معرض العربي: تيسيان أم سوستريس؟ «شارل الخامس جالسًا»

معرض العربي: تيسيان أم سوستريس؟ «شارل الخامس جالسًا»

تاريخيًا، كان ثمة إجماع على أن اللوحة التي نحن بصددها هنا هي بريشة الأستاذ البندقي تيسيان الذي زار أوغسبورغ في مطلع العام 1548م، وظل فيها حتى أكتوبر من ذلك العام، ورسم خلال تلك الأشهر عدة لوحات للإمبراطور وعدد من الشخصيات في حاشيته. ولكن بعض الدراسات الحديثة بدأت تشكك في نسب هذه اللوحة بناءً على حجج مقنعة، لتخلص إلى أنها بريشة رسّام هولندي أقل شأنًا من تيسيان، ويدعى لامبرت سوستريس.

وفي الواقع، تتضمن هذه اللوحة عناصر محددة تشير إلى أنها بريشة أستاذ كبير. فالإمبراطور الذي كان متدينًا إلى حدود التعصب وخاض حروبًا عديدة ضد البروتستانت والفرنسيين والفاتيكان والعثمانيين، كان أيضًا مريضًا، ويعاني مما يكاد يكون تشوهًا خلقيًا في فكه الأسفل الطويل. وعندما نتطلع إلى هذه اللوحة، نراه باللباس الأسود المتقشف، كأي برجوازي عادي، ونرى شيئًا من التعب (أو المرض) على وجهه، رغم أنه كان آنذاك خارجًا من انتصار عسكري على البروتستانت. كما أن معالجة تشوه الذقن تمت بذكاء من خلال دمج لون اللحية بلون ياقة المعطف، بحيث تضيع الحدود ما بينهما. ومثل هذا التدبير لا يمكنه أن يظهر إلا على يد أستاذ كبير مثل تيسيان.

إضافة إلى ذلك، يبدو المنظر الطبيعي إلى اليمين قريبًا جدًا من المناظر التي رسمها تيسيان أسلوبًا ولونًا. ولكن، أول ما يصدم عين المشاهد على مستوى التلوين، هو هذا الأحمر الفج والصارخ المنفصل تمامًا عمّا حوله في أرضية الغرفة، وهو أمر غير مألوف أبدًا في كل أعمال تيسيان. إلى ذلك، ثمة خلل فاضح في رسم مقاييس الكرسي بالأبعاد الثلاثة، فهو يبدو أقل عمقًا من الطبيعي، ومسنده الأيسر أطول من المسند الأيمن. وهذان العنصران يكفيان لوحدهما للبحث عن رسام آخر، وهنا اتجهت الأنظار إلى سوستريس.

لامبرت سوستريس هو رسام هولندي ولد عام 1515م وتوفي عام 1584م، سافر إلى البندقية وهو في الثلاثين من عمره ليدرس الرسم عند تيسيان، وصاحب أستاذه في رحلته إلى أوغسبورغ عام 1548م حيث كان يعمل مساعدًا له على إنجاز بعض اللوحات، أي رسم الحواشي والتفاصيل الثانوية. وإن تمكن سوستريس هذا من أن يقلد أستاذه بنجاح في بعض المواضع، فإن مزاجه الهولندي غلب على ذلك في مواضع أخرى مثل استخدام هذا الأحمر الصارخ بشكل غريب عن التقاليد البندقية آنذاك. وربما ترك تيسيان تلميذه يتصرف هكذا، من باب محاباة الإمبراطور ومزاجه الجرماني.

على كل حال، يمكن القول إن هذه اللوحة تستمد قيمتها بالدرجة الأولى من بعدها التاريخي وليس الفني. فالإمبراطور شارل الخامس اعتزل الحكم بعد رسم هذه اللوحة بست سنوات. وانتهى الخلاف بين وريثيه، ابنه فيليب، وأخيه فردينان، بتقاسم الإمبراطورية، فأخذ الأول إسبانيا وهولندا، واستولى الثاني على بوهيميا والنمسا والمجر، لينتهي بذلك ما كان يعرف باسم «الإمبراطورية الرومانيّة الجرمانيّة المقدسة»، وليبدأ تفكيك أوربا إلى دويلات وإمارات عديدة.
-------------------------------
* ناقد تشكيلي من لبنان.

 

عبود طلعت عطية*