المكابياد.. الصهيونية واستغلال الرياضة عصام سامي الخالدي

المكابياد.. الصهيونية واستغلال الرياضة

منذ نهاية القرن التاسع عشر استخدمت الصهيونية الرياضة وسيلة من أجل تحقيق أطماعها, ولعبت الأندية الصهيونية في أوربا وفلسطين دورًا مهمًا في صهينة الشبيبة اليهودية وإعدادها من أجل حمل السلاح والسعي من أجل اغتصاب فلسطين.

يشير ألن تايلور في كتابه (العقل الصهيوني) إلى أن هذه الحركة التي نظمها هرتسل عام 1887 تبنت تفسيرات صهيونية مختلفة - ثقافية, دينية, اجتماعية, وسياسية.

فالرياضة كعنصر ثقافي وشكل من أشكال الوعي الاجتماعي كان لها تفسيرها في العقل الصهيوني, فهي وسيلة من أجل إعادة بناء الحسّ القومي من خلال خلق (رياضة يهودية) تقوم بتحويل المشاعر والمفاهيم الدينية إلى قومية صهيونية.

وسعت أيضًا إلى إبراز أن التفوق اليهودي لا يقوم على الذهني والعلمي فقط, بل وعلى الرياضي أيضًا.

لقد برزت فكرة الرياضة والتربية البدنية في المؤتمر الصهيوني الثاني عام 1898 عندما طرح ماكس نوردو - أحد معاوني هرتسل - فكرة العضل اليهودي الذي كان تعبيرًا عن خلق جيل جديد مشابه بصفاته البدنية لذلك الجيل إبان (الدولة اليهودية). فالصهيونية أرادت أن ترفع اليهودية إلى مرتبة أسمى عن طريق (بعث المثل العليا وتربية الجيل الجديد بدنيًا, وهذا بدوره سوف يساعد في إعادة العضل الصهيوني الضائع).

كان المفكرون الصهاينة ينظرون إلى الرياضة كوسيلة من أجل بعث حياة جديدة بدنيًا, بالإضافة إلى أنها وسيلة من أجل بناء الوطن القومي واستعادة اللغة والأدب والتاريخ. وبنظرهم فإن هدف إقامة دولة إسرائيل لا يتحقق إلا إذا سبقه إعداد بدني وروحي ومعنوي للأجيال التي كان عليها تحقيق هذا الهدف. كما أيقنوا أنه لا وطن واحدا دون ثقافة واحدة التي اعتبرت الرياضة جزءًا مقوّمًا لهذه الثقافة.

الرياضة...سلاح قوي

في عام 1883 أسس اليهود الأتراك منظمة (المكابي) الرياضية في اسطنبول, وفي عام 1912 تم تأسيسها في فلسطين, وترجع فكرة المكابي إلى نحو قرن قبل التاريخ الميلادي. ذلك أن الدولة الرومانية كانت قد رأت من الخير لسلامة الإمبراطورية وقوة وحدتها أن يندمج اليهود بالرومان, فيصبحوا روماناً, ولكن اليهود أبوا إلا المحافظة على شخصيتهم اليهودية. وكانت فكرة اليهود في بدايتها دينية خلقية, ثم تطورت الفكرة وتطورت معها الوسائل فتنزلت من علياء الدين والخلق إلى أرض الوطنية والسلاح, ولم تعد الفكرة المكابية غاية روحية, وفي إحدى المقالات في صحيفة (فلسطين) في 18/1/1933 شارح لجوهر المكابي حين حاولت الصهيونية استخدام المفاهيم والأحداث التاريخية وتحويلها إلى سلاح قومي, يقول أحد أعضاء منظمة المكابي الرياضية في فلسطين واصفًا هذه التجمعات الرياضية في المستعمرات قبل الحرب العالمية الأولى: إنها بالإضافة إلى تعليم العبرية والتاريخ والأدب, فإنها كانت طليعة للدفاع ضد الجيران المعادية, (والذين يعني بهم العرب في فلسطين).

لقد كان التعاون بين الحركة الرياضية والحركة الصهيونية في العقد الأول من القرن العشرين قائمًا على أساس شعار (الفكر القومي اليهودي والإرادة غير المتزعزعة للأمة اليهودية).

وقد حاولت القيادة الرياضية الصهيونية طرح هذا الشعار بشكل دائم في المؤتمرات الصهيونية.

وظهر هذا التعاون واضحًا عندما أقامت الحركة الرياضية مهرجانات رياضية سبقت انعقاد المؤتمرات الصهيونية السادس والتاسع والعاشر. وقد أعجب هرتسل بهذا المهرجان - السادس 1903, حيث قال عنه: (إن هذه المهرجانات تفوق قيمتها مائة خطاب).

في عام 1921 تم تأسيس منظمة العالمي للمكابي, وقد ضم كل أندية المكابي في أوربا وفلسطين. وقد أعلن عن أهداف هذه المنظمة في هذا المؤتمر الذي عقد قبل بضعة أيام من انعقاد المؤتمر الصهيوني الثاني عشر, هذه الأهداف التي كانت تعكس النزعة الصهيونية لهذه الحركة وهي تربية أعضائها بالروح الصهيونية وإعدادهم من خلال الرياضة من أجل الدفاع عن حياة اليهود وممتلكاتهم أينما كانوا والتوجه العسكري لها.

مهرجان رياضي... خدعة جديدة

كان الصهاينة يسعون دائمًا إلى إيجاد أفضل الوسائل من أجل إدخال المزيد من المهاجرين إلى فلسطين, وقد أشار عيسى السفري في كتابه (فلسطين العربية بين الانتداب والصهيونية) عام 1937 إلى أن (الصهاينة استنبطوا منذ عام 1924 حيلا جديدة لإدخال المزيد من المهاجرين اليهود إلى البلد, فالتجأوا إلى التهريب والخديعة, وتظاهروا بالخضوع للقيود التي ينص عليها قانون الهجرة, وتحويل العديد من طالبي الدخول إلى فلسطين, ثم اخفائهم في المستعمرات. وكانت إحدى هذه الوسائل (المكابياد) وهو مهرجان رياضي على نسق الألعاب الأولمبية, دعت له القيادات الصهيونية عام 1929. كانت تشارك به الشبيبة الصهيونية من كل أنحاء العالم, حيث يبقى جزء كبير منهم بلا عودة, وقد دخل فلسطين سنة 1935 ستة آلاف مهاجر من هذا النوع وسلموا جوازات سفرهم إلى الحكومة ودفعوا التأمينات المطلوبة, ظلوا في البلاد ولم يخرجوا منها إلى الآن).

كان قياديو الحركة الرياضية الصهاينة يتباكون على أنهم لم يستطيعوا تمثيل فلسطين في الألعاب الأولمبية, فقد كانوا يحلمون بأن يروا العلم (الأزرق والأبيض), يرفرف عاليًا بين بقية أعلام الدول المشاركة للألعاب الأولمبية, فتحقيق هذا الحلم يعتبر بالنسبة لهم مؤشرًا لإعادة إحياء دولتهم. إن رفضهم المشاركة كممثلين ضمن دول مختلفة والإصرار على تمثيل فلسطين صهيونيا (وكأنها كانت خالية من قوم اسمهم عرب) دفعهم لأن يتبنّوا فكرة إقامة مهرجان رياضي صهيوني مستقل. ففي عام 1925 أقامت منظمة المكابي العالمية مهرجانا رياضيا على شرف المؤتمر الصهيوني الرابع عشر في فيينا والذي كان عبارة عن إعداد لمهرجان رياضي على نسق الألعاب الأولمبية يقام بعد ذلك.

في الوقت نفسه, وخلال زيارة فريق (فينا هكواح) الصهيوني إلى فلسطين تم تحديد موعد هذا المهرجان في ربيع عام 1927, ولكن المنظمة الصهيونية رفضت إقامته والسبب هو أن إقامته - كما يدّعي وايزمان - يمكن أن تثير غضب الإدارة البريطانية في فلسطين. كما أن الاحتجاجات من قبل الحركة الوطنية الفلسطينية في تلك الفترة ضد الهجرة الصهيونية, وما يمت لها بصلة لعبت دورًا في عرقلة هذا المهرجان.

ولكن مساعي الصهاينة لم تتوقف, فقد أقام المؤتمر السنوي لاتحاد المكابي العالمي مهرجانا رياضيا في تشيكوسلوفاكيا, وقد (ألهب) حماس المشاركين مما دعا رئيسه إلى تقديم اقتراح لإقامة مهرجان أولمبي يهودي في فلسطين في تل أبيب, وقد سمّي فيما بعد بالمكابياد.

أولمبياد يهودي

في عام 1929 نشبت ثورة البراق (وكانت الشرارة التي أشعلتها هي سقوط كرة قدم كان يتبارى بها فريقان يهوديان في القدس في إحدى المزارع العربية). وقد اضطرت سلطات الانتداب إلى إصدار الورقة البيضاء الثانية التي بموجبها حدّت من سيل الهجرة اليهودية إلى فلسطين.

هذا بالتالي أدى إلى زيادة سيل لعاب الحركة الصهيونية, ووجدت في المكابياد وسيلة فعّالة من أجل زيادة الهجرة بطرق غير مشروعة من خلال إدخال الزائرين والمشاركين إلى فلسطين وإبقائهم بها بعد انتهاء المهرجان.

كان الدعم الإنجليزي عاملاً مساعدًا في إنجاح هذا المهرجان, فقد تم إرسال وفد إلى لندن, وكان هذا الوفد قد تلقى نصائح ودروسا من قبل القادة الصهاينة مثل وايزمان وسوكولوف حول كيفية إيجاد المنافذ الخاصة التي يستطيع من خلالها الوصول إلى مكاتب المستعمرات ووزارة الخارجية. وقد تركز اهتمام هذا الوفد حول موضوع تأشيرات الدخول للرياضيين والزائرين لهذا المهرجان, ومعرض ليفانت وهو معرض تجاري كان يقام سنويًا في تل أبيب. كان الصهاينة يهدفون إلى تأمين الحصول على جوازات سفر جماعية وتأشيرات دخول جماعية من أجل تقليل تكاليف الرحلة للمشاركين والزائرين, والأهم من ذلك هو جلب أكبر عدد ممكن من اليهود إلى فلسطين وذلك بالتلاعب على قيود الهجرة التي وضعتها الإدارة البريطانية.

من جانبها, وعدت وزارة الخارجية البريطانية بتسهيل الإجراءات وإعطاء المزيد من تأشيرات الدخول إلى المشاركين والزائرين لهذا المهرجان.

في نهاية عام 1931 تم تعيين المندوب السامي لفلسطين آرثر ووشوب الذي لم يخف تعاطفه مع الحركة الصهيونية, وقد نمت بينه وبين أرسلو سوروف وهو عضو قيادي في الوكالة الصهيونية صداقة حميمة, ففي خلال لقائهما تم عرض فكرة رعاية المهرجان من قبل المندوب السامي, وبمهارة وحنكة استطاع أرسلو سوروف إقناع المندوب السامي بأن هذا المهرجان ليس له أي اتجاه أو هدف سياسي, كما أن (المكابي) يسعى إلى دعوة الأندية العربية والفرق الإنجليزية من أجل المشاركة في هذا المهرجان. وأدت موافقة المندوب السامي لرعاية المهرجان, إلى تسهيل دائرة الهجرة في فلسطين المعاملات للمشاركين والزائرين اليهود.

وكما يقول أحد القياديين الرياضيين الصهاينة حول دعوة الأندية العربية للمشاركة في هذا المهرجان (كانت مناورة مدروسة لتهدئة الشكوك من الجانب الإنجليزي حول هذا المهرجان, في ذلك الوقت الذي كانت الحركة الصهيونية فيه بحاجة إلى الدعم البريطاني).

أما فكرة أن هذا المهرجان ليس له اتجاه سياسي فإن الصهيونية كما كانت تستخدم مفهوم (ليس للرياضة علاقة بالسياسة), فهي كانت تستغل الرياضة من أجل نيل مآربها بالتلاعب والخداع من جهة, ومن جهة أخرى كانت توحي للعالم بأن ممارساتها على الصعيد الرياضي تتم بمعزل عن السياسة.

المهرجان والدعاية الصهيونية

حاولت الصهيونية جذب الفرق غير اليهودية من أوربا وبعض الدول العربية الشقيقة لفلسطين, بالإضافة إلى محاولتها حث الحكومات الأوربية على السماح للفرق (المكابي) والزائرين بالذهاب إلى فلسطين, فقد أغرت الحكومة البولندية من خلال إقناعها أن فوز (مكابي) بولندا في المهرجان سوف يعود عليها بالنفع. فمن خلال محادثات سرية استطاع الصهاينة حث الحكومة البولندية على السماح لأكبر عدد من (الزائرين) بالهجرة إلى فلسطين.

افتتح المهرجان في 29 مارس عام 1932 بمسيرة كشفية رفعت بها الأعلام الصهيونية متوجهة إلى الاستاد الرياضي المزدان بالأعلام الصهيونية والبريطانية وبأناشيد بالعبرية وكلمات أريد بها شحن الحضور بالروح الصهيونية.

وبلغ عدد المشاركين في هذا المهرجان بين 3500و4000 رياضي من سبع عشرة دولة. وكما أدعى منظمو هذا المهرجان فإن نجاحه كان نصرًا ودعاية للأفكار الصهيونية بشكل عام وللرياضة اليهودية بشكل خاص.

تدّعي المصادر الصهيونية أن حوالي 1591 سائحا استطاعوا البقاء في فلسطين في أول ثلاثة أشهر من عام 1932. ولكن مصادر تقرير اللجنة الملكية, تقول إنه خلال عامي 1932و1933 بقي في فلسطين 17,900 مسافر. وفي تقييم للوكالة اليهودية اعترف أنه بعد سنوات من تقييد الهجرة فإن نقطة تحول بدأت في ربيع عام 1932, عندما هاجر آلاف من اليهود إلى فلسطين كسائحين تحت ذريعة المكابياد, ولم تدن الحكومة البريطانية هذه الهجرة غير المشروعة, ولم تأخذ على عاتقها أي عمل ملموس من أجل وقف هذا التدفق من المهاجرين, وقد أعارتها مستوى أدنى من الاهتمام.

لقد دانت المؤسسات والأندية الاجتماعية الرياضية العربية هذا المهرجان, حيث كانت على وعي تام لمخاطره. فقد تساءلت صحيفة (فلسطين) في عددها 18 مارس 1932 حول إذا ما كانت السلطات البريطانية قد اتخذت إجراءات لوقف هذا التدفق من (السائحين) أو إنها على علم ببقائهم في البلاد كمقيمين دائمين. أيضا فقد حذرت الصحف الأخرى الرياضيين العرب من المشاركة في هذا المهرجان, وبالذات أعضاء جمعية الشبان المسيحية في القدس, حذرتهم من عدم التفكير في المشاركة في هذه (المؤامرة الصهيونية).

لقد بدأ تأسيس الأندية العربية في فلسطين في بداية العشرينيات في تلك الفترة التي لوحظ فيها تسارع في نشوء العديد من الجمعيات الخيرية والكشفية والنسائية. وقد كان نشاطها يأخذ طابعًا وطنيًا اجتماعيًا, فنشوؤها كمؤسسات اجتماعية كان يعكس سعي الفئات المثقفة من أجل التعبير عن حسّها القومي المعادي للانتداب والصهيونية. فيما بعد بدأ يبرز الطابع الرياضي بالإضافة إلى الاجتماعي والثقافي, وذلك عندما بدأت تشكّل جزءًا من الثقافة العامة. وقد نشأت في نهاية العشرينيات أندية عدة كان النشاط الرياضي يشكّل الجزء الأكبر من نشاطاتها. وقد بلغ عدد الأندية الرياضية في فلسطين في بداية الثلاثينيات حوالي عشرين ناديًا عربيًا. وقد شكلت هذه الأندية اتحادًا رياضيا, حاول وبكل جهد ضم هذه الأندية وإعطاءها صبغة وطنية قومية, حيث إنها مدّت جسور التعاون مع المنظمات والقوى الوطنية. ورغم محاولة الصهيونية الهيمنة على الحركة الرياضية فإن القياديين الرياضيين العرب كانوا واعين تمامًا لأهدافها, وحتى عام النكبة ناضلت الحركة الرياضية العربية من أجل إبراز الهوية الوطنية الفلسطينية, من خلال إعادة تشكيل الاتحاد الرياضي الفلسطيني الذي أعيد تأسيسه عام 1944 والذي كان قد توقف بسبب ثورة 1936.

كانت دورة الألعاب الأولمبية الحادية عشرة سوف تقام في برلين في ألمانيا عام 1936, وقد أرسلت اللجنة الأولمبية الألمانية دعوة إلى فلسطين من أجل المشاركة في هذا الأولمبياد. فبرغم صعود هتلر إلى الحكم وموقف الفاشية من اليهود فإن القيادة الرياضية الصهيونية رأت أنه من صالحها الاشتراك في هذه الألعاب الأولمبية ممثلة لفلسطين, فهي تستطيع إرسال رياضيين ليرفعوا الأعلام (الأبيض والأزرق) وجعل حضورها دليلا على وجود ممثلين (لأرض إسرائيل). ولكن وبعد صدور قوانين نورمبيرج (تجريد أي مواطن غير آري من الجنسية الألمانية), فقد قرر الصهاينة عدم المشاركة في هذا الأولمبياد. ومن هنا رأوا أن هذا المكابياد الذي كانوا قد خططوا له في ربيع عام 1935 تكمن فيه أهمية أكبر لتحقيق أهدافهم من خلال محادثات بين المندوب السامي واللورد ملتشبت (بريطاني اعتنق اليهودية) وهو أحد قياديي المكابي تم الاتفاق على أن يسمح لكل فريق مشارك يضم 250 لاعبا فقط, وقد تبين أن عدد المشاركين حوالي خمسة آلاف ككل, بشرط أن يغادر كل مشارك البلاد حالما ينتهي المهرجان. لم يعجب هذا الشرط قيادة المكابي, وفي الوقت نفسه لم يكن من مصلحتها الدخول مع سلطات الانتداب في نقاش مستمر, لذلك ارتأت أن تبحث عن وسائل خبيثة لجلب أكبر عدد من المشاركين. فقد وجدت مثلا أن مائة تأشيرة دخول لفريقها في هنجاريا لم تكن في حيز الاستخدام مما دفعها إلى أن تطلب من مائة (زائر) يهودي بولندي الانضمام إلى الفريق الهنجاري كمشاركين رياضيين, وقد علمت السلطات الحكومية في هنجاريا بهذا الغرض مما أدى إلى أن توقف هذا المخطط.

العرب كالعادة... يحتجون

شنت الصحافة العربية حملة إعلامية ضد هذا المهرجان حيث إنها ركزت على أمرين, الأول وهو افتتاحية المهرجان أي العروض التي كانت مشابهة للعروض العسكرية, والثاني الهجرة غير المشروعة.

وقد منعت سلطات الانتداب موكب الكشافة الذي كان سيسبق المهرجان ويعود السبب إلى الاحتجاجات العربية وإلى أنه قبل المهرجان, كان قد تم الاتفاق بين المكابي ومؤسسة (الهابوفيل) (مؤسسة صهيونية كانت تابعة لنقابة العمال اليهودية) والبينار (منظمة رياضية متطرفة) على أن تشارك هاتان المنظمتان في الموكب الكشفي, وقد دفع ذلك السلطات إلى التخوّف من حدوث اضطرابات ومواجهات بين العرب واليهود, وبين هاتين المنظمتين أنفسهما بسبب خلافات بينهما.

في مقالة في صحيفة (الإسماعيلية) المصرية شرح كاتب المقال للقراء مغزى وحقيقة وأهداف هذا المهرجان (نظريا فإن هذا المهرجان رياضي وعمليا فهو عسكري... فإن المكابيين يخدمون كقاعدة للجيش اليهودي في المستقبل, حيث يحتوى على أقوى الشباب اليهود).

لقد أرسل منظمو المكابياد دعوة للفرق العربية في الدول العربية الشقيقة, ولم تكن في نيتها دعوة الفرق العربية في فلسطين, والسبب في ذلك هو إعطاء الرياضيين من الدول العربية انطباعا بأن الذي يمثل فلسطين هم اليهود, ثانيا أنها لم تكن تسعى للتعاون مع العرب في فلسطين في أي مجال, وأن أي تعاون معهم يعني لديهم أن الرياضة ممكن أن تصبح جسرًا بين الشعبين, وهذا الذي كانت تطرحه مجموعة (بريت شالوم) وتنادي بأن تكون فلسطين دولة للعرب واليهود يمارس كل من الشعبين حقوقه المدنية والسياسية والاجتماعية على حد سواء.

تشير الموسوعة اليهودية إلى أن أكثر من 1700 رياضي من 27 دولة بمن فيهم مدربوهم وطاقمهم بقوا في فلسطين بسبب العداء للسامية الذي كان قد اجتاح أوربا بعد صعود النازية إلى السلطة في ألمانيا, بينما يشير تقرير القنصلية الأمريكية في تل أبيب في يونيو عام 1935 إلى أن حوالي 16900 زائر دخلوا فلسطين خلال شهر مارس من ذلك العام. وفي تقرير آخر أشير إلى أن العامل الرئيسي للهجرة غير المشروعة هو زيارة (المكابيين) لفلسطين, حيث أعطى هذا التقرير أيضًا تبريرًا لهذه الهجرة التي كان سببها (معاناة) اليهود في الدول الأخرى. (وهذا ليس غريبًا على عزيزي القارئ فالدعم الأمريكي كان ومازال لإسرائيل حتى قبل نشوء هذه الدولة).

حول الأهمية الدعائية لهذا المهرجان, فقد قالت صحيفة هآرتس الصهيونية في مارس عام 1935 (إننا لا نبالغ إذا قلنا إن دوائر عدة في دول مختلفة بدأت تنظر باهتمام إلى الوطن القومي اليهودي وذلك بفضل الشعبية التي أحاطت هذا المهرجان). وفي مقالة أخرى تعكس مدى التبجح والغرور للصحافة الصهيونية في ذلك الوقت تقول (إن رقما قياسيا واحدا يضربه رياضي يهودي يكسب أصدقاء غير يهود ألف مرة أكثر من الدعاية والصحافة). يعلل القادة الرياضيون الصهاينة أهمية هذا المهرجان بأنه كان له أثر سيكولوجي على اليهود الأوربيين لأنه جمع ووطد أواصر الترابط المعنوي بين يهود الشتات وفلسطين.

 

عصام سامي الخالدي 




افتتاح أول أولمبياد يهودي على أرض فلسطين عام 1925





إعلان عن الملاكم بونر مع التركيز على احتراف اليهود الملاكمة





بعض المشاركات في المكابياد