نظرة استراتيجية على مملكة البحرين والمنطقة العربية في إطار دولي

نظرة استراتيجية على مملكة البحرين والمنطقة العربية في إطار دولي

شهد النظام الدولي - عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر - العديد من التطورات المهمة التي أثرت في خصائصه وطبيعة تفاعلاته, وهو ما نتج عنه العديد من الظواهر, مثل الحرب على الإرهاب, واحتلال العراق, وتزايد الهجمة الأمريكية والغربية على الإسلام, لدرجة وصفت التحولات الراهنة في النظام الدولي بأنها صراع بين الحضارات. لذلك برز كتاب (نظرة استراتيجية على مملكة البحرين والمنطقة العربية في إطار دولي) ليستقرئ الوضع البحريني والعربي الراهن في ظل المتغيرات الدولية, ويستشرف المستقبل في ضوئها.

الكتاب من تأليف الدكتور محمد بن جاسم الغتم رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث, والدكتور محمد نعمان جلال مستشار الدراسات الاستراتيجية بمركز البحرين للدراسات والبحوث. والمؤلفان يمتلكان خبرة علمية طويلة في مجال البحث العلمي والاستراتيجي, ولهما العديد من الكتب والأبحاث العلمية في مجالات عديدة. بالإضافة إلى خبرتهما العملية الواسعة, فالأول كان رئيساً لجامعة البحرين ووزيراً للتربية والتعليم في مملكة البحرين, والثاني كان مساعداً لوزير الخارجية المصري وسفيراً في عدة دول منها الصين وباكستان.

ويقع الكتاب الذي أصدره مركز البحرين للدراسات والبحوث في أكتوبر 2003م في 148 صفحة من القطع المتوسط ويضم عشرة فصول فضلاً عن مقدمة وخاتمة وقائمة بأهم المراجع.

الأمن الوطني والقومي

ينطلق الكتاب من أخطر قضية تهدد المنطقة العربية, وهي قضية الأمن الوطني والقومي ولعل الحادث الشرارة هو غزو الولايات المتحدة للعراق, والذي وصفه المؤلفان بأنه (يعد تطوراً جديداً في السياسة الدولية) والذي لاتزال آثاره لم تنته, كما أن حلقات أحداثه لم تختف بعد, بل يمكن القول إنها لم تكتمل حتى الآن, فمازالت أحداث العنف والمقاومة في العراق مستمرة, ومن الصعب التنبؤ بمستقبلها مع استمرار الاحتلال.

ويحلل الفصل الأول قضية الأمن في إطار شامل ومتنوع الأبعاد, كما يتناول بالتحديد الأمن العربي والأمن الخليجي ثم أمن مملكة البحرين سعياً نحو بلورة فكر استراتيجي يتعلق بهذه القضية المهمة بالنسبة لأي دولة. والفصل الثاني بعنوان (مرحلة جديدة متوقعة من التعامل الدولي مع العالمين العربي والإسلامي) وهو فصل يتناول أحدث دراسة لجامعة ميتشجن الأمريكية حول ما يسمى بالقيم العالمية, والتي تبرز أن هذه القيم تتمحور حول القيم الجنسية وعلاقتها بتطور المجتمعات, وتذهب إلى أن الدول الإسلامية عامة والعربية خاصة توضح تخلف هذه القيم في النظرة للمساواة بين الجنسين, ولتدني وضع المرأة ولرفض حرية الممارسات الجنسية وفقاً للاختيار الشخصي, ولإصرارها على ربط العمل والقيادة السياسية بقيم دينية وأخلاقية. ويقدم المؤلفان في هذا الفصل دفاعاً عقلانياً عن قيم الحضارة الإسلامية والعربية وممارساتها ضد مثل هذه الاتهامات, دون أن يعني ذلك الرضا عن الذات باستبعاد منطق التصحيح والتغيير لاستبعاد الشوائب التي لحقت بهذه الحضارة وتراثها المتميز, الذي قاد للإبداع في عصر ازدهارها. والفصل الثالث حول العمليات السرية الأمريكية ضد الإرهاب ويعتمد المؤلفان في هذا الفصل على تحليل دراسة حول الموضوع, نشرتها مجلة جينز الخاصة بالشئون العسكرية ويظهر في هذا الفصل بوضوح التصارع بين الأجهزة الأمنية الأمريكية وكذلك أساليبها اللاأخلاقية في قمع الخصوم والقضاء عليهم.

أما الفصل الرابع فيحلل غزو العراق النتائج والدروس المستفادة في المجالات الإعلامية والعسكرية والسياسية والربط بين نتائج الحرب ومفهوم بناء استراتيجية الدولة في إطار من التخطيط الاستراتيجي السليم بالنسبة لأي دولة, حتى تتجنب أن يحدث لها ما حدث في العراق في ظل صدام حسين.

ويحلل الفصل الخامس رد الفعل العربي على الغزو الأمريكي البريطاني للعراق, وكيف أنه كان رد فعل متفاوتا من نظام لآخر, ولكنه في إجماله كشف العجز العربي العام, وضعف الإرادة والهزيمة النفسية التي أدت إلى تجريد المنطقة من أسلحتها الحقيقية وهي الموارد الاقتصادية والبشرية والأسلحة والنفط ورءوس الأموال وهكذا انهارت المقاومة العربية, بل واجه العرب ما يمكن أن نسميه مرض نقص المناعة السياسية. ولعلنا نتساءل هل يمكن لحكماء العرب - قادة ومفكرين - أن يكثفوا جهودهم لاكتشاف علاج لنقص المناعة السياسية هذا?

الفصل السادس بعنوان (نظرة استشرافية على الخليج بعد الغزو الأمريكي للعراق) حيث يحلل المؤلفان معالم الموقف الجديد بعد غزو العراق ووضع السياسة الأمريكية في المنطقة ومشكلة إعادة بناء العراق والمقاومة العراقية المتوقعة للاحتلال وآثار كل ذلك على منطقة الخليج وينتهي الفصل بتقديم تصورات لكيفية التعامل مع هذا الموقف المتفجر والخطير.

وفي الفصل السابع (تصورات حول السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بعد غزو العراق) وفي هذا الفصل يحلل المؤلفان - د. محمد بن جاسم الغتم ود. محمد نعمان جلال - التطورات في العراق والاتهامات الأمريكية لنظام صدام حسين, وبطلان تلك الاتهامات, كما أظهرت الأحداث بعد الغزو ويشرح أهداف السياسة الأمريكية في المنطقة في الفترة القادمة. وفي الفصل الثامن يقدم الكتاب (تحليلا استراتيجيا لقرار مجلس الأمن 1483 برفع العقوبات عن العراق) بعد سقوط نظام صدام حسين, ويتناول التحليل آثار القرار على المستويات الدولية والإقليمية والمحلية, ودلالات التطور على السياسة البحرينية ودورها الدولي والإقليمي.

نجد الفصل التاسع بعنوان (رئاسة البحرين للقمة العربية بين إدارة الأزمات وتفعيل العمل العربي المشترك), حيث يقدم هذا الفصل رؤية هي أقرب للمقترحات للقيادة البحرينية التي اضطلعت بمهمة الرئاسة الدورية للقمة العربية ما بين مارس 2003 حتى مارس 2004, فتعرض لتحديات العمل العربي المشترك, وكيفية مواجهة تلك التحديات.

وفي الفصل العاشر والأخير يقدم المؤلفان رؤية استراتيجية بعنوان (نحو رؤية استراتيجية لمملكة البحرين) حيث يحلل هذا الفصل حركة المجتمع البحريني والتحديات التي يواجهها في المرحلة الراهنة مثل التحدي الطائفي وتحدي البطالة وتحدي التنمية وتحدي الفساد الإداري والمالي والأخلاقي ويبرز أهمية المشاركة السياسية وأهمية وضع سياسة اجتماعية وسياسة مفهوم الأمن الشامل.

استشراف المستقبل

والكتاب على النحو السابق يعكس أربعة أمور جوهرية:

الأول: ضرورة استشراف المستقبل الخليجي والعربي في ضوء الأحداث والمتغيرات الدولية, خاصة في ظل تزايد تداعياتها بعد احتلال العراق, وما يمكن أن يترتب عليه من نتائج على مستوى النظام الإقليمي الخليجي.

الثاني: تزايد الاهتمام بالدراسات الاستراتيجية في العالم العربي, ويمكن رصد ذلك في الدور الجديد لمركز البحرين للدراسات والبحوث, منذ أواخر عام 2002م أي مع بداية التحول الديمقراطي في مملكة البحرين, بعد تحولها إلى مملكة دستورية.

الثالث: أهمية التواصل بين مراكز الأبحاث والمجتمع, حيث شهدت حركة البحث العلمي في الوطن العربي ابتعاداً كبيراً عن واقعها المعاصر, وهو ما يتطلب زيادة حجم التفاعل بين هذه المراكز كمواقع لتحليل وإنتاج الفكر, والمجتمع الذي تقع عليه مسئولية الاستفادة منها. وقد يظهر ذلك في هذا الكتاب, لكون عدد من فصوله سبق أن ظهرت في الصحف البحرينية, أو عقدت بشأنها ندوات في مركز البحرين للدراسات والبحوث, في الشهور السابقة على صدور الكتاب.

الرابع: إمكان الربط بين الجزء والكل في الفكر العربي, باعتبار الأول مدخلاً للثاني, حيث ربط الكتاب بين الفكر البحريني, والفكر والأحداث العربية. فهناك فصول عالجت الأمن العربي, وأخرى عن أثر أحداث العراق على المنطقة العربية ككل, وثالثة عن أثر السياسة الأمريكية وتصوراتها على المنطقة العربية, ومن ناحية أخرى سعى المؤلفان لربط الأحداث بالواقع البحريني باعتبار أن البحرين جزء لا يتجزأ من منطقة الخليج خاصة والمنطقة العربية عامة, ساعياً نحو الدفع بقوة لطرح أهمية الرؤية الاستراتيجية المستقبلية لبناء الوطن على أسس علمية ثابتة.

 

د. محمد بن جاسم الغتم, ود. محمد نعمان جلال