تقنية إعداد الممثل بين الملامح والإبداع من منظور سوسيولوجي

 تقنية إعداد الممثل بين الملامح والإبداع من منظور سوسيولوجي

منذ قرن ونصف رأى الرائد المسرحي اللبناني مارون النقاش «أن طلاوة الرواية ورونقها وبديع جمالها يتعلق ثلثه بحسن التأليف وثلثه ببراعة المشخصين، والثلث الأخير بالمحل اللائق والطواقم والكسومة» وهنا نحن اليوم بصدد الثلث الثاني أعني فن المشخصين «( فواز الساجر) هذا الفن الذي ما زال حتى اليوم يشكل عنصرا مهما لدى الأغلبية من المخرجين، عنصرا أساسيا في العملية المسرحية، ولا يقتصر دوره أو كينونته على العرض المسرحي بل يعتبر الممثل حسب شكسبير «روح العصر وخلاصة التاريخ» أي المؤشر الدقيق والمعبر عن صورة المجتمع والعصر اللذين يعيش فيهما.

من هاتين القضيتين ننطلق في هذه المقالة للاطلاع على حالة الممثل الفنية التي تقع بين الملامح والابداع ومدى ارتباطها بالمجتمع في المسرح الكويتي.

المسرح في الكويت الممثل، بؤرة مركزية في العرض المسرحي

من المعروف أن الواقع الاجتماعي كان محركا لجعل المسرح في الكويت يمتلك رؤية تاريخية خالصة مرتبطة بمرحلتين متناقضتين؛ مرحلة ما قبل الذهب الأسود، ومرحلة ما بعده، الأمر الذي جعل المسرح بهذه المنطقة يستمد نصوصه من الإنسان بملامحه الاجتماعية والطبقية والنفسية خلال الزمنين. وهذا ما تجسد في العديد من المسرحيات الكويتية الكوميدية والدرامية والتي قدّم نماذجها منذ زمن التأسيس إلى الآن كل محمد النميشي وصقر الرشود وعبدالعزيز السريع من الكويت وغيرهم، عولت على ممثل ارتبط اداؤه بكل هذه الملامح الاجتماعية والطبقية والنفسية.

تشير بعض الدراسات التي اطلعنا عليها إلى أن الممثل كان ذا حضور في المسرح الكويتي، ونذهب أبعد من ذلك لنقول إن الممثل هو من صنع المسرح الكويتي، من خلال مراحل التمثيل التي مر بها، من الارتجال إلى النمطية والتقليد، ثم تمثيل الواقع ثم إلى التمثيل الحديث مع ظهور نظرية العرض وتقنية الجسد واتباع المناهج التمثيلية،وهو اليوم يحتل بؤرة مركزية في العرض المسرحي مثله مثل الممثل العربي أو الغربي، لأن المخرج لا يستطيع ان يجسد رؤيته والمحمول الفكري والجمالي للعرض بدون الممثل، فهو حامل الرسالة، والمرسل لهذا المسرح (كما يقول بارت) السيبرنيتي، فالممثل هو القلب النابض الكويتي أو العربي أو الغربي في العرض المسرحي، لن ينهض بالعرض ولن يحيي الخشبة اذا لم تتوافر لديه التقنية، وإذا لم يتمتع بالقدرة على التمثيل من خلال امتلاكه تقنية الإعداد والتدريب وقبلها التمتع بإمكانات ذاتية.

إمكانات ذاتية

من الضروري أن تكون لدى الممثل إمكاناته الذاتية التي يتمتع بها قبل دخوله مرحلة الإعداد والتدريب، - وحسب ستانسلافسكي - يجب أن يتمتع الممثل بالوحدة التي تعتمد على العامل الجسماني والنفساني في إبداع الممثل، وأن يعيش المشاعر الحقيقية للشخصية المسرحية على الخشبة، وذلك بالاعتماد على براعته التقنية بشكل أساسي، ويفضل بعض الممثلين هذا الاسلوب التعايشي مع الشخصية، مثلا اختارت الممثلة أحلام حسن، هذا الاسلوب التمثيلي ونفذته في أعمال أخرجها المخرج المسرحي الكويتي حسين المسلم، بوعي منها للغتها الإبداعية، التي تقيم علاقة بالأشياء والكتل ومكونات الفضاء الإبداعي.

لكن هذه الإمكانات لم تكن جميعها متوفرة لدى ممثلي البدايات المسرحية في الكويت، والمسألة ترتبط بالمرحلة الزمنية وبمعطياتها الثقافية والمعرفية، لذلك اعتمدوا في بداياتهم - حسب محمد مبارك بلال وابراهيم غلوم على الارتجال من خلال ابتداع فن المهزلة الذي لم يكن متداولاً، على الأقل في المرحلة التأسيسية، باستثناء مسرحيتي «خروف نيام نيام» و«مهزلة في مهزلة» اللتين كتبهما حمد الرجيب. وشخص هذه التجارب الشعبية المرتجلة بأسلوب نقدي حاد وساخر محمد النشمي الذي يعتبر رائد المهزلة الشعبية المرتجلة ومؤسسها في الخليج العربي، ثم عبدالرحمن الضويحي وحسين الصالح الحداد وعبدالحسين عبدالرضا، وعبدالله خريبط إلى جانب المسرح الهزلي، وكات هذه الموضوعات تقدم على الخشبة المسرحية بواسطة ممثلين اعتمدوا النمطية في الأداء التي جاءت على حساب سلطة الطاقة التمثيلية، وقد بدأت سلطة الأنماط في تاريخ الحركة المسرحية في الكويت منذ تجربة التمثيل المرتجل.

وفي المرحلة الثانية انتقل الممثل من مرحلة التقليد والارتجال إلى مرحلة اعتبرت إبداعية وهي مرحلة تمثيل الواقع وتقليده ففيه يمكن اختزال حركية فعل هذا الممثل على امتداد تاريخه.

وظل الارتجال سائدا في الحركة التمثيلية حتى جاءت الشخصيات النمطية ومن ثم تأثرت في الستينيات بأعمال مصرية تنتمي إلى الفودفيل والفرانكو آراب - وحسب محمد مبارك بلال - تأثر النشمي بأسلوب نجيب الريحاني، وتلتها مرحلة ظهر فيها المخرجون الذي درسوا المسرح أو تلقوا تدريبات في التمثيل والإخراج، فظهر صقر الرشود الذي رفض صيغة الارتجال وأسلوب زكي طليمات. وظهر ايضا فؤاد الشطي الذي اعتمد على فنون القول والحوار والمسرح الأدبي، مستعينا بمناهج إخراجية حديثة ولكن أولوية التمثيل بالنسبة اليه كانت للحوار.

بعد تجربتي الارتجال والنمطية، بدأت تجربة السبعينيات في مرحلة بدأ فيها التأليف مستندا إلى الواقع وبدأت ملامح تكوين اهم العناصر المؤسسة لمسرح السبعينيات في الكويت والبحرين تمثيلا. فظهر الممثلون،على سبيل المثال لا الحصر، كعبدالرحمن الضويحي، وحسين الصالح، وصالح موسى، وعلي المفيدي ومحمد المنصور وغيرهم.وظهر المؤلفون للنصوص المحكمة كصقر الرشود وسعد الفرج وعبدالعزيز السريع وغيرهم. ومعهم ظهر أسلوب جديد في التمثيل لا يقتصر على الأداء الصوتي كما في نص «المخلب الكبير» الذي أعاد كتابته صقر الرشود، وتميز بحساسية تمثيلية جديدة منبعها الاستجابة لما يقتضيه الالتزام بالواقع في تشخيص الأدوار، ورسم الشخصيات وحركتها، وأفكارها ولكن بأسلوب يبتعد كثيرا عن منهج طليمات...ونجد هذه الاستجابة أيضا، وتلك الحساسية التمثيلية في مسرحية «الطين» وكذلك في نسرحية «الثمن» التي أخرجها فؤاد الشطي وخاض ابراهيم الصلال فيها تجربة الأداءالذي يعتمد على الطبقات الصوتية والحوار.واعتمد الشطي أيضا على أسس تكوينية للممثل: كالتفاعل الإنساني مع الشخصية وتوظيف الإحساس التلقائي، ووظف التفاصيل الدقيقية والكبيرة الخاصة بالوسط الواقعي للشخصية تفسيا وفيزيولوجيا سواء اتصل ذلك بالحركة او الجسد او الاستعمال اللفظي.

في تلك المرحلة ظهرت الممثلات الكويتيات واستطعن أن يواجهن التحديات بفاعلية متميزة وبنضج كبير، من خلال مشاركتهن أولاً في العملية الإبداعية المسرحية، وبرز منهن عدد من الأسماء التي أثبتت جدارتها وموهبتها وجرأتها في دخول عالم المسرح الذي كان حكراً على الرجل، نذكر منهن على سبيل المثال لا الحصر الممثلة حياة الفهد التي تجمع بين الثقافة والفن، والممثلة سعاد العبد الله ومريم الصالح والغضبان وغيرهن من الممثلات اللاتي تحدين الصعوبات في صعودهن إلى الخشبة المسرحية والشاشة التلفزيونية،وتمتعن بالجرأة والوعي والثقة،وقد جاء بعضهن من الرغبة والحب للمسرح والتمثيل، والبعض الآخر جاء عن معرفة وتخصص في مجال المسرح، وقدمن فيه أعمالا مسرحية تتراوح بين الكويميديا والتراجيديا، وأغلبها كان يصب في إطار المسرح الاجتماعي (مسرحية الطبقة الرابعة) ثم مهدت هؤلاء الممثلات الطريق أمام الممثلات اللاتي جئن بعدهن، فاكتسبن من تجربتهن.

أما في المرحلة الحالية فإن الممثل في المسرح الكويتي اصبح متخرجا دارسًا للمناهج خاضعا للتدريبات التي تقيمها ورش الأعمال من مسرح الشباب والمعهد العالي للفنون المسرحية (وهو المؤسسة الأكاديمية الوحيدة في الخليج التي تدرس الفنون المسرحية والتي تهدف إلى تمكين الممثل من الإمساك بتقنية تمثيلية تقوده إلى الإبداع).

تقنية الإعداد

المقصود بتقنيات اعداد الممثل: هي الوسائل التعبيرية التي تكون الادوات الابداعية عند الممثل، وهي تختلف من ممثل إلى آخر، وتختلف أيضا من نوعية إلى اخرى من نوعيات المسرح، فالأدوات الابداعية لممثل الكوميديا غيرها عند ممثل المأساة، والأدوات الابداعية عند ممثل الدراما تختلف عن أدوات ممثل المسرح الغنائي او الاستعراضي والايمائي والفانتازي، كما أن راقص الباليه له أدواته الخاصة في ميدان ابداعه، ونفس الشيء يقال بالنسبة إلى المهرج وللمحبظاتي، وللممثل السامر والحكواتي والاحتفالي والمسرح الكوميدي، ومسرح الطفل (ص128 ).

تلقى الممثلون في المسرح الكويتي هذه التقنية ولكنها لم تكن ترتبط بالنوع المسرحي فقط، بل ارتبطت بنوع المسرح الذي كان سائدا في كل مرحلة، في الستينيات مثلا ركز المسرحيون على النص المسرحي، مستلهمين منه بعده الإيديولوجي، لأن المرحلة كانت مرحلة الإيديولوجيا والسياسة والقضايا الاجتماعية فكان التركيز على تقنية الصوت مثلا، أما فيما بعد فقد اختلفت هذه التقنية حيث صار للجسد موقعه الرئيس في العملية المسرحية بالاضافة إلى الصوت دون ان يلغي ذلك من أهمية تقنية الارتجال التي امتلكها ممثلو الأربعينيات.

المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت: ومناهج تقنية إعداد الممثل

اهتم عدد من الدول بالممثل وفنه وعمله ضمن التخطيط على مستوى علمي مدروس بتأهيل الممثلين وإعدادهم علميا وأكاديميا ليسدوا حاجة مجتمعاتهم بشكل علمي مبرمج، مخصصة لذلك كليات وفروعا ومناهج لدراسة علوم التمثيل واعداد الممثلين بشكل منظم.

سادت هذه المناهج المتنوعة معاهد وكليات الفنون الغربية وكذلك العربية وفي الكويت ولكن هل اثرت هذه المناهج في العهد العالي للفننون المسرحية في الكويت في توفير التقنية للممثل؟

بعد دراسة متأنية لهذه المناهج المعتمدة في هذه المعاهد تبين لي ان هناك تغيرات طفيفة طرأت على هذه المناهج، كما مناهج ومدارس إعداد الممثل التي تدرس في المعاهد والتدريبات التي يتلقاها الطالب، وبعض أنواع المسرح، وأساليب التعبير الحركي، فهي غالبا ما تبقى أسيرة جدران المعهد، ففن الباليه وفن الايماء وفن التعبير الحركي الكوريغرافي (الرقص، نادرا ما يتم تجسده خارج خشبة المسرح وهذا الامر يطرح مساءلة كبيرة حول دور المعهد المسرحي في تعزيز تقنية اعداد الممثل وبلوغه حالة الابداع في المسرح؟ والإجابة عليه كانت قد سبقت هذه الفقرة من خلال جيلين من الممثلين حياة الفهد واحلام حسن وعلي محسن وغيرهم ممن تمكنت من الالتقاء بهم، ومن المخرجين الشباب شايع ومساعد وفهد سليم وعلي العلي، وفيصل العامري وهاني النصار)

وعن هذا الموضوع يقول المخرج فيصل العميري مثلا: «إن المناهج والمدارس المتنوعة التي تلقيناها عن التمثيل وكذلك التدريبات تبقى مخزنة في الذاكرة،ولكن عندما نبادر إلى الإخراج أو الصعود إلى الخشبة خارج المعهد، تتراكم المعلومات وتمزج بالتجربة ونختار خصوصيتنا ورؤيتنا الفنية من خلال المناهج التي درسناها،ثم نقيم علاقة بالممثل محكومة بالشغف، ونتعامل مع الجانب النفسي معه، ونسعى إلى تفجير المكبوت لديه لأن الممثل غالبا ما تكون لديه القابلية والاستعداد المطمور بالخجل أو بالخوف او بالتابو الذي يحول بينه وبين تعبيراته عبر الجسد».

لذلك على الممثل أن يتمتع بتقنية عالية تمكنه من إيصال الحالة عبر أسلوب تعبيري ايحائي، ولكن بالتوافق مع القوانين الموضوعية لفن التمثيل مع اختيار ما يتلاءم مع الثقافة العربية وخصوصياتنا حيث تظهر فيها اللمسة الابداعية من خلال مكوناتنا والتركيز على جانب الخيال والطاقة الجسدية والفكر.

لذا فإن أنصار هذا الاتجاه أو ذاك ليسوا في حالة تسمح لهم بالتثبت بموقف ثابت من آراء مدارسهم حتى النهاية دون الاضطرار لتقديم التنازلات كما فعل بعض الممثلين الكويتيين من مختلف الأجيال مثل (حياة الفهد، أحلام حسن، علي كمال، يوسف البغلي، علي محسن) فهم ممثلون غير نمطيين وغير خاضعين، انما هم مبتكرون، مطورون لذواتهم ولأدواتهم. متقنون لعلاقتهم بعناصر العرض الاخرى.

التقنية التمثيلية والحيز الاجتماعي للممثل والنص

تعامل النص مع الممثل المسرحي، المرتجل والواقعي والمقلد، والمتبع المنهج الواقعي في الستينيات مع مؤلفين مسرحيين مثل عبدالعزيز السريع وصقر الرشود وسعد الفرج، ومع النصوص المترجمة أو تلك المستوحاة من التراث، كانت كما ذكرنا تركز على الأداة الصوتية للممثل والمرفقة ببعض الحركات الجسدية (المشي واستخدام الرأس...) والتركيز على اختيار شخصيات مقبولة في المجتمع، إذ ان عددا كبيرا من الممثلين وخاصة الممثلات لا يوافقن على تأدية شخصية أو دور مرفوض اجتماعيًا (وقد أسرت لي إحدى الممثلات أنها ترفض تأدية دور غير الأم والزوجة والمعلمة او المرأة التي تحتل مناصب وظيفية راقية وذات منزلة اجتماعية)، وفي هذه المرحلة بدا النص الدراماتورجي الذي يقولبه المخرج وفق رؤيته، ويصيغ منه حركة ممثله وحضوره على الخشبة او النص المؤلف او المقتبس (منصور المنصور حسين المسلم مثلا، وعبدالله عبدالرسول، وعبدالعزيز حداد والمخرجون الشباب عبد العزيز المسلم، وسليمان البسام الذي يتعامل مع ممثلين غربيين ولبنانيين وكويتيين، ويحاول ان يجد التقنية التي تجمع بين هؤلاء لتبني منهج ومدرسة تمثيلية مختلفة، ومساعد الزامل، النصار وعلي العلي وفيصل العميري وغيرهم من المسرحيين الخريجين والمتخصصين) ومع هذا الجيل بدأت العلاقة مع الجسد تاخذ منحى أكثر تطورا، وأكثر انعتاقا من القيود والتابو المعيق لحركته دون ان يتنافى ذلك مع قيمه ومحدداته الاخلاقية وهنا تبدأ إشكالية التعبير عبر الجسد.

وفي هذا المجال، علاقة الممثل بالنص سوف نرى أن هناك مشكلة ستظهر في هذه العلاقة، عند انزياح النص نحو ما يسمى تكنولوجيا بالنص المسرحي الرقمي أو المسرحية الرقمية.

الممثل الكويتي: حركته جزء من التراث

بعد تتبعنا لمسار حركة التمثيل وعلاقة الممثل بعناصر العرض، لاحظنا ان هذا الممثل في المسرح الكويتي ينتقل إلى مرحلة اتسمت بمواصفات المسرح الحديث الخاضع لنظرية العرض المسرحي التي أولت لعناصر العرض أهمية كبيرة أي ان العنصر الرئيسي لم يعد النص المسرحي، بل صارت الاهمية تولى للعنصر البصري السينوغرافي ولعلوم الجسد التي أوغلت عمقا في تخصصها لربط علاقة الجسد بالمسرح، واعتماده عنصرا مهما من عناصر التعبير والتجسيد، وفي هذه المرحلة، وفي عروض كثيرة من المسرح عامة تمت الاستعاضة عن الحوار المنطوق باستخدام حوار الجسد المونودراما والايماء في المسرح المابعد الحداثي، هكذا فعل أغلب المخرجين الذين امتلكوا الجرأة للاعتراف بموت المؤلف، واعتمدوا على البحث عن وسائط ووسائل فنية وتقنية توصل دلالات الرؤية ورموزها من خلال اداء جسدي مكتفيا بذاته، ونجد بعضا من هذه التجارب في المسرح الكويتي ولكنها قليلة (عبدالعزيز الحداد)، ولكن هل نجد تجارب مسرحية أخرى مثل الإيماء والرقص التعبيري الكوريغرافي، علم الخطوات والباليه بحيث يكون لكل مدرسة تكنيك معين.

إن هذه العروض المسرحية تعتمد اعتمادا أساسيا على الجسد، ونحن نعلم ان الجسد الراقص شغل حيزا كبيرا من الاحتفاليات الشعبية الكويتية عامة والخليجية خاصة وقد تمرحل هذا التوظيف وفقا للتطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي حسب الباحث والناقد الكويتي محمد مبارك بلال الذي اعتبر الحركة الجسدية جزءا مهما من التراث الاحتفالي الكويتي، صحيح أنه بدأ ارتجاليا واعتمد على الانماط الشعبية، وقد اعتمد على الشكل المنطوق (النوخذه) الذي يواصل خطابه إلى الجمهور الشعبي وتشكل تلك جزءا من الفنون الشعبية التي تعتمد أساسا على الحركة، ومنها الفنون الحضرية وفنون اليابسة (تجري على الارض للبدو والحضر) وفنون بحرية (رحلة الغوص) وتجري على السفينة إلى أن يصلوا إلى المغاصات أو إلى البلاد المقصودة للسفر.

إلى جانب ذلك كانت هناك الاغنية الدينية في (المالد) عبارة عن غناء مرفق بالرقص وهناك الحوارية تقدم عندما يعود الغواصون من البحر، وكانت للنساء ممارستهن الاحتفالية كالطقس الذي يحاورن فيه البحر، كل هذه الانواع الفنية كانت تعتمد على حركة الجسد فقد كان أساسيا في الحركة وفي الرقص. وعندما نشاهد الرقص الذي يقدم في الاعراس أو المناسبات نشاهد حركة جسدية مرنة، ولكنها لا تعتبر مخترقة للتابو لأن هناك اتفاقًا جماعيًا ضمنيًا على هذه الرقصات (السامري وعلاقته بالجسد) لقد شاهدت كل حركة من الحركات التعبيرية العين والشعر وأعضاء الجسد تتلو خطابها بمهارة وليونة ومرونة ولكن هذه الحركات نفسها يمكن أن تقدم على الخشبة المسرحية ولكنها تأتي خاضعة لشروط وقيم تجعلها مشروعة ضمن الرقص الشعبي مثلا.

مارس الفن التعبيري الشعبي الكويتي احتفاليته وعرف حركة الجسد الذي منه تولد الارتجال والذي بدوره استقى منه او من الاشكال الشعبية حركة الوجه والرقص وغيرها، وهذا طبعا لا يقتصر على الخليج العربي،بل شمل أيضا حالة التمثيل في العالم العربي حيث كانت العلاقة مع الجسد الادائي التمثيلي وليس الغنائي الراقص شبه معدومة، فالممثل العربي والخليجي أستند إلى التعبير من خلال الصوت وبعض ملامح الوجه، لأن أساليب ومناهج التمثيل لم تكن قد امتدت بعد إلى المسرح العربي وإلى عروضه ولكن يمكن استنتاج ان ما كانوا يقومون به هو الجرأة، والقدرة على الحوار، الخطابية المباشرة والالقاء بغض النظر عن تجسيد المواقف أو المشاعر حتى في مظهرها الخارجي، مما يكشف عن التصور السائد للتمثيل في تلك الفترة، ولا يكشف عن تكوين الممثل. (28، غلوم) وبالانتقال إلى السبعينيات نجد أن تكوين الممثل اعتمد على تجربته الفردية المتماهية في محاكاة الواقع. والضرورة تقتضي الاشارة إلى ان مبدأ تمثيل الواقع محاط بسلطة النص لا يستقيم تماما مع امكانيات توظيف الجسد في الفعل المسرحي ( ص. 60، غلوم).

ومع ذلك استطاع ممثلو هذا الجيل التعبير الحركي من خلال الجسد والرقص (في عرض الملك لير شكسبير، وفي عرض بو خريطة التي اتقن صناعة الجسد فيها يوسف البغلي مخرج العرض حسين المسلم، في سياق بين فيه ان حركة الجسد ترتقي وصولاً إلى حرية ذاك الجسد.. ولا تبقى ضمن اطار التشكيلات الحركية الجمالية وفقط..‏ نحن لا ننفي ان هناك إشكالية كبيرة في التعاطي مع انواع من المسرح ولكننا ينبغي ان نكون انتقائيين في اختياراتنا لنوع المسرح ولاتجاهات التعاطي مع اساليب التمثيل).

تقنية الممثل في الفضاء المسرحي

تتوالى الدراسات التي تتناول علاقة الممثلين بعضهم بعضا في الفضاء المسرحي، إن هذا الاتصال لن يكون حميميا في المسرح الكويتي لارتباطه بقيم اخلاقية ومفاهيم اجتماعية تضع الحد البوني بين الشخصيات (الممثلين) وهذا ما تؤكده الفنانة حياة الفهد واحلام حسن وفاطمة الصفي...ويوسف البغلي وعلي محسن، كما أنه حسب حياة الفهد - ليس بالضرورة ان تستخدم كل هذه الحركات فهناك تقنية مهمة جدا على الخشبة المسرحية وهي تقنية الصمت، إذ على الممثل ان يتدرب على إمكانية الصمت على الخشبة المسرحية وهذا ما تسعى اليه أيضا الممثلة أحلام حسن. لذلك يربط اغلب الممثلين في المسرح الكويتي الفضاء غير الشكلي مباشرة بمظهر الخطاب المسرحي الاكثر دينامية، بالحركات mouvements وتعابير الوجه expressions facials

الممثل والعلاقة مع المتلقي: حياة الفهد

تقول الممثلة والمؤلفة حياة الفهد: «إن الشخصية هي التي تفجر لدي الحركة وأحيانا تفجر لدي أمكانات دفينة لذلك أربط المسألة بالنص وبالمخرج احيانا وأحيانا أخرى أشعر بأنني أنا مني يفجر طاقات الشخصية. احس دائما بضرورة العلاقة مع المتلقي. وأنا أجد أن الابداع الذي يكمن في الاداء لا يحتاج إلى تحريك الجسد إلا فيما يتناسب مع الشخصية، وأنا لست مع الحركات الجسدية المجانية التي توحي بالجرأة ولكنها لا تقدم ما يعبر عن الشخصية أي ما ليس له وظيفة درامية».

ونستنتج من ذلك ان الممثل المبدع الذي يمتلك معرفة علمية، وينشئ هذه العلاقة مع المتلقي انطلاقا من بنية المتلقي الفكرية والمعرفية والجمالية والقيمية الاخلاقية والمجتمعية حيث يعيش كل منهما: لذلك يتلقى الممثل تدريبات لإقامة علاقة تواصلية مع الجمهورعن طريق ورش العمل كتلك التي أقامها مخرجون عرب كعبدالله السعداوي وفايز قزق وقاسم بياتلي لممثلي مسرح الشباب في الكويت ووصفها كمال المسرحي الكويتي بأنه قد كان لكل واحد منهم أسلوبه ومنهجه الخاص، فالسعداوي مثلا حسب علي كمال- قد دربهم على آلية التعاطي مع الجمهور بعدما دربهم على تطبيقات على التركيز الذهني والجسدي كما دربهم على العلاقة مع الفضاء المسرحي والمسافة البونية والكينيزية وكذلك حسين المسلم الذي دربهم على التفاعل مع الجمهور.

الممثل وارتباط إبداعه بالظاهرة المجتمعية

بصرف النظر عن التعريف الاكاديمي للثقافة، فإن الممثل الكويتي أو غيره يجب ان يكون عليما بتفاصيل واقعه الاجتماعي حتى يستكمل نص الكاتب، من خلال تفسير المخرج، بتبني هذه التفاصيل وإيداعها في إبداعه الادائي والشاعري وانه مطالب في كل الاحوال بأن يخاطب مجتمعه (جمهوره) من خلال تفاصيل واقعه الاجتماعي (سياسيا، أو اجتماعيا او اقتصاديا او اخلاقيا او عقائديا) ولكن كيف يتم هذا التخاطب:

يمكن ان يتم عبر التمثيل المرتبط بالقيم الاخلاقية التي ترسم حدود التعاطي مع الجسد على الخشبة المسرحية، عن المراحل التمثيلية التي مر بها الممثل الكويتي تشي ببعض التطور في هذا المسار وامتلاك التقنية في الاعداد، ولكنها ونظرا للقيم المجتمعية فقد اختارت أنواعا مع المسرح تتلاءم والبيئة، واختارت مناهج تمثيلية لا تخترق المألوف ولا تكسر التابو.ومع ذلك يشعر الممثل والممثلة بالقيود المرسومة والمقيدة لخطواتهم على الخشبة (علي محسن وأحلام حسن، وعلي كمال) وتقول الممثلة الكويتية أحلام حسن: «إنها تشعر ببعض القيود الاجتماعية المفروضة على حركتها».
--------------------------------
* ناقدة لبنانية مقيمة في الكويت.

 

وطفاء حمادي