوليت الخوري

قصتي مع الكتابة

طوال حياتي ما استطعت أن أقدم شهادة عن نفسي.

بل أنا لا أعرف أصلاً ما معنى أن أقدّم شهادة عن نفسي!

ويهوّنون الأمر عليّ... ويقولون:

(- إذن حدّثينا عن تجربتك مع الكتابة!) وأقف مذهولة حائرة! وهل حكايتي مع الكتابة... تجربة?

أكلّ هذه السنوات المطرّزة بالحروف, والمنسوجة بالأفكار والفيّاضة بالأحاسيس... والمتناثرة حكايات...أكلّ هذه السنوات التي هي عمري...تجربة? وهذه الدرب الصعبة الوعرة التي قطعتها...

بسمة تَغْرَقُ في دَمْعة... وضِحكةً تَخْنُقُها غصَّة...

وثَانيةً تتعارض مع ثانية... وخطوةً تسابق خطوة..

... بين الزهور والأشواك... وتحت الشمس وفي العتمة...

ورغم الصواعق والعواصف والضباب... أهذه الدرب بطولها وعَرضها... تجربة??

حكايتي مع الكتابة لم تكن في يوم من الأيام... تجربة! إنها قصة حياتي..

وقصّة حياتي طويلةٌ عريضة مليئة...

ومن الصعب جدا بل من المستحيل أن أحشرها في شهادة محدودة!

قصة حياتي هي الشهادة على عصر بكامله... فكيف أسجنها في مقالة?

ويعودون بالسؤال:

(أخبرينا إذن لماذا تكتبين?)...

وتتراقص الأجوبة أمامي ولا أعرف أيها أختار...? فأنا لا أعرف أيها الصحيح?

لماذا أكتب?

ربما لأن القدر شاء لي أن أولد في بيت مفروش بالكتب والمجلاّت... مطلوسة جدرانه بالرفوف والكلمات ممزوج فضاؤه بالشعر والأفكار...

وكان كل من حولي يكتب.. حتى أنني ظننت الكتابة جزءا من الحياة اليومية... وكتبت أنا أيضا...!

وربما لأنني عندما جئتُ إلى هذه الحياة صرخت مثل كلّ الناس... وعندما فتحتُ عينيّ للنور تمنَّيت أن تستمرّ صرختي حتى هذه اللحظة...

لكنّني نشأت في بيت عريقٍ في السياسة مفعمٍ بالأدب...

يؤمن بالحوار والمناقشة والحجّة والإقناع... ويعتبر الصراخ ضعفاً وقلّة تهذيب...

ولما كنتُ ابنة هذا البيت... ومتشربةً آراءه...

وكنتُ في الوقت ذاته في حاجة ماسّة إلى الصراخ... فقد صرختُ إنما.. بأصابعي!!

وكان الورق الأبيض ومازال خير صدرٍ يحتضن صراخي...

وربما أنا أكتب لأنني أخاف الموت...

هذا الشبح الماثل هناك في نهاية الطريق والذي يتوعّدني...

أنا أتحدّاه بحروفي... وأحاربه بالكتابة.. وأجد نفسي سعيدةً وأنا أتوهّم أنني بهذه الأسطر المضاءة بالكلمات... سأطيل حياتي قليلاً...

* * *

وهناك الكثير من (الربما)!

إنّما المهم في هذا الموضوع... بل الأهم والمؤكد هو أنني أكتب!

وأن الكتابة هي هذا الأنا الآخر... الأنا الحيّ الذي لا أستطيع الانفصال عنه!

هي صديقتي القويّة... التي تؤنسني لحظات الوحدة... وتشدّ أزري فترات الشدّة.. وتعمّر لي عالماً دافئًا... أيّام الغربة... وتكون خلاصي... في مراحل الرمال المتحركة... الكتابة توأمتي النابضة... فإذا ما تخليت عنها يوماً... انتهيت!.

 

كوليت الخوري 




كوليت الخوري