أولادنا وحرب البطاطس
أولادنا وحرب البطاطس
ما من أسرة لديها أطفال ويافعون إلا وتشكّل البطاطس (المقلية) بأنواعها وأشكالها المختلفة إغراء تصعب مقاومته, لكن تقارير حديثة باتت تحذّرنا من آثار مفزعة لهذا الإغراء. وما بين متطلبات الأطفال وتحذيرات العلماء تشتعل حرب نحاول أن نحيط بحدودها. أطلق عليها الفرنسيون اسم La Pomme de terre أو تفاحة الأرض وقام الفلاحون هناك بزرعها على قبر الطبيب (أنطوان بارمانتيه) اعترافا بفضله بإدخال البطاطس إلى بلادهم! ويذكر د.صبري القباني في كتابه (الغذاء لا الدواء) أن الملكة ماري أنطوانيت قامت بتزيين شعرها ببعض من براعم هذا النبات الجديد! في عام 1537 اكتُشفت البطاطس لأول مرة على يد المستعمرين الإسبان الذين جاءوا إلى أمريكا الجنوبية بحثا عن الذهب.. وقاموا بتناول هذا النبات الجديد وأطلقوا عليه اسم (بطاطا)! وعلى مدى 1465 عاما هي عمر علاقة الإنسان بالبطاطس عاشتها كملكة متوجة على عرش الخضراوات والسلطات وتنوعت طرق طهوها وتعددت للاستفادة من الطاقة الحرارية العالية التي تمدّ بها الجسم إضافة للمعادن المهمة التي تحتوي عليها مثل البوتاسيوم, وعلمت الأمهات أن أفضل طريقة للاحتفاظ بفيتامين C الموجود بكثرة في البطاطس هو سلقها أولا ثم نزع القشرة باليد بدلا من استخدام السكين في التقشير حيث إن هذا الفيتامين يوجد في الطبقة السطحية التي تلي القشرة مباشرة. وتعلمنا نحن من الجدات أن إضافة الكالسيوم المتمثل في الحليب والجبن إلى البطاطس يجعلها وجبة غذائية متكاملة للطفل وغنية بالأملاح الفوسفورية والكالسيوم اللازمة للنمو. وعلى مدى تلك السنوات أيضا أدرك الفلاحون البسطاء أنه في حال تعرض البطاطس لحرارة الشمس وهي الجذور المختزنة تحت سطح التربة فإنها تتحول إلى اللون الأخضر ويحدث لها عملية تفاعل ينتج عنها مركبات ضارة, ويبقى السؤال: ما الذي حدث إذن لتهديد تلك العلاقة الآمنة بينها وبين الإنسان? وفي يونيو 2002 وجه لها علماء التغذية اتهاما بتعريض صحة المستهلك لخطر الإصابة بمرض السرطان! وأصدرت منظمتا الصحة العالمية وهيئة الأغذية والزراعة تقريرا أثار قلق الناس ومخاوفهم لأنه - باختصار - قدم مشاهدات ولم يطرح تفسيراً أو نتائج محددة! من البلاستيك إلى الغذاء في مقدمة التقرير تقفز إلى دائرة الضوء وبقوة مادة أكريلاميد (acrylamide) وهي مادة كيميائية تستخدم في صناعة البلاستيك وفي تنقية المياه بنسب محددة وضئيلة للغاية. وقد اكتشف وجود هذه المادة في الغذاء لأول مرة في السويد في أبريل 2002 وما أثار اهتمام العلماء وقتها أن تلك الأغذية كانت مطهوّة في درجات حرارة عالية. وجاءت الأبحاث السويدية لتؤكد وجود مادة اكريلاميد في الأغذية النشوية المطهوّة بدرجة حرارة أعلى من 120 درجة مئوية مثل رقائق البطاطس (Potato chips), والبطاطس المجهزة (French frids), والحبوب المصنعة (Cereals) وبعض أنواع الخبز والبسكويت Cookies, بنسب أعلى من المسموح بها والمستعملة في تنقية المياه حيث بلغت النسبة 70 ميكروجراما في اليوم للفرد البالغ, بينما سببت نسبة أقل من هذه تلفاً بالأعصاب لحيوانات التجارب! مطلوب دراسات عربية من المعروف أن المواد النشوية وحدها لا تستطيع تكوين المركب المسبب للسرطان, فالبطاطس - على سبيل المثال - لا تزيد نسبة المادة النشوية الموجودة بها عن 20% فقط, أما مادة اكريلاميد وهي المادة المسرطنة (المحدثة للسرطان) فلا يعرف حتى الآن ما النسبة التي تصل منها للجسم من مصادر الغذاء سواء الأغذية النشوية المطهوّة في درجات حرارة عالية أو غيرها مثل السجائر والخمور, وليس معروفاً أيضا كيف يتعامل الجسم معها أو كيف يقوم بتكسيرها. وتبقى بعض الحقائق المهمة التي لم يُشر إليها التقرير, ومنها على سبيل المثال, أنواع الزيوت والدهون المستخدمة في طهو الأغذية هناك, حيث تعتمد معظم المطاعم في الغرب وخاصة التي تقدم المأكولات السريعة على زيوت ودهون الخنازير في قلي البطاطس وتحميرها وإعداد بعض الأطعمة الأخرى نظراً لرخص ثمنه وتوافره بكثرة. ومن المعروف أن هناك تفاعلات تحدث عند القلي حيث يتفاعل الزيت مع نفسه بالحرارة كما يتفاعل الزيت مع المادة المقلية لتتحول الدهون الحيوانية خلال الطهو إلى مركبات كيميائية مسرطنة. ومن جديد تتجلى حكمة الخالق جل وعلا من تحريم لحوم الخنازير ودهونها وشحومها بسبب خطورتها على صحة الإنسان. إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله نصائح مهمة إلى أن ينجح العلماء والباحثون في تقليل نسبة هذه المادة في الطعام بتغيير طرق الطهو والسيطرة عليها ننصح ب:أولا: ضرورة الاختيار الجيد لزيت القلي واستخدام الزيوت المقاومة للتلف وعملية الأكسدة بأكسجين الجو. ثانيا: التحمير على نار هادئة حيث تعتبر درجات الحرارة العالية من أهم العوامل في تكوين المادة الضارة للجسم. ثالثا: عدم استخدام زيت التحمير لأكثر من مرة. صحيح أن فن الطهو قد بلغ مستوى عالياً من الجودة والابتكار (والموضة) أيضا وتفنن الطهاة في العالم في ابتكار طرق لا حدّ لها في إعداد الأطعمة وتنسيقها وتزيينها وتغيير مذاقها ربما استجابة لرغبة الإنسان المعاصر في التغيير والتجديد والتغلب على رتابة الحياة اليومية. وصحيح أيضا أننا نأكل... ونأكل... ولكن تبقى حقيقة مؤكدة: أن الطعام والغذاء ليسا وجهين لعملة واحدة
|