المخ الكوكبي.. إذ يصبح الحلم علماً شوقي جلال

المخ الكوكبي.. إذ يصبح الحلم علماً

يعتبر القرن العشرون علامة فارقة لتحول كيفي مثير في تاريخ الإنسانية وكوكب الأرض. إذ تحققت إنجازات علمية وتكنولوجية فتحت آفاقًا مذهلة للتقدم, وتمثل نذيرًا بأخطار مروعة تصل إلى حد إفناء الكوكب.

امتلك الإنسان, أخيرًا, قدرات فكرية وإمكانات مادية غيرت من أسس نظرته إلى العالم ومن طرائق تفكيره, بل وهيأت له فرصًا لتحقيق أحلام راودته منذ أقدم العصور فإذا بها توشك أن تصبح حقيقة واقعة بعد أن ظلت دهورًا حلما بعيدا يحتل بؤرة معتقدات مفارقة. ولعل من أهم هذه الأحلام وحدة البشر في كيان مجتمعي كوكبي, ووحدة العقل البشري في عقل كوكبي محيط بكل معارف البشر وحاكم لمعايير سلوك البشر, ووحدة البشر والكون.

وعرف النصف الأول من القرن العشرين عالِمين صاغا رؤية تتسق مع هذا الحلم. الأول عالم روسي يدعى فلاديمير إيفانوفيتش فرنادسكي, والثاني قسيس وعالم فرنسي اسمه بيبر تياردي كاردان. راود الاثنان حلم مشترك تأسيسًا على دراستيهما وإن اختلفت موضوعًا. فرنادسكي عالم بللوريات وجيولوجيا وجيوكيمياء, وهو مؤسس كيمياء الجغرافيا الحيوية التي كشف فيها عما سماه المحيط الحيوي, أي عملية تشكل الغلاف الحيوي لكوكب الأرض بفعل المادة الحية وما تمتصه من طاقة كونية, ثم تطور هذه العملية وتصاعدها في تسارع مذهل بفعل الإنسان ووتيرة تطوره المتصاعدة. وبيبر تياردي كاردان قسيس يسوعي في أول حياته, درس الفلسفة والعلوم الطبيعية وأصبح من أشهر علماء الإنتروبولوجيا الإحاثية (في الحفريات والأشكال البدائية للحياة). ورأى العالمان أن من المحتم انتقال المحيط الحيوي مستقبلاً إلى حالة سمياها (المحيط العقلي) حيث يكون النشاط الإنساني هو القوة الأعظم المؤثرة في الكوكب وفي تطوره. وهذا بشير ونذير يوجب تحكم العقل في علاقة الإنسان بالكوكب وفي فعل وأنشطة الإنسان على ظهر الكوكب والتحكم في العلاقات بين المجتمعات التزامًا بمذهب إنساني عقلاني.

البيولوجيا والاتصالات

جاءت هذه الرؤية وليدة تطورات مهمة وواعدة في مجال العلوم الطبيعية بعامة ومن أهمها البيولوجيا والحفريات. ولكن شهد العقدان الأخيران من القرن العشرين تطورًا مذهلاً ومتسارعًا في مجال آخر تولدت عنه رؤية جديدة تتسق مع ما سبق أن أخذت منحى مغايرًا. وتمثل هذا التطور في علم الاتصالات وأثر ذلك في مستقبل البشرية والاحتمالات الواعدة. ويمثل هذا التطور منذ بداياته وفي تطوره المتسارع إنجازات تحقق حلمًا داعب خيال الإنسانية منذ أقدم العصور, وهو افتراض عقل إنساني حاكم محيط بكل المعارف البشرية ومرجع لها. هذا هو حلم نشوء عقل كوكبي أو المخ الكوكبي كما يفضل أن يسميه العلماء المشتغلون في مجال دراسته.لقد اعتاد الناس تشبيه المجتمع بأنه منظومة تشبه جسم الإنسان الموحد إحساسًا وتفكيرًا, له أعضاء حس متآزرة تستقبل الإحساسات, وتصدر ردود الفعل في ظل مخ له الحاكمية والقدرة على إدراك وفهم وتوجيه الأحاسيس والسلوك والفكر وضمان تكامل الذاتية. ومع تطور الاتصالات تجسدت ذروتها المرحلية في صورة الكمبيوتر والشبكة العالمية (الإنترنت) عاود الحلم خيالات علماء كثيرين ولكن على أسس جديدة تؤسس الحلم في صورة واقع افتراضي على طريق التحقق يقينًا.وظهر علماء عديدون يعبرون عن الدلالات المستقبلية لهذا التحول واحتمالاته. نذكر من هؤلاء:

عالم الكمبيوتر الروسي فالنتين تورشين الذي طبق مبادئ علم التحكم عن بعد (السيبرنية) لتحليل هذا التطور واحتمالات تحول منظومة المجتمع إلى منظومة عليا وهي مستوى أعلى من التعقد يوحد جميع المنظومات الأدنى مستوى.

ورأى أن البشرية بصدد تحولها إلى منظومة عليا, أي إلى كائن فائق ناتج عن تنامي الروابط التي تربط بين الأجهزة العصبية لأفراد البشر.ونذكر أيضًا عالم البيولوجيا الأمريكي جريجوري ستوك الذي أكد تزايد عملية الترابط بين الفرد والآخرين بفضل التطورات التكنولوجية. وقال: سوف تتحول الإنسانية إلى ما يسمى الإنسان الأعلى هذا الكائن الفائق الجديد.

وتحدث عالم المستقبليات جو ويل روزناي عن نشوء كائن حي فائق يسميه (السيبيون) وهو كائن ذو مخ كوكبي. ويرى أن تحقق هذا الكائن الفائق بات وشيكًا بفضل الإنترنت ومختلف تكنولوجيا الميديا المتعددة. وسبق أن حدثنا أيضًا جيروم كلايتون جلين في كتابه (مستقبل العقل) عن الإنسان التقاني أو الإنسقاني الذي يتوحد فيه الإنسان والتكنولوجيا الواعية. ويتحدث كثيرون الآن عن سبرجة الإنسانية أي ظهور السيبورج وتطور التكنولوجيا الواعية. وسوف يؤدي هذا إلى ظهور كائنات بشرية فائقة.

واقترح عالم الرياضيات الأمريكي بن جويرتسل استخدام الشبكة العالمية لتكون مركزًا لتوزيع المعرفة على نطاق العالم. وطرح في دراساته مفهوم (المخ العالمي وهو مركز ذكاء مكثف مواز للشبكة العالمية الذكية).

الشبكة والمخ

ويتزايد الآن أعداد من يلحظون أوجه التماثل بين الهياكل الشبكية المعلوماتية الدينامية للإنترنت, خاصة الشبكة العالمية من ناحية والمخ البشري من ناحية أخرى. ويؤكدون الصورة المجازية التي تصور المجتمع جسمًا فائقًا حيث قنوات الاتصال تؤدي دور الأعصاب وتنقل الإشارات بين مختلف الأعضاء والعضلات. وتشكل الأعصاب في الأجسام أو الكيانات الأكثر تقدمًا شبكة اتصالات معقدة ومتداخلة الخيوط, وهي بمنزلة المخ حيث تتوحد مجموعات الإشارات الواردة وتجري معالجتها والاستجابة لها.

أكثر من هذا أن مختلف العقد أو مواضيع ومنابت الوصلات للشبكة الرقمية التي تحكمها أجهزة الكمبيوتر تسمح بمعالجة معقدة للبيانات المتجمعة مما يعزز وجه التماثل بين الشبكة والمخ. وأدى هذا إلى تصور مجازي لشبكة كمبيوتر باتساع العالم تكون بمنزلة (مخ كوكبي).

وأبرز الأسماء المعنية بموضوع المخ الكوكبي في ضوء تطور مجال ميديا الاتصالات هو العالم الفيلسوف فرنسيس هيلغين من بلجيكا. ولد عام 1961 في مدينة فيلفورد ببلجيكا, وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة بروكسل الحرة. بدأ حياته باحثًا في الفيزياء تستحثه رغبة عارمة لفهم أساسيات الكون والقوانين الفيزيائية والفلسفة التي وراء انتظام حياة وسلوك عناصر الكون, ألحت عليه طموحاته الفكرية التي شغلته مدى حياته. وازداد اقتناعًا بأن شبكات الكمبيوتر المعقدة ذاتية التنظيم أسلوب صائب تمامًا ومهم للغاية لفهم الكون باعتباره فيزياء أو مينا فيزيقًا.

أسس هيلغين مع كوكبة من علماء متميزين في عام 1989 مدرسة تحمل اسم (مشروع المبادئ الأساسية للسيبرنية) وهدفها حشد وحفز طاقات مجموعة من العقول لمتابعة دراسة تطبيق النظرية السيبرنية على منظومات الكمبيوتر الحديثة. وأدى ظهور الشبكة العالمية - الإنترنت - إلى دفع بحوث هذه المدرسة خطوات بعيدة إلى الأمام. ورأوا أنها تمثل الوسط المثالي لتطور الجيل التالي للتفكير في الحياة والكون, وللتفكير في كل شيء. العقل والمجتمع والإنسانية بعامة واحتمالات المستقبل.

وغير خاف التطور المطرد لشبكة الإنترنت, وكذا تطور هيلغين ومدرسته ومشروعه. أجرت المدرسة تجارب عديدة على منظومات شبكية حيث يمكن إنشاء أو تدمير أو تقوية أو إضعاف حلقات وصل وكشفت لهم تجاربهم أن هيكل شبكة الوثائق يتحول تدريجيًا ليمثل الأفكار والمعتقدات الجمعية لمستخدمي الشبكة. وتبين لهم من خلال تجمع وتفاعل أفكار المستخدمين عبر الوثائق أن بالإمكان الوصول إلى الحقيقة من بين ما بدأ في ظاهره أول الأمر شواشا أو خليطًا, إذ من خلال توافر الإضافات يزول الخطأ ويتأكد الصواب.

وأسس هيلغين عام 1996 (فريق المخ الكوكبي) ويمثل هذا محفلاً للمناقشة على صعيد دولي. ويضم في الأساس العلماء الذين شغلتهم فكرة ذكاء شبكة الإنترنت, ويجري بينهم حوار في هذا الشأن عبر البريد الإلكتروني. ولم يتجاوز عدد هذا الفريق أول الأمر عشرة علماء ثم أخذ في الزيادة المطردة بعد أن حازت الفكرة قبولاً. وتناولت المناقشات قضايا عديدة فنية واجتماعية لعل من أهمها مسألة (الحرية) كما يقول هيلغين - وهل سيؤدي ظهور شبكات اتصالات وكمبيوتر شديدة التعقد وتشبه المخ على مستوى الكوكب إلى حرمان البشر من الحرية? وهل سيزيد الاعتماد المتبادل بينهم? وفي أي سياق أو مبادئ تنظيمية ملزمة?

يقول هيلغين إن الشبكة العالمية الراهنة التي تعرض المعلومات المتاحة لدى الإنترنت تماثل من أوجه عدة المخ البشري. وأن من المحتمل أن تصبح كذلك بشكل كامل مع تطورها. إننا إذا تصورنا المجتمع جسمًا فائقًا فإن شبكة الاتصالات تقوم بدور المخ لهذا الجسم. حقًا هذه صورة مجازية ولكنها تطورت لتصبح الآن نموذجًا لتصميم شبكة كوكبية ذكية. وسوف تعمل الشبكة العالمية من خلال بنيتها المعمارية المؤلفة, من الميديا المتشعبة والمنتشرة في كل أنحاء العالم.

ويعرف هيلغين (المخ الكوكبي) بقوله: (هو الاسم الذي نطلقه على الشبكة الذكية المستحدثة والتي تضم البشر جميعًا على ظهر الكوكب هم وأجهزة الكمبيوتر وحلقات الاتصال التي تربط بعضهم ببعض. وتشبه هذه الشبكة المخ الحقيقي من حيث شدة التعقد وأنها منظومة ذاتية التنظيم تعالج المعلومات وتتخذ القرارات وتحل المشكلات وتتعلم ارتباطات جديدة, وتكتشف أفكارًا جديدة).

وسيقوم هذا المخ أو الشبكة بدور الجهاز العصبي الجمعي للبشرية كلها. ولن يتحكم فيها شخص أو تنظيم أو كمبيوتر, وإنما عمليات (الفكر) الخاصة بها ستنتشر لتصل إلى جميع العناصر المكونة لها.

وتمثل شبكة المعلومات على سبيل المجاز المخ الكوكبي الممتد إلى الأفراد والأجهزة في كل أنحاء الكوكب عبر قنوات اتصال تشبه الأعصاب وحلقات وصل تشبه العقد في الجهاز العصبي التي تنبع منها وصلات متشابكة ومتشعبة. وهكذا تمثل المجتمعات في هذه الحالة, وبفضل هذا التعقد, والمخ الكوكبي كيانًا أعلى كوكبيًا, وتمثل عمليات معالجة المعلومات داخل الشبكة عقل هذه المنظومة العليا حيث الناس بكل ما لديهم من أجهزة وأدوات وقدرات.. إلخ, هم جسد هذا الكيان الأعلى.

وسوف تتوافر لهذا المخ الكوكبي - الشبكة العالمية - آليات جديدة موازية لآليات عمل المخ. نذكر من ذلك نشوء ذاكرة اقترانية أو ترابطية. ويمكن لهذه الذاكرة الترابطية أن (تتعلم) عن طريق تقوية وتعزيز الحلقات التي يتكرر استخدامها كثيرًا.

وسوف تتوافر آلية لاستعادة المعلومات والتنشيط المنتشر عن طريق ما يسمى وكلاء البرمجيات وهي عناصر برمجية صغيرة تقوم بمهمة البحث واستثارة مراكز أو عقد الوصل للنص المتشعب خلال أداء مهمة البحث والاكتشاف بحثًا عن إجابة عن موضوع أو سؤال. وسوف يتيسر هذا إذا صيغت الشبكة (سيمانطيقيا) أي ربط حلقات الوصل بأنماط متميزة محددة المعاني والدلالات. إذ إن هذا من شأنه أن يزيد من القدرة على توجيه البحث الوجهة الصحيحة.

وسوف تشبه الشبكة في هذه الحالة شبكة سيمانطيقية أي منظومة دلالية مبنية على المعارف, وقادرة على صوغ استدلالات ذكية للإجابة عن موضوعات البحث المعقدة تأسيسًا على كلمات مفاتيح مقترنة بدلالات وثيقة الصلة. وإذا عرفنا أن جميع المعارف البشرية, حسبما هو مفترض واقعيًا, ستكون مودعة في الشبكة العالمية فسوف يكون بالإمكان تنظيم هذه المعارف في صورة شبكة ترابطية دلالية أي سيمانطيقية.

مثال ذلك إذا ذكرنا كلمة (كلب) مقترنة بعبارة (أمراض الحيوانات الأليفة) ستعرض الشبكة الذكية قائمة بالأمراض مما ييسر للباحث معرفة حالة مرضية بذاتها وعلاجها. وهكذا سوف يتسنى للشبكة قدرة على حل المشكلات المعقدة وعلى (اكتشاف المعرفة) بحيث تسمى منظومة عقلانية عليا, أي قادرة على أن تخلق تلقائيًا مفاهيم وقواعد ونماذج جديدة. وهذا من شأنه أن يجعل تفكير المرء عبر الشبكة أكثر ثراء ومختلفا كمًا وكيفًا عن الفكر البشري المعتاد.

بنية عصبية واحدة للبشر

ستحقق الشبكة المفكرة دمج أفراد البشر في كيان جمعي فائق, وذلك باعتبارها الجهاز العصبي الفائق لهذا الكيان, وسوف تنشأ آليات عديدة تكفل سرعة التفاعل بين الأفراد مع الشبكة, وبين الأفراد ذواتهم من خلال الشبكة. ويضاعف من سرعة تحقق هذا الإنجاز سرعة انتشار آليات الاتصال اللاسلكية وأجهزة الاتصال المحمولة لتكون أداة ربط بالشبكة من أي موقع في العالم. هذا علاوة على كونها أداة اتصال مباشر بين المخ البشري والشبكة.

وجدير بالذكر أن ثمة تجارب الآن, كما يقول هيلغين, يمكن للناس من خلالها توجيه الصور على شاشة الكمبيوتر عند مجرد التفكير فيها. إذ تصدر موجات المخ مقترنة بالأفكار المتحركة (مثل (فوق) و(تحت) و(شمال)... إلخ), ويمكن أن تسجلها أطراف حسية وتفسرها البرامج العصبية للشبكة ثم تترجم إلى أوامر ينفذها الكمبيوتر, وسوف تتعلم الشبكة العصبية التفسير الصحيح لأنماط موجات المخ المسجلة. كذلك سوف يتعلم مستخدم الكمبيوتر عن طريق التغذية الحيوية المرتدة كيف يركز أفكاره بحيث تكون مفهومة للكمبيوتر.

وثمة نهج آخر مباشر أكثر نجده في البحث عبر المشترك العصبي. إذ يجري تصميم رقائق إلكترونية يمكن زرعها في جسم الإنسان وربطها بالأعصاب لتسجيل الإشارات العصبية. وهذه هي الصورة ذاتها للإنسقان أو الإنسان التقاني (السيبورج). وهكذا لن تكون هناك حدود فاصلة حقيقية بين عمليات الفكر الباطنية والخارجية, إذ يفيض كل منهما بشكل طبيعي تجاه الآخر. ويكفي هنا أن ترد الفكرة على خاطر الإنسان (مثل فكرة كلب يلعق المرآة) لكي نرى ونقرأ تفسيرا لها على الشاشة.ويحمل المستقبل احتمالات تطور مذهلة تتجاوز كل أحلام الماضي. وأصبح الهم الأكبر الذي يشغل بال كل ذي عقل مفكر وصاحب رؤية إنسانية صادقة.. ماذا بعد? وما المصير? وماذا عن أخلاقيات ومبادئ السلوك بين الأفراد وبين المجتمعات داخل هذا الكيان الكوكبي الفائق? وماذا عن مبدأ صراع الوجود والأيديولوجيات? وكيف نخضع نحن البشر المحيط الحيوي لمحيط عقلي, أي لحكم العقل والمنطق? ومامصدر هذا العقل والمنطق وقوة الإلزام?

العالم الآن بحاجة ملحة إلى استراتيجية كونية للإنسانية على قدر تنامي وتطور فعالية وطاقة المخ الكوكبي قرين فهم جديد لمعنى ولدور الإنسانية ومسئولياتها عن وحدة البشرية وعن مصير الإنسان والكوكب. ما معنى وإمكانات الارتقاء الحضاري والكمال الإنساني ومعايير ذلك? وغيرخافٍ أن نشوء المخ الكوكبي له دلالاته الفلسفية وآثاره في التعليم وفي معنى الدولة والفرد,ومعنى الصراع الأيديولوجي وحدود هذا الصراع وهدفه, ومعنى الجماعة وضرورتها كإلزام خلقي. وأكثر من هذا سوف يتغير معنى ومسار واحتمالات الانتخاب الطبيعي والانتخاب الثقافي وآلياتهما. ويبرز سؤال إلى أي مدى يكون المخ الكوكبي أداة لاكتشاف الصدق أو للتلاعب بالعقول?

بشائر ونذر

ما يجري ليس سوى البداية لمرحلة تحول جذري للبشرية. مرحلة سوف تتشابك وتتداخل فيها بلايين عقول البشر في منظومة واحدة تضم كوكب الأرض في ظل أداة جهاز عصبي واحد ووعي جماعي كوكبي.

البشرية على أعتاب أخطر وأعظم قفزة في تاريخ تطور الأنواع. وشهد تاريخ النوع البشري صراعات بين جماعات النوع الإنساني منذ ظهور الإنسان الجنوبي (الاستراليتش) منذ أكثر من 2.5 مليون سنة. وشهد انتصارًا واطرادًا لتطور المنتصر الأقدر على التكيف. ونسأل, ترى هل البشرية على أعتاب حقبة تطور جديدة تزيح معها وبها بعض جماعات النوع إلى الخلف, إلى عصر يسمى فيما بعد (ما قبل المخ الكوكبي) ويطّرد تقدم البعض الأقدر على الإبداع والإنجاز والإنتاج والمنافسة والصراع بأدوات العلم والتكنولوجيا?

إن المخ الكوكبي أو الشبكة العالمية تعتمد على الأخذ والعطاء المتبادلين وعلى التغذية المرتدة بين أطرافها. وليس بإمكان أحد, فردًا أو مجتمعًا, أن يعيش مجرد عالة عليها, عاطلاً منها, وعاطلاً من القدرة على الأخذ ناهيك بالقدرة على التطوير والعطاء, ويبرز هنا بإلحاح سؤالان:

هل ستكون السيادة للعقل, وينتصر المحيط العقلي على الغرائز القابعة في أعماقنا?

وماذا عن العاطلين في مجال إبداع العلم والتكنولوجيا حتى مع التسليم بسيادة عقل جديد

 

شوقي جلال