عزيزي القاريء

 عزيزي القاريء
        

أعياد فبراير

          منذ أسابيع قليلة احتفلت الكويت بمناسبة عزيزة على قلبها. فقد مر ربع قرن كامل على مسيرة من الخير والعطاء بدأت مع تولي سمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح مقاليد الحكم. وهي مسيرة امتزجت فيها روح العطاء والحرص على حقوق الإنسان وتجسيد الديمقراطية بالحرص أيضا على سلامة الوطن والمواطنين. ويمكن القول أن الكويت قد واجهت تحت قيادته أكبر تحد تواجهه أمّة حين تُحتل أرضها, وقد خرجت بفضل حكمة هذه القيادة حرّة ومنتصرة.

          ولا تتوقف أعياد الكويت في هذا الشهر أيضا. فبراير هذا العام لا يحتوي فقط بين أيامه القصيرة على عيدي استقلالها وتحريرها معا, ولكن يضاف إليهما عيد روحي وديني هو عيد الأضحى المبارك أعاده الله عليكم وعلى أمتنا العربية والإسلامية باليمن والبركات. ورغم كل هذه التمنيات الطيبة, فإننا لا نملك إلا أن نردد مع المتنبي - ذلك الشاعر العرّاف - قوله (عيد, بأي حال عدت يا عيد), ففي الحلق غصة, وفي القلب حزن مقيم, ففي فلسطين المحتلة ترتفع وتيرة المجازر, كأن جنود الاحتلال الإسرائيلي يسابقون الزمن من أجل إسالة أكبر قدر ممكن من الدم العربي قبل أن يفيق بقية العرب من غفوتهم المفجعة. كما أن طبول الحرب ضد العراق آخذة في الارتفاع, ولا أحد يعرف إن كانت ستنشب مع نشر هذه الكلمات أو لا, فالأحداث قد أصبحت تمضي أسرع من التوقعات, ولا أحد يعرف أيضاً إن كانت خريطة العالم العربي سوف تبقى على ما هي عليه, أم أنها عرضة لتغيرات وتشوّهات جديدة? ومن المفارقات التاريخية المبكية, أن النظام العراقي الذي أصبحت خريطته مهددة الآن, كان هو أول من حاول القيام بتشويه هذه الخريطة العربية, وهذا الشهر هو تجسيد لفشل محاولته على أرض الكويت منذ اثني عشر عاما تقريبا لإزالة خريطتها من الوجود. لقد بقيت الكويت وظفرت بالحرية, ولكن الشعب العراقي لم يظفر بحريته من هذا النظام الفاشي. إننا ندعو من قلوبنا بالخير لهذا الشعب الذي قاسى كثيرا من وطأة نظامه, ونأمل أن يخلصه الله منه بأقل قدر من الألم والمعاناة, وأن تهب عليه رياح الديمقراطية والحرية التي حرم منها طويلا.

          إن رياح الديمقراطية التي تهب على عالمنا العربي في وهن تثير في قلب رئيس التحرير نوعا من النوستالجيا, أو الحنين إلى الماضي, فقد خصص افتتاحيته لهذا العدد ليتأمل ويستعيد تجربة ولادة أول دستور في دولة الكويت, والذي يوافق هذا العام ذكراه الأربعين. وقد أكدت الحياة النيابية في الكويت, أن الديمقراطية والحكم بالدستور لا يوفران فقط الحماية للشعب, ولكنهما يمنحان أهل الحكم قوة الشرعية وحصانتها في وقت الشدة, إنها تجربة كبيرة تأتينا من بلد صغير, لتفتح أمامنا طاقة تهب منها رياح الأمل.

          وتنويعا على هذه التجربة وبالقدر نفسه من الحنين يتأمل معماري متخصص رمز هذه التجربة الديمقراطية ممثلة في مبنى مجلس الأمة الكويتي الذي قام بتصميمه المعماري الدنماركي (يورن إتزون), مصمم مبنى أوبرا سيدني الشهير, وهو يؤكد على الكيفية التي استوحى بها هذا المصمم مفرداته من البيئة المحيطة, وكيف اكتسب المبنى معناه من الوظيفة التي يقوم بها.

          وتتواصل بقية مواد هذا العدد في تنوع فكري, فإلى دولة الإمارات ترحل (العربي) لتلقي الضوء على واحدة من أهم المؤسسات الثقافية العربية التي ساهمت بجهد خلاق في إحياء الثقافة العربية ومدها بروافد جديدة. كما تلقي الضوء على أكبر مؤتمر تم عقده في التاريخ حول البيئة واحتضنته مدينة جوهانسبرج الإفريقية. كما تقدم (العربي) نموذجا إبداعيا متميزا يجسد استفادة الشاعر من تراث أمته من خلال قصيدة (قربا مربط النعامة مني), وغير ذلك يحفل العدد بالعديد من العلامات الفكرية والثقافية التي نرجو أن تساهم في إضفاء بعض من البهجة على أيام العيد

 

(المحرر)