الزَرَق.. سارق البصر

  الزَرَق.. سارق البصر
        

          عندما يزداد ضغط العين وينوء تحت هذا الضغط عصبها البصري, يبدأ العمى في الزحف على أعز ما نملك من حواس.

          الزَّرَق أو البُخاق أو البَخَق, أو كما اصطلح بعض المترجمين المقصّرين على تسميته الجلوكوما, عن الإنجليزية كلوكوما, عن اليونانية كلوكوس: أزرق, وهي ترجمة حرفية للمصطلح العربي الزَّرَق, حيث تقول العرب: زَرِقَتْ عينه أي عميت, ذلك أن العين تزرقّ ثم تعمى, ثم إن بعضهم حاول الاجتهاد فترجم هذا المصطلح الإنجليزي بقولهم الماء الأزرق أو المياه الزرقاء.

          اصطلاحا, الزرق هو مرض عارض في العين يؤدي إلى ضعف درجة الإبصار, فالعمى إذا انعدم العلاج. وعلميا, مجموعة أمراض عارضة في العين تؤدي إلى ضمور العصب البصري وتقعّر البقعة العمياء وضعف تدريجي في الإبصار, مترافقة غالبا مع ارتفاع ضغط العين.

          وحتى تتضح آلية حدوث الزرق لا بد من الرجوع إلى دراسة تكوين العين:

          تتكون الواجهة الأمامية للعين من غشاء شفّاف, يدعى القرنية, ثم من العدسة أو البلورية أو الرطوبة الجليدية, ومن حولها القزحية, وفتحتها الوسطى البؤبؤ أو الحدقة. تحتوي العين على ثلاثة فضاءات: الغرفة الأمامية, وتحدّها القرنية والقزحية والعدسة, والغرفة الخلفية حول العدسة, والغرفة الزجاجية التي تحوي مادة هلامية شفافة, تعرف بالرطوبة الزجاجية. يتكوّن جدار مقلة العين من ثلاث طبقات: الصلبة, وهي غشاء صلب عاتم يتصل أماما بالقرنية, ثم العِنَبَة, وهي تضم القزحية والجسم الهدبي أماما والمشيمة وراء, ثم الشبكية, التي تحوي الخلايا البصرية. تلتقي ألياف الخلايا البصرية في البقعة العمياء مكونة العصب البصري.

الأسباب والأنواع

          يفرز الجسم الهدبيّ الرطوبة المائية باستمرار, فيملأ هذا السائل الشفاف الغرفة الخلفية, ثم يسيل عبر البؤبؤ أمام العدسة نحو الغرفة الأمامية, حيث يقوم الرّاووق بطرحه في الأوردة الدموية.

          ويتمثل دورا الرطوبة المائية الرئيسيان, في تغذية الأنسجة المحيطة (العدسة والقرنية), والحفاظ على شكل العين مع الصلبة, إذ تتحكم كمية الرطوبة المائية داخل الغرفة الأمامية في ضغط العين, فإذا اختلّ التوازن بين كمية السائل المفرزة والكمية المطروحة ارتفع الضغط.

          يؤدي ارتفاع ضغط العين إلى تلف ألياف الخلايا البصرية, فضمور العصب البصريّ وتقعّر البقعة العمياء, مما يئول إلى ضعف تدريجي في الإبصار, فالعمى إذا تأخّر أو انعدم العلاج.

          ويظهر الزرق غالبا بعد سنّ الأربعين, السّود منهم أكثر من البيض (باستثناء الزرق الخلقي الذي يعرض لدى المواليد). ثم إنه يكثر لدى مرضى السكري والمصابين بقصر النظر والمصابين بالصداع النصفي (الشقيقة). كما تلعب الوراثة دورا رئيسا في ظهوره, إذ إنّ 20 في المائة من المصابين بالزرق لديهم أقارب مصابون به أيضا.

          ويقسّم الزرق إلى ثلاثة أنواع رئيسة: الزرق الحادّ والزرق المزمن والزرق الخلقيّ, إضافة إلى زرق الضغط العاديّ والزرق الثانوي.

الزرق الحاد

          يكثر هذا النوع لدى 10 في المائة من المسنين المصابين بالزرق (أي أقل شيوعا من الزرق المزمن), وهو ناتج عن ارتفاع مباغت في ضغط العين, إذ بمفعول التشيّخ يزداد حجم العدسة وتقصر العين (فيصبح المسنّون طويلي النظر), مما يؤدي في بعض الحالات إلى تمدّد الحدقة (كما في الظلام أو الضغط النفسي أو العمليات الجراحية أو بعض الأدوية), إلى التصاق القزحية بالعدسة مما يحول دون انسياب الرطوبة المائية عبر البؤبؤ, فتراكمها داخل الغرفة الخلفية, ومن ثم إلى ظهور نوبة زرق حاد. إذ يعتبر الزرق الحاد حالة استعجالية (طارئة) قصوى تجب معالجتها دون تأخير.

          وتتمثّل أعراض الزرق الحاد في ألم شديد في العين أو في أحد شقّي الرأس, واحمرار حول القرنية, وضعف في الإبصار, ورؤية ضباب أمام العين وهالة ملونة حول الأضواء (نتيجة استسقاء القرنيّة, وهو ما يؤدي في الحالات الشديدة إلى ازرقاقها), وحساسيّة للضوء, وإدماع شفّاف مفرط, يرافقها أحيانا غثيان (تهوّع) وقيء.

الزّرق المزمن

          يعرض الزّرق المزمن, وهو النوع الأكثر شيوعا, غالبا في كلتا العينين, لدى المسنين أيضا ولكنه ناتج عن تليّف الراووق بمفعول التشيّخ وعدم قدرته على طرح الرطوبة المائية, مما يؤدي إلى تراكمها ومن ثم إلى ارتفاع الضغط داخل العين.

          نادرا ما يشكو المصاب من أعراض, وهو ما يدل على خطورة هذا المرض الغادر, إذ يبقى الزرق المزمن لعشرات السنين (من 10 إلى 30 سنة) دون أوجاع أو احمرار في العين أو ضعف في درجة الإبصار, ما عدا في الطّور النهائي للمرض, حيث يعرض العمى الكلّي إثر تلف العصبين البصريّين. يتم الكشف عن المرض في أثناء مدة نشوئه, بقياس ضغط العين لدى الأشخاص بعد سنّ الأربعين.

          ومستحثاته هي: داء السكري, وارتفاع ضغط الدم, وقصر النظر.

الزرق الخلقيّ

          يظهر هذا النوع النادر, المسمى أيضا الزرق الولادي, لدى المواليد (قبل سنّ الواحدة في 80 بالمائة من الحالات), إذ يولد المصابون به بعاهة خلقيّة على مستوى الروق (وهو الزاوية المكوّنة بين القزحية والقرنية) مما يحول دون طرح الرطوبة المائية خارج العين.

          يعرض هذا النوع الوراثي غالبا في كلتا العينين, وهو يعدّ أول الأمراض المسببة للعمى لدى الأطفال (26 في المائة من حالات العمى لدى الأطفال في تونس). تتمثّل أعراضه في تضخّم العينين, وتضخّم وازرقاق القرنيّتين, وإدماع شفّاف مفرط, وحساسية للضوء متمثلة في إطباق الأجفان.

          يؤدي الزرق الخلقي, إذا انعدم العلاج, إلى العمى أو إلى فقء العين, إذ يكبر حجم العين النامية اللّدنة بمفعول ارتفاع ضغطها, مما يجعلها حساسة لأي صدمة. كما يؤدي أحيانا, رغم العلاج الجراحيّ, إلى العمى (باستثناء حالات إصابة العين الواحدة), نتيجة ضمور العصب البصري فيّ أثناء الفترة الجنينية.

زرق الضغط العاديّ

          يظهر هذا النوع لدى سدس المصابين بالزرق على الأقل, المسنون منهم خاصة, وهو نوع من الزرق المزمن متميّز بضغط عادي داخل العين, ذلك أنه ناتج عن قلّة انسياب الدم في شريان العصب البصريّ, مما يؤدي إلى تلف خلاياه العصبية, فضموره وتقعّر البقعة العمياء, فضعف تدريجيّ في الإبصار. يترافق هذا النّوع غالبا مع أمراض الأوعية الدموية, كالشقيقة والقصور الإكليليّ والقصور الوعائيّ الدّماغي والسكري وفرط تخثّر الدم وسوابق الجلطة القلبية.

الزّرق الثانوي

          ينتج ارتفاع ضغط العين في الزرق الثانوي, خلافا عن بقية الأنواع الأخرى, عن أمراض عارضة في العين كالتهاب العنبة والساد المتطور وورم الشبكية وتجلّط أوردة الشبكية وعاهات العين الخلقية وجروح العين, أو عن أمراض عارضة في البدن كالسكري, أو عن استعمال أدوية قشرانية.

العلاج

          برغم استحالة العلاج التام للزّرق فإنه بالإمكان التحكّم فيه, مما يجعل كشفه وعلاجه المبكّرين أهمّ مرحلة في الوقاية من العمى الذي يسبّبه.

          تتمثل طرق العلاج في التداوي بقطرات العين أو بالأقراص, يوميّا ومدى الحياة ما دام العلاج فعّالا, بغية إبطاء إفراز الرطوبة المائية وبالتالي تخفيض ضغط العين, أو الجراحة, في الحالات المستعصية التي لا يمكن التحكّم فيها بالتداوي, وتهدف الجراحة بنوعيها, الجراحة التقليدية وجراحة اللّيزر, إلى تسهيل سيلان الرطوبة المائية وطرحها خارج العين  
 

الزّرق الخلقي الزّرق المزمن الزّرق الحاد          
كلتا العينين كلتا العينين عين واحدة إصابة
قبل سن الواحدة بعد سن الأربعين بعد سن الأربعين سن الظهور
عاهة خلقيّة على مستوى الرّوق (وهو الزاوية المكونة بين القزحية والقرنيّة) مما يحول دون طرح الرطوبة المائية. تليّف الرّاووق بمفعول التشيّخ وعدم قدرته على طرح الرطوبة المائية. التصاق القزحيّة بالعدسة ممّا يحول دون انسياب الرطوبة المائية عبر البؤبؤ. كيفيّة تكوّن الزّرق
تضخّم العينين, وتضخّم وازرقاق القرنيّتين, وإدماع شفّاف مفرط, وحساسية للضوء. دون أعراض (في الحقيقة, العرض الوحيد هو تضيّق تدريجيّ في مجال النّظر, لكنّ المسنّ لا يتفطّن إليه). ألم شديد في العين أو في أحد شقّي الرأس, واحمرار حول القرنيّة, وضعف في الإبصار, ورؤية ضباب أمام العين وهالة ملوّنة حول الأضواء, وأحيانا غثيان (تهوّع) وقيء. الاعراض
علاج جراحي:
- بضع الراووق.
- استئصال الراووق
علاج دوائي:
- قطرات العين.
- أقراص.
علاج جراحيّ: استئصال الرّاووق.
- إما بالجراحة التقليدية.
- وإما بجراحة الليزر.
علاج دوائيّ لمعالجة النوبات الحادة:
- قطرات العين.
- أقراص.
وعلاج جراحيّ وقائيّ على مستوى كلتا العينين: بَضْع القزحيّة.
- إما بالجراحة التقليدية.
- وإما بجراحة الليزر. 
العلاج

 

فيصل أُخَي   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية  
اعلانات




 





 





فحص عين متصلبة مصابة بالزرق