رحلة في عالم أشهر فلكي في الخليج العربي

 رحلة في عالم أشهر فلكي في الخليج العربي
        

د.صالح العجيري... عصامي أمسك النجوم وقرأها 

          يحظى الفلكي صالح العجيري بتقدير عال في الكويت ومنطقة الخليج العربي, فالعالم العصامي الذي بدأ حياته العملية من الصفر, استطاع خلال سنوات قليلة, اختصار الكثير من الوقت في الدراسة الدءوب لعلم الفلك, دون أن يتمكن منه الاستسهال ودون أن تجذبه مجالات أخرى أكثر إغراء لحياة راغدة. كان (الفلك) هو هاجسه, منذ بداية اكتشافه لهذا العلم الرحب, وكانت المثابرة والبحث طريقه في الارتياد والنبوغ والشهرة.  

          خلال سنوات من العمل والاجتهاد, بات صالح العجيري مرجعا مرموقا في علم الفلك وأحوال المناخ في الخليج العربي, وبات العديد من توقعاته التي أثبتت الأيام صحتها تتصدر وسائل الإعلام كلما حل الصيف أو جاء الشتاء أو لاحت تساؤلات حول علم النجوم.

          والرجل الذي اكتسب عبر خبرة طويلة, سمعة ومعرفة ودقة, دخل إلى مجال علم الفلك بعد أن ازدادت مخاوفه من ظواهر طبيعية مرعبة يحدثها قصف الرعد وهبوب العواصف ووميض البرق, الأمر الذي دفعه إلى السعي لمعرفة كنهها وتفسير ما غمض من أفعالها.

          وقد توجت جهود العجيري العلمية في الفلك بمنح جامعة الكويت شهادة الدكتوراه الفخرية له خلال حفل أقامته عام 1981 وكانت أول شهادة فخرية تقدمها تلك الجامعة في تاريخها ولمدة 12 عاما لم تمنح هذه الجائزة لأحد إلى أن أهدتها الجامعة لكل من مارجريت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية السابقة وجورج بوش رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق, وخافيير دي كويلار الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة الأسبق, تقديرا للجهود التي ساهموا بها في تحرير الكويت من احتلال بشع تعرضت له في العام 1990.

          لكن الجوائز المميزة التي نالها العجيري لم تتوقف عند الدكتوراه الفخرية, ففي شهر ديسمبر 1988 وأثناء انعقاد القمة لدول مجلس التعاون في مسقط بعمان تم منحه قلادة مجلس التعاون للعلوم.

البدايات الصعبة

          وصالح العجيري من الرعيل الأول الذي ذاق مر الحياة وحلاوتها. وعاش طفولة هادئة رتيبة إلا أنه لما بلغ الثانية عشرة من العمر حدث ما غيّر مسار حياته فقد ماتت والدته سنة 1933 ليجد نفسه فجأة وهو الأكبر عمراً من بين أشقائه, مسئولا عن أسرة كاملة في الوقت الذي كان فيه عمل والده الموظف في إدارة البلدية يشغله معظم ساعات النهار وبعض ساعات الليل الأمر الذي دفع صالح وهو صبي إلى أن يطهو الطعام ويحلب الأغنام ويقوم برعاية إخوته الأربعة يطعمهم ويغسل ثيابهم ويهيئ بعضهم للمدرسة. ولم يمنعه ذلك كله من الذهاب بانتظام إلى مدرسته, إلا أنه كان محروماً من اللعب مع أقرانه من أطفال الحي خارج وقت الدراسة وهو ما انعكس على سلوكه إذ أصبح مشاغباً في الصف المدرسي تعويضا عما فقده من اللعب, ولعل ذلك كان سببا قاده إلى ممارسة التمثيل فيما بعد ليبدأ صيته في الذيوع بين الناس في الكويت ثم في خارجها ليس بسبب علم الفلك فقط بل لأنه كان أيضا ممثلاً مشهوراً وبارعاً خلال الفترة ما بين سنة 1938 إلى سنة 1961 وهي السنة التي انقطع بعدها عن التمثيل.

          وعن كيفية اختيار الممثلين يقول العجيري: (كنا نختار الممثلين ونحدد لكل واحد منهم وظيفته في المسرحية وهو يتدبر شأنه فنقول مثلا لأحد الممثلين أنت خادم فافعل وتكلم كأنك خادم ونقول لآخر إنك مدير فالبس وافعل كما يفعل المدير. لذلك فإن نص المسرحية يتغير من ليلة إلى أخرى فلكل ليلة نَص, وذلك حسب اجتهاد الممثل وما يخطر على باله, وهكذا كان النص يتم تحسينه بمرور الليالي نتيجة للتجربة وحذف ما لا يليق وإضافة المستحسن. وفي المسرحيات التي تقدم باللغة العربية الفصحى كان النص موجودا لكن الإخراج يتم باجتهاد الممثلين أنفسهم).

          لكن العجيري فيما بعد قرر هجر الفن إلى العلم الذي استهواه, متطلعاً إلى السماء ونجومها وأفلاكها. وعن ابتعاده عن ممارسة الفن يقول العجيري إن ما في السماء من ضياء وبهاء صرفه عن أضواء المسرح, وهو يرى أن العلاقة بين الفلك والفنون علاقة وطيدة بل إن كل العلوم جميعها يكمل أحدها الآخر, وذلك ما يمكن ملاحظته في شتى مجالات العلوم والفنون والآداب والاجتماع إذ لا يوجد علم لا فن فيه أو فن لا علم فيه.

          ثم طغت ممارسته لعلم الفلك وما قدمه للناس من تفسير للحوادث السماوية والفصولية والمواسم. وهنا يقول العجيري (لقد وجدت نفسي منساقاً إلى تعلم علم الفلك وإلى استنباط الحوادث منه, وكان أول حدث قدمته للناس هو خسوف القمر وقد نشر في مجلة (البعثة) التي كان يصدرها بيت الكويت في القاهرة سنة 1944 وقد ابتهجت كثيراً لصدق توقعي وإن كان فيه تأخر في الموعد من الليل الذي حددته لذلك, أما ما قدمته من عمل متواضع في المواقيت والأهلة فيعرفه أصحابي ورفاقي. ولا تزعجني كثرة أسئلة الناس ومراهناتهم على التغيرات الفصلية شأنهم في ذلك شأن قراء تقاويمي, فإنه مما يسر خاطري أن يكون السؤال في أمر لا أعرفه أو غير واثق منه تماماً فهذا السؤال يستفيد منه السائل وأستفيد منه أنا فهو سيضطرني إلى البحث والتقصي واستدراج الإجابة الصحيحة من داخل الكويت أو من خارجها. ولا ضير أن يشكك أحد بمعلوماتي, ففوق كل ذي علم عليم, والناس آراء واجتهادات وتوجهات, فالدنيا كلها كفاح والبقاء فيها للأوفق. ويؤكد العجيري ذلك قائلا: (لا شك في أن معلوماتي التي أنشرها وأبثها في التقاويم وفي وسائل الإعلام الأخرى لم تكن في السابق في أيام شبابي كما هي عليه الآن من دقة, ومسايرتي للتطور وممارستي وتراكم الخبرة تجعلني أكثر حرصا على تلمس الوسيلة المثلى في معرفتي وعلى تحري الصواب. ولا أستطيع القول إن لدي علماً خارقاً أو حتى معرفة غير عادية فأنا أخطئ وأصيب, والكمال لله وحده وفوق كل ذلك أحمد الله المعطي المعين أن يسّر لي أمور المعرفة ومنع عني تكرار الأخطاء وأفاض عليّ من فيض فضله الشيء الكثير).

بداية المعرفة

          يؤكد د.العجيري أن بداية دراسته لعلم الفلك كانت مبكرة جدا (وكان أول من شجعني في دراستي لعلم الفلك والدي الذي اكتشف نزعتي ورغبتي وميولي في هذا المجال وذلك في بواكير شبابي بل منذ طفولتي, وقبل وفاة والدتي أرسلني إلى البادية في ضيافة قبيلة (الرشايدة) في بر (رحية) جنوب غرب منطقة الجهراء, لأتعلم الرماية والفروسية وأتعود الحياة الخشنة فأنست للصحراء وبهرتني محاسنها فضوء الشمس ونور القمر والقبة السماوية الزرقاء بما فيها من نجوم لألاءة كانت من المباهج التي أخذت بمشاعري وزادتني شغفاً ورغبة في نفسي ونزعة لمعرفة سر هذا النظام المتكامل والعجيب في تناسقه وإتقانه وما له من صلة بعلم الفلك وكان أول درس عرفته في الفلك هو معرفة الجهات الأربع ليلا وحتى في حالة تلبد السماء بالغيوم وذلك بواسطة اتجاه الكثبان الرملية أو تموجات الرمال أو المثلثات التي ترسمها الريح وأصل كل حجر أو شجرة في الصحراء الرملية).

          يستطرد العجيري قائلا: (كانت انطلاقتي الأولى الفلكية بفضل ما تلقيته حول علم (الربع المجيب) وهي آلة إسلامية ربما تكون قد صنعت في (خوارزم) وهي تستخدم للتوقيت والمسح (حاسبة قديمة) وهي عبارة عن قطعة من النحاس أو الخشب في شكل ربع دائرة يرسم عليها الجيوب المبسوطة والمنكوسة وهناك دائرة ميل ودرجات البروج ولها هدفتان من أعلى توضع في الشمس يحاول من يستعملها أن يضع ظل الهدفة العليا تكاد تلامس الهدفة السفلى ولها شاقول (خيط) فيه ثقل وهناك ما يسمى (بالمري) وهي خيوط صغيرة مربوطة بالشاقول. وقد درست علم (الربع المجيب) عام1935 على يد الأستاذ عبدالرحمن قاسم الحجي رحمه الله الأخ الأكبر للأستاذ يوسف الحجي وزير الأوقاف سابقا الذي تلقى علم الربع المجيب على يد بيت آل النبهان بالحجاز وعند عودته للكويت أحضر معه كثيرا من الكتب والمعلومات التي قام بتدريسها لي. وترجع أصول بيت آل النبهان إلى البحرين ووالدهم حمد بن خليفة وهم جماعة من العلماء الفقهاء والمهتمين بمصطلح الحديث والفقه والتاريخ بالإضافة إلى علم الربع المجيب الذي انتشر في الجزيرة العربية عن طريقهم. وعلم (الربع المجيب) من العلوم الإسلامية القديمة لكنه اضمحل مع اضمحلال دولة الإسلام ولكن مع قدوم الدولة العثمانية احيي هذا العلم وأعيد الرسم والتأليف فيه واستخدم لتحديد مواقيت الصلاة وتحديد اتجاه القبلة, ويعتقد أن علم الربع المجيب قد وصل الجزيرة العربية عن طريق العثمانيين ونقله آل النبهان إلى الحجاز ثم الكويت عن طريق عبدالرحمن الحجي حيث تبعته وأكملت عنده دراسة هذا العلم ولم يدعني حبي لعلم الفلك ساكنا في مكاني بل بذلت قصارى جهدي لتلقي هذا العلم في آخر الدنيا, وفي فترة الحرب العالمية الثانية كانت خطوط المواصلات مقطوعة بين الدول ولم تكن هناك طرق ولا وسائل للمواصلات المتطورة كما في وقتنا الحاضر ورغم ذلك دفعني حبي وشغفي بعلم الفلك إلى تخطي الصعاب والسفر للحصول على مزيد من العلم, فقد بدأت بالتوجه إلى مصر عندما وقع في يدي كتاب في الحسابات الفلكية اسمه (الزيج المصري الجديد), الصادر عام 1920 للمؤلف الاستاذ عبدالحميد مرسي غيث, قرأته مرارا إلا أنه تعذر علي فهم بعض منه فقررت الذهاب إلى مصر للقاء المؤلف وبالفعل سافرت بالسيارة إلى البصرة ومنها إلى بغداد بالقطار ثم إلى بلاد الشام بسيارات شركة (نيرن) العملاقة ثم ركبت الباخرة من بيروت إلى الإسكندرية ومنها بالقطار إلى القاهرة ومن ميدان التحرير بالباص وبعد أن انتهى الخط ركبت سيارة ثم على ظهور الحمير في (غيطان ميت النخاس) بمحافظة الشرقية حتى وصلت إلى المؤلف فوجدته قد جاوز الثمانين عاما. وقد أرشدني إلى كثير من الكتب والمؤلفات, وتلقيت على يديه الكثير من العلوم الفلكية ثم حولني إلى بعض تلاميذه بالقاهرة منهم رحمة الله عليه الأستاذ (عبدالفتاح وحيد أحمد) العالم الفلكي الكبير في ذلك الوقت وقد واصلت تحصيلي لهذا العلم بنهم شديد وخاصة على يد المهندس المرحوم الفلكي الكبير (عبدالحميد سماحة) مباشر مرصد حلوان. لقد طرقت في ذلك جميع السبل لم أكن أتوقع أنني سأصل إلى هذه المرتبة في دراستي لعلم الفلك, لأن دراستي كانت هواية ولم يكن الهدف منها أبدا أن أصل إلى مرتبة ما لكنها إرادة الله الذي أفاض عليّ من فيض فضله الشيء الكثير فحمدا لله على آلائه ونعمائه. وأصبحت تلك الأمور أهم هواياتي بل وأمارسها ليلا ونهارا منذ سبعين عاما وحتى الآن. ومع ذلك لم أغفل عن مواكبة هذا العلم في تطوره وتحديثه ومسايرة ما يستجد فيه في الأوساط العلمية خارج البلاد. لقد أضاف علم الفلك إلى حياتي شيئا وسلب شيئا آخر, أضاف إليها ممارسة أجل العلوم التي خدمت بها وطني وأمتي وأفاض عليّ من أهل الكويت فيض أفضالهم وصرت محط اهتمامهم وعنايتهم ورعايتهم الأدبية والمادية لاسيما من النادي العلمي الكويتي ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي ووزارة التربية وحسبي أن مرصد الكويت سمي باسمي (مرصد العجيري) كما أن مؤلفاتي وإصداراتي كلها صارت محل اهتمام إخواني العرب وغيرهم. لقد أعطاني علم الفلك الاستقامة في التفكير والدقة في تحري الحقائق كما أعطاني الشهرة والسمعة الطيبة وحب المجتمع وثقة المسئولين لي فهو مجدي. أما ما سلبه مني فهو أنه حرمني من ممارسة أي هواية أخرى أو نشاط آخر كما أخذ وقتي كله. لعل ذلك انعكس ولو جزئيا على حياتي الاجتماعية والترفيهية والخدمة في مجالات أخرى كالتجارة التي تمنيت لو كان لدي متسع من الوقت لممارستها).

الفلك والأرصاد

          ولكن لماذا علم الفلك? خصوصا أن دراسة هذا العلم في ذلك الوقت لم تخطر على بال أحد من أبناء الكويت القدامى في الوقت الذي تعد فيه دراسة هذا العلم في وقتنا الحاضر من أصعب الدراسات?

          هنا يقول د.العجيري (في ربيع سنة 1933 بهرتني سماء الصحراء بجمالها وجلالها فتعلمت هناك أول درس في الفلك وهو معرفة الجهات من النجوم ليلاً ومن اتجاه الكثبان والتموجات التي تحدثها الريح على الرمال نهاراً. كذلك, فإن كل شجيرة أو حجر في الصحراء يتكون في أسفله مثلث من الرمال الناعمة ومن اتجاه المثلث نعرف الجهات). ويضيف قائلا إن: (سبب شغفي بعلم الفلك يكمن في أنني منذ صغري أخاف الظواهر الطبيعية, وقد اطلعت على تقويم (العيوني) في وقت مبكر كما تعلمت العمل (بالربع المجيب) وكان علم الفلك في المنطقة من الأمور التي يصعب الحصول عليها لنقص المؤلفات عنه وندرة المهتمين به إلا أن شغفي الشديد به مكنني من كسب حصيلة لا بأس بها في هذا العلم ولقد تجشمت الصعاب في دراستي لعلم الفلك). يضيف د.العجيري إن القصة في هذا الموضوع تطول فهي قصة حياتي.

          وكما قلت سابقاً فقد واجهتني في دراسة علم الفلك معاناة شديدة, فقد درست علم (الربع المجيب) في الفلك وكان أستاذي في ذلك هو المرحوم (عبدالرحمن الحجي) وقد أخبرني أنه درسه في مكة المكرمة على يد الشيخ (خليفة حمد النبهاني) وآل النبهاني مشايخ يهتمون بعلم الربع المجيب والتاريخ ومصطلح الحديث ولهم مؤلفات في ذلك وقد علم والدي وأنا مازلت صغيرا أن أحدهم وهو الشيخ أحمد خليفة النبهاني قد حضر إلى الكويت وهو في ضيافة آل الإبراهيم ومنزلهم وديوانيتهم قرب (قصر السيف) ومنزلنا قرب فندق (ميريديان) فحرصت على أن ألقاه وكنت أذهب إليه مشياً على القدمين في حر الصيف لكنه لم يأبه بي بادئ الأمر لصغر سني وشكلي, لكنني ثابرت وسعيت إلى تقديم أسئلتي إليه في فرصة مدتها بضع دقائق عندما عرفت أنه يستيقظ من نومة القيلولة ثم يذهب إلى الحمام ليتوضأ لصلاة العصر وبعد ذلك يشرب الشاي الذي يُعد له عندئذ كانت فرصتي هي بين خروجه من الحمام وجلوسه للشاي وهكذا كنت في كل يوم أقطع المسافة الطويلة في حر القيظ لكنه لما وجدإدراكي في علم الفلك ساعدني كثيراً وأراني مجاميع النجوم في الليل وعند سفره أعطاني عنوان شقيقه الشيخ محمد خليفة النبهاني الوكيل الوحيد للعقارات والبساتين للحرم ومقره في البصرة فراسلته واستفدت منه وعندما حضر إلى الكويت عرفت منه الكثير.

          وفي أمر آخر يدل على حرصي الشديد على الحصول على أداة أو معلومة فلكية مهما كلفني الأمر. كنت في مدينة لتلتون التابعة لولاية كولورادو في الولايات المتحدة الأمريكية فوقع نظري على مجلة (OBSERVADOME) فشدتني وحرصت على أن أعرف العنوان تحتها لأن معناها محل صناعة القبة الفلكية فعرفت أن الشركة تقع في مدينة جاكسون بولاية المسيسيبي فسافرت إليها وقد هبطت الطائرة في خمس محطات حتى وصلت. وهناك طلبت منهم أن يصنعوا لي قبة قطرها ثلاثة أمتار أرسلوها إلي فيما بعد. أما دراستي لعلم الفلك فكانت مشوشة ليس فيها انتظام لأنني لم أترك جهة فلكية إلا واتصلت بها فقد اتصلت بالبدو في الصحراء وأرباب السفن في البحر والهيئات العلمية والمراصد مثل مرصد البحرية الأمريكية ومرصد جرينتش ودرست في مصر وحصلت على عدة شهادات فلكية, ودراساتي حضورية وبالمراسلة, ورغم كبر سني فأنا مازلت أدرس وأزيد حصيلتي في علم الفلك. ومن هنا فإن قصة دراستي لعلم الفلك لا مجال لذكرها لأنها طويلة فهي قصة حياتي).

          وعن علم الأرصاد الجوية وعما إذا كان علما منفصلا عن علم الفلك أم وثيق الصلة به, وأين تعلم علم الأرصاد الجوية وعلى يد من? سألناه فقال: (علم الأرصاد الجوية من العلوم الجليلة المهمة في شتى مناحي الحياة فهو يخدم الزراعة والصناعة والملاحة البحرية والجوية وفي مستهل دراستي لعلم الفلك لم أكن أميّز بين علوم ثلاثة هي: الفلك, التنجيم, الأرصاد الجوية لكن شغفي وتعلقي بعلم الفلك هو الذي شدني أكثر من غيره ولأن علم الأرصاد الجوية قريب إلى ذهن من يدرس الفلك فقد وفقت إلى اكتساب حصيلة لا بأس بها تتعلق بالطقس في الكويت اعتمدت في كثير منها على المشاهدة والتجربة خلال سبعين سنة من عمري وهي تصدق غالبا إلا أنها لا تخلو من الخطأ أحيانا وأنا بها كمثل المثل العربي القائل (شخب في الإناء وشخب في الأرض).

13 برجاً

          وعن الإضافات العلمية التي قدمها في مجال علوم الفلك يقول د.صالح العجيري (حببت علم الفلك للنشء في الكويت بشتى وسائل الإعلام وقربته إلى أذهانهم وبسطت قواعده لهم أما ما قدمته أو أضفته لعلم الفلك فقد ساهمت بعض الأسئلة من الفلكيين في الأقطار العربية في أن أركز على بعض الأمور الفلكية والمثال على ذلك استطعت - بفضل الله - أن أثبت أن البروج ثلاثة عشر فعلاً واثنا عشر برجاً اصطلاحيا).

          ويؤكد د.العجيري في هذا الصدد أنه لم يقصر في تقديم معلوماته في علم الفلك إلى أي طالب علم, كما أنه شارك في دورات ومؤتمرات فلكية وقام بالتدريس في الدورات التي يقيمها النادي العلمي الكويتي وأصدر كثيراً من المؤلفات والدراسات والمقالات في كل الوسائل العلمية سواء المقروء منها أو المسموع أو المرئي كما قدم كثيرا من المحاضرات. في الوقت الذي يظل فيه مرصد العجيري والقبة الفلكية فيه بغية كل طالب في علم الفلك.

ثلاثة علوم

          وهناك ثلاثة علوم تتشابه في كثير من صفاتها ومظاهرها هي علم الفلك وعلم الأرصاد الجوية وعلم التنجيم. ويقول عنها د.العجيري إن (علم الفلك علم رصين يستند إلى الحقائق الثابتة والقواعد الراسخة في تعلمه, وعلم الأرصاد الجوية يشبهه في كثير من النواحي وهو علم صحيح راسخ لا يستند إلى الحدس أو التخمين. أما علم التنجيم إن صح لنا أن نسميه علما - ففيه الكثير من الملابسات الخاطئة ويفتقر إلى القواعد والأسس الصحيحة ويعتمد ممارسوه على تغليب الظن على القواعد وهو علم لم يتطور وبقي يراوح مكانه ويدعي ممارسوه أنهم يستعينون بالجان وما هم بفاعلين وخاب ظنهم).

          يضيف صالح العجيري قائلا: (يخلط الكثيرون - ومنهم أنا - بين العلوم الثلاثة التي ذكرتها آنفا ويظنون أن المعلومات الفلكية التي تستند إلى العلم الصحيح والقواعد الثابتة تأتي عن طريق الإيحاء من الجان وهذا أمر يؤسف له وأنا شخصيا لست بمبعد عن الاتهام من أنني أمارس التعامل مع الجان, والعلوم الثلاثة كلها في مظهرها الخارجي بل ربما في محتواها متشابهة ومتكاملة والمنجمون يحتاجون إلى دراية الفلكيين, والفلكيون يحتاجون إلى كفاءة الأرصاد الجوية فالفلك والأرصاد الجوية علمان لهما أصولهما العلمية الصحيحة الموثوقة أما التنجيم فليس علما لأنه ليس مبنيا على أصول صحيحة ويخالطه الحدس والتخمين وأربابه يدلسون على الناس ويوهمونهم ومع ذلك فهو لا يقل اهتماما من بعض الناس ومدلولاته ترقى عندهم إلى حد التصديق. وطوالع الأبراج التي تنشر في الصحف كلها للتسلية ولإشباع فضول القراء لاستطلاع المستقبل, كما لا يضعها منجمون مختصون على الأقل والعبارات فيها عامة ومن عادة القارئ إن كان فأل البرج يناسب رغباته فإنه يقول صدق الطالع أما إذا كان في غير ما يرغب فإنه يقول (كلام جرايد) وحتى لو وضع هذه الطوالع منجمون مدعون فإنها لا ترقى إلى نصاعة الواقع وتفتقر إلى المصداقية لأن علم التنجيم - إن كان يوصف بأنه علم - ليس مبنيا على أسس علمية لا يداخلها الشك والريب وهو بقي يراوح مكانه لم يطرأ عليه تقدم أو تطور أو نوع من المصداقية ويغلب عليه الظن ونزعة التمني. إن كل ما له صلة بطوالع الأبراح لا صحة له إطلاقاً وإن تنوعت الأساليب وتلمس أربابه أوجه استجلاء المغيبات فيه).

فكرة المرصد

          وعن فكرة إنشاء مرصد العجيري الذي أصبح أحد المعالم المهمة في الكويت يقول: (بعد أن ظهرت بوادر انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأت أبحث عن وسيلة لتلبية حاجتي الكبيرة للاستزادة من علم الفلك فتوجهت للقاهرة لدراسته, وفي 10 فبراير 1946 منحت شهادة مدارس المراسلات المصرية من مدرسة الآداب والعلوم التابعة لجامعة الملك فؤاد الأول بعد نجاحي في الامتحان الذي تعقده الجامعة في علم الفلك. وفي يوم الأربعاء الأول من شهر أكتوبر عام 1952 الموافق 11 المحرم1372ه انعقدت بمدينة المنصورة بمصر اللجنة الفلكية العليا للاتحاد الفلكي المصري العام وقررت منحي الشهادة الفلكية العلمية الثانية تقديرا لأبحاث علمية ورياضية قيّمة, كما قررت اللجنة اعتباري عضوا من أعضاء الاتحاد العاملين لترقية العلم ونشره في جميع الأنحاء ابتداء من عام 1952. بعدها عدت إلى الكويت لإكمال المسيرة التربوية وقد بدأت في نشر الوعي العلمي والعلم عن طريق تأليف النشرات والكتب والكتيبات الكثيرة, وأخيرا راودتني أفكار كثيرة حول إنشاء مركز فلكي في هذه المنطقة التي تقع على خط عرض شمالي متدن لما تتميز به من صفاء الجو وعدم وجود مراصد فلكية في هذه المنطقة من العالم كما أنه يمكن رؤية جزء من السماء الجنوبية فيها وهو الجزء الذي لا يمكن رؤيته في المراكز الموجودة في أوربا شمالا, فجالت في خاطري فكرة تنفيذ هذا المركز الفلكي ليكون مركزا علميا كبيرا في دولة الكويت ولم تكن تتوافر الإمكانات اللازمة لذلك المركز الذي ظل حلما يراودني منذ أكثر من أربعين عاما إلا في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات, في هذه الفترة قررت البدء في إنشاء هذا المركز على نفقتي الخاصة, وفعلا اشتريت قسيمة أرض مساحتها 1000 متر مربع تقع في الزاوية الغربية الجنوبية من منطقة الأندلس كانت توجد أمامها أرض فضاء ولا يوجد بها أي إنشاءات في ذلك الوقت, ثم بدأت في إنشاء المبنى الخاص بهذا المركز, وفي عام 1973 توجهت إلى أمريكا لشراء القبة الخاصة بالمرصد ثم إلى مدينة جاكسون عاصمة ولاية المسيسبي وكان يوجد بالقرب منها مصنع أوبسرفادوم للأدوات الفلكية, ومن هناك قمت بشراء قبة ذات قطر طوله 3 أمتار وقمت بإحضارها للكويت, كما قمت بشراء تلسكوب (كوانتوم) قياس 15 سم للعدسة وكذلك بعض العدد الفلكية لزوم إنشاء المرصد. في سنة 1978 عندما كان ابني يدرس في الولايات المتحدة في مدينة ليتلتون بولاية كولورادو قمت بزيارته فوجدت عنده مجلة شدتني فيها كلمة (أوبسرفادوم) ولما قرأت الإعلان عرفت أنه المصنع الذي ينتج القباب السماوية, فذهبت إلى مدينة دنفر حيث المطار وتنقلت عبر خمسة مطارات حتى وصلت إلى مدينة جاكسون حيث المصنع وطلبت منهم تصنيع قبة سماوية ثم بعد ذلك توجهت إلى المملكة المتحدة وقمت بشراء الأجهزة والأدوات اللازمة للرصد الجوي مثل مقياس للضغط الجوي ومقياس للمطر وآخر لنسبة الرطوبة و(كرونومتر) وجهاز قياس سرعة الرياح وأوصيت بسارية الرصد الجوي من إنجلترا أيضا وقمت بشراء قبة أخرى تكملة للمرصد ونقل جميع الأغراض إلى أرض المركز الفلكي بمنطقة الأندلس تمهيداً لبناء هذا المرصد ونظرا لضخامة هذا العمل ونبل الهدف, فقد فكرت في جذب عدد من أبناء هذا الوطن للمشاركة في هذا العمل الكبير ومن طرائف الأمور أنه في تلك الفترة التي راودتني فكرة إنشاء مرصد كانت تراود عقول مجموعة أخرى من أبناء هذا الوطن وعلى رأسهم عبدالله الشرهان وداود سليمان الأحمد فكرة إنشاء ناد علمي كبير لممارسة الهوايات والأنشطة العلمية المختلفة ومنها علم الفلك والأرصاد الجوية وجمع الهواة والراغبين في تنمية وممارسة الهوايات العلمية, إلى أن حدث اللقاء المرتقب في عام 1977 بعد تأسيس النادي العلمي بعامين حين دعيت إلى زيارة النادي العلمي الكائن في ذلك الوقت بالسالمية في نادي الجوالة في شبرة صغيرة وهناك تم طرح إنشاء مرصد كبير باسم مرصد العجيري وفي عام1980 قام سمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح بتكليف النادي العلمي ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي بتكريمي. بعدها تبلورت فكرة إنشاء مركز علوم الفلك والأرصاد الجوية بالنادي العلمي في مقره الجديد من منطقة (مشرف) بالدائري السادس. عندها وجهت جهدي مع جهود النادي لإنشاء هذا المركز الكبير وترك المركز الذي أعددت لإنشائه في منطقة الأندلس حيث تحقق أملي في بناء مرصد كبير جدا بمنطقة الخليج وإنشاء ذلك المركز العلمي لعلوم الفلك والأرصاد الجوية. وفي عام 1981 منحت درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة الكويت كلية العلوم وهي أول دكتوراه فخرية تمنحها جامعة الكويت في تاريخها وقام حضرة صاحب السمو أمير البلاد شخصيا بافتتاح المرصد رسميا في 15 أبريل 1986 تكريما لدوري في نشر العلم وبناء جيل كبير من العلماء وفي سنة 1988 قلدت قلادة مجلس التعاون الخليجي في العلوم).

التقويم

          وحول قصة (تقويم العجيري) الذي بات في الوقت الحاضر لا غنى عنه في المنطقة يقول: (عندما كنت طفلا في مدرسة والدي كنت أشاهد لوحة على الحائط فيها أوراق تنزع يوميا يسمونها (روزنامة) لعلها مجلوبة من مصر وكان والدي إذا جاء يوم الخميس يقول لنا انظروا إلى الروزنامة وكيف أنه يوم الخميس يضحك كنت مستغربا من كلامه, فلم أفهمه ولعله كان يقصد أن نهاية الدوام يوم الخميس تأتي عطلة الجمعة.

          وفي سن مبكرة من عمري قلدت الرزنامة فأكتب اليوم من الأسبوع ومعه رقم اليوم من الشهر فقط, وقد لاحظ ذلك والدي فسألني ماذا تقول الروزنامة على الساعة التي يؤذن فيها العصر? فأجبته عندما يؤذن المؤذن لصلاة العصر, فرد علي: ولكن الساعة كم? فعجبت لسؤاله وصرت في حيرة ولكن حيرتي زالت عندما أرسلني إلى المرحوم نصرالله النصر الله في السوق فأراني كتابا نعرف منه الأيام والشهور وفيه مواقيت الصلاة اسمه (تقويم العيوني) لمؤلفه الشيخ عبدالعزيز العيوني من الأحساء, فالأحساء كانت فيما مضى مركزا علميا يؤمه علماء الدين من الخليج وشبه جزيرة العرب قرأت الكتاب مرارا وتكرارا وصرت أنا أدرس معلمي المواد التي لا يعرفها من الكتاب ثم صرت أعمل روزنامات مخطوطة وعرف والدي أن المرحوم عبدالرحمن الحجي لديه الآلة القديمة (الربع المجيب) فصار المرحوم عبدالرحمن الحجي يدرسني في ذلك حتى صرت أنا أعلمه ما خفي عليه من أسرارها وحساباتها الفلكية.

          في سنة 1938أخذني والدي ومعي روزنامة مخطوطة إلى المرحوم مساعد الصالح, فأبدى إعجابه بها فأخذني إلى المرحوم عبدالعزيز علي العبدالوهاب وكانت له علاقات تجارية مع بغداد, وطلب منه أن يحاول طبعها في بغداد لعدم وجود مطابع في الكويت, فطلبت المطبعة 20 دينارا عراقيا تبرع المرحوم مساعد الصالح بخمسة دنانير, وتبرع عبدالعزيز العلي بخمسة وطلبوا من دائرة المعارف المساعدة في ذلك الوقت فتبرعوا بخمسة دنانير وصار ينقصنا خمسة دنانير لم نتمكن من تدبّرها فلم نتمكن من طبع التقويم, وفي السنة التالية قدمت التقويم إلى أمير البلاد الراحل سمو الشيخ أحمد الجابر الصباح فطلب من المرحوم عزت جعفر أن يرسله إلى مصر للطبع فاشتعلت الحرب العالمية الثانية, وتقطعت السبل وضاع التقويم في المعمعة.

          في سنة 1944 عملت تقويما صغيرا مختصرا في ورقة واحدة لكل شهر وطبعته على نفقتي في بغداد وبكمية ضئيلة. وفي سنة 1945 عملت تقويما كبيرا وأرسلته إلى صديق لي في بغداد لطبع 500 نسخة فجاءني الرد بأن دائرة التموين في العراق لا تسمح بتصدير الورق الأبيض ويمكن طبعه على ورق رخيص ملون فوافقت على ذلك وتم طبعه في مطبعة (السريان) وأصحابها يهود وهي متخصصة بطبع التقاويم, وبعد إنجاز الطبع أصدرت دائرة التموين في العراق التعليمات بعدم تصدير الورق إلى خارج العراق بكل أنواعه حتى الملون وأسقط في يدي. فطلبت من صديقي أن يرسل التقاويم إلى البصرة لتكون قريبة من الكويت على الأقل وأوعزت إليه أن يسلمها إلى محل (رحمين ساسون) ويجلبها لي في سفينتهم التي تجلب القمح من البصرة, لكنه نسي الموضوع واستحييت أن أذكره والتمست له عذرا فربما لم يستطع. في هذه الأثناء اشتكى عليّ المرحوم محمد أحمد الرويح صاحب المكتبة الوطنية عند والدي, وقال له إن ولدك صالح وعدني بتقاويم فعدلت عن استيراد تقاويم من مصر وهو حتى الآن لم يسلمها لي مع اقتراب السنة الجديدة وعرف والدي أنني في المساء أذهب إلى ديوانية المرحوم ياسين الغربللي, فقد كنت زميلا لأولاده وعتب علي كيف أنني لم أف بوعدي للمرحوم محمد أحمد الرويح بشأن التقاويم, فسردت عليه القصة, فقال المرحوم ياسين الغربللي لماذا لم تخبرني بذلك, فقلت له كل ليلة كنا نتحدث في هذا الموضوع فقال لوالدي أعطني 100 روبية, فأخرج والدي من جيبه روبيات فقال المرحوم ياسين. لا... أريد قطعة واحدة فئة 100 روبية خضراء فذهبت مع والدي إلى البيت وأحضرت المطلوب, فقال المرحوم ياسين الغربللي لابنه عبدالعزيز خذ المائة روبية هذه واذهب مع صالح العجيري إلى سائق كان ينقل الركاب من الكويت إلى البصرة وبالعكس, وقل له أن يحضر المطبوعات من البصرة وسلم له المائة روبية فذهبنا أنا والمرحوم زميلي عبدالعزيز إلى السائق المذكور وطلبنا منه إحضار التقاويم من البصرة فأجاب: لا أستطيع فهذا الأمر ممنوع, فقلت لصديقي عبدالعزيز سلم له الأمانة, ولما رأى المائة روبية استدرك قائلا: لكنني لا أستطيع أن أعتذر لوالدك فهو عزيز علينا وأمره مطاع سأحاول أن أجلب المطبوعات معي وكان أن أحضرها فعلا إلى الكويت وقصصت ذلك على أحد أصدقائي, فقال: كنت مع السائق بالسيارة قادما من العراق وفوقها كانت رزم أوراق, ولما سأله موظف الجمارك العراقي: ماهذا? أجاب: إنه البريد.

          وفي سنة 1946 افتتح الأديبان الأستاذان عبدالله زكريا الأنصاري وأحمد زين السقاف مكتبة اسمها (مكتبة الخليج) وأوكلا إدارتها إلى المرحوم يوسف مشاري الحسن فقدمت تقويمي لهذه المكتبة فلمست من صاحبيها كل تشجيع وتقدير, فطبعاها في بغداد وبيعت في تلك المكتبة. إلا أنني خرجت من كل تلك الإصدارات بالخسائر فتوقفت عن طبع التقويم سنتين, وقد لاحظ ذلك السيد أحمد الجارالله الحسن فعتب علي وقال لا تبال بالخسائر في بادئ الأمر, ثم أردف قائلا وكأنه يكشف عن المستقبل (إن التقويم مجدك) فأطعته وكتبت إلى زميلي في المباركية وهو السيد عبدالرحمن عبدالغني وكان قد سافر إلى الهند ليعمل في مكتب آل الشايع هناك فأبدى استعداده لطباعته في الهند إلا أنه نصحني بأن أحاول أن أطبعه في مصر فذلك أجدى, فأرسلت تقويم سنة 1951 إلى (بيت الكويت) في القاهرة وكان يعنى بشئون الطلبة الكويتيين هناك ويعتبره الكويتيون بمنزلة سفارة لأنه يقوم بخدماتهم وقام بطبعه الأستاذان المرحوم عبدالعزيز حسين وعبدالله زكريا الأنصاري لكن بعد تجهيزه للشحن إلى الكويت اتضح أن وزارة التموين تمنع تصدير الورق إلى خارج مصر, وبعد جهد جهيد استطاعا أن يجدا رخصة تصدير ورق عند شركة BOAC فاشتريا الرخصة وصدرا التقويم بموجبها إلى الكويت, وكانت اللوحة تحمل صورة الأمير الراحل المرحوم الشيخ عبدالله السالم الصباح ثم بعد ذلك توالى طبع التقويم سنويا حتى صرت أصدره على خمسة أنواع.

          وخلال الفترة من سنة 1951 حتى الآن طبعت بالإضافة إلى الطبع في الكويت في حلب ودمشق في سوريا والقاهرة واليابان ونابلس في فلسطين وبيروت وبغداد وباكستان وسنغافورة).

تقدير النبوغ

          بعد هذه الرحلة الطويلة التي قضاها الفلكي الشهير في هذا المجال مقدما خدماته العديدة لأبناء بلده وشعوب المنطقة في هذا العلم الذي كان أول من أرسى قواعده في هذه البقعة من العالم العربي, ألم يكن جديرا بجامعة الكويت أن تخصص كرسيا باسمه في علم الفلك بقسم الجغرافيا التابع لكلية الآداب? وإذا كان التأخير في اتخاذ قرار بهذا الشأن قد عطل تخريج أعداد من المتخصصين في هذا العلم, فإن الوقت لم يفت بعد لتدارك الأمر, تقديرا لنبوغ وتضحية ومثابرة نادرة وتكريما لعالم جليل, أبى إلا أن ينحت بأظفاره في الصخر ليشق طريقا استطاع به أن يرسخ في منطقة الخليج علما مهما, سار فيه من بعده العشرات.

 

زكريا عبدالجواد   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




د.صالح العجيري





مرصد العجيري وأحد كتبه وصورتان شخصيتان له في مرحلتين عمريتين مختلفتين





أول دكتوراه فخرية منحتها جامعة الكويت كانت للعجيري





 





وإشادة بإسهامات العجيري في نشر الثقافة الفلكية





أحد الكتب السبعة عشر التي ألفها د.العجيري





الذاكرة الخصبة تروي أدق التفاصيل





العجيري مواصلاً سرد ذكريات مضت عليها عقود عدة





وسام من مجلس التعاون الخليجي تقديراً للمسيرة التي قطعها د.العجيري