طه حسين اعتمر ولم يحج

طه حسين اعتمر ولم يحج
        

          طالعت في العربي العدد (519) فبراير 2002 مقال الأستاذ محمد سيد بركة (في بيت الله الحرام.. طه حسين يحج والشيخ الشعراوي يستقبله), ولقد استوقفتني بالمقال عدة ملاحظات أهمها أن طه حسين لم يحج وإنما كانت عمرة حيث كانت في جمادى الأولى 1374ه يناير 1955 وقبله كان طه حسين يهفو إلى زيارة الأراضي المقدسة, وكانت قلوب أهل الأراضي المقدسة تهفو إليه, ظهر ذلك جليا في بعض الرسائل لكتّاب وأدباء سعوديين كان طه حسين يحتفظ بها في أوراقه الخاصة, منها رسالة من أحمد عبدالغفور عطار من مكة المكرمة جاء فيها: لشد ما يؤلمنا نحن أبناء الأقطار العربية الشقيقة أن نرى في مصر ظاهرة تحمل المخلصين لها على أن يألموا ويشفقوا وهذه الظاهرة هي رمي البارزين فيها بما هم براء منه مما لا يتفق مع الكرامة الإنسانية ولا الشهرة الصحيحة التي استحقوها عن كفاية واقتدار. طه حسين الذي يدخل الوزارة فقيرا ثم يغادرها وهو فقير أيضا بل مدين).

          وفي رسالة مؤرخة بتاريخ 20 يناير 1942 تحت عنوان (من مكة المكرمة إلى مصر المحروسة) يقول فيها محمد سرور الصبان (يسرني أن أقدم لكم تحايا شباب العرب في هذه البلاد المقدسة الكريمة التي تقدر أدبكم القيّم الرائع حق قدره التي تعرفكم معرفة الروح. هذه البلاد التي تحفل بآثار سيد الخلق ورسول الإسلام والتي ألهمت الأستاذ سفره النفيس (على هامش السيرة) من حقها أن ترى الأستاذ الكبير ومن حقه أن يفد إليها حاجا وزائرا ومستلهما للتاريخ ومستوحيا للديار والآثار).

          لقد كان طه حسين مشوّقا إلى الأراضي المقدسة, وقد جاءته الفرصة حينما صار رئيسا للجنة الثقافية بجامعة الدول العربية, بل إنه لم يكن ليقبل اختياره لهذا المنصب لولا أنه علم أن دورة هذه اللجنة ستعقد في المملكة العربية السعودية, وقد عبر عن ذلك في حفل افتتاح دورة اللجنة الثقافية التاسعة التي عقدت في جدة . وحينما تهيأ طه حسين للقيام بالعمرة عُهد إلى الشيخ عبدالله المنيعي مدير إدارة الثقافة بوزارة المعارف السعودية والتي كان وزيرها في ذلك الوقت الأمير فهد بن عبدالعزيز - خادم الحرمين الشريفين فيما بعد - ليرافقه في رحلته الروحية لأداء العمرة. أما عن أثر هذه الرحلة على طه حسين, فتحدثنا سوزان زوجة طه حسين في كتابها (معك) - قائلة (وما كان يواسيه شيء لو لم يتمكن من رؤية المدينة المنورة, وأعرف كم كان منفعلا عندما يقول لي: حقا إن الإسلام دين الصفاء والتسامح).

          أما كيف كان صدى قصيدة الشيخ الشعراوي على طه حسين فيقول الشيخ الشعراوي (إن القصيدة أعجبت طه حسين وأعجبت كل الموجودين, وكان له تعليق على كل بيت فيها حتى أنه قال (لو لم يكن في حياتي من تكريم سوى هذه الأبيات لكفتني) وبعد.. كلمة حق أقولها بعيدا عن خصومه الذين حاولوا أن ينالوا من عقيدته وعن أنصاره الذين بالغوا في الدفاع عنه وبعيدا عن الجيل الذي تأثر بكتاباته مباشرة أقول كما قال أحد جماهير الشعب المصري الذين وقفوا يشيعونه بعد رحيله في الثامن والعشرين من أكتوبر عام 1973 عندما وقف يبكي مع ابنه ويقول له: أنت يا بني تبكي طه حسين لأنك تعلمت منه وقرأت له وسمعت أحاديثه في الإذاعة. أنا يا بني لم أتعلم من طه حسين ولم أقرأ كتبه ولم أسمعه يتحدث في الإذاعة إلا نادرا ومصادفة, ولكني أبكيه يا بني لأنه هو الذي مكنني منذ ثلاثة وعشرين عاما من تعليمك, هأنت قد حققت لنفسك ولأسرتك من الثقافة والكرامة ما حققت, ابكه يا بني لأن الله تعالى أكرمه بالعلم, فلم ينس الجاهلين وأغناه فلم ينس المعوزين وأسعده فلم ينس من في الأرض من المعذبين

 

صلاح عبدالستار