فلاديمير شاغال وجهاد فاضل

   فلاديمير شاغال وجهاد فاضل
        

 دون قراءة الأدب العربي
لا يمكن الادعاء بمعرفة العرب
 

          البروفيسور فلاديمير شاغال من وجوه الاستعراب الروسي البارزة في النصف الثاني من القرن العشرين. فعلى مدى أكثر من خمسين سنة كان شاغال جسرا ثقافيا بين العرب والروس. نقل إلى اللغة الروسية روائع القصص والروايات والأشعار العربية, وبحوثا كثيرة حول اللغة العربية والصرف والنحو على الخصوص, كما ربّى نخبا جديدة من المستعربين الروس. ومع أنه تجاوز السبعين من عمره الآن فإنه مازال يلقي المحاضرات في الجامعات الروسية, وفي مراكز الاستعراب خصوصا, حول حاضر العالم العربي ومجتمعه وثقافته وتراثه. ومع أنه بدأ حياته مهندسا, فإنه سرعان ما اندمج في عالم الاستعراب لينال في البداية الإجازة في الدكتوراه عن (الإضافة) في النحو العربي. أربعمائة صفحة تمحورت حول (الإضافة) غير الموجودة أصلاً في اللغة الروسية. ومن طريف ما ذكره لنا في هذا المجال أنه عثر على سبع كلمات مضافة, خلال عمله في أطروحته. وهو يقول إن همّه الأساسي في الوقت الراهن هو خلق جيل جديد من المستعربين الروس يتابع الرسالة التي يتابعها هو عن أسلافه العظام: أغناطيوس كراتشكوفسكي ورفقائه.

          يحاوره هنا الناقد جهاد فاضل صاحب الإسهامات العديدة في النقد والصحافة. 

  • حياتي التي أمضيتها في ميدان الاستعراب .. مصدر افتخاري 
  • العولمة تساعدنا في فهم أن الحرب ضد مصالح البشر 
  • معظم المستعربين الروس تجاوزوا الستين والبحث يدور الآن عن جيل جديد

 

  • بعد هذا الزمن الطويل في حقل الاستعراب... ما الخلاصة التي خرجت بها?

          - بصراحة, وبلا مبالغة, أنا أعمل في حقل الاستعراب منذ أكثر من خمسين سنة, وأنا لا أصدق ذلك لأن هذا العمل استغرق عمري تقريبا. وهذا يعني أنني أعمل في خدمة العرب منذ أكثر من نصف قرن.

          ماذا أقصد بخدمة العرب? ماذا يعني الاستعراب? هو يعني أنني أشتغل بالدراسات والبحوث المتعلقة بالعالم العربي في كل الميادين, ماذا أعني بكل الميادين? أنا أشتغل بالترجمة من العربية إلى الروسية: أترجم قصصا وروايات وأشعارا. وعلاوة على ذلك أكتب مقالات نقدية وثقافية تتعلق بحياة العرب المعاصرين.

          بالإضافة إلى أنني أعمل في تدريس اللغة العربية للطلاب الروس الذين يؤهلون أنفسهم للعمل مستقبلاً في مجال الاستعراب.

          خلال هذه السنوات الطويلة, ترجمت أكثر من مائة قصة قصيرة من العربية إلى الروسية, كما ترجمت روايات كثيرة. الكتّاب الذين نقلت أعمالهم إلى الروسية ينتمون إلى كل البلدان العربية, ابتداءً من المغرب, حتى الحدود العراقية - الإيرانية. مثلا أنا ترجمت قصصاً من مصر لنجيب محفوظ ويوسف إدريس وعبدالرحمن الشرقاوي وإدوار الخراط ويحيى حقي, ومن سوريا لحنا مينة وعلي عقلة عرسان. ومن الكويت لليلى العثمان وسليمان الشطي, ومن السودان للطيب صالح. وعلى كل حال أنا ترجمت رواية الطيب صالح الشهيرة: (موسم الهجرة إلى الشمال). عندما قرأت هذه الرواية لم أستطع أن أنام بعدها وقد اشتغلت بجدّ دون أن أعرف النوم خلال شهر. كنت أعمل من الساعة السابعة صباحا حتى ساعة متأخرة في الليل حتى أنجزت الترجمة. لماذا اهتممت بهذه الرواية? إنها رواية شجعتني على العمل والترجمة. وترجمت أيضاً للطاهر وطار من الجزائر ولعدة كتّاب من ليبيا, ومن المغرب لعبدالكريم غلاب, ومن تونس لعمار بن سالم ومصطفى الفارسي. وكذلك من العراق: ذو النون أيوب, ومن لبنان: توفيق يوسف عواد وغادة السمان.

          والكتب التي نقلتها إلى الروسية بيع منها ملايين النسخ. وزّعت توزيعا جيدا وأنا على ثقة أنها ساعدت الروس كثيراً على معرفة تاريخ العرب الاجتماعي الحديث, وأسس حياتهم, والعلاقات بين أفراد تجمعهم, والعادات والتقاليد. دون معرفة الأدب العربي لا يمكن هنا أن نقول أننا نعرف الشعب العربي الذي تربطنا به نحن الروس علاقات وثيقة منذ زمن بعيد. أنت تعرف أننا ساعدنا العرب في أيام صعبة ماضية. وجد العرب في شعبنا خير صديق في مرحلة التحرر الوطني العربية, وخلال أزمات مختلفة.

          إنني مملوء فخرا لأنني أمضيت حياتي أعمل في ميدان الاستعراب بالذات. لماذا مثل هذا الشعور بالفخر? عندما أقرأ في الصحف كلمة (عولمة) أعتبر لأول وهلة أنها لا تعني التغريب كما لا تعني استعمارا. (عولمة) هذه أفهمها على أنها تقارب بين الشعوب, عملية تعرف إلى لغات الآخرين وثقافاتهم. يجب على أي شعب أن يعرف لا لغته القومية وحسب, بل اللغة الثانية أيضا, أي اللغة الأجنبية, ومن أجل أن يتكلم مع الناطقين بها. الناس ولدوا لكي يكونوا سعداء في حياتهم. لقد خلقهم الله من أجل ذلك. العولمة تساعدنا لنفهم أن الحرب ضد مصالح الشعوب, ضد مصالح الإنسان. والاستعراب, من هذه الزاوية, أفضل علاج للمشاكل والأزمات  التي تمنع الإنسان من الحياة السعيدة.

          ولهذا السبب, فإنني لاأزال أشتغل بتدريس الطلاب الروس اللغة العربية. وقد ألفت لهذا الغرض عدة كتب مدرسية, في صرف العربية ونحوها, كما ألفت عدة كتب في تاريخ البلدان العربية المختلفة. كتبت كتبا عن مصر وليبيا والكويت وتونس والمغرب.في هذه الكتب تجد عدة فصول عن هذه البلدان: فصول في الأدب والثقافة والتقاليد والعادات وما إلى ذلك.

          وعليّ أن أضيف أنه صدر لي في روسيا كتاب عنوانه: (العالم العربي كيف نفهمه?), أنا أعتبر هذا الكتاب كتاباً مهماً, لماذا? لأنه يساعد الناس على أن يفهموا تقاليد وعادات الشعب العربي, وعلى أن يدركوا مبادئ العربية الأولى, وكذلك المصاعب والمشاكل والقضايا الأساسية في حاضر العرب.

الفكر والتاريخ

  • إذن لم تهتموا في مجال الاستعراب بحياة الوجدان العربي,أو بالأدب والإبداع الأدبي دون سواهما, بل اهتممتم أيضا بالفكر والتاريخ العربيين, وبخاصة سوسيولوجيا المجتمعات العربية... إنها مهمة رائعة, خاصة أنكم عملتم في إطار الترجمة أيضا.

          - عندما نترجم يتعين علينا أن نعرف الشروط والظروف المتعلقة بالشعب الذي نترجم أدبه وفكره. كيف يمكنني أن أترجم رواية (موسم الهجرة إلى الشمال), إذا وجدت جملة من نوع: (وكانت الشمس في كبد السماء).. كيف أترجم هذه الجملة? إذا ترجمتها كلمة كلمة, فإن القارئ الروسي لن يفهم شيئاً. لهذا السبب ترجمت الجملة بأن الشمس كانت في أعلى بقعة في السماء.

          بعد تحليل هذه الجملة يمكنك أن تعرف لماذا ترجمت بهذه الطريقة. كان عليّ أن أعرف عندما أشتغل بالترجمة, لا الكلمات والعبارات ومعناها المباشر وحسب, بل أن أكون على بينة من العادات والتقاليد الكثيرة التي لا يمكننا أن نجدها في أي قاموس.

          بهذه الطريقة في الترجمة يمكننا أن نتلافى كل التشويهات التي قد يقع فيها المترجم, وهو سيقع فيها حتماً إذا لم يكن محيطاً الإحاطة التامة بقضايا ثقافية وتاريخية كثيرة.

          ثم إن هناك فروقاً مختلفة في الثقافات الشعبية العربية, كما تعلم. الثقافة الشعبية, والتقاليد والعادات, تختلف من بلد عربي إلى بلد عربي آخر. فهي في مصر غيرها في الجزيرة العربية, وغيرها في تونس وبقية أقطار المغرب العربي. لكل شعب عاداته. أستطيع أن أقول لك دون أن أعرف اسم الكاتب. إلى أي بلد ينتمي إليه فور أن أقرأ روايته, بعد أن أقرأ الحوار الجاري بالعامية في هذه الرواية. وهذا الأمر مهم بالنسبة لنا خاصة الآن عندما نرى كيف تتطور الحوادث في الشرق الأدنى ونحن نريد أن نرى الهدوء في هذه المنطقة. نحن نريد أن نرى السلام في منطقة الشرق الأدنى ويكون ذلك عندما تلجأ الشعوب لا إلى شراء الأسلحة بل إلى شراء الحاجات المدنية.

تفسير النص

  • عندما تترجمون إلى أي أسلوب تلجأون? هل تستخدمون الترجمة بتصرف أم الترجمة بأمانة?

          - في رواية الطيب صالح (موسم الهجرة إلى الشمال) هناك 150 صفحة تقريباً في نصها الأصلي. ولكنك تجد أن ترجمتها إلى الروسية بلغت أكثر من مائتي صفحة, لماذا? لأنني أترجمها إلى لغة أخرى, أنا مضطر لأن أفسّر النص أحيانا. كلمة (فلاّح) - مثلا - لا تجدها في النص الأصلي, في حين أنك تجد هذه العبارة في رواية (الأرض) لعبدالرحمن الشرقاوي. لم أترجم كلمة فلاح وصدر هذا الكتاب باللغة الروسية, وعنوان هذا الكتاب (الفلاح) في كلمة التقديم, أنا كتبت أن الفلاح تعني (كريستياني) بالروسية, ولكن الفلاح هو شخص عربي, والفلاح الروسي يختلف عن الفلاح العربي, إذا كان عنوان هذه الرواية (الفلاح) لهذه الكلمة, بعد هذا التفسير يمكنك أن تجد جواباً لسؤالك. لماذا أنا أترجم بهذا الشكل أو بسواه? لأنني قبل كل شيء أحترم المؤلف وأقرأ بانتباه كل الجملة, كل سطر, وأضيف تفسيرات بحسب المطلوب لأن تكون الترجمة واضحة كل الوضوح للقارئ الروسي.

  • وكيف تطلّون الآن من موسكو على العالم العربي? عندما ترجمتم هذه الروايات العربية إلى الروسية منذ فترة سابقة, كان المشهد العربي مختلفاً عنه الآن, كانت تلك فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات. هل تغيرت صورة العالم العربي الآن? أعرف أن لديكم علاقات قوية مع عواصم عربية شتى, فما صورة عرب اليوم لدى مستعرب روسي صديق للعرب?

          - أنا أعتقد أن صورة العرب والعالم العربي لم تتغير تغيرا يذكر بين الأمس القريب واليوم. لماذا? حسب الأبحاث والدراسات التي تُنشر في صحفنا ومجلاتنا الروسية, نجد أن مشاكل العرب ومتاعبهم مازالت هي هي.

          أنا اشتركت في عدة جلسات  في جمعية الصداقة الروسية - العربية واستمعت إلى شهادات وأقوال دبلوماسيين وعلماء روس أقاموا في بلدان عربية مختلفة, وقد وجدت أن تحليلاتهم عن العرب ومجتمعاتهم تتفق في خطوطها العامة, الأسئلة عن هؤلاء مازالت الأسئلة نفسها التي كانت تدور في خلد دبلوماسيينا وعلمائنا الذين عملوا عندكم قبل سنوات طويلة. كلنا نبحث في الطرق والأساليب التي يمكننا بواسطتها أن نساعدكم. كلنا نبحث في طرق وأساليب علاج الأزمة العربية بشكل عام.

          أشعر أن لديكم مشكلة في الوقت الراهن تتعلق بتمويل إصدار القصص والروايات والكتب بشكل عام, في الماضي كانت الحكومات تموّل عملية المطبوعات في أكثر من بلد عربي, مئات وآلاف الكتب ساعدت الدولة في إصدارها في بلدان عربية كثيرة, في الوقت الراهن لا نجد الوضع كما كان في الماضي القريب, لاشك في أن انهماك الدولة في ميزانيات الحرب, وفي القضايا الاجتماعية والاقتصادية الكثيرة, قد أضعف صلة القطاع العام بالثقافة بوجه عام, ناهيك عن أن عمليات تصريف الكتاب العربي باتت أصعب الآن, بات لا يُطبع من الكتاب العربي في الأعم الأغلب أكثر من ألف نسخة, في الولايات المتحدة يطبعون من كتاب واحد لجبران خليل جبران أكثر من مائة ألف نسخة.

          خلال نصف قرن استمرت الحروب في منطقة الشرق الأدنى, لماذا لا يمكن لشعوب الشرق الأدنى أن تجد طريقا لإيقاف الحروب? روسيا تعرف حق المعرفة ماذا تعني الحرب, خلال الحرب العالمية الثانية, فقدنا حوالي ثلاثين مليون نسمة, ولا أذكر عدد الجرحى الآن, والحرب - كما تعلم - هي ضد مصالح الشعوب, ولهذا السبب نحن نتمنى للشعب العربي أن يجد الطريقة المباشرة لعلاج كل القضايا من أجل التوصل إلى حياة هنيئة سعيدة.

          البلدان العربية غنية بالنفط والغاز, قطر غنية جدا بالغاز, الكويت من أغنى بلدان العالم بالنفط, ولا أتحدث هنا عن المملكة العربية السعودية وثروتها النفطية الهائلة التي يعرفها الجميع, إنها ثروات قابلة لأن تخدم مستقبل الشعوب العربية, وأنا لا أدري لماذا غزا العراق الكويت, ألم تكن حربا عبثية أضرت أبلغ الضرر القضية العربية برمتها?

روسيا الراهنة

  • إذا كانت هذه صورة العرب عندكم أولاً من خلال اطلاعكم على القصص والروايات العربية, وثانياً من خلال ما تقرأون عن قضايانا في الأبحاث والدراسات الروسية المعاصرة والحديثة, فما صورة روسيا الحالية في الوقت الراهن? أعرف أنكم كنتم من رموز الاستعراب زمن الاتحاد السوفييتي السابق, ومازلتم من هؤلاء الرموز في وقتنا الراهن, كيف تقارنون بين روسيا الحالية وروسيا السوفييتية السابقة, وبخاصة على صعيد الدراسات العربية بالذات?

          - هذا سؤال صعب جدا, فيما يخص الدراسات العربية يمكنني أن أشير إلى أننا نعاني صعوبات عندما نريد أن ننشر كتاباً, قبل نشر الكتاب يتعين علينا أن نعثر على مصدر للتمويل, وعلاوة على ذلك أقول إن عدد المستعربين الروس بات الآن أقل مما كان زمن الاتحاد السوفييتي, كان في الاتحاد السوفييتي عدة مراكز للاستعراب لا في موسكو وليننجراد وحسب, بل في طشقند وباكو أيضاً. كان لدينا مراكز استعراب مهمة, الآن ليس عندنا من هذه المراكز سوى مركزين اثنين مهمين, الأول في موسكو, والثاني في قازان.

          هذا يعني أن هناك ضموراً في هذا النشاط, نحن الآن نفكر في توطيد العلاقات مع البلدان العربية مباشرة, لدينا أحياناً صعوبات حتى فيما يتعلق بالاشتراك في الجرائد والمجلات العربية, لماذا? لأنني لا أستطيع أن أدفع خمسين دولاراً اشتراكا في هذه المجلة العربية أو في تلك, ويسعدني أن أبعث الآن بتحية حارّة إلى السفارات العربية في موسكو التي تزوّدنا أحياناً كثيرة بمثل هذه الجرائد والمجلات, كما تزوّدنا أيضاً بالكتب العربية الجديدة. من هنا يمكنك أن تعرف الفرق بين الظروف التي كانت سائدة في السابق زمن الاتحاد السوفييتي, وظروف الحاضر, الأمر اختلف اليوم لهذه الجهة, أكثرية مستعربينا يشتغلون الآن أكثر فأكثر, لماذا? لأنهم يعرفون أن علينا بذل جهود إضافية لتطوير الاستعراب الروسي.

          الكثير من المستعربين الروس تجاوز عمرهم الآن الستين عاماً, ولهذا السبب فإنهم يبذلون جهوداً لاستمرار عملهم عبر تلامذة وطلاب جدد, أنا بالذات تقاعدت منذ فترة, ومع ذلك فأنا أعمل في الجامعة, وفي معهد الدراسات الشرقية, وكذلك ألقي محاضرات في الجامعة الثانية, أعمل - كما ترى - في ثلاثة أماكن, ولدي همّ كبير يتعلق بتربية جيل جديد من المستعربين آمل أن يحتل المناصب التي نتبوؤها منذ زمن بعيد.

أسباب الهجرة

  • أعرف إلى حد بعيد اهتمامات الاستعراب زمن الاتحاد السوفييتي, كان هذا الاستعراب مهتما بالقضايا السياسية والاجتماعية العربية, وتطور بلداننا وما إلى ذلك, هل هناك اهتمامات أخرى للاستعراب الروسي في وقتنا الراهن?

          - التيارات الأساسية في الاستعراب الروسي المعاصر مازالت هي نفسها, كما كانت منذ سنوات بعيدة, بل منذ قرون, نحن الآن نشتغل في قضايا أخرى, مثلاً حول العلاقات بين البلدان العربية وأمريكا, أو حول العلاقات بين ليبيا وإيطاليا, بين لبنان وفرنسا, ونبذل جهداً لمعرفة ما أسباب هجرة العرب إلى أوربا, وما الشروط والظروف المرافقة لعمل العرب في فرنسا, ولماذا أكثرية المهاجرين العرب تذهب إلى فرنسا لا إلى سواها. نجد هؤلاء العرب يعملون في الشوارع ولا نجدهم في رئاسة البلديات, أو في المستويات الفرنسية العالية, ولماذا الآن في كل فندق في بلجيكا أو في هولندا أو في فرنسا يمكنك أن تجد رجلاً مهمته التحدث باللغة العربية, ما أسباب الاغتراب وكيف تسير أموره, ولماذا يؤلف العرب روايات وقصصاً باللغة الفرنسية? وهل هؤلاء الكتّاب بالفرنسية يمثلون الأدب العربي في أوربا, أو الأدب العربي المهاجر? علينا أن نجد أجوبة لهذه الأسئلة.

  • أسألك هل تعتبر بن جلون كاتباً عربيا?

          - بن جلون كاتب مغربي في الأصل, ولكن هل يصبّ أدبه الذي كتبه بالفرنسية في خانة الأدب العربي, أو الفرنسي? أنا أعتبر أن المعيار هو اللغة, إذا كتب بن جلون بالفرنسية فأدبه غير عربي بالطبع, إنه أدب فرنسي, ولو أن مؤلفه مغربي, المعيار هو اللغة, كما أرى.

          هناك أدباء عرب كبار في فرنسا, آسيا جبار من هؤلاء ولها تقدير واسع في الأوساط الثقافية الفرنسية وفي أوساط الجالية المغربية أيضاً, وهي تكتب بالفرنسية طبعا.

  • ولكن, ما سبب اهتمام مستعرب روسي كبير مثلكم بمثل هذه الموضوعات المستجدة في الاستشراق الروسي?

          - ماذا تعني الهجرة? الهجرة تعني بداية تبادل الثقافات وهذا يهمنا, ويهمنا أيضاً دراسة ظروف المهاجرين سواء من ناحية المعيشة أو من نواح أخرى, ثم ما طرق الاستغراب? وما المدة المطلوبة لأن يشعر المهاجر بحقوق متساوية مع المواطن الأصلي? هذه أمور مهمة ناتجة عن تطور المجتمعات في عالمنا المعاصر, إنه تطور جديد - إذن - في الاستشراق الروسي.

          أكثرية السكان في الولايات المتحدة أتوا من أوربا ثم من بلدان أخرى, أما الآن, فنحن نشهد تيارات جديدة في الهجرة, لا من أوربا إلى أمريكا, ولكن من إفريقيا إلى أوربا, من البلدان العربية إلى أوربا, من البلدان الآسيوية مثل الباكستان أو الهند أو الفلبين إلى عدة بلدان عربية: إلى البحرين, إلى دولة الإمارات العربية المتحدة, إلى الكويت. في هذه البلدان يمكنك أن تجد كثيراً من المهاجرين الآسيويين إليها.

          إنها خاصية جديدة للعالم المعاصر, ولهذا السبب علينا أن ندرس هذه الظاهرة.

          ثمة ظاهرة نلاحظها في بلادنا أيضا, هي ظاهرة هجرة الروس من الجمهوريات السوفييتية السابقة إلى روسيا, أو عودتهم إلى وطنهم الأم, هل عرفت الآن سبب اهتمامنا كمستعربين روس بظاهرة الهجرة العربية إلى أوربا وأمريكا?

  • كان المستعرب الروسي العظيم أغناطيوس كراتشكوفسكي يقول إن نصف قلبه موهوب للعرب, والنصف الثاني موهوب لروسيا, فماذا تقولون لنا عن قلبكم وتوزعه بين العرب والروس?

          - أنا أشاطره هذا القول, ولا أستطيع أن أضيف شيئاً إلى ما قاله, نصف قرن أمضيته في خدمة الثقافة العربية والتراث العربي, كنت مستعرباً طيلة هذه المدة مع أني من حيث الأصل متخصص بأعمال مختلفة, منها الهندسة, اهتمامي بالعرب قديم وأصيل, إنني شديد الحب والاحترام للعرب, لتاريخهم, لتراثهم, قدّم العرب للحضارة الإنسانية لا أدباء وشعراء كبارا وحسب, بل قدموا لهذه الحضارة علماء كباراً أيضاً ساهموا في تقدم البشرية, كارل ماركس نفسه أشاد بما قدمه تراث العرب العلمي للعالم المعاصر. وأجدني في الوقت الراهن بصفتي وكيلاً لجمعية الصداقة الروسية - العربية, مضطراً للسفر من بلد عربي إلى آخر من أجل بذل المزيد من الجهود لتوطيد عرى الصداقة والتفاهم بين شعبينا, هذه الأسفار باتت تتعبني وتؤثر في صحتي, قدمت بالأمس من موسكو حيث حرارة الطقس كانت 15  تحت الصفر إلى الكويت حيث الحرارة 25 فوق الصفر, إنني لا أعرف كلمة الراحة أو الاستراحة, ولكن المهم بالنسبة إلي تربية جيل جديد من المستعربين الروس, والبحث عن جسور جديدة بين العرب وروسيا

 

   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




رئيس التحرير د. سليمان العسكري يستقبل د.شاغال





فلاديمير شاغال





جهاد فاضل