تنويعات على مقام السيرة الذاتية

 تنويعات على مقام السيرة الذاتية
        

          السيرة الذاتية ظهرت كنوع أدبي في العقود الأولى من القرن التاسع عشر. وكانت في بداياتها شكلاً جنينياً للرواية.. فكيف يستطيع كاتب السيرة الذاتية أن ينسلخ عن عالم القص لتأتي سيرته راصدة حياته ومراحلها بدقة بالغة دون أن يحصل ذلك التماس الجميل بين الواقع والخيال?! 

          إن طائفة كبيرة من النّقاد الذين تناولوا أعمالي بالنقد, إن لم يكن معظمهم, قد استشعروا في رواياتي وربما في شعري أيضاً, بحق, وجوداً قوياً إن لم يكن غَلاّباً للسيرة الذاتية.

          دعواي أن الخط الفاصل بين القصّ والشعر, والسيرة الذاتية خط مراوغ. أتصوّر أن شطحات الفانتازيا في القصّ وفي الشعر لها جذور ضاربة فيما نسميه الواقع, أو على الأخص الواقع الداخلي للذات.

          إن سؤالاً مفتوحاً يثور فيما إذا كانت الأحداث والرؤى والشخوص والأخيلة القصصية ليست في التحليل الأخير مما ينتمي إلى السيرة الذاتية بحقها الخاص مهما كانت ترتدي ببراعة وحذق قناع السرد الموضوعي المفترض.

          دعواي إن أعمالاً اشتهرت بهذه الخاصية, مثل روايات وقصص تولستوي أو دراما شكسبير لا تعوزها المقامات والمراجع والإيماءات السِيَر ذاتية. بل أكثر, أعتقد أن الأحداث والتشخيصات السير ذاتية يمكن أن تُستشفّ في هذه الأعمال بالعين الفاحصة, بل قد حدث ذلك بالفعل.

          ومن الواضح أنني لا أقصر قولي هنا على ما يمكن أن يوصف بالدقة الوقائعية المبنية على أدلة ومراجع موثّقة. ولكنني أتساءل فقط عمّا إذا كان القصّ ـ عندما يكون نابعاً عن أصالةٍ وموهبة ـ ليس أكثر استناداً إلى السيرة الذاتية الحقّة عما (حدث فعلاً وواقعياً).

          وعلى العكس, فإن أحد الموضوعات المتواترة في الأدب هو مُساءلة الواقع في صلته بالحلم والوهم (أي بالقصّ). فأيها أكثر (واقعية)? الواقع أم الخيال? إن (الواقع) هنا يمكن أن يئوّل على أنه سِيَر ذاتيّ.

          أما على صعيد الكتابة الأدبية ومن باب أولى السرد الروائيّ والقصصيّ, فإن ما يحدث ـ كما أراه ـ هو مشروع يتقاسم مع عناصر سِيَر ذاتية, مشروع تنهض به اللغة, ويقوم على الطاقة الكامنة في الكلمات.

          ومن نافلة القول أن هذا الاتجاه في التفكير لا بد أن يفضي إلى مُساءلة (واقع) سرد الأحداث ولا سيما إذا كان أكثر سردٍ دقةً وتوثيقاً والتصاقاً بالتفاصيل اليومية الأرضية, ومن باب أولى سرد الانطباعات والأفكار والعواطف وذبذبات النفس الداخلية.

          ولكن ذلك لا يستبعد نوعاً أو جنساً أدبياً يمكن أن يُدعى (سيرة ذاتية) صارمة الدقة أو بالغة الأمانة, ولعلّ ذلك لا ينال من مشروعية هذا الجنس الأدبي, ومع ذلك فإنني أشك في أن عملاً سِيَر ذاتياً, مهما كان مختزلاً إلى أقصى سردٍ ممكن حرصاً على (الواقع), يمكن أن يخلو تماماً من الانحياز ـ سواء كان ذلك بلا وعي أو غير ذلك ـ أو أن يبرأ من لوثةٍ على الأقل من الخيال أي من القَصّ.

          ذلك أن مجرّد وجود الحيل الأدبية التي لا يمكن تجنبها, من قبيل الاستبعاد والاحتواء, إلقاء الضوء على واقعة معينة أو تعتيمها, أي مجرد اللواذ بالكلمات مع مثول وَقْعها الكامن, يعني نفي سرد الوقائع سرداً (موضوعياً) دقيقاً مفترضاً.

          وبهذا المعنى فإن (الحقيقة) في عمل أدبيّ, سواءً كان قصّاً أو سيرة ذاتية أو غير ذلك تصبح أهم دلالةً من مجرد (الواقع), إن اقتحام الذاتية ـ وهو أمر لا مفر منه ـ له من المعنى والجدوى أكثر بكثير من الموضوعية المفترضة التي لا يمكن الوصول إليها أبداً.

          ومن ثم فإنني أذهب إلى شوط أبعد فأفترض أن العمل القصصي الذي يبدو أنه أكثر الأعمال حياداً, وصحواً, ونظراً إلى الخارج ونأياً عن الجوانب الشخصية, لا تعوزه أبداً لمسة أو نبرةٌ سِيَر ذاتية.

          إن كتابة سيرة ذاتية, ومن باب أولى سيرة ذاتية في صيغةٍ قصصية يمنح الكاتب حرية أن يُعيد صياغة حياته نفسها وربما الحياة كلها بشكل عام.

          فهل متطلبات الكتابة الجيدة ـ وهي متطلباتٌ بالتعريف أخلاقية إلى حد بعيد ـ تملي على الكاتب فعلاً إعادة الصياغة هذه, إعادة الخلق هذه, هذا الواقع الموازي, وهي كلها أكثر أحقية من أي شيء مما يسمى واقعاً أرضياً فعلياً?

بواعث السيرة الذاتية

          منذ بدء عصر النهضة أو عصر الإحياء العربي, في العقود الأولى من القرن التاسع عشر, ظهرت الكتابات السِيَر ذاتية وذلك قبل ازدهار جنس القصّ (الرواية أو القصص القصيرة), فقد كانت كتابات السيرة الذاتية هي الشكل الجنينيّ للرواية.

          وكانت السيرة الذاتية عندئذ وثيقة الصلة بيوميات الرحلة, أو السفر, التي بدأ بها جنسٌ أدبيّ ما زالت له مكانة في الأدب العربيّ الحديث, وهو جنس أدبيّ تَولَّد عن الصدمة الثقافية الناجمة عن التماسّ المفاجئ, أو التصادم, أو الاقتحام العنيف للغرب بما له من قيم معينة وأساليب للفكر والسلوك غزت مجتمعاً ظل ردحاً طويلاً من الزمن غارقاً في تقاليده الراكدة وإن كان قد تهيأ لتغيرات جذريّة ليس فقط نتيجة لصدمةِ دخولِ الغرب بل بفضل آليات هذا المجتمع الأصيلة الكامنة.

          إن الحس القويّ بالفردية قد يكون باعثاً على ظهور السيرة الذاتية باعتبارها جنساً أدبياً, ولكن الظاهرة المضادة, ظاهرة الانتماء القبليّ أو الطائفيّ, كانت قد تغلبّت على ذلك الحس بالفردية زمناً طويلاً.

          ومع ذلك, فإن جنس السيرة الذاتية يمكن أن نجد له أصولاً عند كتّاب متميزين من العصور الوسطى من قبيل الغزالي وأسامة بن منقذ وغيرهما.

          ومن الممكن أن نجد أوجه تشابه بين هذا الجنس الأدبيّ والحوليات أو اليوميات التاريخية التي حظيت باهتمام عدد كبير من كُتّاب العصور الوسطى ومن العصور الحديثة نسبياً أيضاً, ولا أذكر في هذا السياق إلا ابن إياس والجبرتي على سبيل المثال, إذ إنه يمكن أن نتلمس نبرة شخصية قوية في أعمالهما.

          أما في العصر الحديث, فإنه يمكن ذكر قائمة طويلة من كتابات السيرة الذاتية, ونظرة سريعة يمكن أن تشير إلى حصاد مرموق من هذه الكتابات, تتراوح بين الكتابة التي تهدف إلى التعليم والتهذيب والكتابات ذات المنحى السياسيّ, وكتابات البوح والتدفق شِبه الرومانسية, وكتابات الذكريات التي تشيع فيها النوستالجيا, كما تتراوح من كتابة الوقائع المفترض أنها حَرْفية ودقيقة إلى الكتابات التي يدخل عليها عنصر القَصّ الخيالي ببراعة وحذق.

          وفي هذا السياق, يمكن أن نسوق ثبتاً طويلاً من الأسماء والعناوين.

          أتصوّر أن من حق المبدع أن يكتب سيرته الذاتية, أحياناً أرى أن واجبه يدفعه لذلك, ويمكن أن يكتبها في أي مرحلة من العمر, فهي ليست الصفحة الختامية للكاتب, وقد مَزجتُ السيرةَ الذاتية بالمتخيَّل الروائيّ في معظم ما كتبتُ مثل (ترابها زعفران). أما رواية (حجارة بوبيللو) فقد قدمتُ فيها جانباً من سيرتي الذاتية مع شطحات خيالية, مع تغيير بعض الأسماء حرصاً على مشاعر الناس, هذا هو الأسلوب الشائع, ومن يخرج عنه يتعرض للهجوم, مثلما حدث مع لويس عوض عندما نشر كتابه الصادق الجميل (أوراق العمر) وتعرض لبعض أفراد عائلته بما يتصورون, عن خطأٍ بالغ, أنه يسيء إليهم, بينما هو في حقيقة الأمر تصوير إنسانيّ نابع عن معرفة بالنفس البشرية ورحمةٍ لها, إذ إن المعرفة هي دائماً تطهير وتواصلٌ حقيقيّ.

          وليس ببعيد ما كتبه البعض عن نجيب محفوظ عندما أشار, على نحو عابر, إلى مغامرات الشباب ونزواته فقد نشر البعض أنه لا يصح أن يروي ذلك عن نفسه لأنه (قدوة تُحتذى).

          مَنْ من كتّابنا يستطيع في ظل هذه الأوضاع أن يكتب شيئاً يقترب من (اعترافات جان جاك روسّو), وما تفيض به كتابات السيرة الذاتية في الغرب والشرق. لذلك, لجأ البعض ممن كتبوا سيرتهم الذاتية إلى البعد عن أي أمور شائكة, مثلما فعل كلٌّ من توفيق الحكيم في (زهرة العمر), و(سجن العمر), وابراهيم المازني في (إبراهيم الكاتب), فالصراحة المطلقة في مجتمعنا مستحيلة, بعكس ما يحدث في الغرب حيث يتقبلون أن المبدع إنسان ولا يطالبونه بارتداء مسوح القديسين, أما في مجتمعاتنا العربية فلا بد من التوفيق بين الصدق الفني ومتطلبات الظروف الاجتماعية. أرى أن مَنْ يتناولهم المبدع في سيرته الذاتية لديهم الفرصة نفسها للرد على ما قد يسيء إليهم فيها, فأجهزة الإعلام ترحّب كثيراً بهذه الردود... وأتساءل: هل من الأفضل أن يكتب المبدع سيرته وألا تنشر إلا بعد موته حتى لا يؤذي أحداً?

السيرة وأسطورة المتوسط

          في سياق سيرتي الذاتية, يمكن أن أشير إلى علاقتي بالبحر, البحر الأبيض المتوسط, فليس هذا البحر عندي مُقابلا ـ أو رمزا, أو شفرة ـ للأم, أو المرأة, لا أرتمي في مياهه كما يرتمي الرجل في أحضان امرأته الحنون الرحيبة, أو كما يلوذ الطفل بحجر أمه الرءوم, ليست أمواجه مما ألقي بنفسي إليها, مطمئناً, ناعم الحسّ بالراحة والاستسلام لهدهدتها في عناق مجالدة الحب.

          ومع افتتاني به, وسحره الذي يوقعه بي, فكأنه أبٌ صارم حتى في لحظات هدوئه وسُجُوِّ مياهه, فإنه كيان قلق ومُقْلٍق, غاضب حتى في رقرقته الوديعة, عميق لا أعرف ـ ولن أعرف أبداً ـ غور أعماقه, وما يخفيه تحت صفحته الساكنة أو الجياشة على السواء, ولكني لا أستطيع أن أنأى بنفسي في غوايتِه, وما أزال أقترب منه ـ على حيطة وحذر ـ ثم أنأى.

          نداءات هذا الكيان لا تني تهاجمني, السيرينات لا يتوقفن عن الغناء, والإغراء, وما من جدوى في أن أصمّ أذنيّ بالشمع أو أوثق نفسي بالحبال, كما فعل نوتيَة يوليسيوس.

          صدمة أمواجه في أحجار الميناء الشرقية البيضاء لا تزال أصداؤها تتردد في جنبات روحي, منذ أيام الصبا الباكر, وما زلت أحس رذاذ مائه في الأصباح الشِتْوية مشرقة الشمس يطسّ وجهي ويبلل عنقي المفتوح.

          ولا تزال صافرات البواخر في الميناء تدوّي في ليل الذكريات الطويل, عميقةً موحشة ومعزيةً معاً تصلني في سريري في راغب باشا البعيدة عنها وأنا أقرأ جوزيف كونراد ورابندرانات طاغور, في منتصف ليلة رأس السنة, تحت اللحاف الثقيل, كأن البحر الأبيض المتوسط في غرفتي, يرقب أحلام الصبيّ الذي كنته ـ ولعلني ما زلته ـ يحلم بالحب والمعرفة والشوق إلى مهاجمة لغز الكون.

          وإذا كنت أحس أنني وريث كاليماخوس, وأبولونيوس, وثيوكريدس, شعراء الموزيون السكندريّ العريق, فذلك أنني متوسطي وصعيديّ في الوقت نفسه (أبي من مدينة أخميم العريقة في مصر العليا), مصريّ وعربيّ معاً, والمتخيَّل المتوسطيّ عندي هو تلك الرومانسية الصارمة, وتلك النشوة الرعوية التي لا تُغمِض عينيها قط عن الهموم اليوميّة, من غير أن تسقط في ابتذالِ اليوميّ العارض, وذلك البحث الدائب عن آفاق غير مسبورة, هؤلاء الشعراء المتوسطيون هم الذين كانوا أسبق إلى تناول ما هو أرضيّ وسَامٍ متعالٍ, ما هو واقعيّ وما هو أدخل في باب السرّ وغير المتوقّع وغير المعروف معاً, وإذا كانت صعيديتي الحارة العارمة المحوطة بالسّر والغموض تغلب متوسطيّتي أحياناً, فما زلت أبحث عن توازنٍ محكوم عقليّ وعن تدفقٍ عفويّ منثالٍ في وقتٍ معاً.

          وما زلت أحس بالقربى الوثيقة بين إسكندريّتي ـ وأخميميّتي ـ وبين تامودا (تطوان) وطرابلس, بين تيباسا وتابارورا (صفاقس) بين توجلوس (جسر الماكينة) وأوجستا تورينوريام (تورينو).

          ما زلت أحس بالقربى الوثيقة بين الملحميّ والشائع, بين الصرحيّ الشامخ واليوميّ الأمين الصامت, بين السّري الملغز وضوء المتوسط الساطع, بين المنمنمات الأرابيسك الذاهبة إلى اللانهائية والخرطوشة المحددةِ الخطوطِ المغلقة على حدودها سواء كانت هي الفرعونية أو البطلمية التي هي أيضاً مِلكي وميراثي.

          أسطورة البحر الأبيض المتوسط عندي شخصيةٌ وحميمة, نابعة من (الواقع) أياً كان معنى (الواقع) ومنحدرة من تراث عريق ما زال يمور بالحياة, تراث مصريّ وهيللينيّ وجاهليّ ومن ألف ليلة وليلة والسندباد الذي ضرب في بحارها, هذه أسطورة تتنفس في جوّ المتخيّل الشخصيّ الداخليّ, تتحوّر وتتغير وتخلع غلالاتها السبع أو ترتدي أقنعتها السبعة على السواء, في حرية كاملة, وهي مع ذلك تحتفظ بجوهرها الذي لا أعرف أن أفضّ سرّه. أسطورة لها قسمات معاصرة ولكنها أبدية.

فوق الأرخيولوجيا

          أسطورة البحر الذي أحبه وأرهبه, أخلقها من جديد, وأجد أنها أزليّة كانت منذ بدء الزمان, ومعها أخلق نفسي أو أعيد خلق نفسي من جديد, في كل لحظة, وأجد أنني أوجد في اللازمن.

          البحر الأبيض عندي لا يقع فقط في الجغرافيا ولا في التاريخ, ليست له ـ فقط ـ أرخيولوجيا وثقافة وحضارة, ليس هو ـ فقط ـ ملتقى حضارات ومسرح صراعات, هو عندي فوق ذلك سؤال متّصل, سؤال ميتافيزيقيّ وحميم: هل هو المجهول الذي لا سبيل قط إلى معرفته? أم هو الأبدية التي لا شطآن لها, هو حالة من حالات الروح, وهو من ثَمّ جوهرٌ شعريٌّ.

          عندما كنت في السابعة من عمري ـ ربما ـ كنا نقضي شهور الصيف في أبو قير التي كانت ضاحية بعيدة هادئة وخالية تقريباً, لا يؤمّها إلا العائلات المتوسطة أو الفقيرة, وكان شاطئ البحر هناك وديعاً وجميلاً, أخذني خالي حنين (الذي أسميه أحيانا خالي ناثان), وذهبت معه داخل البحر قليلاً, وكان يريد أن يعلمني كيف أسبح وحدي, وقال: (إضرب بذراعيك وساقيك وارفع رأسك مع كل ضربة ذراع لكي تتنفس), ثم ألقاني في الماء.

          لم أضرب بذراعيّ وساقيّ, بل غُصت في الماء, أحسست أن البحر عميق غائر بلا قاع, وغصصتُ, وشهقتُ, وامتلأ صدري بالماء, واختنقت, وعرفت أنني قاربت الموت, بل عرفت الموت.

          ألهذا يرتبط الأبيض عندي دائماً بالموت?

          ألهذا ظللت أبغض الأبيض, ويغويني, وما زلت أحاذره مع أنني مفتونٌ به?

          الاتصال الوثيق بين الجسم الحيّ المتوفز النابض وعمق اللامحدود اللانهائي.

          الهامش الهشّ المشدود بين الحسّي العينيّ الآنيّ والمجرد المطلق, بين الجسمانيّ الملموس والماوراء, الواقع واللاواقع, بين الخواء والحاشد الموّار بعرامة الشهوة والشَبَق.

          ما أبعد هذا الحس عن الوقوع في خطر الفولكلور المكرور أو السنتمنتالية المائعة أو التهويم (الشعريّ) الخاوي.

          هو حسٌ متجسّد وضاربٌ في اللانهائية في وقتٍ معاً, رؤيا من لحم ودم.

انصهار السيرة

          أشير فقط في أعمالي إلى تلك التي تُرجِمت إلى لغات أوربية: ترابها زعفران, يابنات إسكندرية, حجارة بوبيللو, رقصة الأشواق.

          ففي تقديم (ترابها زعفران) أقول بما يتفق تماماً مع فكرتي:

          (ليست هذه النصوص سيرة ذاتية ولا شيئاً قريباً منها, ففيها من شطح الخيال ومن صنعة الفن ما يشطّ كثيراً عن ذلك.

          فيها أوهامٌ ـ أحداثٌ, ورؤيً ـ شخوصٌ, ونُويّات من الوقائع هي أحلام, وسحابات من الذكريات كان ينبغي لها أن تقع لكنها لم تحدث أبداً).

          وهو ما يصدق على كل كتاباتي التي يُلصق بها تصنيف (سيرة ذاتية) على نحوٍ يتوخى التبسيط والتقريب.

          ذلك أن السيرة الذاتية هنا تندمج بل تنصهر بالقصّ الخياليّ, مما يثير السؤال الذي يتردد باستمرار: هل الحياة إلا وهم, وحلم, ومزقة من خيال?

          وهو سؤال لا يستدعي إجابة.

          إذ إننا ندرك تمام الإدراك, مدى الصلابة الصخرية في الحياة, ومدى تعقيد وفعالية الظواهر الطبقية والاجتماعية

 

إدوار الخراط   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




ادوار الخراط في إحدى الندوات





(أمواج الليالي) للقاص ادوار الخراط





إحدى قصص ادوار الخراط





إدوار الخراط