النحو.. هل يقتل الشعر أم يغنيه?

 النحو.. هل يقتل الشعر أم يغنيه?
        

          لماذا نخاف النحو? إن النحو لا يمكن أن يخنق الفن الذي ينبت  في ضمير اللغة. واللغة تحدد أحياناً وتكيف في أحيان أخرى نوع الفن. 

          كنت أطالع رواية (اسمي أحمر) للروائي التركي (يوهان باموق) ثم أوقفت مطالعتي وأنا أتخيل أنني ميّت يستعيد حياته ولغته, كان ظريف أفندي بطل الرواية يعمل تذهيباً ونقوشاً, ويزيّن أطراف صفحات المخطوطات, ويلوّن أواسطها, يرسم أوراقاً وأغصاناً ووروداً وأزهاراً وطيوراً وغيوماً وغابات يختبئ داخلها غزلان وزوارق وسلاطين وقصور وصيادون, وكان يتكلم من حنجرته الميتة, يحكي عن الحروف واللغات والنحو والصرف. إنني أتخيل أنني مثله ميّت يستعيد حياته ولغته, فيتداخل الخياليّ والواقع, الحاضر والممعن في غرابته, المعنى وصوته, اللغة وقواعدها, عندها قلت لنفسي: أيها الشاعر ما الهموم التي جلبتها لنفسك هذه المرة, ثم قلت لنفسي: لماذا نخاف من النحو, إن النحو لا يستطيع أن يخلق الفن, ولا أن يخنقه, لأن الفن ينبت في ضمير اللغة, واللغة تحدِّد أحيانا وتكيّف نوع الفن, بالطبع ليست اللغة وحدها, هناك عوامل أخرى, أحدها المكان, عندما زرت الحي اللاتيني للمرة الأولى, تذكّرت أنني يجب أن أسأل الفرنسيين المقيمين عن كيفية الوصول إلى الوكر الجميل المسمّى (أورياج), والذي ألقته يد الطبيعة في بطن واد سحيق من وديان الألب, كان الغرض من استرجاعي واستذكاري, أن أقتفي خطوات (توفيق الحكيم), وأن أقابل (ابن عبد ربه), واكتفيت بالتالي أن أنتفض وأهمّ واقفا وأحمل حقيبتين, إحداهما حقيبتي, والأخرى حقيبة توفيق, كنت أعرف من انبعاجها أنها تضم بذلة واحدة وكتابا واحدا, هو العقد الفريد بكامل أجزائه, بعد قليل اكتشفت أن تدريبي على الحمل محدود, وأن الحقيبة أصبحت عبئاً ثقيلاً, وفور أن أنزلتها, رأيتهما معا, توفيق الحكيم يتأبط ذراع ابن عبد ربه وينصرفان, ويتركاني, الذي أنقذني وأعانني, أنني أضع دائماً في قلبي, صورة زيتية للسيدة شهرزاد, لما أخرجتها, ورنوتُ, رأيتها جالسة في هيئة من التعب وسوء الحال تستثير الإشفاق, وبين لحظة ولحظة تتأمل وجهها الباهت في مرآة أمسكتها بيدها اليمنى, كانت السيدة شهرزاد تتململ, دخلنا معاً قهوة علي بابا, التي هي على مقربة من ساحة التحرير وميدان الأزهار, المكانان مشهوران, كانت الخطوط الفاصلة بين باريس والقاهرة قد تلاشت, وأصبحت أسبح بحرية في كل مكان, ربما لأنني ميت, سألتني السيدة شهرزاد فجأة:

          ـ أتذهب إلى تلك القهوة كثيراً?

          ـ أكثر الأيام عندما كنت أعزب, أما الآن فإني أجد مشقة.

          ـ هل تنوي أن تنصرف مبكّراً الليلة?

          ـ ليس بعد الواحدة.

          ـ وأنت تعلم أنني حزينة?

          ـ لماذا?

          ـ هل تعرف كيف نجوتُ من سيف شهريار وبطشه?

          ـ أظنها الحكايات.

          لقد نجوت لأنني أنشأت الحكايات دون أن أخضع لقواعد الحكايات.

          ـ فقط?

          ـ ولأنني اخترتُ اللغة التي أحكي بها واعتديتُ أحياناً على قواعدها, اعتديتُ بأنوثتي, وبخيالي, على الرغم من معرفتي للقواعد كلها.

          ـ فقط?

          ـ لقد ساعدني هذا على مراقبة شهريار في عطف ويأس, علمت أنه إنسان هالك ترك الأرض ولم يبلغ السماء, كان لا بد من إعادته إلى الأرض ليحيا, فلجأت إلى الهجوم على القواعد, إلى إيقاظ روح الإنسان الأول,روح الحيوان الأول.

          ـ وما معنى ذلك?

          سكتت شهرزاد, كانت تتأمل في شغف وجوه الجالسين, وتحدّق إليهم مما لفت كل الأنظار, وبعد أن فرغت من تحديقها, داعبتني.

          ـ ما أخبار شعرك, قلت لي إنك شاعر?

          أجبتها: نعم.

          قالت : ما أخبارك إذن?

          قلت لها: وصلتني اليوم رسالة من إحدى دور النشر التي تنوي أن تطبع مجموعتي الجديدة (بعيداً عن الكائنات), الرسالة بها بعض الملاحظات ولقد أجبتهم عليها.

          قالت: أنت تعرف عادتي ورغبتي, هل يمكن أن تقرأها لي, أحذّرك, لا تنظر إلى فمي هكذا, خاصة وأنت تقرأ, لقد أصبحت امرأة ضعيفة.

          قلت لها: ولكنني لم أستأذن صاحب الدار في اطلاعك على الرسالة, عموماً الرسالة ليست خاصة, إنها تشبه الشأن العام, إنها شأن عام.

الرسالة:

          العزيز فلان

          هذه مجرد ملاحظات, أتركها تحت تصرفك, يمكن اعتبارها (لغواً) بدلاً من (لغوية).

          مع الاعتزاز.

          التوقيع

          بعض الملاحظات اللغوية عن ديوان (بعيداً عن الكائنات) لعبد المنعم رمضان:

          ـ الشاعر يؤنث الرأس, وهو مذكر (ص19) وليس ثمة مانع من التذكير دون الإخلال كثيراً بالوزن.

          ـ يرفع جواب الطلب في الوقت الذي يجب فيه جزمه فيقول في (ص8 من المخطوطة): (اتركيني أسرِّبُ) إذ يختل الوزن بالجزم.

          ـ يواجهنا استعمال خاطئ (وهو استعمال شائع) لفعل استبدال حيث يقول: أن تستبدل يأسك بحكايات عن ياقة قمصان... (ص32 من المخطوطة).

          وكان يجب أن يقول: أن تستبدل بيأسك حكايات.. لأن الباء تلحق بالمستبدل منه.

          ـ في (ص42 من المخطوطة) نرى الشاعر يذكِّر الذراع في حين أنها مؤنثة فيقول: ذراعيها في الظل سيكتسيان بنور... وإصلاح هذا الخطأ ميسور جداً إذ يجب تحويل صيغة الفعل إلى المؤنث فتصبح ستكتسيان.

          ـ في (ص48 من المخطوطة) يواجهنا التركيب التالي: خذ حاجياتك, واذهب إلى بيت أمي, هنالك سوف تجدْ خدماً آخرين.

          إن مبرر جزم الفعل تجدْ غير موجود ومن حقه أن يرفع, ولكن الوزن سوف يختل عندئذ.

          ـ في (50 من المخطوطة) يطالعنا الشاعر بالتركيب التالي: ولن يتأبط أحلامه, سوف لا يستريح سوى عند آخر زاوية.

          وهو بذلك يفصل بين سوف والفعل (وهذا خطأ شائع أيضاً), وأرى أن يتخلص الشاعر من هذا الخطأ اللغوي بأن يقول: ولن يتأبط أحلامه, ولن يستريح سوى عند آخر زاوية.

          وصيغة: لن مع الفعل المضارع تتضمن الحال والاستقبال. وإذا عمد الشاعر إلى تبني الصيغة المقترحة فإنه سوف يرضى النحويين والخليل معاً.

          ـ في (ص52 من المخطوطة) كرر الشاعر الجملة التالية مرتين: هل كان لا بد وأن أظل هكذا.

          والسليم لغة أن يحذف الواو (الزائدة والمقحمة بين اسم لا النافية للجنس وخبرها), فيصبح التعبير:

          هل كان لا بد أن أظل هكذا, وهو ما لا يضير الوزن كذلك (لا نافية للجنس تعمل عمل إن, بدّ: اسمها مبنى على الفتح في محل نصب, وخبرها المصدر المأول (هكذا وردت في الرسالة) من أن والفعل المضارع.

          الجواب:

          العزيز فلان

          شعرت بسعادة غامرة وأنا أقرأ ملاحظات ديوان (بعيداً عن الكائنات), وبروح محبة تتحلى بما تحلت به روح كاتب هذه الملاحظات أحاول أن أكتب تعليقي.

          أبدأ كتوطئة, بإعلان قبولي الملاحظة الخاصة بـ (ذراعيها في الظل ستكتسيان بنور) لأنها لا تتسبب في ضياع شيء من أسراري.

          وبعد

          1 ـ (اتركيني أسرّبُ...)

          لهذه الجملة أو الجمل, وجوه قراءة, أولها أن أخضع كقارئ متواضع لما كتبه الشاعر وأن أفكر في طريقته ومن دون خضوعي لن أحلّق معه إذا كان يحلّق, وعليه سأرى أن (اتركيني) جملة كاملة منتهية ومكوّنة من فعل وفاعل ومفعول به, وأن (أسرّبُ), بالرفع ابتداء جملة جديدة وليست جواباً للطلب, ولا تربطها بالجملة التي تسبقها علاقة السببية, لأن الطلب يدخله من أمام ومن خلف بعض شروط, أحدها السببية وأيضاً الاستحسان والاستهجان, فالعلاقة ليست ميكانيكية تعتمد على ظاهر الكلمات, والوجه الثاني أن نصر على القراءة باعتبارها جواب طلب, فليكن, في كتب النحو يتردد هذا الشاهد:

ألم يأتيك والأنباء تنمى

بما لاقت لبون بني زياد?



          وقد يفاجئنا أحدهم ويقول إن تثبيت ياء يأتيك على الرغم من حال الجزم, لغة لبعض العرب, حيث يجرون المعتل مجرى السالم في جميع أحواله,لكن الغالب والذي يأخذ به النحويون المستقيمون هو جزم يأتيك بحذف يائها وهذا ما لم يفعله الشاعر,لا تتعجل, ولا تقل إنه أخطأ, وإنها لضرورة وإنه كان الأفضل أن يقول كذا وكذا.

          2 ـ (أن تستبدل يأسك بحكايات عن ياقة قمصان...).

          أنت ترى أن ملامح وجه (حكايات عن ياقة قمصان) تشبه تماماً ملامح وجه اليأس, مما يجعل علاقة الاستبدال تتجلى كعلاقة وهمية, عموماً نبهتني إلى أن الباء تلحق بالمتروك وهو الصحيح نحوياً, أشكرك, ولكن أحمد شوقي, وله اعتبار وأهمية, افتتح قصيدته عن الكتاب بقوله:

أنا من بدّل بالكتب الصحابا

          وشوقي يعرف أن الباء تلحق بالمتروك, دليلنا على ذلك كل شعره ونثره, ويجب علينا كقراء متواضعين أمام الشعر أن نتصور أنه فعلها مدفوعاً بعلّة داخلية, وأن نفتش عنها, يورد بعض القدماء بيتاً للفرزدق يشيع فيه التقديم والتأخير ووضع الكلام في غير موضعه, ويشيرون إلى العلة الداخلية التي تجعل بيت الفرزدق عالياً فوق تلة:

ومامثله في الناس إلا مملكاً

أبو أمه حي أبوه يقاربه



          الأرجح أن أحمد شوقي لم يشأ أن يجعل الكتاب مفعولاً به في صدر قصيدته هو الذي يراه صاحباً وفاعلاً ومشاركاً وصديقاً, وشوقي يعرف أهمية صدر المطلع, وكان يريد أن يجعل من كلمة الكتاب كلمة القافية التي يستند عليها عجز المطلع, لأنه أيضاً يقدّر هذه المكانة, وأظن أن أحمد شوقي, كان يعرف الصواب الخاطئ, وأن هذا الصواب الخاطئ لن يضر بالوزن, ولكنه لا يأبه به ولا يريده, أنا من بدّل بالصحب الكتابا (هذا هو الصواب الخاطئ).

          لهذا أختار ما يظنه النحويون المستقيمون خطأ, لعله أيضاً أراد استفزازهم واستفزاز قرائه واستثارتهم, وهو هدف جمالي يدركه الشاعر أكثر مما يدركه النحويون المستقيمون, راجع المتنبي ـ أفكر في تسمية أخرى بدلاً من (النحويون المستقيمون) ـ إنها نحاة النثر, لأن الشعر وإن كان يخضع للنحو نفسه الذي يخضع له النثر, إلا أن هذا النحو يعمل داخل هذا الشعر بآلية مختلفة, آلية تتيح للشاعر أن يتعامل مع الضرورة كأنها الشعر, يتميز معها الشعر عن الكلام, يتعامل مع الضرورة كأنها طالعة من جوهر الشعر, باعتبارها من أهم خصائصه, فهي ضرب من ضروب التوليد في اللغة, وفي الرؤيا, يثري بها الشاعر لغة جماعته, وينحو بها نحواً جديداً, ولهذا أجاز العرب للشاعر في شعره ما لا يجوز في الكلام, سواء اضطر الشاعر إلى ذلك أم لم يضطر إليه, ثانية أم لم يضطر إليه, فالشعر نفسه عند العرب ضرورة, لأنه ضرب مختلف من الكلام, الشعر غاية رفيعة وعالية يناهض النشاط التعبيري فيها ما تهيأ له من طرائق التعبير التي يتعاطاها أبناء اللغة ـ أحدهم قال ذلك ـ وحتى لا نتورط في فهم خاطئ, سأقول: إن الضرورة لا ارتباط لها بالوزن ولا تتحدد به, راجع بيت شوقي, وإنما تتحدد بماهية الشعر نفسه من حيث هو مستوى من التعبير مختلف عما عليه سائر الكلام, للشعر تركيبات لغوية تختص به, وهذه التركيبات هي التي تعمل عمل الضرورة, وأقول أيضاً: لكل ضرورة بدائل يمكن أن نقترحها لتجعل الكلام سليماً ومستقيماً مثل الماء الفاتر.

          3 ـ (ولن يتأبط أحلامه.. سوف لا يستريح سوى عند آخر زاوية), التفريق بين السين وسوف يقوم على أساس أن سوف تستعمل أحياناً أكثر من السين, ويضيف صاحب النحو الوافي, حيث يكون الزمن المستقبل أوسع امتداداً, فتكون دالة على التسويف, ثم هي تختص بقبول اللام, ولسوف يعطيك ربك فترضى , كما تختص بجواز الفصل بينها وبين المضارع الذي تدخل عليه بفعل من أفعال الإلغاء, ثم يورد بيت زهير:

وما أدري وسوف ـ أخال ـ أدري

أقوم آل حصن أم نساء



          والشاعر يستند على هذا الجواز كأصل, ويتوسع فيه, وشواهد الفصل في اللغة كثيرة, وأشكال الفصل أيضاً كثيرة, فما علينا.

          4 ـ (هل كان لا بد وأن أظل هكذا), في ديوان الحماسة (فأمسى وهو عريان) لن أتساءل حول هذه الواو, هل هي الواو التي تسمى الواو الداخلة على خبر الناسخ والتي وجودها جائز في غير القليل من الحالات, لن أتساءل حول هذه الواو, هل هي واو الحال, والجملة بعدها حالية, والخبر محذوف لأنها ليست كذلك, لن أتساءل لأنني أعرف أنها واو زائدة موجودة في البنية اللغوية وليست موجودة في البنية الإعرابية, والشعر يقبلها, وأحياناً يحبها, فهي ليست محظورة على الشعر والشاعر, ولعل تسميتها (زائدة) تعني عدم خطرها إلا إذا أصبحنا جميعاً نحاة نثر.

          5 ـ (واذهب إلى بيت أمي, هنالك سوف تجدْ خدماً آخرين) أتركها هكذا, لأنها ضرورة شعرية بالمعنى التقليدي لكلمة الضرورة.

          6 ـ الشاعر يؤنث الرأس, أرجوك دعني أؤنثها فكل ما لا يؤنث لا يُعوّل عليه, وهذا الباب يمكن أن نعبره ونرى خلفه أعاجيب شتى, فلا داعي للإطالة.

          ألخّص أنني انتهيت إلى قبول ملاحظتك (ذراعيها في الظل ستكتسيان بنور), هذه فقط.

          لن أكف عن التحديق في هذا السلوك الرفيع, وعن امتداحه وتقديره والحلم بانتشاره, وأعرف وأظنك تعرف الأمر التالي:

          اثنان يقرآن الشعر, كلاهما طيّبٌ, أحدهما ابن فارس اللغوي الذي يعتبر أن الضرورة ضرب من الخطأ ومجانبة الصواب, ولن أتوقف عن احترام ابن فارس اللغوي, وملاحظة نظافة عمامته, ولكنني سأتركه في حاله, وأمضي إلى حالي.

          أشكركم جداً, أنتم رائعون.

          (عبد المنعم رمضان)

          فور أن انتهيت من قراءة الرسالة وجوابها, وجدت أن شهرزاد التي استعاد وجهها بشرته الصافية وألقه, ووضعت المرآة جانباً, وأحست أن فمها صار رطباً مبلولاً, وجدتها لم تنصت وحدها, لقد كان توفيق الحكيم وابن عبد ربه يجلسان على كرسيين متجاورين ويرتكزان بكوعيهما على منضدتنا ذاتها, وينصتان, ثم بدأ توفيق يجهر ببيت شوقي, كان يتلو الشطر الأول: أنا من بدّل بالكتب الصحابا, ويعقبه ابن عبد ربه: لم أجدْ لي وافيا إلاّ الكتابا, وعلى طريقته أخذ توفيق ينقر الأرض بعصاه, كان أثناء ذلك يتكلم بحدّة ويحاول ألا يرفع صوته: إن شوقي بك لم يخطئ في النحو, البيت صحيح نحوياً, فهو يخبرنا أنه استغنى عن الكتب في سبيل الائتناس بصحبة الناس, ولكنه اكتشف أن الناس ليسوا أوفياء, الكتاب فقط هو الوفي, شوقي بك لم يخطئ, لقد أدخل باء الاستبدال على المتروك كما يرغب نحاة النثر, من الغريب أنني شعرت آنذاك بأنه لا شيء عاد يربطني بالقهوة, ووددت مثلما فعل توفيق الحكيم ذات موقف مماثل لو أتركها إلى غيرها حتى أتفرغ للعمل, وأتمّ ما بدأته مدفوعاً بتلك القوة الهائلة من لحظة سعادة خفيفة مرّت, كان صوت توفيق ما زال يرن: عند ذاك فهمت أن السعادة التي تلزم لنا نحن الفنانين لنقوم بالأعمال ينبغي أن تكون بمقدار, مقدار صغير ثمين مثل الراديوم, لأننا إذا انغمرنا في حوض من هذه المادة السحرية, فإنها تنقلب في نظرنا ماء قراحاً, لا فعل له ولا أثر, نظرت إلى رفاقي, إلى فم شهرزاد, وجبّة ابن عبد ربه, نظرت طويلاً إلى توفيق ثم انصرفت كأنني انتصرت, في الطريق كنت أفكر مثل ظريف أفندي الميّت, أن تُرسَم شخصيتي وأن أرسم السعادة, في البيت كانت زوجتي قد تركت سندويتشات العشاء على المائدة, أعتقد أنها لي, وإلى جوارها (اسمي أحمر), فجأة اكتشفت أنني أخاف من أورهان باموق, أورهان الغبي الذي يستطيع أن يجعل الكلمات الضعيفة تتحرر وتتحد وتنسج حكاية جميلة نصدقها ونفرح لأننا نسينا القواعد

 

عبد المنعم رمضان   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات