إدوار مانيه.. صورة إميل زولا عبود عطية

إدوار مانيه.. صورة إميل زولا

في العام 1866م كتب الأديب الفرنسي إميل زولا مقالة دافع فيها بحماس عن الرسام إدوار مانيه الذي رفضت أعماله في المعارض الرسمية, وأعاد زولا نشر مقالته موسعة في كراس في شهر يناير من العام 1868م, وبعد ذلك بشهر, كان يجلس أمام مانيه ليرسمه في هذه اللوحة عربون تقدير لموقفه.

يصعب تأطير مانيه المولود سنة 1832م في مدرسة فنية معينة, فهو ليس انطباعيًا, وإن كان يستحيل كتابة تاريخ الانطباعية من دون ذكره. كما أنه لا ينتمي إلى أي من المذاهب الفنية الكبرى التي راجت في أوربا خلال القرن التاسع عشر, بل يكاد يكون حالة فريدة من نوعها في ذلك الزمن, لأنه بعد المواضيع المستوحاة من الأدب الكلاسيكي والبطولات البونابرتية عند النيوكلاسيكيين, ومن الشعر المشحون بالعواطف عند الرومنطيقيين, وعلى هامش مجموعة من الرسّامين الأكاديميين الذين كان همّهم مراعاة ذوق النخبة في دولة نابليون الثالث, ظهر رسام أراد أن يكون (واقعيًا).

لو وضعنا جانبًا لوحاته (الفضائحية) مثل (غداء على العشب) و(الأولمبيا) لقلنا إن صور الناس المعاصرين للرسام كانت أفضل تعبير وأصدقه عن موهبته وشخصية أعماله ككل.

أمام صورة إميل زولا يشعر المشاهد أنه أمام الأديب الفرنسي في غرفة مكتبه, يتصفّح كتابًا عن الفن (بدليل الصور الكبيرة المنشورة على صفحاته). وعلى الطاولة يقربه مجموعة كتب في فوضى مدروسة ودواة حبر. وعلى الجدار نسخة من لوحة الأولمبيا, الطريف فيها أنها تلتفت صوب الأديب فيما يبدو عرفانًا بجميل الدفاع عنها, وأيضًا صورة مصارع سومو ياباني يكشف, مثله مثل الستار الياباني, ميل الأديب إلى الحداثة والانفتاح.

ولكننا نعرف مما كتبه زولا نفسه إضافة إلى أسلوب مانيه في العمل, أن هذه اللوحة رسمت في محترف الرسام, وليس في مكتب الأديب, وكل هذه الأشياء الموجودة في اللوحة كانت من (الخردة) الموجودة في الاستوديو. انتقى منها الرسّام هذه العينة ورتبها بما يتلاءم مع شخصية صديقه الأديب, أي أننا أمام (الواقع) كما يمكن أن يكون, ولكنه ليس حقيقيًا, وهنا تكمن أستاذية مانيه التي مهّدت للانطباعيين ومَن تلاهم الطريق إلى التعامل مع الواقع كما هو من دون اكتراث إلى المؤثرات الخارجية ولاسيما الأدبية منها.

بقي أن نشير إلى أن مما كتبه زولا في دفاعه عن مانيه كان الآتي: (مادام أحد لا يقول ذلك, فسأقوله بنفسي وسأهتف به من على أسطح المنازل, أنا متأكد أن السيد مانيه سيُصنّف غداً بين كبار الأساتذة, ولو كنت ثريًا, لكان أفضل استثمار عندي هو شراء كل لوحاته اليوم. إن متحف اللوفر سيحفظ له مكانه الخاص كأي فنان يتمتع بموهبة غير قابلة للجدل).

وعندما توفي مانيه عام 1883م, اكتفى الرسام ادجار ديجاس بالقول: (لقد كان أعظم مما اعتقدنا).

 

عبود عطية 




إدوار مانيه, (صورة إميل زولا), (114 x146 سم) 1868م, متحف أورساي, باريس