فنانو الكويت في القاهرة صالح رضا

فنانو الكويت في القاهرة

أقام فنانو الكويت في القاهرة معرضا ضم نماذج من أطياف الفن التشكيلي في الكويت وتعبيرا عن غنى وحيوية الفنانين الكويتيين.

الحركة الفنية التشكيلية الكويتية, منذ نشأتها الأولى, شوهي مازالت تبحث عن مناضلين من الطراز الأول, لتحقيق التلاحم مع الحركات التشكيلية العربية الأخرى, من هنا كانت أهمية اللقاء في القاهرة, وترتبط الحركة الفنية التشكيلية في الكويت مع مصر على أساس محورين:

- المحور الأول: وهو الربط العقائدي, والتاريخي.

- المحور الثاني: وهو المحور السياسي والاقتصادي, والاجتماعي.

ويتركز المحور الأول حول العلاقة التاريخية العقائدية, التي تربط الشعبين بهذه القيم, والوصل الحضاري منذ التاريخ القديم إلى يومنا هذا. ولاشك أن العلاقة بين مصر والكويت, هي علاقة حضارية متميزة منذ فترة طويلة, وقد تعرفت مصر على فنون وثقافة الخليج. وإذا كانت هذه الفنون قد تأثرت بالركب الحضاري الملاصق لها, مثل الدولة الفارسية القديمة, والهندية, فإن هذا التأثر كان مجردًا من أجل التأثر ببعض جزئيات وتفاصيل هذه الحضارات. هذا من جانب, ومن جانب آخر هذا الالتحام البشري بين الدولتين, وأعتقد أن التحضر هذا هو الذي ساعد على وجود بوادر لحركة تشكيلية متميزة.

والحركة الفنية التشكيلية الكويتية, منذ نشأتها الأولى, وهي مازالت تبحث وتناضل من أجل أن تصنع نفسها, وتضع قدميها على أعتاب الحركة التشكيلية العربية.

وكما سيظهر لنا بعد ذلك من جيل الشباب, الذي يمكنه أن يجعل التطور أساسًا له, فإن هذا النضال البشري من فناني الكويت, كان نضالا متأثرًا بالظروف التأسيسية التي استقلت خلالها دولة الكويت. وفي هذه البداية لم تكن لدى دولة الكويت معاهد للفن بمفهومها السليم, مما أدى بكثير من فنانيها إلى الالتجاء إلى مصر لدراسة الفن فيها. ثم صعدت موجة أخرى من الالتجاء إلى دراسة الفن في أوربا, وساهم حصاد كلتا الطريقتين في تأثر الحركة المصرية نفسها بالتفكير الأوربي عندما كانت دراسة الجيل الأول, دراسة أوربية محضة, مما أدى إلى تعطيل الحركة الفنية, حيث إنها لم تمس المشاعر الشعبية التي كانت سائدة في هذا الوقت, وبذلك تكون الحركة التشكيلية المصرية قد أصابها التعثر, لعدم فهم وإدراك الأحداث المتناقضة في أكثر البلدان العربية, وقد وقع المجتمع كله في براثن الاستعمار, ورغم المحاولات العديدة التي تعرض لها الشعب المصري - مع عمق تاريخه الطويل - استطاع أن يحقق انتصاره على هؤلاء الغزاة, بتحرير أرضه وبنائه الاجتماعي.

أما المحور الثاني فيتركز على فترات الدراسة والتحصيل للفنانين الكويتيين, الذين تأثروا بالظروف التي استقلت فيها دولة الكويت, وقد درس الفنانون الكويتيون في مصر بداية من الخمسينيات والستينيات. وكلنا يعرف أن الحركة التشكيلية المصرية قد غيرت في مسيرتها نتيجة للأحداث التي أثرت في الحركة التشكيلية, مع اتخاذ مفاهيم جديدة طبقًا للأحداث السياسية والاقتصادية, وهذا التغير حدا الحركة التشكيلية على اتخاذ أشكال شعبية ونمطية في بعض الحالات, وتأثرها الكبير بالمدارس وجيل الرواد الأوائل, الذين أثروا في المنطقة العربية كلها.

منبع واحد

كما أن بعضًا من الفنانين الكويتيين درسوا في بلاد أوربا, إيطاليا وفرنسا, وغيرهما وشاركوا في المنبع نفسه الذي استقى منه الفنان المصري وتأثر به كل التأثر, أي أنهم درسوا الدراسة الأكاديمية نفسها واستقوا من المنبع الدراسي نفسه, مما أدى إلى توحيد الاتجاهات بين الفنان المصري والفنان الكويتي. هذا اللقاء المعرفي, هو من أهم عوامل التكامل المعرفي والالتقاء الحضاري المستمر, هذا إضافة إلى أن القضية العربية برمتها مازالت تستحوذ على الكثير من مشاعر الأمة العربية, مما أدى أيضا إلى التوحد الفكري والنضالي, من أجل استعادة كرامة الأمة وحضارتها. ومعركة الفن التشكيلي الحقيقية, هي بناء الإنسان من أجل النضال الأكبر لتحرير العقل العربي من العبودية والقصور الذهني, الذي يعطل النمو الاجتماعي والاقتصادي, ومحاربة استبعاد الفنان العربي من قضية الكرامة وحرية الإنسان, من منطلق أن الفن ليس هو هذا الهرج الثقافي الذي أحيانا تعتمد عليه الدولة في الحفلات التي تقدمها, لكي تحقق مكاسب سريعة, إذ إن هذا ليس له في الفن دخل ما!

وكثير من هذه الملابسات, اعترى الحركة التشكيلية المصرية المعاصرة من اتجاهات عدة على مدى قرن من الزمان, وأخذ ثوبًا أوربي المنهج, وتأثرت الحركة التشكيلية الكويتية بهذا المنوال نفسه لمدة أكثر من نصف قرن من الزمان, شأنها في ذلك شأن غالبية الدول العربية, ومازال الفنان المصري ينهل من التراث الأوربي أكثر مما ينهله من حضارات التراث القديم التي قبعت على أرض مصر زمنًا ليس بالقصير, وهذا رغم كل ما ينشده الفنان المصري, مثل رواد الحركة التشكيلية القومية: محمود مختار, محمود سعيد, وغيرهما من رواد حركة التشكيل المصري.

إلا أن الحركة قد أخذت دروبًا عديدة للمعرفة الإنسانية للكثير من الحضارات والفنون الأخرى, هذا غير المحاولات التي تبذل في (تقارب الحضارات) نحو التأكيد على الهوية المصرية, ولقد لعب الفن الشعبي دورًا مهمًا في الحركة التشكيلية المصرية حتى وقتنا هذا. والحديث هنا عن الفن المصري لكي نوضح ونؤكد على تأثر الفن الكويتي بالحركة العربية بشكل عام, والحركة المصرية بشكل خاص, حتى نؤكد على هذا الاستمرار والتفاعل الإنساني بين الشعوب بعضها بعضا من خلال هذا التلاقي الحضاري المهم.

الفنان سامي محمد (النحات البشري)

صاحب قضية الاختراق, النحات الذي ينحت البشر ثم يجعلهم دائمًا مخترقين للحواجز والموانع البشرية.

الحرية - الصراعات الإنسانية المأساوية.

والحب - الإنسان والقهر.

والسلام - الجوع والتشرد والألم ليس بعده إثم أو مألوف.

بهذه الكلمات التي كتبها الفنان, معبرة عن كل آلامه إلى درجة المخاض.

أردت أن أعرف النحات الفنان سامي محمد, صاحب الأعمال الإنسانية المأساوية, الإنسان والقهر, صاحب التعبيرات التشكيلية النحتية, الجوع والتشرد والألم, ولا رابع لهم.

والفنان سامي محمد يعرض مع زملائه وتلاميذه في هذا المعرض تماثيل برونزية تعطينا إشارة أو دلالة على وضوح مرامي الحركة التشكيلية الممثلة في رائد النحت الكويتي الفنان سامي محمد.

والفنان سامي محمد, من مواليد 1943 في حي الصوابر (الكويت), وهو يعتبر رائدًا من رواد النحت, وتتمثل في أعماله العلاقات الفنية (الأكاديمية), التي تميزت بالصمود أمام التيارات الفنية الأخرى. ولكن الفنان سامي بوعيه الحضاري لم يخرج عن هذه التعاليم الكلاسيكية التي تحث على التعبير المباشر من أجل إيجاد الحس الفعلي, فعند مشاهدتك لهذه الأعمال, التي يحتل فيها الفنان أوج صراعاته الأبدية, بين حوار العقل, وحوار الحس, تجد أن الزميل سامي تجنب هذا الحوار العلمي بين العقل والعقل, وهو في هذا يكون صادقًا وبعيدًا عن النظرة الحادة الفاقدة الحس الإنساني بجميع أشكاله.

وبمجرد النظرة الأولى للفنان صاحب الكتلة المثقوبة أو المخترقة بفعل فاعل - وليس هذا الثقب ثقبًا جماليًا من حيث التركيبة الفنية - نجد النحات سامي يخترق الكتلة ويصطدم بكتلة أخرى, تاركا وراءه فراغًا لهذا الثقب أو الباب, لكي يمر منه العجزة وغير القادرين على الاقتحام. إن الرؤية السياسية التي تمرس عليها الفنان النحات سامي محمد, ليست وليدة الصدفة, فالاختراق ليس وليد الصدفة, ولكنه أثر فعل قادر على وجود (حدث) زمني يتمثل في هذا الاختراق, والاختراق البشري بالنسبة لأعمال الفنان هو اختراق الزمن الذي هزم فيه الإنسان في أحاسيسه ووجدانه, مما اضطره إلى الثورة على نفسه وعلى كل الحواجز المانعة, التي صنعوها له, وهو معصب العينين مغلق الفم, وأعضاء جسده محاصرة, لكي يأخذوا منه مثالاً صعبًا لمصير الإنسان: الحرية والحب والسلام وكرامة الإنسان.

وقضية الفن التي يثيرها الفنان سامي محمد, لسيت هي هذه القضية التي سقطت عبر التاريخ, ولكنها قضية من أهم القضايا الإنسانية, حول تعذيب الإنسان وتحويله إلى أداة ليست فعالة في داخل الأنظمة الاقتصادية, التي ترى في المادة, التقدم والتطور, صورة من الاستغلال والقسوة على الإنسان. إن الفنان سامي محمد يقدم لنا مرثية من مرثيات الزمن البعيد, قضية كفاح الإنسان من أجل البقاء, قد يكون هذا البقاء هو بقاء البشرية, بعد أن كسر الإنسان الحواجز, ومنها من لم يتمكن من كسره, فأخذها وجعلها بصمة (لثورته وأحاسيسه ووجدانه). والفرق هنا بين الحاجز والمانع, هو انصهار التجربة الإنسانية الكاملة مع التعبير الفني العالي في محتوى البشر بتكاملهم الدفاعي عن الوطن, وبالرغم من أن الفنان سامي محمد لم يضع لنا معالم أو يثير في تعبيره عن مهام الوطن, فإن الصراع المحتدم دائمًا بين السلطة والإنسان, وهو القهر والتعذيب, يعانيه الفنان قبل أن يعانيه الآخرون. إن الفنان الذي يحمل آلام البشر وأحزانهم وكفاحهم, بطل من أبطال صد القهر والظلم عن الإنسان.

إن وظيفة الفنان, هي أن يكون (صادقًا), وأن يحقق للبشرية إنسانيتها. وهذا ما فعله الفنان سامي محمد طوال مسيرته الفنية, في تحقيق هذا العدل مع نفسه أولاً, قبل أن يكون مع غيره. وبذلك يكون أحد الفنانين القلائل الذين ينحون إلى الأعمال الدرامية الكبيرة, ويحضرني أن أشبهه بفنان مصر (جمال السجيني), في مفهوم الصراع الإنساني الأبدي, نحو تحقيق العدالة والكرامة للشعوب المغلوبة على أمرها, ومن ثم فإن هذا التشابه ليس تشابهًا في الشكل الفني بقدر ما هو تشابه في فكرة الصراع الحتمي بين الإنسان وموانعه, التي تضعها أمامه السلطة, لغلقه داخل أطر من السياج, لتعطيل إحساس ووجدان الفنان, والاستخفاف بقدرة الشعوب على الثورة والتغيير.

كما أنه يمكنني الجزم بقوة, أن الفنانين سامي محمد, وجمال السجيني أحرزا احترامًا لفنهما, الذي حاولا فيه اختراق (جدار الأمة المنيع), الذي وضعه صناع الحواجز والموانع, واستطاعا أن يدفعا المجتمع إلى الأمام من أجل الحرية والحب والسلام.

الفنان رضا سالم

الفنان رضا سالم, هو أحد الفنانين المهمين في حركة التصوير الضوئي في الوطن العربي, الذي أكسبه قدرات تعبيرية, فاقت أو تفوق غيرها من فنون التصوير الزيتي, حيث تداخل العوامل (الكيميائية) الحديثة, وطرق الطبع الذي يعلم الفنان رضا سالم كوامن أسرارها, التي ما كانت دائمًا تبوح له بها, وبالرغم مما في هذا الفن التصويري (الآلي) من صعوبات تقنية جمّة, لا يستطيع كل شخص أن يتجاوزها, فالتعامل معها ليس سهلا أو يسيرا, فإن إمكانية الفنان رضا سالم في اجتيازها أمر مهم في انطلاقة هذا الفن القديم الجديد, الذي يستحوذ على الفنان المصور رضا سالم, وهذا يحتاج منا إلى مراجعة كثير من الذين أوحوا لنا بأن (التصوير الفوتوغرافي) ليس فنًآ, يصل إلى مستوى الإبداع الحقيقي الموجود في بعض فروع الفن التشكيلي الأخرى, وعلى الرغم من هذا فقد تبوأ هذا الفن اليوم منذ النصف الأخير من القرن العشرين مركزًا مهمًا في طفرته الحديثة, مؤذنا بعهد جديد لاصطلاحات جديدة, سوف تثري الفن التشكيلي بشكل عام, من منطلق أن الفن هو التعبير الصادق, مهما تغيرت الوسيلة أو الوسيط (Media). الجديد في فن اليوم داخل هذا الصندوق الأسود, الذي أصبح قادرًا على أن يبوح بنفسه ولنفسه بأن فن (التصوير الضوئي) سوف يصبح فنًا من الفنون الأكثر تأثيرًا في الوجدان الإنساني في القرن الواحد والعشرين, ولعل التصوير الضوئي يمكنه أن يعيد لنا هذه الملحمة الإنسانية من داخل هذا الصندوق الأسود ذي الثقب المضيء.

وإذا نظرنا إلى أحد أعمال الفنان رضا سالم, نرى صورة الطائر والرجل ذي الرداء الأحمر, وهو يأتي عليه من السماء غير معلوم الهوية وهو ينحني على فريسته الحمراء, التي تسير الهوينا على أطراف هذا السحاب, كأنك في هذا الفراغ الأبدي, تمشي وحيدًا حائرًا دون صديق, أو منعزلاً عن العالم, تبحث عن أشياء لا تعرفها أو تعلمها, هذه الانحناءة في هبوط الطائر عليه, هي رمز للحنان الحيواني على الإنسان, هذا الرمز الغريب عن الرموز التي تعودناها من أن الإنسان يحنو على الحيوان ويعطف عليه, وهذا عكس ما نعرفه من أحاسيسنا البدائية, إلا أن الفنان رضا سالم, رأى في هذه الصورة, أو التصورية المشبعة بالأحاسيس (الميتافيزيقة) الجديدة, أن يحول الطائر إلى إنسان عطوف لا يعرف الشر والبغضاء اللذين اكتسبهما الإنسان نتيجة لصراعه البشري من أجل البقاء.

وهذا العمل قد يبدو من الوهلة الأولى أنه لا يعني شيئًا, إنما بقدر من التمعن الإيجابي نحو هذه العلاقة الغريبة بين الطائر والإنسان, وإذا نظرنا إلى الشكل التفسيري لهذه الملحمة التي تتصارع فيها قوى الشر وقوى الغطرسة, نرى هنا عكس ذلك, نرى التلاحم البشري مع هذا الطائر (الرخي) الذي كان يعتبر رمزا واضحا في التفكير (الميثولوجي), وقصص ألف ليلة وليلة, عندما يصبح الخيال علمًا من علوم الواقع, نتيجة التكرار في هذه القصص, التي فاقت الواقع بكثير, والفنان رضا سالم يعيد لنا هذه المأساوية التاريخية المخيفة, التي اقتنعنا بها دون علم, حتى كانت هناك أسرار لمجرد أنها سر من أسرار هذا الحوار المتلازم لنا أبد التاريخ الإنساني. ويحضرني قول على ما يجري في عالمنا الحديث من علوم جديدة: لا تستطيع أي قوى بشرية أن تقتل (الحسّ الإنساني) أو الشعور الملتهب عند قرب الحبيب, لا يمكن مهما تقدم العلم أن يكفر بالحس البشري الراقي العظيم, الذي صنعنا منه الأمثال والكتب, التي دائمًا ما تكون في نمط الإنسان غير العادي, حيث ملئت أحاسيس البشر بكل ما هو جديد وثائر على ما حققته رغبة المتزاحمين على مصالحهم, والذين تناسوا رقيق المشاعر التي ينشدها الفنان رضا والتي تتسم بعذوبة التفكير الأبدي نحو أرقى المشاعر الإنسانية المعذبة بأفكارها وأحلامها.

والصورة من حيث التعبير المجازي الفني, تعتبر تخيلاً يفوق الخيال الواقعي, فهي ليست بالخيال وليست بالحقيقة, فهي إطار من شحذ ذاتي للفنان, يصب كل أحاسيسه الوجدانية والعاطفية فيها مرة واحدة, وتستطيع أن تدرك أن التعبير الحسّي عند الفنان رضا سالم, هو تعبير مجازي ليس له بديل آخر, أي بمعنى أن الحس عند الفنان رضا هو ليس هذا الحس الإنساني العادي, الذي يتداوله الإنسان في حياته العامة, ولكن حسّه هو فقط الذي يملكه, فهو مالك لهذا الحسّ البشري (الجمعي), أي أن إحساسه هو إحساس الآخرين, وقد يكون طرح إحساسه بهذا الشكل طرحا متأصلا في الفنان ذاته, لما يملكه من سيولة حسّية طبيعية يختفي وراءها هذا الوجدان والحسّ لرجل الشرق الحالم في طفولته بمستقبل حياة, تندرج داخلها أمة وشعب, في أشد الحاجة إلى أن تستحوذه المشاعر الفياضة في كل جانب من جوانب الحياة, فالحياة تحتاج دائمًا إلى بناء الحسّ العالي, لكي يثري الإنسان داخله بكل المقومات الإبداعية للفنان والفن, وإذا كنا اليوم على أبواب عالم نسمع عنه, فلم يدرج إلى يومنا هذا حس جديد وذو نوعية خاصة, لكي يلهب المشاعر الخفية فينا, ولكي ينير لنا هذا الحسّ ظلام الليل وظلام العقل, وضياع الحسّ البشري العظيم الذي يحمله لنا الفنان رضا سالم بكل الأحاسيس الملهبة والملتهبة بإحساس أمة على أبواب التاريخ.

الفنانة غادة الكندري (المصورة الموعودة)

الفنانة الواعدة غادة, تتميز بأعمالها في التصوير فيما بعد الواقع, وهي تتلاصق مع الفنانة جاذبية سري في بداياتها عن حياة المرأة, وبينما كانت جاذبية سري تتميز بالطفولة البريئة وبخاصة في لعبة (الحجلة), فإن الفنانة غادة الكندري تستطيع أن تدرك بسهولة أن الفنانة لها من المرامي الأخرى التي تنحصر في هذه المجموعات من النساء اللاتي يجلسن جلسات نساء الفنان جوجان, ولكن لسن هن بالشابات كما كان جوجان يستعين بشخوصه من الجنس اللطيف بنات حواء وهن جالسات في الطبيعة يتسامرن, الوضع عند الفنانة غادة يختلف كثيرًا عند هؤلاء النسوة العجزة, اللاتي يجلسن القرفصاء, وهن في حال من الألم يتساءلن ولا يتسامرن, يجلسن في حجرة خالية بعيدًا عن وسائل الحياة, التي تنعم بها المرأة الشرقية عادة, وهنا نتساءل ما المغزى من هذا الاستبعاد لعنصر الرجل, وجميعهن منفصلات يعشن في عالم آخر, غير هذا العالم, لا يوجد حلم لهن أو شعور بالمستقبل من قريب أو بعيد, تظهر على ملامحهن الغربة, أو أنهن مستبعدات من الحياة, إنهن نسوة يغضبن من واقع التعامل المتخلف بين الرجل والمرأة الذي ملأ مجتمعاتنا, وعلى الرغم من أن الفنانة غادة قادرة على الرسم (الأكاديمي), فإنها تركت لنفسها الحرية في التعبير المجازي للتسطيح اللوني, فلم يعد هناك ظلال ونور في رسمها, ولكنها اعتمدت على صراحة اللون, واعتمدت على الوجه في إيجاد بعض التعبيرات, وتحويله من السطح إلى الأبعاد الزمانية, لكي تسجل لهؤلاء الأبرياء نوعًا من الوجوه, التي تتسم بالوجوم أيضًا, وحتى إذا كانت هناك ابتسامة على وجوههم فهي ابتسامة طارئة على الأمل البعيد الذي لم يتحقق منذ زمن بعيد.

كما أن العالم الذي ترسمه الفنانة غادة, عالم في حال الانتظار والترقّب, بعيدًا عن الحلم أو الأمل, فهم في انتظار ما بعد انتظار, آملين في منقذ ينقذهم من شيء هم لا يعلمونه, لأنه شيء بعيد عنهم كبعد الأرض عن السماء, ولأنه ليس هناك سماء, فلن يصلوا إلى بغيتهم البعيدة غير المعروفة, هذا الغموض هو جوهر التعبير عن حال الفن عندنا, حيث إن العدل يذهب ويجيء, إنما سوف تكون السيطرة لمن هم أكثر كفاحًا وليس انتظارًا.

الفنانة جميلة جوهر (خزف ما بعد الحداثة)

يندرج فن الخزف تحت مسميات عدة, منها الخزف الصناعي والخزف الفني وغير ذلك من فنون الصناعة, مثل الأدوات الكهربائية, وغيرها من مستلزمات أدوات النسيج, ومادة الخزف تدخل في كثير من التخصصات الفنية والصناعية.

ولم يكن فن الخزف في يوم ما فنًا من الفنون البعيدة عن رؤية إحساس الجماهير العريضة, ومنذ خلق الإنسان, والخزف - سواء إذا كان فنًا صناعيًا أو فنيًا بحتًا - كان في خدمة الإنسان من الناحية العملية, فقد عرف الإنسان كيف يشرب وكيف يأكل عندما ابتكر أدوات حياته الاستخدامية من الطين وحرقها, وعرف كيف يسويها, لتكون صالحة للعمل وقادرة على عدم امتصاصها.

ومن هنا كان فن وصناعة الخزف, مرتبطا ارتباطًا كليًا بالإنسان وبحاجة الإنسان. إلى أن استخدمها الفنان وسيلة للتعبير, لكي تعبر عن إحساسه من الناحية الجمالية, وخامة الخزف هي المعروفة بالطينة أو الطمي العادي الذي تم استخدامه بدءًا بالمرحلة الأولى, وعندما أصبح هذا الطمى غير قادر على احتمال حرقه أو ندر استخدامه, استخدمت طينات أخرى, لما لها من صفات استطاعت أن تعطي قوة وقدرة استخدامية أخرى, وتنوعت قدرات الخامات في الاستخدام والتعبير في الوقت نفسه.

وبالرجوع إلى أعمال الفنانة جميلة, نرى أنها أعمال تدخل في الإطار التعبيري للفن أو مفهوم القدرات التعبيرية فيما تملكه الطينة أو الخامة من قدرات تعبيرية غير واضحة في بادئ الأمر.

فالتعبير بخامة الخزف يتطلب قدرات إبداعية خاصة للتعبير, وقد اندمجت المدارس الفنية مع قدرات الطينة في حد ذاتها, التي عكست الكثير من روح وفلسفة هذه المدارس على قدرة التعبير. والفنانة جميلة جوهر, قادرة على استيعاب هذه المميزات الجديدة التي طرأت على خامة الخزف, بإضافة التعبير الحر المطلق كوسيلة للتعبير, واستبعاد الوظيفة الخزفية من محتوى صناعة الخزف. ونحن هنا لا نقصد أن ينفرد الخزف بالوظيفة فقط بالقدر الذي يسمح بالتنوع في وسيلة التعبير. ومن هذا المبدأ الذي أصبحت فيه خامة الخزف تمتلك القدرة التعبيرية, استطاعت الفنانة جميلة جوهر أن تعبر باقتدار عن خزف اليوم في شكله الجديد, الذي تتمثل فيه القدرات التعبيرية العالية, وحيث إن الخزف ملون, فقد استطاع اللون أن يقوم بدور مهم في التعبير عن المعنى والدلالة المطلوبين في التعبير, وهنا نرى الفارق بين ما يسمى بالخزف, والتعبير بخامة الخزف, حيث إن المطلوب هنا هو أن تكون أدوات التعبير والخامة على قدرة تعبيرية, حيث إن أي تعجيز للخامة أو تعويق في أدائها يعتبر عجزًا في مفهوم الفنان, وإقلالا من قدراته لمفهوم الخزف الفني الذي يساعد على قدرة التعبير.

الفنان فريد العلي (الزخرفة الإسلامية)

الفنان فريد العلي دخل في خضم معركة لا تنتهي, وهي معركة التراث, التي حارب من أجلها كثير من الفنانين التشكيليين في مصر وفي الأمة العربية, محاولين استرجاع تراثهم, الذي لم يتم التعامل معه سنين عدة, ولا أعتقد أن هناك فنانا أو فنانين لا يروق لهم استخدام هذا التراث العظيم, فنحن لسنا ضد هؤلاء الذين يستحسنون جماليات الخط العربي بجميع تراثه وألوانه الخطية, ولكن نناشد ليس الفنانين التشكيليين فقط بل سائر الناس أن يكون خطهم جميلا ومقروءا في الوقت نفسه, ولا بأس من إقامة نوع من زخارف النباتات أو غيرها حوله, لكي يتم استكمال هذه الخطوط الهندسية المعقدة ذات الصبغة العلمية والهندسية الدقيقة.

كان الفنان (ليوناردو دافنشي) يأخذ هذه الخطوط العربية القديمة ويقلدها, ويحاول اتباع أثرها على قدر ما تمكنه دراسته العلمية لهذه الخطوط المتقاطعة, والمنشأة منها أشكال كثيرة لاتحصى, في محاولة استشفاف هذه العناصر الناشئة من تلاقي الخطوط بعضها مع بعض, ولقد أبرز الفنان الإسلامي في هذه الخطوط الزخارف الناشئة عن فراغات الكتابات وبعض الأحوال الأخرى, نرى هذه الزخارف وهي مجموعة في صحبة جميلة, ولاشك أن الفن الإسلامي يعتبر من الفنون التي أضافت إلى الخط قيمة فنية عالية وجديدة.

ونحن هنا لسنا بصدد الكتابة عن أعمال وحشية أو سريالية, ولكنها صورة من صور الفن التشكيلي المركب بخطوطه الهندسية, والتي تصل فيه درجة الإبداع إلى أعلى مستوياتها العلمية والفنية.أما بخصوص أعمال الفنان فريد العلي فلم تكن في صالحه, حيث إن الأعمال المعروضة في المعرض تنقصها التجربة الكاملة والمحققة للهدف, لأن استخدام التراث ليس بالشيء الهين, وقد يحتاج الفنان فريد العلي إلى أيام وشهور في ممارسة هذا الاتجاه, لإخراج شكل من الأشكال القديمة التي أصبحت اليوم جزءًا من تراث هذه الأمة, كما أنصحه بأن يعيد النظر مرة أخرى حول دراسة مفهوم الفن الإسلامي, الذي أخذ من الشعوب الأخرى وأعطى لها, كما تحتاج منه التجربة الفعلية إلى تضمين هبة الفن الإسلامي وعلى الأخص الخط الإسلامي.

 

صالح رضا 




صورة الغلاف





شريف الشوباشي وكيل وزارة الثقافة في مصر وعبدالهادي الوطيان مدير إدارة الفنون بالمجلس الوطني سابقا والفنان رضا سالم عند افتتاح المعرض





 





تحطيم القيود والسعي للخلاص للمثال سامي محمد





الكمامات لا تمنع صرخة للمثّال سامي محمد





الطائر والرجل ذو الرداء الاحمر ـ حوار للريشة والعدسة لأمين الباشا ورضا سالم





جلوة العروس. من تقاليد الزواج في الكويت للفنانة غادة الكندري





مشغولات من الخزف للفنانة جميلة جوهر





اسم الرسول الكريم وقد أخذ سمة الزخرفة الاسلامية للفنان فريد العلي