أرقام

أرقام
        

الفقر... امرأة! 

          يعيش الرجل والمرأة تحت سقف واحد. يتقاسمان حلو الحياة ومرّها, ولكن الأدبيات الدولية تقول إن هناك فارقا اقتصادياً كبيراً, وإن الفقر في معظمه من نصيب المرأة سواء أخذنا بتعريف الفقر على أساس الدخل, أم على أساس فقر القدرات وفرص الحصول على غذاء وكساء وصحة وتعليم.

          المرأة هي الأكثر فقرا حتى أن دراسة لمعهد الشئون الثقافية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا تقول (إن المرأة تقدم أكثر من نصف حجم العمل في العالم, لكنها لا تحصل على أكثر من عشرة بالمائة من الدخل).

          الشيء نفسه يبرزه البرنامج الإغاثي للأمم المتحدة في تقريره عن التنمية البشرية (1997), حيث يتوقف أمام نوعين من العمل: العمل في الأسواق ولا تحصل فيه المرأة إلا على ثلاثة أرباع أجر الرجل, إضافة لفرص عمل أقل. أما النوع الثاني فهو العمل داخل الأسرة, وهو بلا أجر في كل الحالات ولكن إذا تم تقييمه فإن مساهمة المرأة تبلغ (75) بالمائة, حيث تقوم بمعظم الأعمال المنزلية, كما أنها تؤدي أعمالا اقتصادية بالمجان لحساب الأسرة مثل جمع المحاصيل, أو جمع الأخشاب من الغابات بغرض توفير الوقود في بعض البلدان, وهي المهمة التي تؤديها المرأة أكثر من الرجل.

          وإذا كانت مصادر الدخل المعروفة هي العمل أو التملك, فعلى الجبهتين يتصدر الرجال وتتخلف النساء, سواء كان ذلك في الدول النامية أم الدول المتقدمة, فالتحيز قائم ضد المرأة وإن اختلفت مستويات هذا التحيز من دولة لأخرى حتى أنه عندما طرحت منظمات الأمم المتحدة اتفاقية للقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة لم يصدق عليها دون تحفظات سوى خمس دول إسكندنافية, أما بقية الدول فكانت لها تحفظات على أسس مختلفة بينها تحفظ الدول العربية والإسلامية على إطلاق فكرة المساواة بين الرجل والمرأة في أمور نظمتها الشريعة مثل: المواريث.

          المرأة هي الأكثر فقرا, والمؤشرات كثيرة ليس أخطرها انخفاض الدخل, ولكن أخطرها - وعلى سبيل المثال - تعرض المرأة للموت أثناء الحمل والولادة بسبب تردي الرعاية الصحية وانخفاض المستوى الاقتصادي, فطبقا لتقرير مسيرة الأمم الذي نشرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (97) فإن النساء في (17) بلدا يواجهن احتمال الوفاة بسبب يتعلق بالحمل والولادة وبنسبة (1:10) من النساء اللاتي يواجهن هذا الظرف, لكن النسبة تنخفض في الدول الأكثر ثراء, وبالتحديد في (16) بلدا لتصل إلى سيدة واحدة من كل أربعة آلاف.

          البون شاسع في ظروف المرأة, والسبب اقتصادي وثقافي, أما الناتج الرئيسي فهو وفاة (585) ألف امرأة سنويا بسبب مضاعفات الحمل والولادة والتي تعتبرها منظمة الطفولة المشكلة الصحية العامة الأكثر إبرازا لفكرة التفاوت بين الدول الغنية والفقيرة.

... خطوة إلى الوراء

          وإذا حاولنا السير للوراء خطوة واحدة وطرحنا السؤال: لماذا كانت النساء هن الأكثر فقرا رغم أنهن يعشن تحت سقف واحد مع الرجال?

          إذا طرحنا السؤال أطل عنصر حاكم يتعلق بنظرة المجتمع لكل من الرجل والمرأة, ونظرة الرجل لنفسه, بل نظرة المرأة أيضا لنفسها حيث ترضى - في معظم الأحيان - بالمكانة الأقل.

          المجتمعات, وعلى مختلف تبايناتها ومع بعض الفروق, لا تعترف بحق المرأة في المساواة, فالرجل أولا في التملك وفي سوق العمل وفي العلاقات الأسرية, بل إنه عندما تتاح فرصة عمل تكون للرجال في معظم الأحيان أما عندما تنشب البطالة أظفارها في سوق العمل فإن الاستغناء يكون عن النساء أولا, وهو ما تؤكده تقارير التنمية البشرية التي تسجل دائما أن نسبة البطالة بين النساء في الدول الصناعية المتقدمة أعلى من نسبة البطالة بين الرجال.

          في الشمال يكون التمييز في فرصة عمل أو ترق أو منصب, ولكن وفي الجنوب الإفريقي - على سبيل المثال - فإن التمييز يصل إلى مجال الصحة والتغذية حيث تعودت بعض المناطق أن يكون الطعام للرجل أولا, والعناية بالرجل أولا, أما المرأة فعليها أن تعمل وتأخذ الفتات.

          وإذا كانت عملية الانحياز والتمييز تتراجع نسبيا فإن الأرقام تشير إلى أن هناك مصدرين يغذيان فقر المرأة.

          المصدر الأول: نسبة الأمية والتعليم.

          والمصدر الثاني: مكانة المرأة في سوق العمل.

          في دراسة للاقتصادي العربي المعروف د. نادر الفرجاني يسجل أنه كان في مصر - على سبيل المثال - (600) ألف فتاة في عمر (6-10) سنوات لم يلتحقن بالتعليم الابتدائي عام 1995, وحول الحالة نفسها (مصر) تقول دراسات الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء إنه خلال عشر سنوات تمتد حتى عام (96) كانت الأمية تشمل (91) بالمائة من النساء فوق سن الستين, و(76) بالمائة لمن تتراوح أعمارهن بين الخامسة والأربعين والستين, ثم تهبط النسبة تدريجياً لكنها تسجل نسبة (28) بالمائة لمن هن في سن الصبا والشباب (10-24).

          والأمثلة بعد ذلك كثيرة فإذا انتقلنا لسوق العمل, وهو المصدر المباشر للدخل إلى جوار التملك فإننا نجد الأمر أكثر وضوحا في علاقته بالفقر.

          في المجال الدولي, وطبقا للتقرير السابق الإشارة إليه (مسيرة الأمم) فإن الرجال يحتكرون المواقع القيادية في معظم الأحوال وبما يجعل ظاهرة الفقر مستمرة, فالنساء في أعلى المناصب وهي المناصب الوزارية لا يشغلن - في وقت إعداد التقرير - أكثر من (7) بالمائة من المناصب الوزارية على مستوى العالم, وحتى في هذه الدائرة فإن التركز يكون في مجالات الشئون الاجتماعية مثل الصحة والتعليم والعائلة, ومن ثم فإن وجود النساء في هذه المجالات يبلغ (14) بالمائة من جملة الشاغلين لهذه المناصب, بينما تتراجع النسبة في المراكز السياسية إلى (3) بالمائة والمراكز الاقتصادية إلى (4) بالمائة, بينما تعود النسبة للارتفاع في مجالات القانون والقضاء لتصل النسبة إلى عشرة بالمائة.

          السؤال: هل يختلف الوضع بالنسبة للمرأة العربية?

          وإذا استبعدنا مسألة المناصب الوزارية والعليا وهي نادرة في دولنا العربية بالنسبة للمرأة, إذا استبعدنا ذلك ونظرنا لسوق العمل, فإننا أمام تفاوت في نسبة مشاركة المرأة وأسباب هذه المشاركة.

          في دراسة لمركز المرأة العربية للتدريب والبحوث حول ثلاث دول هي السودان ولبنان والإمارات تتضح مظاهر هذا التفاوت, ففي السودان تعمل المرأة بسبب الحاجة, و(80) بالمائة من النساء يشتغلن في القطاع الزراعي, ونصف النساء (تقريباً) يعملن بلا أجر وعلى سبيل المساندة العائلية.

          أما في الإمارات, فإن نقيض ذلك يحدث, فالمرأة - والتي تسجل نسبة عالية في التعليم - تعمل من أجل الارتقاء الاجتماعي والثقافي, وإن ساهمت في ميزانية الأسرة بعد ذلك, وعلى عكس السودان أيضا تسجل الدراسة التي تمت عن طريق العينة أن (88) بالمائة من المشتغلات يعملن في قطاع الخدمات, و(94) بالمائة يعملن في القطاع الحكومي و(2%) منهن يشغلن مواقع قيادية.

          و... بين الاثنين, تقف المرأة اللبنانية والتي تمثل (20) بالمائة من قوة العمل, و (86) بالمائة, منهن يعملن كأجيرات مع تمتع قطاع الخدمات وصناعة الألبسة والتجارة بالنصيب الأوفر من عمالة النساء.

          هكذا كان محكوما على المرأة أن تكون أشد فقرا من الرجل, ليس لأنها تعمل أقل ولكن لأن:

          - التقاليد تتحكم في سلوك المجتمع.

          - نسبة الأمية أعلى بين النساء.

          - نسبة التعليم التي تؤهل للعمل المأجور تتفاوت من بلد إلى بلد.

          - وجود المرأة في سوق العمل الرسمي هو الأقل, بينما لو تم اعتبار العمل الأسري والمنزلي إنتاجا قوميا فسوف تكون الغلبة للنساء.

          وإذا أضفنا لذلك أوضاع الملكية لاكتشفنا: لماذا كانت المرأة أكثر فقراً.

          .. وقفزة للأمام

          وربما كان العقد الأخير من القرن الماضي هو عقد المرأة حيث احتلت اهتماما كبيرا من اهتمام المنظمات الدولية, وحيث انتشر مصطلح جديد هو (تمكين المرأة), وهو مصطلح يمتد من التعليم إلى سوق العمل إلى محاربة العنف ضد النساء, وقلما كانت بعض هذه التحركات لافتة للنظر مثلما هو الحال مع التشريعات التي سنتها بعض الدول لتجريم (الاغتصاب الزوجي) أو لتجريم العنف المنزلي أو المضايقات الجنسية وعمليات الختان. كل هذه التشريعات والتحركات الدولية كانت من وحي ثقافة الشمال, ولكن ووفقا لثقافة الجنوب, بل الوضع العالمي بشكل عام, فإن قضية فقر النساء تحتل مكانة أهم لأنها تتعلق بمجمل وضع المرأة, بل إنها تقف وراء بعض ما نتحدث عنه, فعندما تحقق المرأة استقلالا اقتصاديا ويتوافر لها دخل معقول فإنها تتحرر, في الوقت نفسه, من سيطرة الزوج وعنف المنزل والمكانة المتدنية اجتماعيا.

          والسؤال: كيف يتحقق ذلك والرجل هو المسيطر في معظم مراكز اتخاذ القرار?

          والجواب يعيدنا للبداية, فالثقافة العامة والبيئة الاجتماعية هما الحافز للتغيير سواء تبناه الرجل أم المرأة. الفكرة والاقتناع أولا, ثم يأتي التطور التلقائي في حالات التعليم وسوق العمل ليضيف ذلك تقدما ضروريا في مجال الدخل والثروة.

          لقد عرف العالم ما تسميه التقارير السنوية أغنى (500) شخصية في العالم, وكان للمرأة نصيب ضئيل في ذلك.

          وعرف العالم نساء اشتهرن بالثروة (والفساد أيضا) مثلما هو الحال مع زوجة رئيس فلبيني سابق, ولكن وفي الوقت نفسه فإن مليارا من النساء أو يزيد يعانين الفقر... و... عندما وضعت الأمم المتحدة برنامجها للألفية الثالثة والتي تمت ترجمته لبرامج دولية وأخرى قطرية, عندما حدث ذلك لم تنس قضية المرأة, بل اعتبرتها مؤشرا لتقدم عام.

          النساء نصف المجتمع, لكنهن لا يحزن نصف الثروة أو الدخل

 

محمود المراغي   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات