نعم لتدريس الطب بالعربية

نعم لتدريس الطب بالعربية

قرأت في العدد (541) ديسمبر 2003 من مجلة (العربي) مقالا للدكتور عبدالرحمن حسن الحرازي يدعو فيه إلى تدريس الطب بالإنجليزية, وهو يورد ست ملاحظات لدعم رأيه بعدم تدريس الطب بالعربية تدور حول هيمنة اللغة الإنجليزية على العلوم والتكنولوجيا الطبية حيث يقول (إن مدارس الطب الحالية تكاد تنحصر في المدرسة الأمريكية والمدرسة البريطانية, والمؤتمرات والندوات تجري باللغة الإنجليزية). ويقول: (والعرب والمسلمون لا يمتلكون إسهامات متواصلة وفاعلة في الطب). وسادسا يقيّم الدكتور حرازي التجربة السورية, وبتعبيره (وإن كانت إلى حد الآن تبدو ناجحة, فلا يمكن الحكم النهائي بنجاحها) وأنا لا أريد أن أفهم من تعبيره هذا أنه يتمنى لها عدم النجاح.

قرأت المقالة, وشعرت بغصة, وقررت أن أجيب بعيدا عن العواطف وعن أهمية اللغة والتشبث بها, حيث هي أقوى سلاح تملكه الأمة العربية في صراع الثقافات المفروض عليها, مدفوعا باقتناعي بالتدريس بالعربية التي كانت حصيلة خبرة في تعلّم الطب وفي تعليمه بكلتا اللغتين العربية والانجليزية في جامعات الولايات المتحدة الأمريكية وفي بلدي سورية, وليست نتيجة تعصّب غير مبرر مع أو ضد رأي معين, وسأورد مبررات اقتناعي.

أ- من المنطقي وهو ثابت بدراسات مختلفة أن الطالب يستوعب مما يسمعه بلغته الأم التي نشأ عليها أكثر مما يستوعب من سماع محاضرة بأي لغة أخرى مهما بلغ إتقانه لها.

ب - ومن المنطقي أيضا أن الأستاذ حين يلقي محاضرته هو أكثر قدرة على التعبير ونقل المعلومات إلى المستمعين حين يتكلم بلغته الأم منه حين يلقيها بأي لغة أخرى, وقد مررت شخصيا بهاتين التجربتين, فكنت أكثر فهما للمحاضرة بالعربية وأكثر قدرة على التعبير بالعربية, وواضح أن اللغة الأم لطلابنا وأساتذتنا هي العربية.

ت - اللغة العربية من أقوى اللغات بنية وقدرة على التطور واستيعابا للمصطلحات المستجدة بأسسس لغوية معتمدة, ويتكلم بها مئات الملايين يعيشون على أرض شاسعة تمتلك ثروات هائلة.

ث - إذا كان لحجة الزميل حرازي بهيمنة اللغة الإنجليزية على المعلومات الطبية الحديثة سببا للتدريس بها أن تكون مقبولة لوجب على كل دول العالم أن تدرس الطب بالإنجليزية وهذا ما لا نجده, ولن أستشهد بفرنسا أو ألمانيا, فقد يقال إنهما دولتان لهما مشاركاتهما, إنما هناك دول من مختلف الحجوم كتركيا وهولندا ورومانيا والصين, وكذلك إسرائيل تدرس بلغاتها.

ج - يقول د. الحرازي عن التجربة السورية: (وإن كانت إلى حد الآن تبدو ناجحة, فلا يمكن الحكم النهائي بنجاحها), هو يعترف بنجاحها حتى الآن وقد مضى عليها قرابة قرن, ولست أدري كم من الزمن تحتاج التجربة كي تثبت نجاحها, ونجاح التجربة السورية واضح لكل مشاهد, فعدد الأطباء المتخرجين من هذه التجربة في الولايات المتحدة الأمريكية من ممارسين وأساتذة خير شاهد, وفي الجمعية الطبية العربية الأمريكية, وهي جمعية تحاول ضم كل الأطباء العاملين في أمريكا من أصل عربي تبلغ نسبة السوريين, وقد تعلموا الطب بالعربية ربما أكثر من 60%.

ح - وأخيرا لا أستطيع إلا أن أقول: إن الحفاظ على اللغة وتطويرها أمانة في أعناق المثقفين تجاه أصولهم وأمتهم, والأمة العربية الآن, وهي في خضم صراع ثقافي يستهدف وجودها, هي أحوج ما تكون إلى وعي مثقفيها للمسئولية التاريخية الملقاة عليهم وأملي أن يكونوا قادرين على حمل الأمانة.

د.عبدالحي عباس