قلاع الفاطميين في جـبال البهرة

  قلاع الفاطميين في جـبال البهرة
        

          تعقيباً على استطلاع العربي المنشور في العدد 515 ــ أكتوبر 2001, (القلاع والحصون في الساحل السوري) أود أن أضيف ما يلي:

          أقام الفاطميون (النزاريون) دولة لهم في القسم الجنوبي من جبال البهرة (سلسلة الجبال الساحلية السورية اليوم), وهي جبال شاهقة الارتفاع, لها قمم شديدة الانحدار, وأودية وعرة المسالك ودروب متشعبة ضيقة.

          وجاء ولع هؤلاء الفاطميين بالقلاع والحصون لاعتقادهم بأنها كفيلة بتأمين الاعتصام فيها في الحروب وتحقيق الانتصار, لأنها كانت معدة لحالة الحصار, وتكون هذه القلاع صالحة للهجوم, إذ كان ينطلق منها فدائيون مدربون ويأتمرون بأمر الإمام الفاطمي النزاري...!

          قامت هذه الدولة في سلسلة الجبال الساحلية وكانت تسمى أيضاً جبال السماق لكثرة وجود نبات السماق فيها, بدءاً من قلعة قدموس عام 1130م, ثم توسعت شيئاً فشيئاً... قلعة الكهف عام 1132م والعليقة والخوابي, ثم استولوا على قلعة مصياف عام 1135م, وضموا حصن المينقة عام 1137م.

          تقول الباحثة في الآثار د. زكية حنا: (وقد اعتمدت دويلة الإسماعيلية في بقائها من عام 1125م إلى عام 1203م على التوازن القائم بين قوى المسلمين والصليبيين, على قلاع الدعوة المنيعة, وعلى الاغتيالات السياسية لافتقارهم إلى جيش يتكافأ مع قوة جيوش خصومهم, وعلى هذا النحو اهتموا بتنظيم جماعة الفداوية لتنفيذ خططهم في اغتيال من شاءوا من زعماء المسلمين والصليبيين) ففي عام 1152م قتل الفداوية المركيز صاحب صور (كونراد مونتغرات) لأنه تعدى على سفنهم, وفي عام 1213م لقي ريموند الابن الأكبر لبوهمند الثالث مصرعه في كنيسة طرطوس على يد فدائي من أتباع شيخ الجبل الثالث (سنان راشد الدين), لأنه شن هجوماً على أملاكهم, وما قيل عن تقرب سنان راشد الدين من الصليبيين محض افتراء تاريخي.

          تقول د. زكية حنا: (تقع هذه القلاع في أحضان جبال البهرة, وهناك ظاهرتان واضحتان في هذه القلاع: الظاهرة الأولى: انها متقاربة فيما بينها متجمعة على شكل دائرة حتى يسهل الدفاع عنها, ولها مدخل واحد من الشرق. الظاهرة الثانية: انها قائمة بأعلى جبال البهرة, بحيث تصبح وعرة المسالك منيعة لا ترام, ثم إنها في المنافذ الجبلية المؤدية إلى بانياس - طرطوس, حماة ومصياف وأخص بالذكر منها: قدموس - الكهف - الخوابي - العليقة التابعة أثرياً لمحافظة طرطوس).

قلعة قدموس

          وقدموس في الأسطورة اسم فينيقي لابن ملك صور (آجنور) ذهب إلى الغرب ليسترد أخته أوربا التي اختطفها (زيوس) كبير آلهة (دلفي) فتوقف في بلاد اليونان, وأدخل إليها الأبجدية وأنشا مدينة (ثيبة) حوالي القرن الخامس عشر قبل الميلاد.

          تعتبر هذه القلعة من أجمل القلاع, فهي صخرة طبيعية وجدت على تل مرتفع يعلو ألف متر عن سطح البحر تبعد عن بانياس الساحل ثلاثين كيلو متراً والمسافة نفسها عن مصياف. وتطل هذه القلعة على مناطق بعيدة إذ يمكن مشاهدة أضواء ميناء طرطوس منها, كما تشاهد منها جبال قبرص إذا كانت السماء صافية.

          يذكر كتاب (فصول وأخبار) أن الفاطميين النزاريين اشتروا هذه القلعة من ابن عمرون الدمشقي, وجعلت عاصمة الدولة الفاطمية النزارية في سوريا, والتي كانت تابعة لقلعة (آلموت) (في بلاد ايران) ولقد هاجمها الصليبيون بقيادة بوهمند الثاني عام 1128م, ولكنه رد على أعقابه.

قلعة الكهف

          تقع هذه القلعة على هضبة صخرية وسط أرض منخفضة قرب واد سحيق, تمتد مسافة ستمائة متر طولاً وخمسة عشر متراً عرضا,ً تبعد عن قلعة قدموس عشرين كيلو متراً... تؤكد المصادر التاريخية على وجود قلعة الكهف في أوائل القرن الحادي عشر الميلادي. كانت من أملاك سيف الدين بن عمرون الدمشقي عام 1101م لكن الصليبيين احتلوها عام 1128م, ثم استرجعها صاحبهاعام 1132م, وبعد موته وقع خلاف بين أولاده مما جعلهم يبيعونها إلى أبي الفتح فاشتراها وحولها إلى قاعدة كبرى, ومن ثم وصل إليها سنان راشد الدين وتسلمها, وأخذ بتجديد بنائها, ونظم فيها مدرسة لأتباعه الفدائيين. وفي عام 1194م زارها هنري كونت شمبانيا, كما زارها الإمام الفاطمي النزاري جلال الدين حسن وأمر بإصلاح حمامها. ويتم الدخول إلى القلعة من البوابة الرئيسية, وبعد اجتياز هذه البوابة بثلاثين متراً نصل إلى الحمام, ويعد من أهم المعالم الأثرية الباقية, وهو بناء مستطيل الشكل يمكن الدخول إليه من بوابة رئيسية تقع إلى شرق القلعة وتؤدي هذه البوابة إلى بهو كبير (البراني) وهو غرفة الثياب, وله شرفة تطل على واد سحيق, وفي الزاوية الجنوبية الغربية باب يؤدي إلى ردهة طويلة في جدارها الشمالي, وباب يؤدي إلى قاعة الحمام مثمنة الشكل مبنية بإتقان (الحمام الوسطاني) وهي الغرفة الدافئة يتوزع في جدرانها اثنتا عشرة قنطرة وفي كل منها قناة فخارية للمياه, أما سقف دائرة الحمام فهو مقبب مبني من الحجارة تتخلله فتحات مستديرة صغيرة مغطاة بالبلور, وفي جدرانه ثلاثة أبواب تؤدي إلى ثلاث غرف (الحمام الجواني وهي الغرفة الساخنة) وإلى جانبه خزان منحوت في الصخر تتوزع منه الأقنية المائية إلى داخل الحمام.

          ومن الحمام نتجه إلى البوابة الثانية للقلعة وقد كتبت على عتبتها آيات قرآنية, تؤدي إلى غرفة منحوتة في الصخر. وانطلاقاً من هذه البوابة باتجاه القلعة وعلى جدارها الأيمن كتبت على أحد حجارتها آية الكرسي, وفي طريقنا نحو البوابة الثالثة ظهرت كتابة على أحد حجارة الجدار المواجه لها وذكر فيها بعض الآيات مع ذكر تاريخ ذو القعدة 761هــ.

          وبعد ذلك يمكن مشاهدة أبنية متهدمة وأرض صخرية وبقايا سور محيط بالقلعة وثلاثة أبراج متهدمة من الشرق والغرب والجنوب, أما سطحها فتنتشر عليه الآبار (لتجميع مياه المطر), ولها فتحات للتهوية والإنارة لداخل القلعة. كما أن المياه كانت تجلب إلى القلعة عن طريق قنوات فخارية من عين ماء غزيرة قريبة منها بحوالي كيلو مترين.

قلعة الخوابي

          تقع هذه القلعة في منطقة متوسطة بين جبال الساحل السوري (جبال البهرة) وهي أقل ارتفاعا,ً تعتبر من قلاع الفاطميين التي كانت تابعة لقلعة الكهف حيث ضموها إلى قلاع الدعوة بعد عامين من وصولهم إلى قلعة الكهف. ولقد جدد بناءها سنان راشد الدين حوالي سنة 1160م. هاجمها بوهمند الثاني الصليبي وحاصرها انتقاماً لابنه (ريموني).. ثم توسط بينهما الأمير الظاهر غازي صاحب حلب. وهي كبقية القلاع الفاطمية يتم الصعود إليها عن طريق بوابة وحيدة في جهة الشرق وعلى سلم حجري.

          تتألف قلعة الخوابي من حارتين: الأولى حارة سنان راشد الدين, وهي أعلى مرتفع من مركز القلعة وفيها مسجد.

          أما الحارة الثانية فهي حارة السقي. ويوجد خارج القلعة مسجد قديم وحمام..!

قلعة العليقة

          تبعد قلعة العليقة عن قدموس ما يقارب العشرين كيلو متراً إلى جهة الشمال الغربي وتقع بين أحضان جبال البهرة. تتوضع على قمة جبل صخري كلسي بارز مما أكسبها منعة قوية. ربما يعود بناؤها إلى العصور اليونانية إذ عثر على آثار يونانية بالقرب منها. احتلها سنان راشد الدين وضمها إلى قلاع الدعوة. وقد رسم أسوارها وحصنها (سنقر العجمي), ثـــم تسلــمــها أبوبكــر العليــشي بعـهد محمد بن قلاوون الصالحي, ثم تولاها (الرضى) وولده صارم الدين لكن هذا الأخير اعتقل بمصر. وظلت القلعة بين كر وفر تنتقل بين أيدي الفاطميين وآخرين, حتى باعها أصحابها منذ عهد قريب ونزحوا إلى مصياف.

          لقلعة العليقة سوران أحدهما ضمن الآخر, وبهذا تصبح القلعة ضمن قلعة, حيث توزع الأبراج والقناطر عليها. كانت بوابتها الرئيسية واضحة المعالم إلى وقت قريب وفيها جامع متهدم بفعل الزمن, وفيها بئر ماء حُفرت في الصخر. ويعتبر الحمام من المعالم الأثرية, ويقع على الجهة الجنوبية ما بين السورين الأول والثاني, وقد عُثر منذ فترة قريبة على أربع غرف كلسية تحت الأرض. وعلى مقربة من القلعة توجد مقبرة إسلامية تضم قبر الشيخ (محمود العليقة) وهو أحد كبار دعاة الفاطميين , كما وجدت كتابة على أحد الأحجار في أحد الأبراج كُتب عليها: (أمر بعمارة هذا البرج الزردخاني شيحا جمال الدين), وشيحا جمال الدين هذا من قادة الفاطميين الذين خاضوا معارك بحرية كبرى ضد الصليبيين.

 

سمير أحمد خنسة   







مدخل استطلاع العدد 515 ــ أكتوبر 2001