دبي اقتصاد المعرفة وثورة الميديا والمعـلوماتية

  دبي اقتصاد المعرفة وثورة الميديا والمعـلوماتية
        

عدسة: سليمان حيدر

شهدت مدينة دبي الإماراتية خلال السنوات القليلة الماضية ثورة تكنولوجية وإعلامية غير مسبوقة عربياً وإقليمياً تستهدف حجز موقع بارز لدولة الإمارات العربية المتحدة في العصر المقبل والذي بدأت ملامحه بالتشكل مع نهايات القرن الماضي. ذلك العصر الذي لا مكان فيه للحديث عن النفط كمورد وحيد للطاقة أو عن الأنشطة الاقتصادية التي بات يطلق عليها مجازاً الاقتصاد القديم.

          مدينة دبي التي تمكنت عبر تاريخها من تحقيق سمعة تجارية مرموقة في المنطقة استقرأت المستقبل جيدا, وعرفت طريقها نحو الاقتصاد الجديد عبر دخولها بوابة اقتصاد المعرفة والميديا والمعلوماتية والتي من أجله تم البدء بإنشاء ثلاثة مشاريع تكفل لدبي تحقيق مرادها, وهي مدينة دبي للإعلام ومدينة دبي للإنترنت وأخيراً المولود الجديد قرية المعرفة.

          هناك التقت (العربي) بثلاثة من القيادات الإماراتية الشابة, تحدث كل واحد منهم بنبرة هادئة يكسوها التفاؤل والتواضع في الآن نفسه عن تلك المشاريع التي يطمحون من ورائها إلى جعل مدينة دبي الاختيار الأول في الاقتصاد الجديد.

مدينة دبي للإعلام

          لقاؤنا الأول كان مع المدير التنفيذي لمدينة دبي للإعلام السيد سعيد المنتفق الذي اصطحبنا في جولة رائعة لأهم مواقع مدينة دبي للإعلام سبقتها مقابلة معه أجريت في إحدى القاعات الزجاجية الصغيرة التي كشفت ما خلفها من نشاط لموظفي القسم العربي على الإنترنت لموقع شبكة (C.N.N) الإخبارية العالمية التي اتخذت من مدينة دبي للإعلام مقراً لها.

          وقد فضل المنتفق قبل الإجابة عن أسئلة مجلة (العربي) تقديم عرض شامل لقصة نشأة مدينة دبي للإعلام والظروف والعوامل المحيطة بها, التي أدت في النهاية إلى قيامها وقيام مشاريع أخرى لا تقل عنها أهمية. ويوضح المنتفق قائلاً:

          تبعاً للمتغيرات الحاصلة في العالم أخيرا وبخاصة في أوربا وأمريكا الشمالية والتي تتجه نحو الاعتماد على اقتصاد التجارة الإلكترونية والتكنولوجيا أو ما يمكن تسميته بالاقتصاد الجديد, وهو عكس الاقتصاد القديم القائم على مجموعة الأنشطة الشائعة مثل المقاولات والاستيراد والتصدير والسياحة وغيرها, فقد قررت دبي تحويل اقتصادها إلى اقتصاد المعرفة مضيفا: المسيرة نحو هذا الهدف بدأت منذ عام 1996 برغبة من ولي عهد دبي ووزير الدفاع الفريق أول محمد بن راشد آل مكتوم.

          وعن الخطوات المبدئية لتحويل اقتصاد دبي إلى اقتصاد المعرفة أشار المنتفق: (وضعنا خطة عمل وبرامج ودراسات تكفل لنا تحقيق هدفنا بتحويل اقتصاد دبي إلى اقتصاد المعرفة وتلخصت الخطة بضرورة خلق ثلاثة مشاريع رئيسية هي بمنزلة أهداف مرحلية تضمن وصولنا إلى هدفنا النهائي وتلك المشاريع هي:

  •  تداخل المعلومات والتقنية: ويهدف هذا المشروع إلى خلق بيئة تستطيع استقطاب الشركات المعنية بحيث يحدث الاندماج والتداخل في مدينة دبي والإمارات الأخرى.
  • استقطاب المواهب الذكية: والاقتصاد الجديد لن يبنى على بنايات ومصانع فقط بل على الأفراد وقوة العقل وحتى الآن نحن في وطننا لاتزال نسبة الحاصلين على الشهادات العليا أو المهتمين بمجال البرمجة قليلة جداً, ومن هنا كان لا بد أيضاً من خلق بيئة تجذب الكفاءات والمتميزين حتى يمكن الاستفادة من خبراتهم وتكوين نواة قادرة على تحمل مسئولياتها في المستقبل.
  • المضمون: من غير الصحافة والإعلام والإنترنت لن نستطيع ترويج ما لدينا من مشاريع لذا وضعت هذه النقطة المهمة في الحسبان.

          ويواصل المنتفق حديثة مؤكدا أن الأهداف الثلاثة الرئيسية المذكورة تحتاج إلى إنشاء مشاريع متكاملة تضمن تحقيقها, منها على سبيل المثال:

  • تحويل حكومة دبي إلى حكومة إلكترونية وتم وضع برنامج مدته (18) شهرا وقبل نهاية المدة بحوالي أسبوعين تم الإعلان عن تحول حكومة دبي إلى حكومة إلكترونية.
  • مدينة دبي للإنترنت ومهمتها توفير بيئة تقنية لاستقطاب شركات التكنولوجيا وشركات التجارة الإلكترونية.
  • مشاريع واحة دبي الإلكترونية وهي تعمل كحاضنة لشركات الإنترنت الجديدة وتهدف إلى مساعدتها على الانطلاق ورأس مال هذه الواحة مخصص للاستثمار في هذه الشركات لمساعدتها.
  • مدينة دبي للإعلام وهي تستهدف ضمن استراتيجيتها أقساما معينة في الإعلام مثل القنوات الفضائية والتي اكتشفنا بعد قيامنا بأبحاث ودراسات حولها أن أغلبها يخسر خاصة القنوات الموجهة لمنطقة الوطن العربي وتعمل في عواصم أجنبية, وقد قمنا بتوفير البيئة الملائمة لتلك القنوات والتي من أهم عناصرها شركات الدعاية والإعلان العالمية والتي يتمركز أغلبها في مدينة دبي وهو ما أدى في النهاية إلى انتقال بعض الفضائيات العربية بالكامل مثل (M.B.C) من لندن إلى دبي.
  • النشر, وهنا تم القياس بالطريقة نفسها التي قمنا بها مع القنوات الفضائية ولكن هذه المرة تم استقطاب الشركات المتخصصة في حقوق النشر وأيضا الصحف العربية الكبرى المتمركزة خارج الوطن العربي.
  • خدمات التسويق وتضم شركات الدعاية والإعلان وشركات العلاقات العامة وشركات الأبحاث الكبرى.
    وأضاف المنتفق أن هناك أيضاً مشاريع مهمة كصناعة الكتب التي نشّطت سوق المطابع والإنتاج الرقمي والموسيقي.

          وعن مستقبل مدينة دبي للإعلام من حيث المساحة والتوسع في تنفيذ مشاريع أخرى جديدة أكد أن مساحة المدينة الحالية تبلغ 280 هكتارا, ومع نهاية المرحلة الثانية التي ستبدأ قريباً جداً ستتضاعف مساحة مدينة دبي للإعلام مرتين, مضيفاً: همنا الرئيسي هو أن نمركز أنفسنا إقليمياً وأن نركز جهودنا نحو الإعلام الرقمي لأنه هو المستقبل.

          وفي سؤال حول إمكان اتجاه مدينة دبي للإعلام نحو الإنتاج السينمائي, بيّن المدير التنفيذي للمدينة أن الرغبة في التكامل مع الدول العربية التي سبقت الإمارات في هذا المجال تحديداً هي الشغل الشاغل لنا, فمثلاً عندما تنتج بعض الأفلام العربية بنظام الديجيتال يتم إرسالها إلى بريطانيا وإيطاليا أو سنغافورة لمعالجتها في حين نحن بإمكاننا القيام بهذه العملية, وأكثر من ذلك نحن لدينا استديوهات متخصصة تقدر مساحتها بـ (150 ألف متر مربع) بها أحدث أجهزة التصوير والمؤثرات الخاصة وغيرها وحتى لو أرادت جهة ما أو منتج بناء استديوهات خاصة فالباب مفتوح لها.

          وإلى هذا الحد انتهت عملياً أسئلة الغرفة الزجاجية التي كانت بحوزتنا وجاء وقت القيام بالجولة الاستكشافية داخل مدينة دبي للإعلام, وكانت أولى محطاتنا خريطة توضيحية توقف عندها السيد سعيد المنتفق شارحاً المراحل التي تم الانتهاء من بنائها من مدينة دبي للإعلام كما بيّن أن الخريطة تشمل كل المشاريع المنجزة والمستقبلية في منطقة دبي الحرة للتكنولوجيا والإعلام, وتلت هذه الخريطة مشاهدة المباني الثلاثة الضخمة المتجاورة التي احتلت كل منها مؤسسة ضخمة, ففي المنتصف قناة (C.N.N) وعلى يمينها قناة (M.B.C) التي انتقلت بقضها وقضيضها من لندن إلى دبي أخيرا, وعلى يسارها وكالة رويترز للأنباء قسم الشرق الأوسط ومبنى رويترز يضم بعض المكاتب الخاصة والمشاريع الخاصة بمدينة دبي للإعلام.

          وخلال جولتنا مع المنتفق, بيّن لنا إمكان الحصول على رخصة مكتب تجاري داخل مدينة دبي الحرة خلال يوم واحد فقط, وتخليص إقامة العمل لموظفي ذلك المكتب خلال يومين فقط مشيراً إلى أنه لا حاجة في هذه الحالة إلى تعيين كادر متخصص للقيام بتلك الأعمال المكلفة لصاحب العمل الذي قد يعزف عن العمل لدينا بسبب الروتين والبيروقراطية. والحديث عن هذه الإجراءات قادنا إلى محطتنا الأخيرة في جولتنا مع المنتفق وهي طابق الموهوبين.

          ويقع هذا الطابق في الدور الثاني من المقر الرئيسي لمدينة دبي للإعلام وهو عبارة عن مركز أعمال إعلامي يؤمن البيئة المهنية المناسبة لأصحاب المهن الإعلامية المتخصصة الذين يعملون لحسابهم الخاص, ويقول سعيد المنتفق: هناك من لديه الطموح والقدرة على العمل الخلاّق ولكن الكلفة المادية هي ما تعطل تلك الطموحات, وعليه قمنا بتوفير أكثر من 80 مكتبا ما بين مكاتب مفتوحة وتقليدية.

          وبإيجار شهري زهيد مع تقديم خدمات متكاملة لأولئك الموهوبين من هواتف وأجهزة فاكس وسكرتارية وكمبيوتر, وخلال ثلاثة أشهر فقط من الإعلان عن هذا المشروع أجرت جميع المكاتب ولم يتبق منها شيء.

مدينة دبي للإنترنت

          اللقاء الثاني كان مختلفاً في المضمون ومتشابها إلى حد كبير في المكان, حيث أجري هذا اللقاء مع السيد أحمد بن بيات المدير التنفيذي لمدينة دبي للإنترنت في قاعة زجاجية شبيهة بتلك التي جلسنا فيها مع السيد سعيد المنتفق, وقد عرفنا سر هذا البروتوكول المتبع أخيراً, كونه يحقق أهم ركن في أي مقابلة صحافية وهو تخلص أي مسئول مهم من الاتصالات الهاتفية ومن أي ضغط من ضغوطات العمل بما يكفل إجراء المقابلة بصورة مختصرة ومجدية في آن واحد.

          وفي بداية حديثه معنا, سلّط بن بيات الضوء على ثورة التكنولوجيا في التسعينيات وموقع منطقة الشرق الأوسط من تلك الثورة حيث قال:

          إن ثورة التكنولوجيا التي اجتاحت العالم في فترة التسعينيات كشفت عن وجود فجوة تكنولوجية في منطقة الخليج والشرق الأوسط, كما أن توجه الكثير من المؤسسات الخاصة والحكومية في العالم المتقدم نحو إدارة أعمالها باستخدام التكنولوجيا ساهم في زيادة اتساع تلك الفجوة, واستغرب بن بيات قائلاً: رغم ضآلة عدد سكان دول الخليج وتوافر الكثير من الأموال لديهم, فهم لايزالون متأخرين تكنولوجيا.

          وتحدث بن بيات عن نية مدينة دبي للإنترنت لتكوين قاعدة تكنولوجية مهمة في المنطقة مؤكداً أن إمكانات المدينة وبنيتها الأساسية التي وجدت قبل 30 سنة لهذا الغرض وغيره تساعدها على تحقيق ذلك الهدف وهو استقطاب الشركات العالمية في مجال التكنولوجيا التي كانت في السابق تدير أعمالهما في المنطقة (بالريموت كونترول), أما الآن فقد تم توطينها ودمجها في أسواقنا التي استفادت من ذلك وحصلت خدمات أسرع وأرخص.

          وأشار بن بيات إلى أن البنية الأساسية وحدها لا تكفي لتحقيق أهداف مدينة دبي للإنترنت, بل واكبتها عملية استحداث شاملة للقوانين والتشريعات المعمول بها تهدف إلى القضاء على البيروقراطية, وبما يكفي لجذب الشركات العالمية موضحاً: من أهم تلك التشريعات الجديدة ما يتعلق بملكية الشركات والرسوم والضرائب والحصول على عمالة وحرية البيع والشراء وجميعها وضعت تحت مظلة مدينة دبي الحرة للتكنولوجيا والإعلام, وعلى أساسها أنشئت مدينة دبي للإنترنت.

          ما يهمنا في هذا الصدد هو استقطاب من لديهم الأفكار الجديدة في عالم الإنترنت ومنطقة الشرق الأوسط مليئة بمثل هذه النوعيات المتميزة التي اضطر الكثير منها للهجرة إلى الدول الغربية بهدف تنفيذ أفكارهم, وهناك - كما نعلم - لديهم بيئة خصبة مهيأة لاستقبال وتمويل الأفكار والمشاريع الجيدة.

          وأوضح بن بيات قائلاً: لو نذهب إلى وادي السيليكون في الولايات المتحدة الأمريكية فلن نجد فيه إلا القليل من الأمريكان والباقي أغلبهم من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وإيران ومن الوطن العربي, وهذه العقول المهاجرة خسرتها المنطقة لأن من يذهب منها لا يعود إلا نادراً, مضيفاً: شركة مايكروسوفت ستنقل وحدة التعريب فيها من سياتل إلى دبي قريباً, وهذه الوحدة تضم (200) موظف ما بين مبرمجين ومترجمين ربما يعود نصفهم إلى أمريكا مرة أخرى, ولكننا سنسعى للاحتفاظ بالنصف الباقي منهم.

          وحول ما قد يحدث من هزات في سوق الإنترنت والإلكترونيات العالمية, سألنا بن بيات هل اتخذتم احتياطاتكم لمثل هذا الأمر? فأجاب: إن سوق التكنولوجيا اليوم في مقدمة الأسواق العالمية, ومادامت منطقتنا بحاجة إلى مثل هذه التكنولوجيا, فنحن في مأمن من أي هزّة, بعكس الأوضاع في الأسواق الغربية التي وصلت إلى حال التشبّع, خاصة في مجال الخدمات والبضائع التكنولوجية الأساسية.

          وضمن إطار استغلال جميع الفرص المتاحة لتدريب الكوادر الوطنية الإماراتية, أكّد بن بيات أن التسهيلات التي تمنحها مدينة دبي للإنترنت لبعض الشركات تقابلها ساعات تدريب وكورسات لفترات محددة تمنح لطلبة الجامعة وبعض موظفي الحكومة لتوسيع دائرة معلوماتهم وتثقيفهم بهذا النوع من التقنية مبيناً: بعض طلاب السنة النهائية في الجامعات التقنية يقضون مدة شهرين أو أكثر في إحدى الشركات كنوع من التدريب العملي لهم.

تجارب أخرى

          خرجنا قليلاً عن دائرة الحوار المتركز حول مدينة دبي للإنترنت, وسألنا بن بيات: هل توجد تجارب أخرى شبيهة بمدينة دبي للإنترنت? فأجاب قائلاً: هناك في جنوب شرق آسيا يوجد في ماليزيا مشروع منذ ثماني سنوات. ويمكن القول إن التجربة الماليزية ناجحة نوعاً ما ولكنها بطيئة جداً كونها تخدم ماليزيا فقط, والشركات الكبرى في هذه الحالة لا تريد سوقاً واحدا بهذا الشكل, هم يريدون أسواقاً أخرى أكبر ونقطة ارتكاز ينطلقون منها, وهناك شركات كبرى تستوطن في بعض الأماكن بهدف الحصول على أسواق ضخمة قريبة منها منعتها الظروف في السابق من الانفتاح التجاري.

          وفي كلمة أخيرة, أكّد السيد أحمد بن بيات المدير التنفيذي لمدينة دبي للإنترنت أن العلاقة بين دبي ودول الخليج العربية والمنطقة يجب أن تكون علاقة تكامل لا تنافس حتى يمكن بناء أسواق ضخمة تجعل من هذه البقعة الحيوية منطقة جذب لمختلف الاستثمارات, مضيفاً: إنني أناشد أصحاب القرار في المنطقة بضرورة التركيز على إدخال التكنولوجيا في مجال التعليم حتى يمكن بناء قاعدة وطنية صلبة تنهض بهذا النوع من الصناعة في المستقبل.

قرية المعرفة

          لفترة قصيرة جداً اعتقدنا فيها أن مهمتنا الصحافية قد شارفت على الانتهاء, لكن صادفنا حدث مهم رتّبه القدر لنا حتى تشهده مجلة (العربي) على الطبيعة, وهو ولادة قرية المعرفة في منطقة دبي الحرة للتكنولوجيا والإعلام إلى جانب كل من مدينتي الإعلام والإنترنت.

          وقرية المعرفة مشروع يهدف إلى إقامة مجتمع معرفي متكامل قادر على إثراء عملية التعلم عن طريق بناء قاعدة تعليمية حديثة, بغية تحقيق هدف استراتيجي يتلخص في صقل الطاقات الإبداعية وزيادة أعداد المتخصصين في مجال العمل المعرفي بما لذلك من أثر في تسريع معدلات نمو الاقتصاد الجديد محلياً وإقليمياً.

          وللتعرف أكثر على قرية المعرفة عن قرب, التقت (العربي) مدير القرية الدكتور عبدالله كرم الذي تحدث بداية عن مساحتها حيث قال إنها سوف تمتد على مساحة مليون قدم مربع داخل نطاق منطقة دبي الحرة للتكنولوجيا والإعلام وسينتهي العمل بها في الربع الثاني من عام 2003 حيث سيتضمن المشروع أكاديمية الإعلام ومركز الإبداع ومركز التعلم الإلكتروني ومؤسسات الأبحاث ومكتبات الوسائط المتعددة ومركز تدريب الطلاب والخريجين الجدد ومراكز تدريبية وتعليمية لشركات تقنية المعلومات وجمعيات علمية وتقنية والشركات الحاضنة.

          وأكد كرم أن إمكانات القرية ستتعزز من خلال أنشطة أكاديمية الإعلام, مضيفاً أن الأكاديمية ستشمل مراكز تدريبية تغطي نواحي إعلامية متعددة وتساهم في رفع مستويات الأداء الإعلامي في الدولة والمنطقة. وتشجع الشركات والمؤسسات الحاضنة على الاستثمار في هذا القطاع الحيوي.

          وقد روعي في تصميم مشروع قرية المعرفة, الدمج بين نماذج التعليم التقليدية وأحدث الأساليب التقنية بما يسمح للطلاب والدارسين للاستفادة من موارد معرفية وتسهيلات مشتركة مثل مكتبات الوسائط المتعددة ومواقع الفعاليات مثل المسرح وقاعات المؤتمرات مع توفير صالات درس متطورة ومختبرات الحاسب الآلي في الوقت الذي ستتضمن فيه القرية أيضاً مختبرات لتقنية المعلومات والإعلام, مع الاهتمام بتوفير كل الخدمات المكملة.

          وشدد كرم على أهمية تنمية الكوادر الوطنية قائلاً: إن واحداً من أبرز الأهداف التي صمم مشروع قرية المعرفة من أجلها هو الارتقاء بطاقات الكوادر المحلية والإقليمية المتخصصة في مجال العمل المعرفي والتكنولوجي والأخذ بيدها على طريق الإبداع وزيادة القدرة على العطاء حتى تصل إلى المستوى الذي يسمح لها بالمنافسة عالمياً, مشيراً إلى أن إطلاق برامج للتدريب العملي للطلاب والخريجين الجدد تأتي ضمن مبادرات مشروع قرية المعرفة حيث ستمنح تلك البرامج الفرصة لهؤلاء الشباب للدخول إلى الحياة العملية والتبكير باندماجهم في جميع تفاصيل العمل المعرفي خاصة في مجالي التقنية المعلوماتية المتخصصة لضمان خلق جو من الألفة بين المتدربين وأساليب وأنماط العمل المؤسسي ذات المستوى العالمي.

          وعن الظروف المحيطة التي ساعدت على خروج فكرة قرية المعرفة إلى النور قال كرم: لاحظنا أن الكثير من الجامعات الأجنبية ومراكز التعليم العالمية بدأت تهتم بمنطقة دبي كونها مدينة المال والتجارة, وفي الوقت نفسه, كانت تدور في أذهاننا أفكار حول إمكان بناء مجتمع تعليمي أكاديمي غير تقليدي لا مكان فيه للطبشورة والسبورة, مجتمع تستخدم فيه التكنولوجيا الحديثة للتعليم والتعلم. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف سيتم التلاقي بين جميع هذه الرغبات جميعاً? الجواب هو في إنشاء قرية المعرفة واضطلاعها بتلك المهمة وتسهيل مهام جميع الجامعات والمعاهد والمراكز البحثية المنضوية تحت مظلتها.

          ويواصل كرم: إن التوقعات تقول إن طريقة التعليم في المستقبل تأتي على النحو التالي: 15% تعليما تقليديا, 15% تعليما بواسطة الإنترنت, 70% خلطا ما بين النوعين السابقين, نحن هنا مهمتنا تشجيع هذا النوع من التعليم الحديث من خلال بناء هذا المجتمع الذي يقدم هذا النوع من الخدمة, والتعاون مع الجامعات المحلية, ولو قدمنا هذا التعليم لأصبحنا محتكرين له, وهذا الأمر لا نريده بل نريد خلق البيئة التي تجذب أكبر قدر ممكن من الجامعات والمؤسسات التعليمية. وهذه الجهات قبل اعتمادها لدينا تمر بالعديد من مراحل (الفلترة) وتحقيق المتطلبات الأساسية التي لابد أن تتوافر فيها, حتى نعتمدها كجهة تستحق الترشيح من قبلنا, وهنا لابد من التوضيح أننا في قرية المعرفة جهة لا تسعى إلى الربح ودونها كان الوضع سيكون عبارة عن شركات متفرقة تقدم خدماتها دون تنظيم هدفها بالدرجة الأولى هو الربح.

          واختتم كرم حديثه مع (العربي) مؤكداً أن مشروعات قرية المعرفة ستتكاتف من أجل تضييق الفجوة الحالية بين الإمكانات المختلفة التي تمتلكها المنطقة خاصة على مستوى الرصيد الفكري والطاقات البشرية من ناحية, وحجم الإنجاز الحقيقي على أرض الواقع من ناحية أخرى حيث ستعمل القرية على إعداد المناخ الملائم للمواهب لكي تزدهر وتنمو وتكون قادرة على الإبداع والابتكار البنّاء في الوقت الذي سنسعى فيه إلى تفعيل دور القرية كأداة فعّالة تصقل المواهب وتطلق الطاقات الكامنة.

البحيرة الاصطناعية

          نهاية جولتنا في منطقة دبي الحرة للتكنولوجيا والإعلام كانت عبارة عن رحلة سريعة طافت بنا على المباني السوداء التي تمثل المراحل اللاحقة التي لم يستكمل بـنـاؤها بعد والتي سبق للمنـتفق أن أشـار إلـيـهـا في السابق.

          أنا وزميلي المصور فضّلنا العودة إلى نقطة بداية تحركاتنا حيث لمحنا هناك بحيرة اصطناعية خلف مباني مدينة دبي للإعلام الضخمة. ترجلنا من السيارة وتركنا مرافقنا قليلاً, كان منظر هذه البحيرة التي تطل عليها المباني رائعاً, خاصة أنه يشهد عملياً على النجاح الذي تحقق بتوطين أهم المؤسسات الإعلامية العـــالمية والعــــربية جنباً إلى جنب وعلى أرض واحدة هي مدينة دبي.

 

إبراهيم المليفي   







صورة الغلاف





 





مدخل مدينة دبي للإنترنت





 





منظر عام لأحد شوارع مدينة دبي.