وللنبات حواس خمس
وللنبات حواس خمس
أهمل العلماء طويلاً دراسة الحواس النباتية, لكن اهتمامهم بهذه الحواس
يتسع يوما بعد يوم, ليقينهم أن انضباط مواعيد نمو وإزهار وإثمار النباتات ليس إلا
نتيجة لدقة حواسها التي تجعلها تتأثر بأدق متغيرات البيئة المحيطة بها. يعطي الربيع كل سنة الدلائل على أن النباتات تتصف بإيقاع نمو داخلي وبرنامج تطور, ولتنفيذهما فإنها ترى, تشعر, تتابع دوام النهار, تقدر درجات الحرارة, وتقيس أحجام وأوضاع النباتات المجاورة لها. ويمكن للنباتات أيضا أن تنبت, تنمو, وتزدهر في المكان والزمان المناسبين, وتشن حرب الدفاع إذا وقعت تحت وطأة إجهاد, إصابة, أو مرض. وليست النباتات في حاجة إلى دم أو جهاز عصبي لنقل الإشارات من خلية إلى أخرى, من نبات إلى آخر, ولا حتى من نبات إلى حيوان. ويميط العلماء اللثام شيئا فشيئا عن هذه الحساسية المفرطة لدى النباتات, التي تظهر على هيئة حركات, واتجاهات نمو, وتغيرات في التحول الغذائي (الأيض). النباتات تقاوم اللمس تتأثر كل النباتات إذا لمسها أحد, ولدى كثير من الفصائل يكون رد الفعل سريعا, حيث يغلق النبات اللاحم (المقتات على الحشرات) فخه, وتطوي الحساسية تويجاته, وينشب نبات القراص (نبات شوكي) زغبه القارص في المهاجم الخارجي. ويختلف الأمر لدى نحو 240 ألف نوع من النباتات المزهرة, حيث تكون ردود الفعل الحركية بطيئة ومحدودة. و(تتم كل هذه الأحداث كأنها وقائع في مكان وزمان لا مدخل للإنسان إليه) كما يقول البروفيسور ألين روكيه من المتحف القومي للتاريخ الطبيعي في باريس. ولا يبدو الأمر كذلك بالنسبة لنيكول بوبييه من جامعة بليز باسكال في فرنسا, التي تدرس رد فعل اللمس على الفاشرة (نبات طبي من الفصيلة الفرعية عديدة التويجات). فبعد 48 ساعة من حدوث عملية دعك (حك) يقلل النبات من امتداد ساقه, ويضخم نصف قطره, ويصبح أكثر صلابة. وهو رد الفعل نفسه ضد الاعتداء على النباتات, الذي يلاحظ من خلال اللاتماثل الذي يصيب الأشجار المعرضة للأمطار وهجمات الرياح المتكررة. ويشمل رد الفعل انبعاث موجة كهربائية عبر الغشاء الخلوي, وتدفق أيونات (ذرات ذات شحنة كهربائية) داخلة وخارجة لتعديل سيولة ونفاذية الغشاء, على غرار مايحدث في الخلايا العصبية لدى الإنسان. وتدلف أيونات الكالسيوم إلى داخل الخلية, فتنشط مورثات (جينات) محددة. وعزلت جانيت برام من جامعة ريس الأمريكية في هيوستون في تكساس, خمسة من هذه الجينات في نبات مختبر يسمى (أرابيدوس تاليانا), هي جينات (اللمس) التي تنشط أيضا مع الريح, البرودة, الإصابة, أو أي إجهادات أخرى. وتم عزل أحد هذه الجينات في نبات الفاشرة والطماطم, وهو جين بروتين (كالمودولين) الذي يثبّت الكالسيوم. وفي إطار الحساسية أيضا, تتصف النباتات من فصيلة القرنيات (مثل الفول والفاصوليا) بانتفاخ خاص في العنق أسفل أوراقها, وهي الوسادة التي تحدث حركات بالغة السرعة, في أقل من ثانية, كرد فعل تجاه اللمس أو تغيرات الضوء. وتسبب الظلمة أيضا إغلاقا للوريقات, كما هو الحال لدى نبات الحميض ونبات المستحية. ويحدث لدى بعض الأزهار العكس أيضا, مثل زهرة شب الليل التي تفتح قبل المغيب وبعده. تعتبر الرؤية بالنسبة للنباتات, كما هي حال البشر, شيئا أساسيا, لأنها تتيح لها التعرف على موضعها في المكان والزمان. وصبغات النباتات المستقبلة للضوء حساسة ليس فقط لكمية الضوء الموجود ولكن لنوعه أيضا, حيث تكون الصبغة النباتية (فيتو كروم) حساسة للون الأحمر (في نطاق أطوال الموجات 730 و600 نانومتر), وصبغات (كريبتو كروم) للون الأزرق وفوق البنفسجي المجاور له (بين 500 و315 نانومتر). وترصد صبغة (فيتو كروم) نوع الضوء, فتأخذ شكلين مختلفين تبعا لاحتوائه على إشعاع أقل أو أكثر من الضوء الأحمر الفاتح مقارنة بالأحمر الداكن. ويتوافر الشكلان دائما, لكن أحدهما يكون ممتصلا في النهار, حيث الأحمر الفاتح أكثر, ويكون نشطا مع سيادة الأحمر الداكن (730 نانومتر), فيتيح سهولة في إنبات البذور, وكبح استطالة السيقان, حيث التركيب الكلوروفيللي (اليخضوري). فيصبح النبات عندئذ قصيرا ممتلئا, كثير الأوراق, أخضر, وفي أفضل حالاته. ويتوافر تحت أي تجمع نباتي مزيد نسبي من الأحمر الداكن, لأنه كلما ازدادت كثافة الأوراق زاد اليخضور, وهو الصبغة التي تمتص الأحمر الفاتح وتعكس الداكن. ويميل التوازن إلى نوع غير نشط من (فيتو كروم). ويتوقف كبح استطالة السيقان, وتعرف هذه الظاهرة بـ (تحاشي الظل). الضوء الأزرق ينظم الحياة اكتشفت مارجريت أحمد من جامعة بنسيلفانيا الأمريكية منذ عام 1993, أول مستقبل للضوء الأزرق, وجاء بعد ذلك اكــتشاف مادة (الكربتو كروم) لدى ذبابة الخل, والــــفأر, والإنســـان, التي تنـــظم بشـــــكل خاص الإيـــقاع الدوري لدى كــــل الكائنات. ولدى النباتات, تنظم هذه المادة عملية النمو, الانتحاء الضوئي (تأثر النمو بالضوء), وأوان الإزهار, كما تقول مارجريت أحمد. ويقلد البستاني في الصوبة تتالي النهار والليل (الدورية الضوئية), المسئول, عبر هذه الصبغات المستقبل eة للضوء, عن الإزهار. وتزهر البوانسيتا في الأيام القصيرة, والأقحوان في الأيام المتناقصة الطول. الشعور بالدفء والبرد يعتمد الإزهار بالنسبة لزنبق الوادي على كمية الحرارة التي يستقبلها, بعد مروره بفترة من البرودة. وهو الوضع نفسه لدى كثير من فصائل النباتات في المناطق المعتدلة (من قمح الشتاء حتى الزيتون), حيث تلزم مكابدة (الاسترباع), أي معالجة الشتلات بالبرد للتعجيل بإزهارها وإثمارها. وتكون زهور الربيع أكثر حساسية للحرارة, ويتأثر التوليب (الخزامى) والزعفران أكثر من وردة الأمير الصغير, حيث ينــــغلقان ويتفتحان عند درجات حرارة أقل, فالتدفئــــة درجة مئوية واحدة كافية لانفراج بتلات التوليب, ويحتــاج الزعفران إلى 0.2 درجة مئوية فقط للغرض نفسه. وتنتج النباتات المتكيفة مع الجفاف بروتينات (بروتينات الصدمة الحرارية), لتحميها من التأثيرات السامة للحرارة المرتفعة (40 درجة مئوية). التذوق: ترسانة حرب كيميائية تنتج الجذور, عندما يلزمها التغلغل في التربة والهروب من الضوء, جذورا جانبية فور (إحساسها) بوجود نترات (أزوتات). وتم عزل مورث (جين) في يناير 1998 يتحكم في هذا التفرع. وينجم عن (تذوق) أي اعتداء إعداد النبات ترسانة مدهشة, فالنباتات مجهزة بـ (حس مفرط) يقيم حاجزا محكما بين المعتدين (الفيروسات, الفطريات, والبكتيريا) والخلايا السليمة الخلفية في حالة نخر الجبهة الدفاعية الأولى من الخلايا التي تعرضت للهجوم. وتنتشر إشارات كيميائية بعيدا عن منطقة الهجوم لتحث ردود فعل على طول خطوط الدفاع. ومثال لذلك, ما يحدث عندما تلتهم دودة الفراشة أوراق الأرزية (شجرة حرجية), حيث تتكون إبر أصغر, أقل إثارة للشهية, وأقل قيمة غذائية, مما يقلل من عدد هذه الديدان المهاجمة مع مرور الوقت. وعندما تتعرض أشجار الزان لهجوم يرقة (فيلوفيس فاجي) (حشرية عسلية), تنتج مركبات مثبطة للهضم. وتدافع أشجار الصنوبر ضد هجمات حشرات الكراشة التي تحفر ممرات داخل اللحاء, بإفراز فيض من مادة الراتينج الصمغية. وتقاوم أشجار البلوط نباتات الدبق الطفيلية بإنتاج مركبات من الدبغ (بوليفينول). ويصل (الدهاء) الدفاعي لدى كثير من النباتات, أن تتكاثر جزيئات معينة انطلاقا من نقطة هجوم الأعداء, لتنظم خلال عدة ساعات مقاومة في كل أجزاء النبات. وتكون هذه الطلائع أحيانا كاملة التجهيز, فعندما (تذوق) أوراق معينة لعاب ديدان الفراشات آكلة العشب, تفرز مجموعة من الروائح تجذب بشكل خاص زنابير متطفلة على يرقات هذه الديدان المهاجمة, فتمنعها من مواصلة هجومها على النبات
|