الشارع

 الشارع
        

-1-

مُلتفٌّ

كالنّونِ الحولاءِ على سورِ الدارْ

لو كانَ لهُ قلبٌ

لتعلقَ وقعَ صبايانا,

أو كانَ لهُ عينٌ

لتلصّصَ أعلاهُ

... وشاهدَ في فسحتهنَّ بساتينَ الأسرارْ

تُودعهُ الأبوابُ أمانتها,

يعتمرُ نعالَ الصّبيانِ صباحاً,

ومساءً

يَرْوُونَ: يُعِدُّ مظلّتهُ

للصوصِ الليلِ إذا تعِبُوا,

وإذا ناموا

يفرشُ عشبَ الزَّند دثارْ

لا تقرَبهُ الشّبهاتُ,

ونشبههُ..

يحفظنا وقتَ نَمُرُّ,

يُقلّدُ في الليلِ - وحيداً - مشيتنا,

وإذا لامسهُ الغرباءُ

استفرسَ باللغزِ, وضاعوا,

... لولا أن دلَّ عليهِ

الرقمُ المحفورُ على أوّلِه..

ووشى بخرائطِه جارٌ

للزُّوارْ.

ونراهُ حزيناً

في جلستِه الأبديّة بين منازلنا...

همْ سَمّوهُ الشارعَ,

وهُوَ السارقُ رنّةَ خلخالِ الأحبابْ...

وهُوَ الهاربُ من ثوبِ الشّرعِ

ومنْ أقفاصِ محاكمنا...

لكنّ الناسَ تماماً

سمّوهُ الشارعَ كي يبقى

تحتَ الأقدامِ: يعيدُ حساباتِ العدلِ

ويركُنها

جامدةً في ضفّتِه,

هادئةً في طينتهِ... كالأشجارْ

- 2 -

في الليلْ

- ولأنّ مفاتنَهُ من طينٍ مثلَ الأجسادْ -

تغزوهُ الأرواحُ المستاءةُ من قفصِ الجلدِ

... تعيدُ (دحاحيلَ) اليومِ المفقودَة أضعافاً

للصّبيةِ في الأحلامْ,

ثم تصادرُ ما تسمعُ من شعرٍ

حينَ يغازلُ بنتَ الجنّيّاتِ

المرصودةِ عن غيرِ مفاتنهِ...

فتظنُّ بأنّا الشعراءُ

وأنّ الشارعَ غوينا.../ 

ويقالُ:

سيجبلُ من ضَحكاتِ الأطفالِ الصبّحيّةِ عفريتاً

ينفخُه...

كي نخشى الوحدةَ

إنْ قَوّضْنا الصمتَ بكعبِ حذاءٍ

أو علّقنا حبلَ العشقِ

على نافذةِ امرأَةٍ ما نامتْ...

ولأنّ لبئرِ الأسرارِ دِلاءً

تُخرجُ من عمقِ الحكمةِ

أوصافَ البنتِ إذا عشقتْ:

سمّوهُ الشارعَ

كي يُشرِعَ باباً للريحِ,

ويذرو زلاّتِ صبايانا.

- 3 -

لا يضجرُ

إن مرَّ عليهِ السّكّيرُ إلى خمّارتِه,

عاشقةً

من حضنِ الفارسِ صوبَ الهمْ,

أو مرَّ الشيخُ إلى مسجدهِ,

والحاكمُ نحوَ الحكمْ,

والمخدوعُ إلى زوجتهِ,

والعَرّافُ إلى فنجانِ العانسِ,

والشّحاذُ إلى جيبِ البسطاء,

لكنْ لا ينسى أبداً

أن يكتبَ تقرير اليومِ,

ويرسلَهُ قبلَ النومِ إلى الحاكم...

ولذلكَ:

سَمّوهُ الشارعْ

 

أنور عمران   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات