أرقام

أرقام
        

لعبة المثلث! 

          كيف يبدو الخليج العربي بعد عشرين عاما? هل يزداد عدد سكانه بالمعدلات الحالية نفسها التي شهدتها المنطقة طوال ربع قرن مضى, أم يتراجع تزايد السكان لأن شبح البطالة أطل, ومشروعات التنمية تتراجع والعمالة الوافدة قد تتقلص? وحالة عدم الاستقرار قد تدفع البعض للعمل والاستقرار خارج المنطقة?

         السؤال مهم, فالزيادة السكانية قد تعني نشاطا اقتصاديا أوفر إن جرى حسن استخدام هذه الزيادة, كما أنها تعني وعاء أكبر للعمل المدني والعسكري.. لتوفير يد عاملة وقدرة تجنيدية لبناء الجيوش وتحقيق الأمن.

          ووفقا لتوقعات الأمم المتحدة فإن عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجي الست عام (2025) هو: (52.5) مليون نسمة.. وبما يعادل تقريبا ضعف ما كان عليه الحال في منتصف التسعينيات من القرن العشرين وخمسة أضعاف ما كان عليه الحال عام 1975.

          القفزات إذن مستمرة ومعدل الزيادة السكانية والذي يدور حول (4) في المائة يفوق كل المناطق الجغرافية الأولى في العالم.

          لكن وطبقا لدراسة جرت مناقشتها في الملتقى الرابع للتنمية لدول البحر الأبيض المتوسط والذي عقد في عمان خلال أكتوبر عام (2002), فإن هناك خصائص سكانية تلفت النظر. ذلك أن عددا يتراوح بين (40 - 43) في المائة من السكان تقل أعمارهم عن (14) سنة فإذا أضيف لذلك أن نسبة خروج المرأة للعمل منخفضة فإننا نكون أمام وضع خاص للأسرة الخليجية حيث ترتفع نسبة الإعالة وحيث يعول المشتغل الواحد نحو خمسة أو ستة أشخاص آخرين في مقابل وضع عالمي يتجه لأن تكون نسبة الإعالة (1 : 1) أو (1 : 2), ذلك أنه كلما ارتفعت نسبة الإعالة توزع الدخل على عدد أكبر من أفراد الأسرة وانخفض مستوى المعيشة.

          وبالرغم من أن الأسرة الخليجية, وبسبب ارتفاع متوسط دخل الفرد قد لا تشعر كثيراً بهذه المشكلة فإن المشكلة الأكبر قادمة وهي دخول الفتيان إلى سوق العمل ودخول نسبة أكبر من الإناث لهذه السوق, والكل يطلب فرصة مساوية لتلك التي حصل عليها جيل سابق.

          فرصة العمل هي القضية, وحجم البطالة - طبقا للدراسة السابقة - وصل إلى نصف مليون شخص غالبيتهم من الشباب الذكور والمتعلمين, وأربعمائة ألف منهم بالمملكة العربية السعودية.

          وإذا كان الوافدون الجدد إلى هذه السوق يمثلون عنصر (الطلب لفرص العمل) فإن مشروعات الإنماء والنشاط الاقتصادي يمثلان عنصر (العرض وتوفير يد عاملة), وقد اختلت هذه المعادلة كثيرا طوال ربع قرن مضى, فبينما شهد الخليج - وبعد ارتفاع أسعار النفط - انفجارا تنمويا في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات بدأ الانحسار تحت تأثير عنصرين:

          - الأول: قدر من التشبع بعد أن جرى بناء البنية الأساسية ومشروعات الخدمات اللازمة والتي تكفلت بها الحكومات.

          - الثاني: تراجع أسعار النفط, ومن ثم تراجع العوائد المتاحة في يد الدولة والتي تحدد قدرتها على التوسع من عدمه.

          تحت تأثير هذين العنصرين شهد النشاط الاقتصادي تراجعا, وشهد الناتج المحلي تذبذبا, وشهد سوق العمل تبدلات رئيسية.

مثلث الأزمة

          للخليج طبيعته الخاصة, وقد انقسم سوق العمل دائما إلى مواطنين ووافدين.. ولكن لأن التبدلات أيضا شملت الطرفين فقد بات المثلث الحاكم للمستقبل على تلك الصورة: مواطن - وافد عربي -وافد آسيوي, رغم وجود جنسيات أخرى, ولكن بنسب محدودة غير مؤثرة.

          وقد كان طبيعيا والزيادة السكانية وزيادة نسبة التعليم في اطّراد, كان طبيعيا أن تزداد أعداد المشتغلين من أبناء الخليج, وقد حدث ذلك بالفعل فزاد عددهم من (1.7) مليون مشتغل عام (1975) إلى (2.5) مليون مشتغل عام (1995).

          زاد العدد المطلق لكن الأهمية النسبية تراجعت وبشكل حاد, فبعد أن كانت نسبة العمالة الوطنية (61) في المائة عام (1975).. أصبحت النسبة (26) في المائة عام (1995), أما السبب فهو الاستعانة بالعمالة الوافدة التي كانت ضرورية للإسراع بالتنمية والتي أصبحت هي الأغلبية في سوق العمل, خاصة خارج دائرة العمل الحكومي.

          وطبقا لمسح أجرته وزارة التخطيط السعودية عام (99) لعينة من (232) شركة فقد اتضح أن هناك أسبابا متعددة للاستعانة بعمالة من خارج الوطن في وقت تتوافر فيه العمالة الوطنية أحيانا.. وقالت الإجابات إن نصف الأسباب تقريبا يرجع إلى أن السعودي لا يقبل الأجر الأقل المعروض عليه وأنه يفضل الوظيفة الحكومية ذات الأجر المرتفع.. وتحدث ثلث الإجابات عن فرق المهارة بين الوافد والسعودي, بينما عادت النسبة لترتفع وتشكل نصف من شملهم المسح والذين قالوا إن هناك أنواعا من الوظائف لا يقبلها السعوديون, كما أن البعض يطلب دائما وظيفة إشرافية.

          الأسباب إذن متعددة, والنموذج متكرر في معظم دول الخليج. وإذا انتقلنا إلى جبهة النساء المشتغلات وطبقا لإحصاءات رسمية للكويت عام (2000) فإن (63) في المائة من المشتغلات آسيويات و(26.5) في المائة كويتيات و(10) في المائة من بلاد عربية.

          وهكذا تراجعت نسبة العمالة الوطنية - طبقا للدراسة السابق الإشارة إليها والتي أعدها خبير متخصص هو موريس جرجس - تراجعت النسبة من (61) في المائة عام (75) إلى نحو (40) في المائة عام (80) وإلى ما يزيد قليلا على (26) في المائة عام 1995.

          السؤال: هل تعود النسبة للارتفاع في الفترة المقبلة وشبح البطالة قد بدأ يطل وبات يمثل (14) في المائة من العمالة الوطنية?

          تحكم الإجابة ثلاثة أمور: القدرة على النمو, وقدرة العمالة الوطنية على الوفاء بحاجات سوق العمل, وتزايد أو تراجع العمالة الوافدة.

          وتذهب التقديرات إلى أنه إذا لم يتم إصلاح اقتصادي جذري, وتنويع لهياكل الاقتصادات الخليجية واستقرار في أسواق النفط.. إذا لم يتم ذلك فسوف يظل الاقتصاد عاجزا عن توفير فرص عمل كافية.

          وعلى الجانب الآخر, ورغم ارتفاع نسبة التعليم ومشاركة الإناث في سوق العمل فسوف يظل عنصر المهارة وعنصر القبول لكل الأعمال حاكما لفرص عمل الوطنيين الذين ينافسهم وافد قد يكون أكثر خبرة وأقل تكلفة, وإن كانت التقديرات أن الحاجة لعمالة أجنبية سوف تقل تدريجيا, وأن الكعكة سوف يتنازعها دائما مشتغل آسيوي وآخر عربي.

          وتبرز الأرقام أن المعادلة قد تحولت بين السبعينيات ونهاية القرن فأصبح الآسيويون أغلبية في سوق العمل وتراجعت نسبة العمالة العربية, وذلك أن الآسيوي وكما تقول دراسات مختلفة قد يتميز بإجادة لغة أجنبية, وبمستوى مهني مرتفع وبالانضباط, ويقبل أجرا منخفضا ولا يصطحب عائلته في كثير من الأحيان...و... على العكس تبقى ميزة المشتغل العربي اللغة أيضا وهي لازمة في الإدارات الحكومية والأسواق والمرافق التي يحتك فيها المشتغل بالجمهور. حينذاك تصبح اللغة العربية ميزة أيضا.

          على أي حال, فقد كان ذلك هو التطور: عمالة وطنية تحتل معظم الساحة في منتصف السبعينيات, وعمالة عربية تزحف سريعا حتى عام 1985, ثم عمالة آسيوية تزايد حجمها في التسعينيات.

.. عندما يحدث التراجع

          في عام (2000) دخل إلى سوق العمل بدول الخليج الست (210) آلاف قادم جديد, وكان نصيب العمل الحكومي من إجمالي الوظائف (27) في المائة, وتجاوزت فاتورة الأجور في البحرين - على سبيل المثال - كل إيرادات النفط, بينما بلغت نسبة الآسيويين من العمالة الوافدة (56) في المائة والعرب (40) في المائة.

          والنموذج متكرر لكن التوقعات تقول: سوف يتراجع حجم العمالة الوافدة وسوف يفقد القادمون من دول عربية نحو نصف مليون فرصة عمل فيما بين عامي (2003 و2007).. وسوف يخسر الآسيويون أيضا, لكن أكبر الخاسرين طبقا لمداولات عمان المشار إليها هم المصريون والهنود, ووفقا للتقديرات المالية, فإنه خلال الفترة نفسها والتي لا تتجاوز أربع سنوات تبدأ عام (2003) فإن النقص في دخول الوافدين العرب والآسيويين سوف يصل إلى خمسة مليارات من الدولارات, ثلثاهم على الجانب العربي وثلثهم تقريبا على الجانب الآسيوي, أما التحويلات التي تذهب لبلاد الجانبين فسوف تقل بمقدار (6ر1) مليار دولار على الجانب العربي ومليار واحد على الجانب الآسيوي.

          الصراع إذن لن يكون (وطنيا ووافدا) فقط لكنه سيكون عربيا - آسيويا أيضا... فهل تتحكم فيه عوامل الاقتصاد أم عوامل السياسة?

          في فترة مبكرة, وقبل حرب الخليج الثانية, كان القلق مرتكزا على عروبة الخليج والتهديدات التي تنالها بسبب تزايد الآسيويين والذين شكلوا في بعض الدول أغلبية سكانية وليست مجرد أغلبية في سوق العمل.

          ويبدو أن الأمر قد تغير بعد حرب الخليج الثانية والانشقاق العربي - العربي, فقد عاد الفلسطينيون والأردنيون في معظمهم إلى موطنهم الأصلي وجرى استقدام عناصر بديلة, رأى أصحاب الأعمال أنها ذات أعباء اقتصادية واجتماعية أقل... أعني: العناصر الآسيوية رغم وجود اتفاقية جرى عقدها في إطار الجامعة العربية تعطي الأولوية للعمالة العربية.

          وربما كانت الدول الخليجية في التسعينيات أقوى منها في السبعينيات, ومن ثم لم تعد التركيبة السكانية عنصر قلق أمنيا أو سياسيا بالدرجة نفسها, وعلى العكس فإنه ربما جرى النظر للآسيوي كيد طارئة, تأتي وترحل دون أن تصنع جذورا اجتماعية بالبلد المضيف.

          في كل الأحوال فإننا أمام مستقبل يمس أضلاع المثلث الثلاثة, والأهم أنه يمس كيان الدول الخليجية, فعنصر السكان وعنصر العمالة أساسان لشكل المجتمع, واستقراره, ونموّه.

          سوف يظل هناك نمو صحي للقوى الوطنية بسوق العمل, وسوف تقل الثغرة بين عرض وطلب في هذه السوق وبما يقلل الحاجة إلى اليد العاملة الوافدة, ولكن سوف تبقى التركيبة السكانية خليطا تحتاج إدارته إلى مهارة وإلى رؤية استراتيجية.

          في عام (2025) سوف يصبح عدد السكان - إن صحت توقعات الأمم المتحدة - (5ر52) مليون, وسوف تكون غالبيتهم من الشباب, فأي مجتمع نبني? وأي قوة نتملك وقد أتيح للدول الخليجية حينذاك أن تزداد حجما, وربما تزداد منعة وقدرة اقتصادية وأمنية?

          الأعداد تتزايد... تتحرك... تتفاعل, ولكن في أي اتجاه? والسؤال هذه المرة يمس التجزئة والتكامل, التنسيق والتباعد, إنها مسيرة مجلس التعاون وسط أخطار إقليمية ودولية متزايدة 

ورقم

هل تنشط النساء?

          في اتجاه عكسي لما يجري في الخليج تذهب التوقعات السكانية للدول الصناعية, ففي تصريح لرئيس وزراء كندا جان كريتيان أثناء قمة (أبيك) (أكتوبر 2002) قال إن هناك مشكلة تواجه بلاده وهي أنها قد بنت طرقا ومستشفيات ومدارس ومرافق وقد لا تجد مَن يشغلها في المستقبل.

          و... طبقا لرئيس الوزراء الكندي فإن عددا من الدول الأوربية سوف يفقد ثلث سكانه خلال ثلاثين عاما, والحل في رأيه فتح باب الهجرة من جديد لتعود التدفقات البشرية تملأ الطرقات والمستشفيات والمباني.

          وربما كانت حالة كهذه حالة خاصة فهي تحتل مساحة تقترب من نصف القارة الأمريكية, ومواردها الطبيعية مازالت بكرا تطلب من يستثمرها, أما تعدادها فهو لا يتجاوز الثلاثين مليونا فقط, و... من هنا كانت سياسة الهجرة طوال الفترة الماضية فاتحة ذراعيها للأجانب ليأتوا ويتوطنوا ويحصلوا على الجنسية, أيضا, وإن جرى التضييق في السنوات الأخيرة.

          في حال أوربا يختلف الأمر فقد حققت دول عدة ما أسماه علماء السكان مبكرا تثبيت عدد السكان أي أن القادمين الجدد إلى الحياة لا يتجاوزون عدد الراحلين, وكان الظن, ومع التحسن في متوسطات الأعمار أن سياسة للضبط باتت ضرورية حتى يتم هذا التوازن بعد أن قلت نسبة الوفيات.

          في التطبيق العملي تحقق التثبيت وبدأ التراجع... أي أن هناك - وكما يشير اجتماع (أبيك) ـ دولا سوف تتناقص أعدادها خلال الأعوام الثلاثين المقبلة, وسر ذلك: أسرة صغيرة الحجم وأسباب اقتصادية واجتماعية جعلت الأوربي عازفا عن الإنجاب المتعدد.

          السؤال: هل تنكمش أوربا وهي القوة الصاعدة أمام الولايات المتحدة? أم تعود سياسة قبول المهاجرين وتجنيسهم رغم القيود التي جرى وضعها مرتين, مرة بسبب البطالة ومنافسة اليد العاملة الأجنبية, ومرة بسبب أحداث (11) سبتمبر, التي صنعت خوفا من أبناء الجنوب, خاصة القادمين من شمال إفريقيا والدول الإسلامية? أم تعود المرأة إلى نشاطها فتنجب أكثر.

          من الناحية الاقتصادية, قد لا تكون الحاجة كبيرة إلى يد عاملة مستوردة, فالتكنولوجيا الحديثة تعني الحاجة إلى عمالة أقل.

          ولكن من الناحية السياسية والأمنية فإن الأمر يختلف, الكيانات الصغيرة في خطر, والاتحاد الأوربي لن يعوض وفرة سكانية نسبية لكل بلد, وكل قطر على حدة.

          وكما يقول كريتيان: من يستخدم الطرق والخدمات التي تبنيها الدولة إذن? هناك حاجة إلى البشر!

          هل هو نداء للقادة أم للنساء والرجال لكي يزيدوا نشاطهم الإيجابي?

 

محمود المراغي   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات