ربع قرن من العطاء والتحدي

  ربع قرن من العطاء والتحدي
        

صاحب السمو الأمير
الشيخ جابر الأحمد الصباح

          ( كلنا أخوة متساوون, لا فرق بين كبير وصغير, غني وفقير, إلا بالحق وخدمة الوطن) بهذه الكلمات بدأ سمو الأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح رحلة ربع قرن من المحبة والعطاء ومواجهة الشدائد, تولى فيها توجيه دفة الكويت وسط أنواء وأعاصير أحاطت بها من كل جانب, وخلال هذه ال25 عاما كانت الكويت حلما ومسئولية , الحلم بإنشاء دولة عصرية حديثة, تديرها المؤسسات وتطورها مراكز البحث العلمي, تتمتع بالحرية وتحافظ على حقوق الإنسان, ومسئولية إدارة هذه الدولة وسط ظروف إقليمية ودولية مليئة بالموازنات الدقيقة. لقد تواصلت مسيرة القائد من إرادة التحديث والتعمير, إلى حمل القضايا العربية والإسلامية على كاهله, ومن تقديم كل أنواع الدعم المادي والمعنوي إلى الشعوب الفقيرة والمحتاجة, إلى مواجهة التحدي الأكبر الذي تمثل في احتلال دولة الكويت ومحاولة محوها وإلغائها من على الخريطة الدولية (أغسطس 1990).

          إن كل هذه التحديات قد اجتمعت في عهد واحد لرجل واحد, لتؤكد أن قيادة دولة مهما كان حجمها ليست بالمهمة السهلة, فهذا الربع الأخير من ذلك القرن شكل الكويت والعالم كما لم يحدث من قبل, فلم تعد الدول ذلك الكيان البسيط الذي يسهل قيادته بالفطرة, ولكنها تحولت إلى كيان معقد على من يقود أن يتحلى بالفكر الثاقب والرؤية المستقبلية والحكمة السياسية في وقت واحد, وهذا ما فعله جابر الأحمد منذ اللحظة الأولى التي تولى فيها دفة الحكم, فلم تبدأ مسئوليته مع لحظة توليه الإمارة في اليوم الأخير من شهر ديسمبر عام 1977, ولكن هي امتداد لمسئوليته كالرجل الثاني (ولي للعهد ورئيس للوزراء لمدة ثلاثة عشر عاماً سبقها نوع من المراس الطويل في العديد من المناصب) وعلى الرغم من حداثة سنه حين تولى أولى مسئولياته فإنه ترك بصماته عليها جميعا, ففي العشرين من عمره أصبح مسئولا عن الأمن العام لمدينة الأحمدي بكل ما يتطلبه ذلك من حماية للثروة النفطية ومنشآتها وللأفراد العاملين بها, وكانت مهمة صعبة في منطقة حساسة وحديثة التكوين, ولكنه أثبت في هذه التجربة  أنه أهل لها, وأعقب ذلك توليه منصبا اكثر حساسية, فقد كان أول وزير للمالية بعد أن أخذت دولة الكويت إهابها التنظيمي, وكالعادة لم تقتصر مهمته على الإنفاق لتسيير أمور الدولة ومشروعاتها العمرانية, وكانت في ذلك الوقت مهمة ضخمة, ولكنه تخطى ذلك إلى آفاق المستقبل عندما وضع فكرة (صندوق الأجيال القادمة) وهو المشروع الذي تم بفضله اقتطاع العُشْر من عائدات النفط وتوجيهها لاستثمارات لا تمس, لمصلحة أجيال المستقبل في الكويت بعد أن تنضب الثروة النفطية, وقد أنقذت هذه الفكرة الباهرة وجود الكويت نفسه, فعندما حدث الغزو العراقي الغاشم, تكفل هذا الصندوق, بما لديه من استثمارات, بالإنفاق على حرب تحرير الكويت, وإعادة إعمارها بعد التحرير في وقت كانت كل آبار النفط تعاني الحرائق والدمار.

          لقد كان الوطن وأهله هو هدفه وغايته وشغله الشاغل طوال هذه الرحلة المتصلة من العطاء, فلم يكبت رأي, ولم تصادر حرية, ولم يوأد إبداع, وكان للبناء الذي قام به طابعه الإنساني, فلم تبن الدولة فقط ولكن بني المواطن وحفظت كرامته وصينت حقوقه, وما التجربة الديمقراطية والحياة النيابية في الكويت إلا عنوان على تلك الحرية السياسية التي ازدهرت فيها.

          وكانت الثقافة والمعرفة واللحاق بالعصر هاجسه الأكبر وكان لها نصيب كبير من عطاء هذه المسيرة, فقد صدرت (العربي) في إبان توليه إدارة المالية, وظفرت بدعم ومؤازرة ظلا متواصلين حتى اليوم, وكان للأمير الدور الأول في التفكير في إنشاء العديد من المؤسسات الثقافية العملاقة التي لم يقتصر إشعاعها على الكويت ولكنه امتد إلى كل الدول التي تهتم بالفكر العربي والثقافة العربية, فقد كان إنشاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بكل ما قام به من أدوار ثقافية تجربة رائدة, أخذ بها عدد من الدول العربية والإسلامية, وكان إنشاء مؤسسة الكويت للتقدم العلمي بتوجيه مباشر منه مؤشرا للاهتمام بتنمية الفكر العلمي ورعايته معهد الكويت للأبحاث العلمية وغيره من المؤسسات. ولم يتوقف هذا الجهد الثقافي المؤسسي داخل حدود الكويت, ولكنه امتد إلى خارجها حيث رحب سموه بتقديم كل الدعم السخي لإنشاء معهد العالم العربي في باريس ليساعد في بناء جسر إسلامي وعربي في قلب أوربا وكذلك دعمه السخي أيضا في إنشاء معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية في جامعة فرانكفورت, وهو اليوم منارة للتراث العربي والإسلامي في أوربا.

          هذه بعض المعالم من مسيرة طويلة لا تقاس بعمر السنوات , ولكن تقاس بحكم الإنجاز, وبالقدرة على مواجهة التحديات, وهي تجربة من أهم التجارب التي عرفها عالمنا العربي والإسلامي. وكل من يزور الكويت اليوم يّطلع على ما تم انجازه من بناء وتقدم على المستويين السياسي والاجتماعي والعمراني والعلمي خلال الخمسة والعشرين عاماً من مسيرة زعيم عربي اسمه جابر الأحمد الصباح

 

سليمان ابراهيم العسكري   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية  
اعلانات